درهم في عصر اسلامي
-

 الدرهم في العصر الإسلامي

 

وحدة نقدية ووزنية فضية، يُقدَّر وزنها بما يعادل ٥٠ - ٦٠ حبة شعير متوسطة الحجم، وتتباين القيمة الوزنية فيما بين الدرهم الصرفي والوزني.تعامل العرب قبل الإسلام بالدراهم الساسانية الصادرة عن دور الضرب في الامبراطورية الساسانية في أنحاء بلاد فارس والعراق، والتي كُتب عليها باللغة الفهلوية (الفارسية الوسطى)، وحملت على الوجه صورة الامبراطور الساساني، وإلى اليمين اسمه، وإلى اليسار كلمة «أنزوت كاد» (دام مُلكه)، أما الظهر فتتوسطه موقد النار المقدسة الزرادشتية مع اثنين من حراس النار، وإلى اليمين مكان الضرب، وإلى اليسار تاريخ الضرب. وقد توزعت على الوجهين- في معظم الفترات- صورة الهلال والنجمة في الأركان الأربعة، وكانت دليل رخاء عند الشرقيين.بعد ظهور الإسلام استمر التعامل بالدراهم الساسانية، وفُرضت زكاة الأموال على ذلك، فجعل النبي rعن كل خمس أواقٍ من الفضة الخالصة خمسة دراهم. واستمرت الدراهم في التداول من دون تغيير، وحث الناس على عدم الغش فيها. وقد ورد ذكر الدرهم في القرآن الكريم في سورة يوسف (الآية ٢٠): {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}. ونظراً لأن العرب كانوا يستخدمون العملات الساسانية، كان من الطبيعي أن يستمروا في سك النقود الفضية على نمطها، وسُمّيت النقود العربية الساسانية. بعد فتح بلاد فارس قام الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب t بأول محاولات لتعريب الدرهم سنة ١٨هـ/٦٣٩م، عندما نقش على طوق الدرهم عبارة «بسم الله» وقد وجد الفاتحون في المدائن (طيسفون) عاصمة الدولة الساسانية بالعراق كثيراً من دور سك النقود بكامل عِددها. في البداية لم تحمل الدراهم المضروبة أي إشارة للسلطة العربية؛ فقد استمروا بوضع صورة الملك الساساني كسرى الثاني (٥٩٩-٦٢٨م) والتاريخ بالحروف الفهلوية، ثم بالأرقام بحسب التقويم اليزدجردي؛ نسبة لسنوات حكم الملك الساساني يزدجرد الثالث (٦٣٢-٦٥١م)، (سنة ١ يزدجردي = ١١هـ/٦٣٢م)، ثم التقويم ما بعد اليزدجردي (أي بعد وفاته)، وأخيراً بالتقويم الهجري.

درهم ساساني يزدجرد الثالث، ضرب أردشير خورد

سنة ١٢يزدجردي/٢٣هـ/٦٤٣م

درهم الإمام علي بن أبي طالبr، ضرب الشيرجان

سنة ٢٩يزدجردي/٤٠هـ/٦٦٠م

في عهد الخليفة عثمان بن عفانt (٢٣-٣٥هـ/٦٤٣-٦٥٥م) استمرت الدراهم على الطراز الساساني نفسه، وهو أول خليفة تصل دراهم من عهده، مؤرخة بـ ٢٠ يزدجردي، مع إضافة بعض الكلمات باللغة العربية مثل «جيد» و«بركة»، وكانت تسمى هذه الدراهم بالمغفلة لعدم ذكرها اسم الحاكم العربي. وقد رُوي عن الخليفة علي بن أبي طالب t (٣٥-٤٠هـ/٦٥٥-٦٦٠م) قوله: «إن الرسولr زوجني فاطمة على أربعمئة وثمانين درهماً وزن ستة دوانيق». وأضاف على هامش الدرهم الساساني بعض العبارات بالعربية مثل بسم الله ربي، ومحمد.بدأ في العصر الأموي استبعاد أسماء الأباطرة الساسانيين، وحل محلها اسم الحكام المحليين أو الإقليميين أو الخليفة؛ ففي عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان (٤١-٦٠هـ/٦٦١-٦٧٩م) حملت الدراهم بالحروف الفهلوية عبارة «معاوية أمير ورشكان» أي أمير المؤمنين. أما التعريب الكامل للدرهم فكان في فترة الخليفة عبد الملك بن مروان (٦٥-٨٦هـ/٦٨٤-٧٠٥م)، وقد جرى التعريب على مراحل، مثلاً في السنوات (٧٢-٧٤هـ/٦٩١-٦٩٣م) بُدئ بتسجيل مكان السك وتاريخه بالعربية على ظهر الدرهم، والشهادتين على الوجه، ويُعدّ الحجاج بن يوسف الثقفي أول من أضاف إلى الدراهم الساسانية شهادة التوحيد والرسالة المحمدية، وسجل اسمه بالحروف العربية سنة ٧٥هـ/٦٩٤م، حتى سك أول إصدار للدرهم العربي الإسلامي سنة ٧٨هـ/٦٩٧م في الكوفة وأذربيجان وأرمينية، يحمل شهادة التوحيد على الوجه مع هامش بالرسالة المحمدية، أما الظهر فهو يحمل سورة الإخلاص ]قل هو الله أحد[ وهامشاً بمكان السك وتاريخه. عُرفت هذه الدراهم باسم المكروهة نظراً لرفض كثير من المسلمين التعامل بها لما تحمله من آيات قرآنية. لكن هذا الإصدار لم يستمر؛ إذ سُكَ إصدار جديد نهاية سنة ٧٨هـ/٦٩٧م بشق التيمرة، وفيه جرى تبديل كتابات هامش الوجه مع الظهر. هذا الإصدار الأخير استمر حتى نهاية الفترة الأموية. أما في المغرب العربي؛ فيعود أقدم إصدار للدرهم العربي الإسلامي إلى سنة ١٠٣هـ/٧٢١م.

درهم عربي ساساني للخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، ضرب دمشق سنة ٧٣ هـ/٦٩٢م

الدرهم العربي للخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، ضرب دمشق سنة ٧٩ هـ/٦٩٨م

 

أُجريت سلسلة من التغييرات على الدراهم مع بداية الخلافة العباسية ١٣٢هـ/٧٤٩م، واستمرت حتى نهاية حكم الخليفة المأمون ٢١٨هـ/٨٣٣م، حين حافظ الدرهم على شكله، وكانت نقوشه موحدة مع الدينار. أول تغيير في العصر العباسي كان استبعاد الاقتباس القرآني من سورة الإخلاص على مركز ظهر الدراهم الأموية، وتسجيل عبارة (محمد/ رسول/ الله)، ثم ابتداءً من سنة ١٤٥هـ/٧٦٢م بدأت الدراهم تحمل اسم الخليفة وولي العهد. في سنة ١٩٩هـ/٨١٤م أضيف هامش كتابة آخر على وجه الدرهم؛ وهو جزء من الآية (٤) من سورة الروم: ]لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُون بِنَصرِ الله[. واعتُمِد هذا التغيير بدءاً من سنة ٢٠٦هـ/٨٢١م.كان الدرهم حتى منتصف القرن ٣هـ/ ٩م معترفاً به في التداول في مختلف أرجاء العالم الإسلامي، فيمكن أن تُشاهد دراهم ضربت في مدينة بلخ أو في الأندلس مكتشفة في سورية، أما بعد هذه الفترة؛ فقد بدأ التعامل بالدرهم ضمن نطاق الإقليم الذي سُكّت به، ويعود ذلك إلى انتشار ظاهرة «السوفاجا» في التعاملات التجارية، وتعني خلط الفضة مع المعادن الرخيصة. ويعود سبب هذا إلى التراجع الاقتصادي الذي دفع دور الضرب إلى تخفيض عيار الدرهم. وفي نهاية القرن ٣هـ/ ٩م، و٤هـ/١٠م انتشرت ظاهرة القراضة للدراهم، وهي قرض الدرهم أو قصه للقيام بعمليات الشراء، حيث كان اقتصاد القرن ٤هـ/ ١٠م غير قائم على النقد، بل على الوزن، لذلك استخدمت هذه الكسر لضبط وزن الدراهم في أثناء عمليات التداول؛ وهي عملية احتيال من قبل بعض الصاغة لسرقة جزء من وزن الدرهم عن طريق القرض والبرد. ومن المعروف أنه انطلاقاً من هذه الفترة لم يعد وزن الدرهم ثابتاً وفق الدرهم الشرعي، إلى حين إصلاح الدراهم بفترة الصالح إسماعيل بن نور الدين بن زنكي ٥٧١هـ/١١٧٥م حيث أعيد الوزن إلى ٢.٩٧غ. انتشرت الدراهم بكمّ هائل من أراضي الخلافة إلى روسيا وشرقي أوربا والدول الاسكندنافية ومنطقة البلطيق لدفع ثمن الواردات منها؛ وهذا ما يفسر وجود آلاف الكنوز من الدراهم المكتشفة في شمالي أوربا والتي أدت إلى استنزاف الفضة من الشرق في القرن ٥هـ/ ١١م، ونفادها من المناجم كما في منجم بنجهير بأفغانستان.كان للدرهم تأثير اقتصادي في بيزنطة والغرب، كما استُوحِيت المشاهد على النقود البيزنطية - التي سُكّت في الربع الثاني من القرن ٢هـ/ ٨ م- من الدرهم الإسلامي، وبعد مدة لم تُصدر أي عملات فضية في القسطنطينية.

قراضة درهم الخليفة العباسي المقتدر بالله، ضرب الرحبة سنة ٢٩٥-٣٢٠هـ/٩٠٧-٩٣٢م

إن حكام الدول المستقلة عن الدولة العباسية - مثل الصفاريين والسامانيين والبويهيين والغزنويين والسلاجقة، من القرن ٤- ٧هـ/ ١٠ - ١٣م - استمروا بضرب الدراهم على نمط درهم ٢٠٦هـ/٨٢١م، ولكنهم أضافوا إليه أسماءهم وألقابهم إلى جانب اسم الخليفة العباسي. في الفترة الحمدانية انخفضت نسبة الفضة انخفاضاً ملحوظاً بالدرهم، وانخفض قطره. وفي نهاية القرن ٤هـ/ ١٠م بدأ ظهور الدرهم الأسود (بيلون billon)، وسمي كذلك بسبب لونه الداكن لخلط الفضة بالنحاس والقصدير؛ لهذا لم يُعترف به بالتداول خارج المنطقة المضروب بها. وكانت كل منطقة تحدد قيمته بالمعاملات التجارية تحديداً شبه يومي؛ لذلك تعددت أنماط الدراهم السوداء؛ ففي كل فترة تُنقَش قوالب جديدة بحسب قيمتها، وقد استخدمت الدراهم السوداء بكثرة في فترة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله ٤٢٧هـ/١٠٣٥م، ولا سيما في سورية. وقام بضربها أيضاً السلاجقة في الموصل والجزيرة وحلب ودمشق. كانت الدراهم السوداء في مناطق البويهيين والعقيليين والمروانيين أكبر وأثقل عموماً من مناطق الفاطميين والمرداسيين والنميريين. واستمر سك هذه الدراهم حتى إصلاح النقود في عهد الصالح إسماعيل بن نور الدين بن زنكي ٥٧١هـ/١١٧٥م، حين أعاد وزن الدرهم إلى ٢,٩٧غ. وأصدر الناصر صلاح الدين تصميماً مبتكراً للدراهم في بلاد الشام، وأصبح نموذجاً لأرجاء الدولة الأيوبية.

درهم أسود ضرب الخليفة الفاطمي المستنصر بالله،سنة ٤٢٧-٤٨٧هـ/١٠٣٥-١٠٩٤م

سارت الدراهم المملوكية بدايةً على نمط الدراهم الكاملية الأيوبية، حتى قيام الظاهر بيبرس ٦٥٨هـ/١٢٦٠م بالإصلاح النقدي، وإصدار دراهم جديدة جعل نسبة الفضة فيها تصل إلى الثلثين تقريباً. ولم تكن الدراهم في العصر المملوكي تتخذ قاعدة ثابتة لها في التداول مقارنة بالدنانير؛ فقد كانت تحدد تحديداً شبه يومي؛ مما يدل على اضطراب النظام النقدي، هذا بسبب استخدام الدرهم على أساس وزنه الفضي بأغلب فترة المماليك البحرية (٦٤٧-٧٨٣هـ/١٢٥٠-١٣٨٢م) وبداية حكم المماليك البرجية، مثل برقوق وفرج؛ لذلك كانت أوزانها غير منتظمة، ومضروبة على قطع معدنية غير دائرية بانتظام، فكان قالب السك أكبر من القطعة المعدنية؛ لذلك نادراً ما توجد كتابات قالب الضرب على الدرهم بشكل كامل. استمرت الدراهم على هذه الحال حتى فترة المملوك البرجي المؤيد شيخ (٨١٥-٨٢٤هـ/١٤١٢-١٤٢١م)، الذي قام بسك دراهم جيدة المعدن بوزن نصف درهم ١.٢٥غ سُمِّيت المؤيدية. أما في دمشق فقد كانت في تلك الفترة تحت حكم الأمير نوروز (٨١٥-٨١٧هـ/١٤١٢-١٤١٤م)، فضرب هذه الدراهم على الوزن الجديد باسم الخليفة العباسي المستعين بالله، وسميت نوروزي.

درهم الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، ضرب الري سنة ١٤٦هـ/٧٦٣م

درهم الخليفة العباسي المكتفي بالله، ضرب الرافقة سنة ٢٩٤هـ/٩٠٦م

على وجه العموم لم تكن نسبة الدرهم إلى الدينار ثابتة، وكانت تعادل في العصر المملوكي نحو ± ١/٣٠ من الدينار، وكانت نسبة الفضة نحو ± ٩٠٪ من الدرهم، وفي عهدي الأميرين جقمق وبرسباي كان وزن الدرهم المضروب في دمشق يعادل وزنه في مصر. وقد استقلت دمشق عن القاهرة بضرب أنواع معيّنة من الدراهم، فقد ضُربت فيها أرباع الدرهم.ثم سارت بلاد الشام في العصر العثماني في سنة ٩٢٢هـ/١٥١٦م تبعاً للنظام النقدي العثماني، مع العلم أنه استمر ضرب الدرهم من الفضة. ومنذ بداية تأسيس الدولة العثمانية سنة ٧٠٠هـ/١٣٠٠م اعتُمدت «الأقجة» الفضية وحدةً للنقد مرتبطة بالدرهم الفضي، وقد ضُربت أول أقجة في عهد عثمان بك، وكانت تزن ٠,٦٨غ من الفضة، وحافظت على ميزتها وحدةً نقدية حتى القرن ١١هـ/١٧م.

درهم أيوبي، ضرب دمشق سنة ٥٧٦هـ/١١٨٠م
قطع من درهم السلطان المملوكي الظاهر برقوق، ضرب حلب سنة ٧٩٤هـ/١٣٩١م

وفي عهد السلطان مراد خان الثاني سنة ٨٣٤هـ/١٤٣٠م كان كل درهم فضة يساوي ٢٣٠ أقجة، ثم أصبحت قيمة الأقجة - في عهد السلطان مراد خان الرابع (١٠٣٣-١٠٥٠هـ/١٦٢٣-١٦٤٠م) - كل ١٠٠ درهم يساوي ١٠٠٠ أقجة؛ علماً أن الليرة الذهبية العثمانية كانت تساوي ١٢ درهماً فضياً أي ١٢٠ أقجة. ثم تدهورت قيمة الأقجة في نهاية القرن الـ١١هـ/الـ ١٧م حتى صار كل ١٠٠ درهم يساوي ٢٣٠٠ أقجة. وعلى إثر ذلك وفي عهد السلطان عبد المجيد خان (١٢٥٥-١٢٧٨هـ/١٨٣٩-١٨٦١م) ضُربت العملات النحاسية، ثم أُصدرت العملات الورقية سنة ١٢٦٧هـ/١٨٥٠م.

علاء الدين الشومري

 

- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد السابع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق