درهم في عصور كلاسيكيه

-

الدرهم في العصورالكلاسيكية

الدراخما

الدراخما هي من الوحدات النقدية الفضية الإغريقية المنتجة في مطلع القرن السادس ق.م، والتي استمر إصدارها وتداولها في الفترتين الهلنستية والرومانية، وقد أُصدرت في البداية بمدينة أثينا ATHENA في مطلع القرن السادس ق.م، وكانت تزن (٣-٤غ). أمّا عن معنى الكلمة فالمقصود بها (القبضة) أو (الحفنة) أو (مقدار ضئيل) (A Handful)، وكانت تدل في البداية على حزمة من ستة أسياخ .(Oboloi)

وقد صنّف الباحثون الدراخما الإغريقية / الأثينية من حيث تطوّر نقوشها في:

- المرحلة الأولى: وتعود إلى ما قبل عهد صولون حاكم أثينا (أي ما قبل سنة ٥٩٢ ق.م).

- المرحلة الثانية: في عهد المصلح النقدي صولون سنة ٥٩٢ ق.م.

- المرحلة الثالثة: في عهد الطاغية بيزستراتوس سنة ٥٤٦ ق.م.

- المرحلة الرابعة: بعد انتصار الإغريق على الفرس في معركتي ماراثون وسالاميس بين سنتي٤٩٠- ٤٧٩ ق.م.

- المرحلة الخامسة: وتعود إلى القرن الثاني ق.م.

- فئات الدراخما وأقسامها:

انتقلت طريقة ضرب الدراخما الأثينية إلى المدن الإغريقيّة المجاورة لها، كمدينة كورنثة وميجارة في مطلع القرن السادس ق.م، واستخدمت أثينا في أوّل عهدها المعيار الإيجيني (نسبةً إلى جزيرة إيجينيا)، ثمَّ انتقلت في عهد المشرع صولون بين سنتي (٥٩٤-٥٧٢ق.م) إلى المعيار الأوبويّ - الأتيكيّ، الذي يقوم على وزن الدراخما وأجزائها.

تحتوي الدراخما على نسبة عالية من معدن الفضة تصل إلى أكثر من ٩٥٪، وذلك بعد اكتشاف الأثينيين لمناجم الفضة في جبل لوريون Laurion الذي ساهم في زيادة كميّة إنتاج العملات الفضية.

على رغم وجود وحدات نقدية أعلى قيمة من الدراخما، كالديكادراخما (١٠ دراخمات)، والأوكتودراخما (٨ دراخمات)، والتيترادراخما، والديدراخما) فقد بقيت الدراخما الوحدة الرئيسية في المعاملات التجارية الإغريقية. أما وحداتها الصغرى فهي: تتوبول (٤ أوبولات) ـ ربوبول (٣ أوبولات)، ديوبول (أوبولان) والأوبول ObolosK.

-التصاوير على الدراخما الإغريقية:

اشتهرت نقود مدينة أثينا من وحدة الدراخما بحملها في مركز الوجه نقش رأس الربة أثينا معتمرةً خوذةً حربية يزينها غصن زيتون، وحمل مركز الظهر طائر البوم واقفاً، يتجه برأسه إلى الأمام، وخلفه غصن زيتون وأمامه ثلاثة أحرف تشير إلى مدينة أثينا؛ ونُقش كل ذلك ضمن مربّع. وفي القرن الثاني ق.م أصبح طائر البوم يقف فوق أمفورة (جرة كبيرة)، كما اتسعت مساحة القطعة النقدية ليصبح قطرها نحو ٢,٢سم، ووزنها ١٧غ، وهي من وحدة التيترادراخما التي تساوي (٤ دراخمات)؛ غير أنّها حملت النقوش نفسها التي نُقشت على الدراخما في القرنين السادس والخامس ق.م.

يبدو أنَّ هذه النّقود ليست من إصدار أثينا وحدها، بل ضُربت في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وذلك من خلال تحليل النقوش، كمدينة ميجارة التي تقع وسط شبه الجزيرة اليونانيّة، على مقربة من خليج كورنثة، واحتلها الأثينيون سنة ٦٣٢ ق.م، ومدينة إيريتريا، تلك المدينة الإغريقيّة الواقعة في شبه جزيرة أيوبيا جنوب شرقيّ خالكيس، حيث أقامت فيها أثينا مستوطنة سنة ٤٤٥ ق.م.

بين سنتي ٥١١-٤٩٠ ق.م تطور نقش هذا النوع من النقود الأثينية؛ ولاسيّما بعد النصر الكبير الذي حققه الأثينيون على الفرس في معركة سهل ماراثون، فأصدروا بهذه المناسبة ديكادراخما فضيّة بوزن ٤٣غ، حملت في مركز الظهر نقش طائر البوم بوضعية أماميّة.

هذا وقد مرّ نموذج الربة أثينا المتوّج بالخوذة -وطائر البوم- بعدّة مراحل تطوّرية، حيث يرى بعض علماء المسكوكات أنَّ صورة طائر البوم ضمن مربّع قد توقف نقشه في عهد الطاغية بيزستراتوس.

- مصدر الفضة الأثينية:

ساهم اكتشاف مناجم الفضّة في جبال لوريون Laurion الواقعة على بعد ٣٨ كم تقريباً إلى الجنوب من أثينا - وذلك بين سنتي ٤٨٤- ٤٨٣ ق.م- في غنى مدينة أثينا، حيث أصدر الأثينيّون من الفضّة المكتشفة كمّيات كبيرة من النقود من وحدة الدراخما وأجزائها، وهذا ما ساعد على تدعيم الأسطول الأثيني الذي ساهم في معركتي سلامين Salamine سنة٤٨٠ق.م، وميسالين Misaline سنة ٤٧٩ ق.م، ومكّنت الأثينيين من الانتصار على الفرس في المعارك البحريّة.

- انتشار الدراخما الأثينية:

انتشرت هذه العملة في القرنين الخامس والرابع ق.م ليمتد إنتاجها وتداولها إلى مناطق واسعة من العالم القديم في جنوبيّ إيطاليا وصقلية وآسيا الصغرى، كما وجدت كميّاتٌ كبيرة في تلّ دينيت في سورية[ر] من وحدة التيترادراخما، وهذا ما يشير إلى العلاقات التجاريّة الّتي كانت قائمة بين بلاد الإغريق وسورية منذ القدم، كما وجد كنز فضّيّ على الحدود بين سورية والأردن بالقرب من مدينة بصرى يحتوي على بعض القطع الأثينية من وحدة الدراخما.

لم تكن أثينا المدينة الوحيدة التي أصدرت الدراخما، فقد انتشرت في جميع بلاد الإغريق، وشملت جنوبيّ إيطاليا وصقلية، ونقشت كل مدينة على عملتها من فئة الدراخما رمزها الخاص بها من آلهة، كمدينة سيراقوزة Syrokousaiالتي وضعت صورة الربة آريتوزا محاطة بأربعة دلافين، ومدينة كورنثة التي نقشت صورة الحصان المجنح (بيجاسوس). ومن بلاد الإغريق انتقلت الدراخما إلى الشرق بواسطة العلاقات التجارية، واستمر تداولها في العصر الهلنستي، وكانت التترادراخما الأثينية قد أصبحت عملة دولية في عالم البحر المتوسط بعد انتصار الإغريق على الفرس وزعامة أثينا للحلف الديلوسي وبلاد اليونان. كانت المملكة السلوقية تسك نقودها بحسب المعيار الأتيكي ومن معادن مختلفة. أما مصر البطلمية فسكت النقود بأجزاء الدراخما أو مضاعفاتها من الذهب والفضة والبرونز، غير أنها اعتمدت المعيار الفينيقي الذي يبلغ فيه وزن الدراخما ٣.٦ غرامات. وسارت معظم الدول الهلنستية على أحد هذين المعيارين في سك نقودها.

وقد استعملها الرومان بدايةً ليحل محلها الديناريوس الروماني الفضي في عهد أغسطس (غايوس يوليوس أوكتافيانوس ٣١ ق.م - ١٤م)، ومن ثمّ تختفي الدراخما، لتعاود الظهور من جديد في العهود الإسلامية باسم الدرهم الفضي العربي الإسلامي وبوزن مختلف عن الدراخما الإغريقية.

قيمة الدراخما:

من الصعب إعطاء معادل حديث لقيمة الدراخما القديمة، ويقدر المؤرخون الاقتصاديون أن الدراخما في القرن الخامس ق.م تعادل قيمتها ٢٥ دولاراً أمريكياً (لعام ١٩٩٠ الذي يعادل ٤١ دولاراً أمريكياً في عام ٢٠٠٩). ويذكر المؤرخون القدامى أن ما يتقاضاه عامل مختص في القرنين الخامس والرابع ق.م أو الجندي ذو السلاح الثقيل (الهوبليت) من المرتزقة يساوي دراخما واحدة في اليوم. وكان البحار في أسطول حلف ديلوس الذي تتزعمه أثينا يتقاضى أوبولان يومياً. وكان نصف دراخما يكفي في المتوسط أسرة مؤلفة من ثلاثة أشخاص يومياً.

وتجدر الإشارة إلى أنه كان ثمة وحدات حسابية للمبالغ المالية الكبيرة لا تستعمل في التداولات العادية، وهي المينا Minoالتي تعادل ١٠٠ دراخما، والتالنت Talentonالذي يعادل ٦٠ مينا أي ٦٠٠٠ دراخما . وكانت ميزانية حلف ديلوس السنوية تبلع ٤٦٠ تالنتاً سنوياً.

خالد كيوان، محمد الزين