دانه (سهل-)
دانه (سهل)
-
دانة (سهل -)
يقع سهل دانة بين جبل سمعان[ر] وجبل باريشا[ر] في أسفل سفوح جبل شيخ بركات في شمالي سورية في محافظة إدلب.يلتقي في هذا السهل الطريق الواصل بين أنطاكية[ر] وخالكيس[ر] قنسرين مع الطريق الواصل بين مدينتي سيروس[ر] شمالي حلب ومدينة أفامية[ر].
تنتشر على أطراف هذا السهل -يميناً وشمالاً- قرى أثرية كبيرة وصغيرة (نحو عشرين قرية) من العصرين الروماني والبيزنطي. تعد هذه القرى جزءاً من القرى الأثرية في شمالي سورية أو ما يعرف بالمدن الميتة أو المنسية.
يمتد السهل على مسافة 14 كم طولاً و4 كم عرضاً؛ حيث تحيط به جبال كلسية يراوح ارتفاع قممها بين 550م و870 م، كما تطل عليه مجموعة من المعابد المهمة من العصر الروماني مثل معبد سرير ومعبد باقرحا ومعبد شيخ بركات، حيث شيدت هذه المعابد في المنطقة خارج القرى، في أماكن عالية على قمم المرتفعات، محمولة على مصطبة لها عدة درجات، أحيطت بسور، وتنتمي إلى الطراز الروماني وتعود إلى القرن الثاني الميلادي.
بلدة الدانة |
سهل الدانة - الطريق الروماني |
- معبد زيوس تورباراكوس (الجبل المبارك):
يقع على قمة جبل سرير، وتم إنجاز بنائه على مرحلتين بين عامي ١١٦م و١٥٠ م، يتألف من هيكل ضيق، مقدمته أعرض من الهيكل نفسه، وتحول المعبد خلال العصر البيزنطي إلى دير.
- معبد زيوس دوسوس:
يقع في قرية باقرحا[ر] في جبل باريشا، ويعود إلى القرنين الثاني والثالث الميلاديين، وما يزال التمنوس temenos وأجزاء من الهيكل باقية حتى الوقت الحالي؛ إذ يعطي صورة واضحة عن طبيعة المعبد الذي بني وفق مخطط كلاسيكي، وهو غني بالزخارف المختلفة ذات السمات المحلية والكلاسيكية.
- معبد زيوس مادباخوس (الشيخ بركات):
كان من أهم المعابد بالمنطقة، لم يبق منه سوى الأساسات، بني خلال القرنين الأول والثاني الميلاديَّين. مخطط المعبد واضح جداً، ويتألف من سيلا cellaتتوسط التمنوس، كما يمكن تعرّف على الطبيعة المعمارية، وإعادة تصور شكل المعبد من خلال العناصر المعمارية الموجودة حالياً في الموقع.
يصل طريق أنطاكية إلى هذا السهل من خلال باب الهوى، وهذا الباب هو قوس بحالة جيدة من الحفظ، ويقع بجواره جدار حجري من القرن السادس للميلاد، كما توجد في الجهة الجنوبية من هذا الباب بقايا بناء من المحتمل أن يكون كنيسة.
كانت هذه المنطقة تتبع مدينة أنطاكية إدارياً خلال العصرين الروماني والبيزنطي. وقد عثر في وسط هذا السهل على مواقع مهمة مثل مركز بلدة دانة وبلدة سرمدا، ومازالت بقايا مدفن صرحي بحالة ممتازة من الحفظ موجودة في الجهة الشمالية من بلدة دانة، يتألف المدفن من مصطبة تعلوها أربعة أعمدة ذات تيجان إيونية، ويعلوها سقف هرمي مبني من المداميك الحجرية، يعود تأريخ بناء هذا المدفن إلى القرن الثالث للميلاد. كما توجد في وسط هذه البلدة بقايا كنيسة كبيرة من القرن الخامس للميلاد، وماتزال بقايا من الحنية وأقواس وأعمدة موجودة في المكان، طراز الكنيسة بازيليكي، ومخطط البناء تقريباً مربع الشكل ١٦×١٤م، وحنيتها نصف دائرية.
كذلك عثر في سرمدا على المدفن الصرحي الذي يتألف من عمودين يعلوهما ساكف. لم تعد المباني الأثرية في هذين الموقعين ماثلة، ويعود السبب إلى استخدام مواد البناء من اللبن والقرميد، والتي تعرضت للدمار والزوال خلال العصور المتعاقبة، ولا سيما أن طبيعة التربة الخصبة في هذا السهل جعلت الاستيطان مستمراً خلال العصور المختلفة.
أما أهم المواقع المنتشرة في أطراف السهل على تخوم الجبال الكلسية المحيطة فهي:
1 - سرفود: يعود الاستيطان بهذا الموقع إلى القرن الثاني للميلاد، وتطور خلال العصر البيزنطي ولا سيما خلال القرنين الرابع والخامس الميلاديِّين، وما تزال بقايا مبانٍ سكنية في حالة ممتازة من الحفظ، كما اكتشفت في الجزء الشرقي من الموقع كنيسة مستطيلة الشكل، يتوسطها صفان من الأعمدة. كما توجد في هذا الموقع بقايا تحصينات من العصور الوسطى؛ ممّا يدل على أنه شهد استمرارية بالاستيطان بسبب الغنى بالأراضي الزراعية وتوفر الماء ووقوعه في منطقة تلاقٍ للطرقات الرئيسة التي تربط المدن بين الشمال والجنوب والشرق والغرب.
2 - دير عمان: تقع هذه القرية بين باب الهوى والطريق الروماني المذكور سابقاً، اكتشفت بقايا كنيستين؛ الأولى تقع في الجهة الشرقية وتعود إلى القرن الخامس، بنيت على شكل بازيليك، وما زالت الأقواس والأعمدة والحنية بحالة جيدة من الحفظ. أما الكنيسة الواقعة إلى الغرب وعلى مسافة قصيرة من الكنيسة السابقة فهي أصغر حجماً، ويعود تاريخ بنائها إلى القرن السادس للميلاد، أغلب أجزاء الكنيسة بحالة جيدة من الحفظ كالجدران والأبواب في الواجهتين الجنوبية والشمالية. وإلى جنوب غربي الكنيسة بقايا برج صغير من القرن السادس للميلاد، كما عثر على بقايا أبنية سكنية من العصر البيزنطي.
3 - بريج: يقع على بعد 2 كم من قرية سرفود، وهو دير يعود إلى القرن السادس للميلاد، ويتألف من ثلاث منشآت منفصلة؛ الأولى واقعة في الجهة الجنوبية، تبلغ أبعادها 18×8م، تتألف من قاعات في الطابق الأرضي وبرج في الطابق العلوي. يقع المبنى الثاني في الجهة الشمالية من الدير، ويحوي مصلى في حالة جيدة من الحفظ المعماري. أما المبنى الثالث فيقع إلى الشرق من المبنيين، وربما كان مخصصاً للسكن، كما توجد في هذا الموقع قبور وخزان للماء.
4 - فير: يبعد 2كم إلى الشرق من بلدة دانة، وجد في هذا الموقع برج مبني من العصر البيزنطي، ومدفن حجري مؤرخ إلى سنة 360م وتحول إلى مسجد في عام 865هـ/1460م، ومن ثمَّ يبدو أن خصوبة الأراضي وأهمية المنطقة على طرق المواصلات كانت السبب في استمرار الاستيطان بهذا الموقع على غرار سهل دانة كله خلال العصور المتعاقبة.
5 - ترمانين: يقع شمال شرقي سهل دانة، يضم خرائب مجموعة من الأبنية من القرن السادس للميلاد، منها دير بأبعاد 23×12م، إضافة إلى وجود خزانين للماء مفتوحين ومحفورين في الصخر. أما الكنيسة فهي عائدة إلى القرن السادس للميلاد؛ إذ كانت بحالة ممتازة من الحفظ في منتصف القرن التاسع عشر عندما زارها الرحالة الفرنسي دوفوغيه، ولم تبق منها اليوم سوى بعض أجزاء بسيطة، حيث استخدمت لبناء مخفر في نهاية العصر العثماني. كما عثر في هذا الموقع على مدفن في الجهة الشمالية بأبعاد 8×5,5م.
6 - تلعادة: تقع شمالي سهل دانة، وهي قرية صغيرة بالقرب من موقع ترمانين. هناك بعض خرائب أثرية من العصر البيزنطي، ولم يبق الكثير من كنيستها التي تعود إلى القرن الخامس للميلاد، كما وجد في هذه القرية مسجد من القرن الرابع عشر للميلاد من العصر المملوكي /الثامن للهجرة، ويبدو أنه تمَّ استخدام الحجارة من المباني العائدة إلى العصرين الروماني والبيزنطي في بناء هذا المسجد، وأخيراً شوهد بناء من طابقين ربما يكون مدفناً.
سهل الدانة - ترمانين |
7 - دير تلعادة: يعد هذا الدير من أهم الأديرة في هذه المنطقة إضافة إلى دير ترمانين ودير قصر البنات. يتألف مبنى الدير من جناحين متوازيين يمتدان من الشمال إلى الجنوب، ويتألف كل منهما من طابقين تحيط بهما الأروقة بأعمدة من كل جهة عدا جهة الشمال، ويفصل الجناحين مدفن محفور في الصخر، تؤرخ كتابة سريانية من القرن التاسع للميلاد بناء البرج في هذا الدير، والذي تبلغ أبعاده الداخلية 4,60×3,80م. كما شوهدت كتابة أخرى من سنة 601 للميلاد، ويبدو من الكتابات بأنه كان مشغولاً بصفته ديراً خلال العصر الإسلامي، كما تؤكد الكتابات التاريخية أنه تمَّ انتخاب أربعة بطاركة للسريان على الكرسي الأنطاكي من هذا الدير خلال القرن العاشر للميلاد وعلى نحو متتابع.
دير قصر البنات |
8 - برج السبع: يقع هذا الموقع إلى الشمال من قرية تلعادة، وفيه دير في حالة سيئة من الحفظ، تمَّ تأريخ بنائه من خلال كتابة سريانية موجودة في جداره الشرقي إلى القرن السادس للميلاد، كما شوهدت كتابات سريانية أخرى من القرن الثالث للهجرة /التاسع للميلاد.
٩- تل عقبرين: تقع هذه القرية إلى الجنوب من سهل دانة، باتجاه مدينة حلب، وتقع بجواره بقايا الطريق الروماني، بطول نحو ١١٠٠م وعرض ٥,5م وهو بحالة ممتازة من الحفظ . كان يصل هذا الطريق بين مدينتي أنطاكية وخالكيس، كما عثر في هذه القرية على بقايا مبانٍ سكنية من العصر البيزنطي، إضافة إلى وجود كنيسة صغيرة من القرن السادس للميلاد، وبرج للناسك، وقبر حجري، وأخيراً خان من العصر العثماني.
10 - بردقلي: قرية بردقلي[ر] صغيرة نسبياً، وجدت فيها بعض المباني من العصرين الروماني والبيزنطي، منها ضريح معماري جميل وكبير، كما عثر فيها على كنيستين مبنيَّتين وفق المخطط البازيليكي، ومبانٍ سكنية نحتت على واجهاتها نقوش زخرفية متنوعة، إضافة إلى العديد من المقالع القديمة الواقعة بجوار القرية.
وهناك أيضاً عدد من المباني الأثرية التي تعود إلى العصور الإسلامية، وتتمثل بثلاثة مساجد من القرن الثاني عشر، ومسجد آخر من القرن الرابع عشر، ومجموعة من شواهد القبور التي تعود إلى الفترة الواقعة بين القرنين السادس والثامن للهجرة/ الثاني عشر والرابع عشر للميلاد.
مأمون عبد الكريم
مراجع للاستزادة: - H.C. Butler, Early Churches in Syria, Fourth to Seventh Centuries, Completed by E.B. Smith, Princeton, 1929. - I. Pena, P. Castellana et R. Fernandez, Inventaire du Jébel Baricha, Franciscan Printing Press, 1987. - G.Tate, Les campagnes de la Syrie du Nord, Paris, 1992. - G.Tchalenko, Les villages antiques de la Syrie du Nord, I, Paris, 1953-1958. |
- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد السابع مشاركة :