الخمر في العصور الكلاسيكية
خمر في عصور كلاسيكيه
-
الخمر
الخمر
الخمرفيالعصورالكلاسيكية
عرفتالخمرعندالإغريقباسم «أوينوس»Oinos ، وهيالتسميةذاتهاتقريباًالتيعرفهابها الرومان “فينوم» vinum، ومنها جاءت تسمياتهاباللغاتالأوربية، wine بالإنكليزية،Wein بالألمانية، vin بالفرنسية..الخ. ومن المرجحأنالتسميةالإغريقيةوالرومانيةللخمرمأخوذةمناسمها بلغاتالمشرقالعربيالقديموعلىرأسهاالأكادية «إينو» Inoوشقيقتهاالأوغاريتية «ين».
كانتالخمرةالمشروبالرئيسوالمفضلفيالعصورالكلاسيكيةلدىالإغريقوالرومان،ولميحتسواالخمرةالصافيةوإنماكانيضافإليهانسبةمعينةمنالماء. وكان أحدكبارآلهةالإغريقوأكثرهاشعبية؛ وهو إلهالخصبوالأسرارديونيسوس Dionysos الملقبأيضاًبالإلهباخوس[ر] Bachos؛ مرتبطاً بالخمر وحماية الكروم، ويصورهالفنالإغريقيالقديم رجلاًمهيباًيحملكأسالخمربيده،أوشاباًجميلاًيحملمعمرافقاته(الباخانيات( أغصان الكرمة في أيديهم .وتروي الأسطورة أن هذا الإله كان أولمنزرعأغصانالكرمة. وتظهرأسفارهذاالإلهانتشارزراعتهاعبرالبلادوصولاً حتىالهند.
وصلتالكرمةإلىبلاداليونانفيعصورماقبلالتاريخوعلىمايبدو منمنطقةتراقية،وعرفالإغريق عشراتالأنواعمنالكرمة، وكوّنتزراعتهافصولاً مهمةفيالكتبالتعليميةالزراعيةوعلىرأسهاكتاب «النبات«للفيلسوفتيوفراستوس Theophrastos (٣٧٢-٢٨٧ق.م) تلميذأرسطوالشهير.وفيعصرهكانتقدتخصصتكثيرمنالمناطقالإغريقيةبإنتاجأنواعمعينةمنالخموروإعدادهاللتصديرإلىمناطقالبحرالأسودأوغربيالبحرالمتوسط .ومعجرارالخمرةانتقلت عاداتاحتسائهاوجميعالوسائلالضروريةلنقلهاوتخزينهاومزجهاوشربها .
أمفورة إغريقية لتخزين الخمر |
ومثل الفينيقييِّن فقد صدّرَ الإغريق الخمر حيثما ذهبوا ونشروها في الكثير من الأصقاع الأوربية ومنها جنوبي إيطاليا وجنوبي فرنسا، ووصلوا حتى مون لاسوا Mont Lassois قرب باريس؛ حيث عثر هناك على إناء برونزي كبير في قبرٍ لإحدى الكاهنات، ارتفاعه 164سم يتسع لنحو 260لتراً، يحمل زخارف إغريقية، يعود تاريخه إلى نحو 500 ق.م.
كانالعنبيقطفويعصربعدهرسهبطريقةالدعسبالأرجلفيأحواضطُلِيَداخلهابالجبس،ولهافتحةفيحافتهاالجانبيةالمنخفضةليسيلمنهاعصيرالعنب.ثمابتكرالإغريقطريقةالعصربالمكبس؛وهولوحخشبييتمضغطه على العنب.وفيما بعدابتكرالرومانالمعصرةاللولبية .وقداستخدمتمعاصرالزيتون أيضاً منأجلعصرالعنبكماتظهرهمعصرةسرجيلاوغيرهامنمعاصرالكتلةالكلسيةفيسورية .
كانبعضالعصيريستهلكقديماً مباشرةمن دونتخمير،ويطبخأحياناًليصنعمنهدبسالعنبالذييستعملفيمابعدلتحليةالخمرةالصافية .وكانعصيرالعنبيعبأفيجرارفخاريةويتركليتخمربفعلالحرارة، وكانيفضلالتخمرالحار عبرأشعةالشمس،كماكانت تجري تدفئةأقبيةالتخزينوتبخيرها .وكانوايحولوندونتحولالعصيرإلىخلبإضافةمسحوقالصنوبروالجبسوالحوارأومياهالبحر. ويمكنالحصولعلىعصيرحلوعبركبتعمليةالتخمربتخزينهفيأماكنباردةبمعزلعنالهواء، أوصبهعلىالزبيب .
اقتبسالرومانمنالكلتيِّين في بلاد الغالاستعمالالبراميلالخشبيةلتخزينالخمورونقلهاوتصديرها .وكانتالأنواعالفاخرةتفرغوتعبأفي أمفورات Amphorae (جرار كبيرة) تُسدبسداداتمنالفلينوتختموتوضععليهاسنةالصنعوالمصدرواللونوطبيعةالعصيرالحلوالمضافإلىالخمرة .
وقد تنافست دول المدن الإغريقية منذ منتصف القرن الثامن ق.م بإنتاجها أفضل أنواع الخمور، ومن المدن التي اشتهرت بإنتاجها: رودس وليسبوس وساموس. وأقام الإغريق مهرجانات للخمر كانت تعقد في فصل الربيع في أثينا وفي الكثير من المدن.
جرار رومانية لتخزين الخمر |
ومن الأنواع التي اشتهرت في بلاد اليونان خمور جزيرةتاسوس Thasos المقابلةلشواطىءتراقية،والتيكانتتصدَّرفيبراميلممهورةبأختامخاصة، وقد وصلناالقانونالذيينظمحمايةهذهالنوعية.
كمااشتهرتدنانالخمرلجزيرةخيوس Chios الواقعةأيضاً فيبحرإيجه،وتميزتبأنخمورهاالحلوةكانتممزوجةبماءالبحرللتخفيفمنحلاوتهامما أعطاها نكهة خاصة .
- الخمر عند الرومان: كانت الخمر حاجة يومية لكل سكان روما، ومع القرن الأول أصبح شائعاً في المدن كافة. ويشهدجبلتستاسيوفيروما الذييبلغارتفاعهنحو١٥٠قدماً،والذيتشكلمنكسرجرارالخمرة؛علىالكمياتالهائلةمنالخمورالإسبانيةالرخيصةالتيكانتتستوردلجماهيرالعامةالرومان، وأغلب الخمر الرومانية كانت من النوع الأبيض. وقد زود الرومان جنودهم بها؛ لأن شربها يدخل شيئاً من الشجاعة والإقدام في نفوسهم، كما كان يتم تذويقها للأطفال في سن الثالثة، وجعلوا لها إلهاً خاصاً اسمه باكخوس Bacchus، أو ليبرLiber الذي اشتهربوصفهإلهالخمروالكروم، وهو نفسه ديونيسوس أو باخوس في الميثولوجية الإغريقية.
ويسجل للرومان ابتكار معاصر صناعة الخمور، حيث كان يتم تجميع العنب في حوض حجري ويتم هرسه بحجر دائري ثم يجمع العصير في حوض محفور أسفل المعصرة. كما صنع الرومان إناء الدوليوم Dolium الفخاري الكبير الحجم، والذي يتسع لـ 300 لتر من الخمر، وكان يستخدم للتعتيق وللتخزين وعادة ما كان يتم دفنه حتى العنق.
وأبسطتصنيفللخمور يستندإلى ألوانها؛فعرفالإغريقالنبيذالأبيضوالأسمروالأحمر، فيماعرفالرومانالنبيذ الأبيض والأحمرالفاتحوالأحمرالداكن. وقد نالتخمورمنطقةكمبانياالإيطاليةشهرةكبيرةفيالغرب،وأفضلالخمورالإغريقيةكانتالخفيفةوالجافة.أماالخمورالإيطاليةفكانتأكثركثافةوأكثرحلاوةولاسيماالنبيذالعذبونبيذالزبيب .
وقد تمتصنيعالخمورمن أنواع أخرى من الفواكه-غير العنب-ومنها:التفاحوالأجاصوالتمور،وكانتأيضاً مرغوبةلدى الجماهير وتستهلكبكمياتكبيرة.
كانتتجارةالخمورامتيازاً خاصاًبإيطاليا،وقدسعىالأباطرةالرومانلحمايتهاحتىزمنالامبراطوربروبوس Probus (٢٧٦-٢٨٢م) الذيسمحلكلالولاياتبزراعةالكرومكماتشاء، وأصبحت الخمورالرومانية تصدر حتىاسكندنافيةوالهند.
نماذج من الأمفورات التي كانت تستخدم لنقل الخمور |
كانالكلتيُّونيبادلونأحدالعبيد بدنٍ من الخمر، وبلغت أثمان العبيد المتخصصين بزراعةالكرمةوتصنيعالخمورثلاثةأمثالالعبيدالذينيعملونفيالزراعةالعادية.كما سُمح للعبدبشربأكثرمننصفلترمنخمرالمعصرةالتييعملبها .كانتالخمرةسواءفيبلاداليونانأمفيإيطاليارخيصةجداً، وكونتقسماًمنمخصصاتالعبيداليومية .
وقداشتهرتقرطاجةوالمناطقالتابعةلهابخمورها؛ إذوجدتفيهاأعدادلاتحصىمنأمفوراتالخمرالتيتدلعلىمحبةالقرطاجيِّينلهذاالمشروب.ولكنالفيلسوفأفلاطونيدّعيفيمؤلفهعنالقوانينأنهكانيوجدفيقرطاجةقانونيمنعمنعاً باتاً الجنودوالعبيدمنكلا الجنسينوموظفيالإدارةفيأثناءوظيفتهموكذلكالقضاةوموظفيالضرائببلحتىكلرجلوامرأةقبلالجماع؛منتعاطيالخمر .وثمةدلائلعلىوجودمثلهذاالتحريمالدينيفيبعضالمناسباتأويمنعبعضالأشخاصمنمعاقرةالخمر .
غيرأنالقرطاجيِّينكانوايزرعونالكرمةويصنعونمنهاالخمرة،وقدنالواشهرةفينوعمعينيشبهخمرةمالاغاMalaga . وتركماغو Mago فيكتابهالقيمعنالزراعةتعاليمووصاياتتعلقبطرقزراعةالكرمةوقطفثمارهاوطريقةصنعالخمرةوحفظهاوتسويقها .
ومنالمعروفأنالمقدونيِّينوالإغريقالمولعينبشربالخمورعملواعلىنشرزراعةالكرومفيامبراطوريتهموعلىرأسهاسوريةالتيحظيتبعنايةخاصةلكونهاقلبالامبراطوريةالسلوقيةومركزهاالرئيسومقرعاصمتهاأنطاكية .
وهكذاأدخلواأنواعاًجديدةمنالكروم، وحسنواالأنواع المحلية فازدهرتأيماازدهار، ونشأتمراكزجديدةلصنعالنبيذ،وكانتأجودأنواعهمنإنتاجاللاذقية .
ويذكرالجغرافياسترابون[ر] Strabon فيحديثهعناللاذقيةفيالقرنالأولقبلالميلادأنأراضيهاتفيضبالخمرإضافةإلىالثمارالأخرىالممتازة، وأنهاكانتتزودأهاليالإسكندريةبمعظمخمورهم، لأنكلالجبالالمطلةعلىالمدينة، والتيهيملكلهامغطاةجميعهابالكرومحتىالقمم .
وأفضىازدهارصناعةالنبيذإلىظاهرةتقليدنماذجالفخارالأتيكيسواءبالنسبةإلى أمفورةالخمرأمالكؤوسالميجاريةلاحتسائها .
أماعنالخمرةعندالأنباط[ر]فإنالرواياتالتاريخيةتذكرإقبالهمالشديدعلىتعاطيها، وكيفأن ملوكهمكانوايقيمونحفلاتشرابفخمةعلىألايتجاوزأحدفيشربهإحدى عشرةكأساًمستعملاً فيكلمرةكأساًذهبيةجديدة .
ولكنهذالميكنشأنهمفيالماضي؛ ذلكأنالمؤرخديودورالصقلي[ر] الذيعاشفيالقرنالأولقبلالميلاديقولعنهم:»لقدآلواعلىأنفسهمألايبذرواحباً ولايغرسواشجراً يؤتيثماراً ولايعاقرواخمراً..» كانهذاحالهمحتىأواخرالقرنالرابعقبلالميلادحيثيؤكدونانتماءهمالفطريالذييعافالمرءفيهشربالخمرفيمرحلةالبداوة.
ولكنبعدأنأصبحالأنباطمنأكبرزراعالكرومومنتجيالخمور؛لحقالتغييربعاداتهموبكبيرآلهتهمذيالشرىفاقترنبالإلهديونيسوس /باخوسربالخمرة،واتخذصفاتهورموزه،فأصبحتمثالهيترافقوأوراقالكرمةوعناقيدها .
ويبدوأنزراعةالكرومثمتصنيعالخمركانتعلىالأرجحالعاملالأولفينموالمدنالنبطية في سورية فيالعصرالروماني ) السويداءوقنواتوسيع)، وأكبردليلعلىذلكالاسمالذيحملتهالسويداء؛وهوديونيسياسDionysias أيمدينةربالخمرةديونيسوس/ذيالشرى .
بقايا معصرة للخمر من العصر الروماني |
انتشرت زراعة الكرمة فيالقرونالأولىمنالعصرالمسيحيفيغربي أورباوبلادالغالووديانأنهارالراينوالرونوالموزل،ورعتالأديرةفيمابعدزراعتهاوتصنيعالخمور التيحازبعضهاشهرةفائقةفيفرنساوألمانيا خاصة.
وفي الكتلةالكلسيةشمالغربيسورية، والتيعرفتباسم«المدنالمنسية»؛ اعتمداقتصاد هذه المدنعلىزراعةالأشجارالمثمرةولاسيماالزيتونوالكرمة، وعلى تصنيعالزيتوالخمرة منهما،ويدلعلىذلكوجودالكثيرمنالمعاصر المنحوتةفيالصخر،حيثاُكتشففيقريةسرجيلاوحدهاثلاثمعاصر، تصلأبعادالمعصرةالكبرىبينهاإلى١٠×١٥م،وهيمحفورةفيجزءكبيرمنهافيالصخربعمقأربعةأمتارلكيتقاومبشكلأفضلالاهتزازاتالناجمةعنعمليةضغطالثماروكبسها. كما تم الكشفعن«معصرةمزدوجة»حيثكانيتمعصرالزيتونوالعنب.
وثمةعددكبيرمنالمعاصرالأخرى المحفورةفيالصخرالمنتشرةفيأماكنمختلفةمنالكتلةالكلسية كانأغلبهايستخدمفيصناعةالنبيذ .وآليةعملهذهالمعاصرفيالعصورالقديمةمتشابهة، وقد أوضحها-منخلالرسوماتهلهذهالمنشآت- الباحثأوليفيهكالو O.Callot فيدراستهالقيمةللمعاصرالموجودةفيالمنطقةالشماليةمنالكتلةالكلسية،والتيكانتتوجدإمافيقلبالبيوتوإماضمنمبانخاصةعلىمحيطالقرية.
وتعدمعصرةقريةالبارة[ر] التيقامتالمديريةالعامةللآثاروالمتاحفبترميمها؛نموذجاً لمعاصرالكتلةالكلسيةوتعطيصورةواضحةعنها .
وقدجاءفيأحدالنقوشمنبلدةالبارةالتياشتهرتبكرومهاومعاصرها: «أنتترىالمشروبالشبيهبشرابالآلهة،هباتباخوسالتيجادتبهاالكرمةوالتيأنضجتهاالشمسالمتوهجة».
كانقطافالعنبمنالأعيادالتقليديةالكبيرة،والرسومالتيتصور جنيهونقلهكثيرةجداً،وهيغالباًذاتطابعأسطوريتصورديونيسوس /باخوسوحاشيته.وكانالناسفيالأعيادوالمناسباتوالأفراحيشربونأفضلأنواعالخمورمنالكؤوسالجميلةمعأنغامالموسيقا والأغاني،وتقاممسابقاتالشربحيثترفعالكؤوسبأنخابالحاضرينوذكرىالغائبينوالشكرللآلهة .
وقدتغنىالشعراءالإغريقوالرومانبالخمرةومجالسها، ومنأشهرهمالشاعرانأناكريون Anakreon وألكايوسAlkaios منالإغريق،والشاعرهوراسالروماني Horatius .
كما استلهم منه الشعراء العرب الكثير من صورهم الشعرية والتعبيرية والاستعارات المجازية، مستندين في ذلك إلى إرث أدبي عميق من التغنّي بالخمر، ومن ذلك قولحسانبنثابت قبلإسلامه
ونشربهافتتركناملوكاً
وأسداً ماينهنههااللقاء
أما الشاعرعمروبنكلثومالتغلبي فقد ورد في كتاب «الأغاني»؛ أنه ماتمن إدمانه الخمر,وهو الذي اشتهر بمعلقته التي استهلهابوصف خمر الأندرين (البادية السورية)،ولونهاالذييشعكالزعفرانإذاماخالطهاالماء :
ألاهبيبصحنكفاصبحينا
ولاتبقيخمورالأندرينا
مشعشعةكأنالحُصَّفيها
إذاماالماءخالطهاسخينا
ويدل عدد أسماء الخمر في اللغة العربية الذي شارف المئة؛ على الاهتمام الأدبي بهذا المنتج عبر كل العصور، ومن أشهر هذه الأسماء: الصهباء والراح والسُّلافة والكُميت والقهوة والرحيق.
محمد الزين
- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد السادس مشاركة :