خط الحديد الحجازي
خط حديد حجازي
-
الخط الحديدي الحجازي
الخط الحديدي الحجازي
هو المشروع الأهم الذي أنجز في العصر العثماني خدمة للحجاج المسلمين وربط أقاليم الدولة العثمانية بالعاصمة إسطنبول، وقد عرف باللغة العثمانية باسم حجاز تيمور يولى، حيث أدى تنفيذ هذا المشروع إلى تسهيل رحلة الحجاج إلى بيت الله الحرام عبر اختصار وقت الرحلة التي كانت تستغرق شهوراً، وكانوا يتعرضون فيها لغارات البدو ومخاطر الصحراء، فأصبحت الرحلة بعد إنشاء الخط الحديدي والذي بلغ طوله ١٣٢٠كم تستغرق أياماً معدودة ينعم فيها الحجاج بالراحة والأمان؛ بعدما كانت تستغرق نحو ٥٠ يوماً.
طُرِحت فكرة إنشاء الخط الحجازي أول مرّة في السلطنة العثمانية سنة ١٢٨١هـ/١٨٦٤م في عهد السلطان عبد العزيز الأول، وأعيدت مناقشتها سنة ١٢٩٩هـ/ ١٨٨١م؛ إلا أنه كانت هناك صعوبات عدة عملت على تأجيل تنفيذ هذا المشروع على الرغم من اقتناع السلطنة بأهميته.
خريطة الخط الحديدي الحجازي من دمشق إلى المدينة المنورة | خريطة الخط الحديدي الحجازي من إسطنبول إلى المدينة المنورة |
وفي سنة ١٣١٨هـ/١٩٠٠م، وبمناسبة العيد الخامس والعشرين لتتويج السلطان عبد الحميد الثاني أعلن عزمه على تنفيذ مشروع إنشاء خط سكة حديد الحجاز؛ ليصل إلى الأماكن المقدسة لتسهيل الحج، حيث سيربط الخط الجديد بين خط سكة حديد الأناضول وخط سكة حديد بغداد؛ إضافة إلى تأسيس شبكة اتصال تلغرافية تكون بمحاذاة الخط الحديدي، تسهل الاتصال بين عاصمة الدولة العثمانية وولاياتها في الشام والحجاز.
كانت الفكرة أن ينطلق الخط من دمشق مروراً بعمَّان ومعان ثم بتبوك ومدائن صالح وصولاً إلى المدينة المنورة، وهو الذي تم تنفيذه، وكان في خطة المشروع الحجازي أن يمتد بعد ذلك إلى مكة ومنها إلى جدة، إلا أن ذلك لم يتحقق.
محطة الحجاز في دمشق | محطة القدم جنوبي دمشق |
وقد واجه مشروع الخط الحجازي منذ إعلانه معارضة من بعض رجال الدولة لأسباب عدة، أهمها: عدم توفر الأمان على طول المسار المقترح بسبب تعديات القبائل القاطنة على طريقه، وأيضاً عدم توقع حركة نقل توفر للخط إيرادات كافية، حيث إن إيرادات نقل الحجاج في موسم الحج لا تكفي نفقات الخط السنوية؛ مما يعني أن الخط سيشكل عبئاً مالياً كبيراً على السلطنة .
على أن السلطان ومؤيدي المشروع كانوا يفكرون بطريقة أخرى تستند إلى أسس مختلفة، أهمها:
١- إن تجهيز قافلة الحج وإرسالها كل سنة كانا يكلفان ١٥ ألف ليرة ذهبية، منها ٦ آلاف ليرة كانت تدفع لزعماء القبائل الموجودة على طريق الحج على شكل هدايا وهبات، وذلك لمنع هذه القبائل من مهاجمة قوافل الحج، وإن إنشاء الخط الحديدي سوف يجعل من السهل السيطرة على الطريق بقوة الدولة، ويوفر القسم الأعظم من تلك النفقات.
٢- سوف يؤدي إنشاء الخط إلى فوائد اقتصادية تتلخص في تعمير المناطق الواقعة بعد نهر الأردن، وكذلك تطوير الزراعة في الجزيرة العربية.
٣- من الوجهة الاجتماعية يمكن تمدين القبائل على طول الطريق وإيجاد فرص عمل لهم؛ ويترتب على ذلك نشوء تجمعات سكانية مناسبة.
٤- أما من الوجهة السياسية فإن إنشاء الخط سوف يرفع من شأن السلطان ومكانته في نظر المسلمين، وفي الوقت نفسه يؤدي إلى ربط مختلف أجزاء البلاد العربية التابعة له بخط مواصلات سريع، وكذلك يؤدي إلى قطع دابر اللصوص وقطاع الطرق، والسيطرة على حركات القبائل المتمردة.
عربات في محطة القدم |
بعد قرار السلطان عبد الحميد تشكلت لجنتان للإشراف على تنفيذ المشروع الذي يتضمن إنشاء خط سكة حديد الحجاز، اللجنة الأولى: برئاسة «عزت باشا العابد» والمعروف في التاريخ باسم «عزت باشا العربي»، ومقرها العاصمة إسطنبول، واللجنة الثانية: للتنفيذ، ومقرها مدينة دمشق برئاسة والي الشام حسين ناظم باشا، وقد قام مهندس عثماني بمسح المنطقة التي يمر بها الخط بين دمشق والمدينة المنورة. واجه تنفيذ مشروع الخط الحديدي الحجازي صعوبات مختلفة منذ البداية، منها:
أولاً: صعوبات مالية: بسبب ضخامة تكلفة المشروع التي قدرت بنحو ٣.٥ مليون ليرة عثمانية كان لا بد من توفيرها خلال مدة الإنشاء؛ أراد السلطان عبد الحميد أن يتم المشروع برأسمال إسلامي من دون اللجوء إلى بيوت المال الأجنبية، ورأى السلطان أن إعلان قبول التبرعات من جميع أنحاء العالم الإسلامي سوف يوفّر جزءاً من النفقات، ويساعد على بدء المشروع على الفور، وفرضت رسوم جمركية وطوابع وضرائب على نحو دائم خصصت السلطنة ريعها لمشروع الخط الحجازي أيضاً، كما منح الخط أملاكاً وأبنية وقفية في مناطق متعددة يعود ريعها إلى الخط مدى الحياة، وهكذا بلغت التبرعات والرسوم والضرائب مبلغاً كبيراً (ثلث تكاليف المشروع)، وتحملت السلطنة باقي التكاليف.
ثانياً: صعوبات ميدانية: كانت نتيجة صعوبة المنطقة التي سينفذ فيها المشروع، وأهمها: نقص المياه، وقد ذلِّلت هذه العقبة عن طريق حفر آبار وإدارتها بمضخات بخارية أو طواحين هواء، وجلبت المياه في صهاريج تسير على الأجزاء المنفذة من الخط، ثم نقص العاملين، وقد ذلِّلت هذه العقبة باستخدام بعض القوات في الجيش العثماني كانت نحو ستة آلاف جندي ومئتي مهندس كانوا يعملون في الخط بصفة دائمة. ومن العقبات الأخرى السيول الجارفة التي عُدّت خطورة كبيرة وحقيقية على الخط الحجازي في مرحلتي البناء والتشغيل، وقد تمكن المهندسون من التغلب على هذه العقبة بإنشاء مصارف للسيول على طول الخط الرئيسي.
محطة رياق في محافظة البقاع اللبنانية | محطة المفرق في الأردن |
محطة حيفا في فلسطين | محطة المسعودية - نابلس في فلسطين |
كما شكلت الرمال المتحركة في منطقة التنفيذ عقبة أخرى حيث عرضت صلابة الخط للخطر، حيث كانت تؤدي إلى تحريك الخط الحديدي من مكانه، وتعمل على انقطاع الحركة، وقد تُغلِّب على ذلك بتغطية منطقة الرمال المتحركة بطبقة من الصلصال، وبني سد حجري ضيق يمتد موازياً للخط الحجازي ليحول دون خطر تغطيته بالرمال المتحركة. أما مشكلة نقص الوقود اللازم للعمل آنذاك؛ فقد حُلّت باستيراد الفحم من الخارج وإقامة مستودعات لتخزينه.
ومع التقدم في إنشاء الخط أخذت الدول الأوربية تضع العراقيل للحيلولة دون إكمال العثمانيين لهذا المشروع، وكانت بريطانيا وفرنسا في مقدمة هذه الدول؛ فقد سعت بريطانيا إلى استعمال شتى الطرق من أجل انسحاب العثمانيين من الأراضي المقدسة بعد الحرب العالمية الأولى. ومما يلفت النظر هنا أن تعطيل خط حديد الحجاز كان أول ما قامت به بريطانيا بعد انسحاب العثمانيين من مكة والمدينة المنورة.
محطة تل الشمام إلى الشرق من حيفا | محطة الزرقاء في الأردن |
محطة عمان في الأردن | المدخل الرئيسي لمحطة عمان |
كان السلطان عبد الحميد يرغب بتنفيذ المشروع بمواد وتجهيزات ومعدات وأدوات ويد عاملة إسلامية إلا أن ذلك لم يتحقق كاملاً، فقد جرى شراء مواد الخط من بلجيكا وألمانيا وفرنسا وروسيا، وعلى الرغم من وجود مهندسين لدى السلطان؛ فإنه اضطر إلى أن يستعين ببعض الخبراء الإيطاليين في الأعمال الترابية الذين ساعدوا العناصر العسكرية التي فرزت للعمل في المشروع، كما أن رؤساء الورشات من العثمانيين استعانوا بألمان وإيطاليين، وقد تولى منصب كبير مهندسي الأعمال الفنية مهندس ألماني يُدعى «مايسنر باشا»؛ إضافة إلى مهندسين من إيطاليا وفرنسا والنمسا وبلجيكا واليونان، فقد كان معاون مايسنر باشا المهندس الفرنسي «اشرودر» كما عُهِدت المديرية المالية إلى الفرنسي «غودان».
قطار لشحن الفوسفات بالقرب من معان في الأردن يستخدم الخط الحديدي الحجازي |
بدأ العمل في مطلع أيلول /سبتمبر ١٣١٨هـ/١٩٠٠م من دمشق باتجاه درعا وبالعكس، وتدريجياً فتحت نقاط عمل متعددة في أماكن أخرى، وسار إنشاء الخط حثيثاً من دون توقف، ومرّت أجزاؤه في مراحل ست أُنجزت كالآتي:
المرحلة الأولى من دمشق إلى درعا بطول ١٢٣كم، و المرحلة الثانية من درعا إلى عمان بطول ١٠٠كم أُنجزتا في تاريخ (١٣٢١هـ) ١/٩/١٩٠٣م، والمرحلة الثالثة من عمان إلى معان في الأردن أيضاً بطول ٢٢٧كم أُنجِزت بتاريخ (١٣٢٢هـ) ٢/٩/١٩٠٤م، والمرحلة الرابعة من معان إلى تبوك في السعودية بطول ١١٧كم أنجزت في نهاية ١٣٢٤هـ/ ١٩٠٦م، والمرحلة الخامسة من تبوك إلى مدائن صالح بطول ٦٢٧كم أُنجزت في نهاية ١٣٢٥هـ/ ١٩٠٧م، والمرحلة السادسة من مدائن صالح إلى المدينة المنورة أُنجِزت بتاريخ (١٣٢٦هـ) ١/٩/١٩٠٨م.
محطة تبوك في السعودية |
وفي الفترة نفسها؛ أي بين سنوات ١٣٢٠-١٣٢٣هـ/ ١٩٠٢-١٩٠٥م أنجز الخط الحديدي درعا – حيفا بطول ١٦١كم بناء على رغبة السلطان عبد الحميد بوصل الخط الحديدي الحجازي بمرفأ على البحر المتوسط، حيث وقع الاختيار على مرفأ حيفا، وهو من أغرب الخطوط الحديدية وأصعبها في العالم، وكلف ذلك مبلغاً لا يستهان به؛ إذ بلغت الكلفة الوسطية للكيلومتر الواحد من ٧ إلى ٨ مرات الكلفة الوسطية للكيلومتر الواحد في الخط الحديدي الحجازي. كان السلطان عبد الحميد يرسل كل سنة قافلة حج رسمية مجهزة بكل متطلباتها، وتمر في دمشق حيث ينضم إليها حجاج قادمون من الصين والهند وكردستان والقفقاس وإيران وأفغانستان ومنطقة الفرات ولبنان وغيرها، فقد أنجز الخط الحديدي الحجازي بكامله خلال ٨ سنوات بدءاً من المباشرة به، وفي ٢٢ رجب ١٣٢٦هـ الموافق لـــ ٢٨ أيلول/سبتمبر ١٩٠٨ م جرى تدشين الخط والاحتفال بوصول أول قطار من دمشق إلى محطة العنبرية في المدينة المنورة بحضور الآلاف؛ ورعاية شريف مكة لينوب عن السلطان.
جسر للخط الحديدي في منطقة تبوك
| نفق الأخضر أو كما يُسمى «نفق البوغاز» جنوب تبوك كما ظهر سنة ١٩٠٨م |
بعد ذلك أيضاً زادت أهمية دمشق بوصفها أول محطات الخط الجديد، وصارت محطة القنوات المعروفة بمحطة الحجاز [ر] هي المحطة الأولى والرئيسية لهذا الخط، حيث ظلت دمشق المركز الأهم لتجمع الحجاج القادمين من البلاد الإسلامية المختلفة عبر قوافلهم؛ ليتجمعوا ويركبوا عربات الخط الحديدي الحجازي وينطلقوا إلى المدينة المنورة عبر رحلة مريحة باتت تحتاج إلى أسبوع فقط بعد أن كانت تحتاج إلى أشهر شاقة. مع العلم أن الوقت الفعلي الذي كان يستغرقه القطار هو ٧٢ ساعة فقط. أما بقية الأيام الخمسة فكانت تُستغلّ في وقوف القطار في المحطات وتغيير القاطرات والصيانة.
في ذلك الوقت وبالتحديد خريف سنة ١٣٢٦هـ/ ١٩٠٨م صارت القطارات البخارية تنطلق من محطة قطار «حيدر باشا» بإسطنبول إلى المدينة المنورة؛ معلنة حقيقة قد تجسدت على أرض الواقع بعد أن كانت ضرباً من الخيال، ومن هذا القبيل ما ذكره السلطان عبد الحميد الثاني في مذكراته عن الخط الحجازي: «أخيراً تحقق الخط الحجازي؛ ذلك الحلم الذي طالما راود مخيلتي. فذلك الخط الحديدي لم يكن فقط مصدراً اقتصادياً للدولة العثمانية، بل كان في الآن ذاته يمثل مصدراً بالغ الأهمية من الناحية العسكرية من شأنه تعزيز قدرتنا العسكرية على امتداده».
وقبل ذلك كانت «لجنة خط حديد الحجاز» قد قامت نيابة عن السلطان بافتتاح المحطات الممتدة على الخط الحديدي الحجازي في احتفالات رسمية مهيبة أيضاً. فقد حرص مخططو المشروع أن تكون محطات الخط قريبة من بعضها، فبنيت محطة في مسافة كل ٢٠ كيلومتر تقريباً وأحياناً بمسافة تقل عن ذلك، وقد كان الغرض منها حراسة السكة التي كانت في الغالب تعبر مناطق منعزلة لا يُلفى قربها أي تجمع مدني؛ إضافة إلى غرض الاستراحة والمبيت والتزوّد بالماء، حيث كان في كل محطة بئر أو خزان لحفظ المياه.
محطة الدار الحمراء في السعودية | الدار الحمراء |
الدار الحمراء من الداخل | محطة المدينة المنورة |
من أبرز محطات الخط محطة الحجاز في دمشق، ويتلوها محطة القدم التي تُعدّ أكبر محطة على الخط، حيث يتوفّر فيها أكبر معمل ضمن الخط لصيانة القطارات والعربات، وصينية تدوير للقاطرات، وتضم أقساماً مختلفة للمخارط والمكابس والحدادة والسكب؛ إضافة إلى مستودع للقاطرات. تليها محطة درعا التي تضم مستودعاً للقاطرات ومعملاً صغيراً للصيانة ومثلث تدوير للقاطرات، كما يتفرع من المحطة خط آخر إلى حيفا، ويمتد ليصل إلى وادي اليرموك، فقد بلغ عدد محطات الخط الحديدي من درعا إلى حيفا ثلاث عشرة محطة، يصل الخط الحجازي من محطة درعا إلى محطة عمان التي بها مستودع للقاطرات ومعمل صيانة وصينية تدوير للقاطرات، تليها محطة معان ثم محطة تبوك التي تتكون من مجموعة من المباني المشيدة في خط مستقيم موازٍ لمسار السكة، والمحطتان تحتويان على مستودعات للقاطرات ومعامل للصيانة، من ثم يصل الخط إلى محطة مدائن صالح والتي تضم ستة عشر مبنى، وتحتوي المحطة على ثاني أكبر مستودع للقاطرات حيث يتسع لست قاطرات بخارية. أما آخر محطات الخط فهي محطة المدينة المنورة التي تتميز بتصميمها وعمارتها كما يتوفّر بها مستودع للقاطرات إضافةً إلى أكبر خزان ماء على الخط الحجازي، كما يُلفى على الخط الحديدي العديد من المحطات الأخرى الصغيرة أو المتوسطة التي تضمّ أماكن للاستراحة والمبيت للمسافرين.
محطة أضنة في تركيا | محطة حيدر باشا في اسطنبول في تركيا |
كما أنشئ نحو ألفي جسر مختلفة الأحجام عند تنفيذ الخط الحجازي، وقد تنوعت ما بين جسور ضخمة وعبّارات صغيرة، وذلك لعبور السكة بعدة أودية، بنيت على شكل أقواس، ومن أبرز الجسور الباقية الجسر المعروف بـ »الجسور العشرة» الواقع جنوب شرقيّ عمّان، وقد سمي بذلك لاحتوائه على عشر أقواس بنيت بشكل معماري مميز، كما أن هناك جسراً يمر فوق وادي الأخضر الواقع جنوب تبوك، ويبلغ طول هذا الجسر نحو ١٤٣م.
وإضافة إلى الجسور هناك عدد من الأنفاق، من أبرزها «نفق البوغاز» الذي يقع جنوب تبوك بنحو ٦٠ كيلومتر على طريق سكة الحجاز، كان موقعه يحتوي على عقبة تعرف بعقبة الأخضر، وقد كانت تشتهر بضيقها ووعورتها، فكان الحجاج عند استخدامهم الإبل في العبور قبل إنشاء السكة يضطرون إلى النزول عن ظهور الإبل خوفاً من السقوط، وقد تغير اسم تلك العقبة في العصر العثماني إلى البوغاز؛ وتعني المضيق، ويُعدّ من أقدم الأنفاق وأطولها في شبه الجزيرة العربية عموماً.
محطة حلب في سورية | محطة إزمير في تركيا |
هذا وكان لغير المسلمين أيضاً الحق في استخدام المحطات البينية الموجودة على خط حديد الحجاز، غير أنه لم يكن من المسموح لهم الوصول بالقطار إلى المدينة المنورة، وكان للخط دور في نقل الأموال، وأسدى قطار الحجاز خدمات جليلة لحجاج بيت الله الحرام، واستُخدم أيضاً في بعض الأغراض العسكرية مثل نقل الجنود من منطقة إلى أخرى، كما قام القطار بنقل البضائع بين المناطق المختلفة، وهو ما أحدث انتعاشاً في الحياة الاقتصادية والتجارية.
وتحددت أوقات تحرك القطارات وفقاً لمواقيت الصلاة، فكانت القطارات تتحرك على نحو لا يخل بأوقات الصلاة، فإذا ما دخل وقت الصلاة توقف القطار، وتوجه الركاب لأداء الصلاة في العربة المخصصة لذلك.
لم يلبث السلطان عبد الحميد بعد أقل من سنة حتى عُزل من قبل حزب تركيا الفتاة سنة ١٣٢٧هـ/ ١٩٠٩م دون أن يستمتع بركوب أعظم إنجازاته وتُوفِّي سنة ١٣٣٧هـ/١٩١٨م، وقد ظلت السكة بين السنوات ١٣٢٧-١٣٣٥هـ/ ١٩٠٩ - ١٩١٦م تعمل كما خطط لها بكل نجاح استفاد من خلالها الحجاج والتجار.
أصدرت الدولة قراراً في ١١/١/١٩١٤م قبل الحرب العالمية الأولى يتضمن ربط الخط إدارياً بوزارة الأوقاف؛ كي -تستفيد إن أمكن- من بعض العائدات والهبات التي يتبرع بها الحجاج في موسم الحج، ثم أصبح للخط مجلس إدارة يسمى أعضاؤه من قبل وزير الأوقاف.
إحدى العربات التي كانت مخصصة لركاب الدرجة الثالثة | إحدى العربات التي كانت مخصصة لركاب الدرجة الثانية |
عندما نشبت الحرب العالمية الأولى (١٩١٤-١٩١٨م)، ودخلت تركيا الحرب إلى جانب ألمانيا ضد الحلفاء (إنكلترا وفرنسا)؛ ظهرت أهمية الخط الحجازي وخطورته العسكرية مباشرة على بريطانيا، فعندما تراجعت القوات التركية أمام الحملات البريطانية؛ كان الخط الحجازي عاملاً مهمّاً في ثبات الأتراك في جنوبي فلسطين نحو سنتين في وجه القوات البريطانية المتفوقة، وعندما نشبت الثورة العربية بقيادة الشريف حسين، واستولت على معظم مدن الحجاز؛ لم تستطع هذه القوات الثائرة السيطرة على المدينة المنورة بسبب اتصالها بخط السكة الحديدية ووصول الإمدادات إليها، لذلك لجأ الشريف حسين تنفيذًا لمشورة ضابط الاستخبارات البريطاني لورانس إلى تخريب الخط الحديدي الحجازي ونسف جسوره وانتزاع قضبانه في أجزاء عدة منه؛ خوفاً من احتمال قيام «أحمد جمال باشا» قائد الجيش التركي الرابع باستغلال سكة حديد الحجاز في نقل قواته لضرب الثورة العربية في عقر دارها. وكانت آخر قاطرة وصلت إلى المدينة في يوم ١٣ جمادى الأولى ١٣٣٦هـ الموافق لـــ ٢٤ شباط/فبراير ١٩١٨م، وبقي الخط مقطعاً ومتوقفاً عن العمل حتى انتهت الحرب العالمية بهزيمة تركيا، وتبع ذلك اتفاقيات عدة أفضت إلى تجزئة المناطق التي كانت تابعة للحكم العثماني لدول عدة لم تلبث أن سقطت تحت الاحتلالين البريطاني والفرنسي، فتقاسم الإنجليز والفرنسيون السيطرة على أجزاء من سكة الحديد؛ مما عَقّدَ عملية إدارته، كما كان لعدم حماسة الدولتين لتشغيل القطار للحجاج دور في استمرار توقفه.
ولم تفلح جهود الدول العربية التي استقلت من الاحتلال نحو منتصف القرن ١٤هـ/٢٠م وبسبب ظروفها الخاصة في الاتفاق على إعادة تشغيل الخط على الرغم من المحاولات المتكررة لإعادة تشغيل الخط الحديدي الحجازي أو تحديثه.
غزوان ياغي
مراجع للاستزادة:
- السيد محمد الدقن، سكة حديد الحجاز الحميدية (الطبعة الأولى، ١٩٨٥م).
- محمد بسام العش، دمشق بين الماضي والحاضر (الطبعة الأولى، دمشق ٢٠٠٦م).
- عبد العزيز محمد الشناوي، الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها (مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة ١٩٨٣م).
- موفق بني المرجة، صحوة الرجل المريض (مؤسسة صقر الخليج للطباعة والنشر، الكويت ١٩٨٤م).
- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد السادس مشاركة :