الخطوط الكتابية
خطوط كتابيه
Scripts - écriture
الخطوط الكتابية
الخطوط الكتابية
مرت قرون طويلة من الزمن قبل أن يعرف الإنسان وسيلة للكتابة Scripts، كان يعبر خلالها عما يريد بوساطة الرسم على جدران المغاور والكهوف التي كان يسكنها قبل أن يستقر ويقيم إقامة دائمة في بيوت ثابتة. ومع نهاية الألف الرابع وبداية الألف الثالث قبل الميلاد تم اختراع الكتابة في منطقتين من مناطق الشرق القديم، هما: بلاد الرافدين (العراق) ومصر. وقد سُميت الكتابة الرافدية حديثا ً «الكتابة المسمارية» Cuneiform، (أو الكتابة الإسفينية)؛ لأن أشكال رموزها تشبه المسامير (أو الأسافين)، ويُنسب اختراعها إلى السومريين سكان الجنوب الرافدي، واستخدمتها معظم شعوب الشرق القديم كالأكاديين والبابليين والآشوريين والإبلويين والحوريين والحثيين والعيلاميين؛ مع إدخال بعض التعديلات عليها بما يتناسب واللغات المكتوبة بها. أما الكتابة المصرية فقد سمى الإغريق في القرن الثاني الميلادي أقدم مراحلها «الكتابة الهيروغليفية« Hieroglyphs (النقش المقدس)؛ لأنهم وجدوا نصوصها على جدران المعابد والقبور خاصة، وتفرعت منها في القرن الرابع عشر قبل الميلاد الكتابة الهيراطيقية (الكهنوتية) Hieratic، واشتق من هذه في القرن السابع قبل الميلاد الكتابة الديموطيقية (الشعبية) Demotic. وكانت آخر مراحل الكتابة المصرية القديمة القبطية Coptic التي هي خليط من حروف قبطية وإغريقية؛ ظهرت في القرن الثالث الميلادي.
الحروف الأبجدية الأوغاريتية مدونة على رقيم طيني |
نظر بناة الحضارات القديمة عموما ً إلى الكتابة نظرة مقدسة وعدُّوها ذات مصدر إلهي، فنسبها المصريون القدماء إلى الإله «تحوت» إله القمر والحكمة والمعرفة والفلك والطب والحساب، وعدَّ البابليون الإله «نابو» إلها ً للكتابة، ونسبتها الأساطير الإغريقية إلى الإله «هرمس»، واعتقد الصينيون والهنود القدماء بأصل ٍ إلهي لها.
ونظرا ً لأهمية اختراع الكتابة في تاريخ البشرية عد َّ المؤرخون تاريخ اختراعها حدا ً فاصلا ً بين العصور التي سبقتها وسموها «عصور ماقبل التاريخ أو ماقبل الكتابة»، والعصور التي تلتها وسمُّوها «العصور التاريخية».
أبجدية أوغاريت |
عموما ً يمكن تعريف الكتابة بأنها إشارات ناتجة من تخطيط أو رسم أو نقش أو ضغط بوساطة أداة ما على مادة مناسبة كالطين أو البردي أو الحجر أو المعدن أو الرَّق أو الورق أو غيره، لتنقل بذلك المعلومة من حيز المسموع إلى حيز المرئي. وقد مرت بمراحل تطورية متعددة هي مرحلة الكتابة الصورية، ثم مرحلة الكتابة الفكرية أو الرمزية، تلتها مرحلة الكتابة المقطعية أو الصوتية، وأخيرا ً مرحلة الكتابة الأبجدية أو الألفبائية. هناك من يرى أن مرحلة الكتابة الصورية سبقتها مرحلة عرف فيها الإنسان العدّ والحساب بوساطة مايُعرف بالكرات الطينية Tokens.
رقيمان مسماريان من إيبلا |
إن ابتكار الأبجدية يعد ُّ قمة تطور الكتابة؛ إذ انتقل الإنسان بوساطته من مرحلة الكتابة المعقدة إلى مرحلة الكتابة المبسطة، وذلك من خلال التعبير عن الأصوات المنطوقة برموز ذات أشكال بسيطة أطلق عليها اسم حروف. وتم هذا أول مرة في تاريخ البشرية في مدينة أوغاريت [ر] الكنعانية (رأس شمرا) التي كانت مركزاً تجارياً عالمياً في القرن الرابع عشر قبل الميلاد؛ إذ تم ابتكار ثلاثين حرفاً مسمارياً ساكناً، تُكتب من اليسار إلى اليمين، تمثل ثلاثة منها حرف الألف مضموماً أو منصوباً أو مكسوراً. وقد استخدمها سكان أوغاريت لتدوين آلاف من النصوص بلهجتهم الكنعانية (لهجة أوغاريت) التي كانت سائدة في منطقة الساحل السوري آنذاك. وقد سبق ذلك محاولات مبكرة في وادي الهول بمصر العليا (القرن ١٩ أو ١٨ ق.م)، وفي موقع سرابيط الخادم في شبه جزيرة سيناء (ما بين القرنين ١٦-١٥ ق.م) حيث اكتشفت كتابات أبجدية كنعانية على صخور الصحراء، أنجزها على ما يظهر كنعانيون هاجروا إلى مصر من سورية.
تمثال من الحجر الكلسي لملك ماري على كتفه كتابة مسمارية (الألف الثالث ق.م) | رقيم مسماري من ماري |
وبعد نحو أربعة قرون من ابتكار أبجدية أوغاريت (في القرن العاشر قبل الميلاد) تم ابتكار أبجدية جديدة في مدينة جُبيل الفينيقية الساحلية مؤلفة من اثنين وعشرين حرفاً، كُتبت بخط جديد هو الخط الكنعاني (وفق ترتيب أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت) الذي يُكتب من اليمين إلى اليسار، وأقدم الشواهد عليها نقش أحيرام[ر] ملك جُبيل المنحوت على حافة غطاء تابوت أحيرام.
وقد انتقلت هذه الأبجدية إلى الإغريق الذين استخدموها في تدوين لغتهم التي لم تكن مكتوبة سابقاً. ويظهر أثر ذلك واضحا ً حتى الآن في لفظ معظم أسماء حروف الأبجدية الإغريقية، فالألف: ألفا، والباء : بيتَّا، والجيم : جمَّا، والدال : دِلتا ...... إلخ. وبحسب هيردوت المؤرخ الإغريقي المشهور (القرن الخامس قبل الميلاد) فإن قدموس الفينيقي هو الذي علَّم الإغريق الأبجدية. وانتقلت الأبجدية من الإغريق إلى الرومان الذين استخدموها لكتابة لغتهم اللاتينية.
نقش برركيب الآرامي من موقع زنجرلي | نصب الكسوة وعليه نقش بالكتابة الهيروغلوفية |
نقش يمني قديم كتب بالخط المسند | نقش بنمو الآرامي من موقع زنجرلي |
استخدم الآراميون[ر] في أواخر الألف الثاني قبل الميلاد لكتابة لغتهم أبجدية مشتقة من أبجدية جبيل الكنعانية مع إدخال بعض التغييرات عليها (أشكال خمسة من حروفها). وأقدم نماذجها المبكرة نقش الملك «هد يسعي» المكتشف في تل الفخيرية بالقرب من الحسكة الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع قبل الميلاد. في القرن الخامس قبل الميلاد نشأ من الخط الآرامي القديم خط جميل عرف بالخط الآرامي المربع، وقد أخذه عنهم اليهود، ودونوا به معظم أسفار العهد القديم، ودوّن الأنباط سكان البتراء بالخط الآرامي الكثير من النقوش التي يعود أقدمها إلى أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، واستخدمه التدمريون بدءاً من القرن الأول قبل الميلاد في كتابة الكثير من نقوشهم. اشتق منه فيما بعد الخط السرياني في القرن الثاني الميلادي الذي ظهر أولا ً في الرُّها، ثم تفرعت منه خطوط أخرى كالإسطرنجيلي والسرطو وغيرها. ووصل تأثير الخط الآرامي إلى إيران والهند حيث ساهم في نشوء خطوط جديدة كالخط البهلوي في الدولة الساسانية، والخط البراهمي في الهند.
تتميز الكتابة الآرامية بأنها تُكتب كالكنعانية الفينيقية من اليمين إلى اليسار، وتُكتب فيها الحروف منفصلة بعضها عن بعض، ولاتوجد فيها حركات لضبط أواخر الكلمات. وقد سادت اللغة الآرامية وكتابتها في معظم أنحاء الشرق القديم ولاسيما بلاد الرافدين وسورية وإيران في زمن الامبراطورية الفارسية الأخمينية[ر] ( ٥٣٩- ٣٣٣ ق.م)، وفي العصر الهلنستي ( ٣٣٣-٦٤ ق.م).
نقش أحيرام ملك جبيل المنحوت على حافة غطاء تابوته |
ظهرت في شبه الجزيرة العربية والحبشة في الألف الأول قبل الميلاد مجموعة من الخطوط والكتابات المشتقة كلها من الخط المسند الذي ابتكره اليمنيون القدماء في تاريخ يصعب تحديده، واستخدمه عرب الجنوب لكتابة لهجاتهم المختلفة كالسبئية والمعينية والحضرمية والقتبانية؛ وعرب الشمال لتدوين الثمودية واللحيانية والديدانية والحسائية والصفائية. يتألف الخط المسند من تسعة وعشرين حرفاً ساكناً، لها شكل عمودي وكأنها مستندة إلى دعائم، لذلك سمي الخط المسند. يُكتب من اليمين إلى اليسار بأحرف منفصلة، وأحيانا ً من اليسار إلى اليمين، وتفصل بين الكلمات خطوط عمودية، ولا يحتوي على حركات تنقيط، ولا تتغير أشكال الحروف أينما وقعت في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها. نُحتت معظم نصوصه على الصخور. هناك خلاف حول نشأته، فبعض الباحثين يرى أنه نشأ بتأثير الكتابة السينائية، في حين يرى فريق ٌ آخر أنه ابتكار يمني خالص.
عيد مرعي
راجع للاستزادة:
- يوهانس فريدريش، تاريخ الكتابة، ترجمة سليمان أحمد الضاهر (دمشق 2004).
- عيد مرعي، «الكتابة والتعليم في بلاد الرافدين»، مجلة دراسات تاريخية 41-42، دمشق 1992، ص 7- 42.
- Andrew Robinson, The Story of Writing, Thames and Hudson 1995.
- Harald Haarmann, Geschichte der Schrift, München, 3rd edition 2007.
- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد السادس مشاركة :