الخرانة IV
خرانه IV
-
الخرَّانة IV
الخرَّانة IV
لا يبعد موقع الخرانةIV Kharaneh في وادي الخرانة سوى كيلومترين اثنين عن قصر الخرانة الأموي في البادية الأردنية في واحة الأزرق الواقعة إلى الشرق من العاصمة عمان بنحو 70 كم، ويُعدّ هذا الموقع- الذي تبلغ مساحته ٢١٠٠٠م٢ - ومعه موقع جيلات ٦ أكبر موقعين في حوضة الأزرق في الفترة الأخيرة من عصر البليستوسين Pleistocene؛ لأن مساحة المواقع المشابهة لهما تراوح بين ٦٠٠ إلى ١٢٠٠م٢ فقط، ويرتفع موقع الخرانة ٦٥٩م عن سطح البحر، ويعلو نحو المترين عن الأرض المجاورة له، وتحيط به جبال لا يتجاوز ارتفاعها ١٠٠٠م، ويمتاز بكثافة البقايا الصوانية المنتشرة على سطحه، وقد عانى الموقع آثار الحت مما أدى إلى انكشاف طبقاته السطحية وظهور اللقى الصوانية والعظمية.
اكتشف الموقع ل. هاردينغ L. Harding سنة ١٩٥٦م، أما أعمال المسح الأثري فيه فقد بدأت سنة ١٩٧٥ وقام بها أ. ن. غارارد A. N. Garrard ون.ب. ستانلي N. P. Stanley اللذان أرجعا آثار الموقع إلى العصرين: الحجري الوسيط (الفترة النطوفية) والحجري الحديث. وبدأت دائرة الآثار الأردنية التنقيب فيه بإشراف مجاهد محيسن خلال أعوام 1981 و1983 و١٩٨٥.
نقّب محيسن الطبقات الكبارية الهندسية على نحو رئيسي كما سبر الطبقات الكبارية، وعثر على بقايا هيكلين عظميين إنسانيين يعودان إلى بداية فترة العصر الحجري الوسيط؛ وعلى مواقد وأرضيات سكن ومجارش ولقى وأدوات صوانية وعظمية، وتعرّف أربع حقب رئيسية اثنتين منها كبارية واثنتين كبارية هندسية.
الخرَّانة IV: موقع ثلاث منشآت |
استؤنف التنقيب بين عامي ٢٠٠٨-٢٠١٢م من قبل بعثة إنكليزية من جامعة كمبردج برئاسة ليزا ماهر؛ ورافقه مشروع لدراسة البيئة القديمة وجيولوجيا المنطقة وتأريخ الموقع، وعملت البعثة على تنقيب جميع الطبقات الأثرية؛ وعلى تحليل البقايا الصوانية والعظمية والمغرة الحمراء والأصداف، ودراسة البيئة والنباتات القديمة من خلال تحليل البقايا النباتية المتفحمة.
تعود اللقى الصوانية في الموقع إلى فترة العصر الحجري الوسيط، وهي تنتمي إلى الثقافة الكبارية والكبارية الهندسية.ومن خلال دراسة الطبقات الأثرية أمكن تمييز ١٣ فترة تاريخية تمتد ما بين ١٨٦٠٠ و ١٩٩٠٠ق.م، كما تم تمييز بعض الأرضيات السكنية التي عثر فيها على مجموعة من البقايا الصوانية والعظمية، أظهرت دراستها أنها تنتمي إلى أربع حقب استيطان: A, B, C, D تعود كلها إلى الثقافة الكبارية، لكن أدوات الحقبتين A و B من نمط الثقافة الكبارية، وأدوات الحقبتين C و D من نمط الكبارية الهندسية.
الحقبة A: هي فترة الاستيطان الأقدم في الموقع. تتميز بهيمنة النصيلات ذات التشذيب الناعم الجزئي أو الكامل لأحد الحدين القاطعين، كما تتميز بوجود الأدوات الغرافيتية الدقيقة microgravettes ذات التشذيب المتقاطع.
الحقبة B: تتميز بانتشار النصيلات المظهرة والمبتورة بشكل مائل من أحد الجانبين والمشذبة بوساطة التشذيب الناعم. كما تنتشر النصيلات الرفيعة ذات الرأس المدبب والمشذبة بوساطة التشذيب الناعم. كذلك بدأ ظهور الأدوات الميكروليتية الهندسية بعدد قليل خلال هذه الفترة.
الحقبة C: استمر ظهور الأدوات الميكروليتية الهندسية بعدد قليل.
الحقبة D: احتوت على أدوات ميكروليتية هندسية وازدادت نسبة الأدوات المضلعة trapeze والمستطيلة، وتتميز بالتنوع الكبير في الشكل وطريقة تصنيع الظهر والأطراف وتشذيبها.
قصر الخرانة |
صنف محيسن الأدوات المكروليتية في خمس مجموعات بحسب عرض الأداة، كما وضع قائمة خاصة بأنماط الأدوات المنتشرة في الموقع؛ ولم يعتمد على القوائم السابقة نظراً لعثوره على أدوات جديدة.
تم العثور على عدد من المدافن يحوي أحدها هيكلين عظميين غير كاملين، تميزت طريقة الدفن بتسجية الجثة على الظهر واليدان ممدودتان على الجانبين. وفي القبر (2) عثر على هيكل واحد، اتجاه الرأس كان نحو الشمال الشرقي، وبجانبي الرأس وضعت قرون غزال ضرباً من الطقوس. وقد قُدِّر عمر صاحب القبر بين 35 - 45 عاماً، ويبدو أنه عانى المرض قبل موته وهذا ما يستنتج من خلال تغير شكل عظام الوجه والفك. أما في القبر (1) فقد كشف عن هيكل عظمي لرجل قصير القامة؛ عانى أيضاً مرضاً تأثرت به أسنانه ففقد عدداً منها.
اكتشفت بعثة التنقيب البريطانية في القطاع A من الموقع عدة مواقد وحفر ترتبط بأنشطة تحضير الطعام خارج القطاع المسكون من الموقع، فقد عثر على قرون وبقايا عظام غزلان ما تزال مرتبطة بعضها ببعض، وتم تفسير هذه المكتشفات بأنها مكان لتحضير اللحم وتجفيفه.
أما في القطاع B من الموقع فقد تم العثور على بناءين يعود تأريخهما إلى نحو ١٩.٤٠٠ق.م
البناء (١):
تمثل بأرضية سكن بيضوية الشكل سماكتها 2-3سم من الطين المدكوك، عليها طبقة سوداء غنية بالمواد العضوية والبقايا الفحمية يعتقد أنها تدل على استخدام الخشب في البناء. في داخل هذه البناء البيضوي جزء من مجرشة إضافة إلى كمية من المغرة وخمس فقرات متصلة من عمود فقري لثور بري، وأكثر من ألف قطعة صدف مثقوبة مجلوبة من البحر الأبيض المتوسط والبحر الميت.
البناء (٢):
لم ينقب البناء (٢) كلياً، وهو ينخفض قليلاً في الأرض وبشكل نصف دائري. تم حفره ضمن طبقة أثرية سابقة تعلوها عدة طبقات تكثر فيها البقايا العضوية، وفيها حفرة وضع ضمنها قرون غزال و ثور بري. وقد تمت مقارنتها بالبنى المكتشفة في مواقع أزاريق ١٣ وموقع عين جيف١ وأوهالو٢. وثمة دلائل حول هدم متعمد لجزء من هذه البناء.
أصداف بحرية من البحر المتوسط والبحر الأحمر مكتشفة في الموقع | أدوات هندسية مضلعة ومشذبة متنوعة الأشكال |
تساهم هذه اللقى في دراسة تطور أنماط العمران في الفترات القديمة السابقة للفترة النطوفية. أما الأبنية السكنية ذات الطابع الدائم فهي تعود إلى الفترة النطوفية ليمثل موقع الخرانة الدليل الوحيد على أبنية سكن دائمة سابقة لتلك الفترة. لا تأتي أهمية هذه البنى من ندرتها أو من تأريخها القديم فقط ولكن من الاستخدام المتعاقب لها، لتقدم الدلائل الأولى حول السكن المتكرر للموقع وفي فصول مختلفة من السنة؛ وكذلك حول طبيعة الاستيطان في منطقة حوضة الأزرق.
كانت حوضة الأزرق خلال فترة البليستوسين الأعلى غنية بالمياه وبأنواع كثيرة من النباتات التي تم تحديد بعض أنواعها، ومنها الأعشاب والطرفاء ورجل الإوز chenopodium والفستق البري pistachio وأنواع أخرى متعددة استفاد منها الإنسان في غذائه وبناء مسكنه وحطب موقده.
جذبت وفرة المياه والنباتات قطعان الغزلان إلى الواحة، مما أدى إلى هيمنة بقايا عظام الغزلان بنسبة 90% على مجموع بقايا العظام الحيوانية المنتشرة في الموقع. كما عثر على بقايا عظام لحيوانات أخرى متعددة كالثعلب والأرانب البرية والخيول البرية والسلحفاة والطيور المائية والأسماك.
رسم يوضح طريقة دفن الميت في الخرانة |
برهنت دراسات البيئة القديمة والنباتات والحيوانات المنتشرة في موقع الخرانة على غنى واحة الأزرق بالمياه والغطاء النباتي والحيوانات خلال فترة العصر الجليدي الأقصى الأخيرة، لتدحض الفكرة العامة والتصورات حول الجفاف العام الذي ساد البادية خلال هذه الفترة؛ ولتبرهن على وجود واحات خضراء ضمن البادية الشامية. جذبت وفرة المياه الحيوانات المتعددة وعلى وجه الخصوص الغزلان التي اصطادها الإنسان بكثافة. كما برهنت الدراسات المتعددة الاختصاصات على وجود استيطان إنساني كثيف ومتواصل لهذه المناطق ومواقعها.
هزار الأحمر
مراجع للاستزادة:
- L. Maher, B. Banning, M. Chazan, Oasis or Mirage? Assesing the role of abrupt climate change in the prehistory of the southern Levant. Cambridge Archaeological Journal 21:1, (2011), p.1–29.
- M. Muhesein, Le gisement de Kharaneh IV, note sommaire sur la phase D. , Paleorient 14/2, (1988), p.75-95.
- M. Muhesein, H. Wada, An analysis of the Microliths at Kharaneh IV, Phase D, Paleorient 21/1, (1995), p.265-269.
- S. L. Rolston, Two prehistoric burials from Qasr Kharaneh, Annual of the Department of Antiquities of Jordan. N.26, 1982, P.221-228.
- التصنيف : عصور ما قبل التاريخ - المجلد : المجلد السادس مشاركة :