الخانجي (حمام-)
خانجي (حمام)
-
الخانجي
الخانجي (حمام -)
يقع الحمام في مدينة دمشق القديمة خارج أسوارها وشمال قلعتها، في منطقة ساروجة، شرق شارع الثورة ومدرسة ست الشام، وعلى شارع سوق ساروجة بجانب بيت خالد بك العظم [ر] (مركز الوثائق التاريخية).
أنشأه الأمير صارم الدين صاروجا بن عبد الله المظفري، أحد أمراء الملك الناصر محمد بن قلاوون. أُطلِق على هذا الحمام في أوائل القرن ١٠هـ/١٦م اسم حمّام العين؛ وذلك لوجود عين ماء كان تعرف بعين علي، ثم عُرف بعدها بحمام الخانجي، وهو لقب إحدى الأسر التي كانت تقطن حي ساروجة في نهاية العصر العثماني، والتي كانت تشرف على عمل الخانات. وقد جاء ذكر الحمام في مواضع كثيرة بأنه من أهم الحمامات الدمشقية من حيث الموقع وطريقة البناء، ومنها كتاب نعمان قساطلي «الروضة الغناء في دمشق الفيحاء».
الواجهة الرئيسية | القسم البراني |
المدخل |
تطلُّ واجهته الجنوبية - وهي الواجهة الرئيسية - على حي ساروجة، وهي مبنية من الحجر البازلتي الأسود بكاملها، تبدأ من الغرب بنافذة خشبية ذات شكل مستطيل، معقودة بعقد نصف دائري ومغطاة بالمشبكات المعدنية، يليها باب الدخول ذو الساكف المستطيل المكون من مدماكين من الحجر البازلتي، يتوسط الساكف قفل من الحجر الكلسي الأبيض، وتعلوه نافذة دائرية (شمسية) ذات إطار بارز قليلاً. ويلي المدخل أربع نوافذ مماثلة للنافذة الأولى، ويعلو الواجهة شرفة منحنية بعرض ١م، ملبّسة بعوارض خشبية، وتنتهي الواجهة بكتلة بارزة بنحو ٥٠سم يشغلها السبيل، تعلوها شمسية مشابهة لتلك التي فوق الباب.
يتم الدخول إلى الحمام بوساطة دهليز ضيق ينفتح عليه بابان: الأيسر يؤدي إلى مطبخ صغير يتم تحضير المشروبات الساخنة فيه. أما الأيمن فيفضي إلى القسم البراني من الحمام.
البراني: يتكون البراني من قاعة كبيرة مستطيلة تقريباً أبعادها ١٠×١٢م، مقسمة إلى ثلاث مصاطب، بوساطة أقواس (شرقية– غربية). الجزء الأول تحدده قوسان مدببتان، الشرقية منهما كبيرة تستند إلى دعامة في الجدار الشرقي وعمود بازلتي، تحتها مصطبة مربعة ترتفع نحو ٤٠سم، كانت فيما مضى مخصَّصة لكبار القوم من المستحمين وتدعى القصر؛ في حين يغطي القوس الغربية الصغيرة فراغ الدخول إلى باقي أقسام الحمام. يفصل الجزء الثاني عن الثالث من البراني قوس كبيرة نصف دائرية تمتد على كامل عرض البراني. سقف الجزآن الأول والثاني بسقف مستوٍ مكسو بألواح خشبية ملونة بالأبيض والأخضر؛ في حين يحتل سقف الجزء الثالث قفاعة مستطيلة تنفتح في جدرانها العلوية عشر نوافذ مستطيلة الشكل بمعدل ثلاث في كلٍّ من الجدارين الشرقي والغربي، ونافذتين في كلٍّ من الجدارين الجنوبي والشمالي؛ في حين سقف باقي الجزء الثالث بسقف مستو كسي بألواح خشبية، وقد تمَّ تغطية الجزء الفاصل بين السقف المستوي وجدران القفاعة بشرفة منحنية بشكل ربع دائرة، ويتوسط هذا الجزء بركة مثمنة الشكل بارتفاع نحو ١م، عملت من الرخام المزي وبكل ضلع من أضلاعها زخارف رخامية ملونة، تتوسط البركة كأس رخامية.
قبة الوسطاني | القفاعة (البراني) | الحوض في زاوية الوسطاني |
أما أرضية البراني فمكسوة بالحجر والبلاط الحديث المكونتين من قطع مستطيلة الشكل، الجدران مطلية بالكلس والدهان العادي، ويحيط بكل المصاطب درابزين من الخشب المشغول. يشغل الجدار الشمالي للبراني نافذتان مستطيلتان تنفتحان على ساحة الخدمة، وباب يؤدي إلى القسم الوسطاني.
الوسطاني: يتم الوصول إليه عبر ممر ضيق قليل الارتفاع، ينفتح على دهليز احتل الجهة الشرقية منه حجرتان للحمام والمطاهر. أما الجهة الشمالية فتنفتح على درج يتألف من تسع درجات توصل صعوداً إلى ساحة الخدمة والقميم؛ في حين ينفتح باب في الغرب يؤدي إلى الوسطاني، وهو قاعة مربعة الشكل تعلوها قبة نصف دائرية تشغلها بالكامل القمريات المحمولة على أربع أقواس مدببة، في جدراها الجنوبي كوة ترتفع عن الأرض قليلاً، في حين يحتل زاويتها الشرقية- الشمالية حوض ربع دائري كان يستخدم قديماً لحصول المستحمين على الماء. أما الآن فقد أصبحت هذه القاعة مقصورة خشبية غير ثابتة لحمام البخار.
الجواني: يتكون من قاعتين مربعتين جنوبية وشمالية، أبعاد كلٍّ منهما ٤.٥×٤.٥م، وترتفع نحو ٥م، تعلو كلاً منهما قبة نصف دائرية، محمولة على أربع أقواس مدببة، يتم التحويل من الشكل المربع إلى الدائري بوساطة مثلثات كروية، ويفصل بينهما قوس مدمجة، ويشغل القبتان قمريات لإدخال النور إلى القاعتين. أرضية الجواني والوسطاني مفروشة بالبلاط القديم من الحجر الأسود تتخلله تحديدات من الموزاييك حديثة. وتحيط بالجدران أجران حجرية للمياه، وفي الجدار الجنوبي للقاعة الجنوبية يوجد كوة ذات أقواس، وتحاذيه مصطبة للجلوس؛ بينما شغلت جدران القاعة الشمالية ثلاث مقاصير للاستحمام أبعادها نحو ٢.٥×١م، وتعلوها رقيبات لطيفة للإنارة محمولة على أقواس معقودة في الجدران. ترتفع مدخنة الحمام فوق الجهة الشمالية من الجواني وهي مبنية من الآجر ومرممة بالإسمنت.
قسم البراني | إيوان البراني |
القميم: غرفة تقع إلى جانب الحمام، مقابل الحرّاق مخصَّصة عادة لخدمة الموقد الكائن في القبو، ويتألف الموقد بصورة أساسية من أسطوانة مفرغة من الآجر الناري موضوعة تحت الجفنة الكبرى (الجرن الكبير الفخاري)، ويقع في قسمها الأمامي فجوة صغيرة تسمح بإضرام النار.
وعند كل صباح يُملأ الموقد بالخشب وبقضبان القنب ثم يُشعَل، وعندما تضطرم النار تغلق الفجوة بصورة محكمة بوساطة بلاطة تلصق بها بطينة لزجة. وبدءاً من هذه اللحظة فإن تغذية الموقد بالوقود تتم بطريقة مختلفة تماماً؛ حيث تتم التغذية عبر قناة ذات ميول هرمي تتجه إلى أسفل الأسطوانة الآجرية، وتصب بصورة دائمة بوساطة الفتحة العلوية للمجرى كميات من الوقود (نشارة، روث الدواب، قش مفروم وغير ذلك من مواد) تصل إلى الموقد.
إن أرض الموقد ذات ثقوب تتساقط منها بقايا المحروقات في وعاء مخصَّص لجمع الرماد؛ إذ يمكن تصريفها بواسطة فتحة صغيرة، ومن هذه الفتحة أيضاً تتم عملية التهوية اللازمة للشفط.
وعلى الأرض يكدس الوقود الذي يدفعه القميمي بلا توقف في ثقب تغذية النار. هناك درج يؤدي إلى القبو الضيق الذي تمارس فيه عملية إضرام الموقد وتنظيفه، وفي سقف الحجرة ثقب كوة، هي الفتحة الوحيدة التي تمكن من جلب بعض النور عندما يكون باب الغرفة مغلقاً.
فسقية على شكل ربع دائرة | عقود وشبابيك وسقف في الحمام |
السبيل: يشغل الزاوية الشرقية من الواجهة الرئيسية، وتبلغ أبعاده ٢×٢م، تغطي الفتحة قوس نصف دائرية مبنية من الحجر الأبلق، ترتفع نحو ١٨٣سم عن الشارع، ويرتفع حوض الماء عن الشارع نحو ٧٢سم. وقد شغل صدر السبيل ثلاث لوحات رخامية كُتب على الأولى: {بسم الله الرحمن الرحيم{، وعلى الثانية: {وسقاهم ربهم شراباً طهوراً، صدق الله العظيم}؛ أما الثالثة فقد كتب عليها: «رمم هذا السبيل الدكتور عبد الرحمن العطار على روح والده المرحوم مصطفى العطار». والسبيل بحالة جيدة؛ لكنه غير مستخدم حالياً.
إن معظم عمليات الترميم التي جرت على حمام الخانجي كانت غير مدروسة تماماً، وأضاعت الكثير من المفردات الجميلة، ولا سيما ما يتعلق بالجدران؛ إذ كانت تزدان بالكثير من اللوحات الفنية التي تجسد حياة المجتمع الدمشقي الاجتماعية. كما أضاعت عمليات الترميم الرونق الجمالي لأرضية الحمام التي كانت منسوجة وفق أطر الهندسة المعمارية التقليدية المحكمة، والتي تتناسب مع بقية الأجزاء والمفردات.
لقد ابتعدت عمليات الترميم المستحدثة بعض الشيء عن النمط التقليدي القديم؛ ربما لاختلاف المواد الأولية المستخدمة ممّا أساء لقيمته الأثرية، وهذا ما جرى أيضاً على السقف والنوافذ، كما نال هذا الأمر البركة التي تتوسط فناء الحمام وأفقدها رونقها القديم. وقد تلاشت بالفعل اللمسات الجمالية للفن المعماري القديم مقارنة بالحمامات الأخرى، وحلِّ محلّها مفردات جديدة لا تتوافق أبداً وروح الأصالة والتآخي المعماري، وهذا ما حدث أيضاً لباقي مفردات الحمام ومقتنياته.
وكان آخر ترميم لهذا الحمام سنة ١٤١٣هـ/١٩٩٢م؛ وذلك وفقاً للّوحة التي استقرت على واجهته.
محمد فياض
مراجع للاستزادة:
- نعمان قساطلي، الروضة الغناء في دمشق الفيحاء (دار الرائد العربي، سلسلة التوزيع والرحلات، بيروت ١٩٨٢م).
- ميشيل إيكوشار وكلود لوكور، حمامات دمشق، تعريب المهندسين: ممدوح الزركلي– نزيه الكواكبي (دمشق ١٩٨٥م).
- منير كيال، الحمامات الدمشقية (مطابع ابن خلدون، دمشق ١٩٨٦م).
- عبد القادر الريحاوي، العمارة العربية الإسلامية (دار البشائر، دمشق ١٩٩٩م).
- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد السادس مشاركة :