خان
-

 الخـان

الخـان

 

الخان كلمة فارسية الأصل، بمعنى منزل مؤثث أو نُزل مفروش مهيَّأ للطعام والشراب والنوم، وهو أيضاً دكان أو حانوت كبير للتجار.

والخان في العمارة الإسلامية من أنواع العمائر التجارية التي تبنى لتكون مكاناً يقصده التجار للاستراحة وبيع ما يحملونه من سلع. وقد شاعت الخانات على طرق القوافل الممتدة بين المدن في العالم الإسلامي عموماً وفي سورية خصوصاً لأهمية موقعها على طرق التجارة القديمة، وكانت المسافات فيما بين الخانات تُحدد بمسيرة يوم أو ما يقرب من ثلاثين كيلومتراً، والخانات نوعان:

الأولى: هي التي تبنى على طرق التجارة خارج المدن وتسمى خانات الطرق.

الثانية: هي التي تبنى داخل المدن بشكل عمائر تكمل الأسواق، وترتبط بها وتقوم بوظائف مساعدة لها.

وقد عرفت الخانات من حيث وظيفتها منذ مطلع العصر الإسلامي، ولعل أقدم خان أنشئ في هذا العصر الذي بناه الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك سنة 109هـ/728م، بمكان غير بعيد عن قصر الحير الغربي [ر] في البادية السورية.

خان الوزير في حلبخان العروس بين دمشق وحمصخان الزيت في دمشق

 

وقد ازدهرت عمارة الخانات وزادت العناية بها، وانتشرت منذ القرن 6هـ/12م، في سورية ثم في إيران والأناضول، وانتشرت هذه الخانات داخل المدن وعلى الطرق التي تصل بين المدن الرئيسية والمراكز التجارية المهمة، ومن أشهرها خان العروس [ر] الواقع على الطريق بين دمشق وحمص غير بعيد عن مدينة القطيفة الحالية، والذي بُني زمن السلطان صلاح الدين سنة 577هـ/1181م، وهو الذي يذكره ابن جبير باسم «خان السلطان» في رحلته بمعرض حديثه عن هذه الخانات حين قال: «.... ثم رحلنا منه إلى قرية تعرف بالنبك، بها ماء جار ومحرث متسع، فنزلنا بها للتعشية. ثم رحلنا منها -بعد اختلاس تهويمة خفيفة - وأسرينا الليل كله، فوصلنا إلى «خان السلطان» مع الصباح. وهو خان بناه صلاح الدين صاحب الشام، وهو في نهاية الوثاقة والحسن، بباب حديد على سبيلهم في بناء خانات هذه الطرق كلها، واحتفالهم في تشييدها. وفي هذا الخان ماء جار، يتسرب إلى سقاية في وسط الخان كأنها صهريج، ولها منافس ينصب منها الماء في سقاية صغيرة مستديرة حول الصهريج، ثم يغوص في سرب في الأرض. والطريق من حمص إلى دمشق، قليل العمارة إلا في ثلاثة مواضع أو أربعة، منها هذه الخانات المذكورة. فأقمنا يوم الأربعاء، الثالث والعشرين لربيع المذكور، بالخان المذكور مريحين ومستدركين النوم إلى أول الظهر. ثم رحلنا وجزنا بثنية العقاب، ومنها يشرف على بسيط دمشق وغوطتها».

البوابة الخارجية لخان الوزيرالزخارف الداخلية لقبة في خان أسعد باشا - دمشقخان أسعد باشا في دمشق

والواقع أن الكثير من خانات الطرق هذه لم تلبث أن تحول محيطها إلى مكان جذب عمراني؛ فعمرت حولها الحواضر كما حصل حول «خان العسل» [ر] المعروف بالقرب من حلب الذي كان سبباً لوجود قرية خان العسل المشهورة حوله.

ومن الواضح أن مصطلح خان قد توسع استخدامه منذ القرن 7هـ/13م؛ ليحل محل كل المسميات السابقة التي أطلقت على استراحات المسافرين في الفترات السابقة، مثل مصطلح «الدار» الذي شاع في الشام والعراق خلال القرن 5هـ/11م للدلالة على هذه الاستراحات. وهناك مصطلحا «دار الوكالة» و»سراي القوافل» اللذان كانا يستخدمان للدلالة على استراحات التجار داخل المدن في القرن 6هـ/12م، وكذلك مصطلحا الفندق والقيسارية اللذان شاعا في القرن 7هـ/13م.

نوافذ فوق الواجهة الداخلية لمدخل خان الوزير

 

وقد شيدت الخانات بتصميم يوفر راحة المسافرين، ويلبي احتياجاتهم، ويسهل قيامهم بعملية بيع سلعهم. وعموماً فقد عُمّر الخان بمسقط مربع أو مستطيل يتوسطه فناء واسع مكشوف، وتتوزع حوله أربع أضلاع بطابق أو طابقين (أرضي وأول) يصل ارتفاعهما إلى 8م، حيث يحتوي الطابق الأرضي على غرف متعددة واسعة ومناسبة لخزن البضائع، إضافة إلى وجود إسطبل واسع، في حين يحتوي الطابق الأول على غرف صغيرة تفتح على رواق متقدم يلتف حول الأضلاع الأربع للخان، ويفتح على الفناء بعقود محمولة على دعامات، وتستخدم الغرف للنوم أو فندقاً بحيث يحتوي على غرف فخمة لنزول التجار الأغنياء والوجهاء، وأخرى عادية لنزول المسافرين والناس العاديّين.

مخطط خان أسعد باشا في دمشق ـ مسقط أفقي للطابق الأرضي (الأثار والمتاحف)

وجاءت الواجهات الخارجية للخانات مرتفعة حصينة تحقّق حماية من فيه، وعليه فأغلب الخانات ذات مدخل وحيد ضخم، يسمح بدخول القوافل، وهو مزود بباب كبير بمتاريس تشبه أبواب الحصون، ويحتوي الخان عادة على مسجد صغير.

ومع الاستقرار السياسي الذي شهدته بلاد الشام منذ منتصف القرن 7هـ/13م وبالتحديد منذ بداية العصر المملوكي وما بعده، وما تلا ذلك من نشاط الحركة التجارية بين الشرق والغرب؛ ازدهرت عمارة الخانات داخل المدن وخارجها حتى صار كلٌّ منها متخصّصاً بأنواع محددة من المتاجرات، مثل خان الصابون وخان الكتان وغيره في مدينة حلب، وخان الجمرك وخان الحناء في حماة، وخان الزيت وخان الحرير وخان البطيخ وخان التتن وخان الجوخية في دمشق. كما حملت بعض الخانات أسماء منشئيها مثل خان قدرت بك بن خسرو باشا وخان الوزير في حلب، وخان أسعد باشا وخان رستم باشا في حماة، وخان جقمق وخان أسعد باشا العظم في دمشق، وكذلك خان أسعد باشا العظم المشهور في معرة النعمان.

خان رستم باشا في حماةخان الشونة - حلبخان جقمق في دمشق

وعموماً فإن التشابه الكبير للخان من حيث عمارته ومن حيث وظيفته مع أقدم الأنواع الأخرى وأحدثها للعمائر التجارية التي عرفت في سورية والدول المحيطة بها (الفندق والقيسارية والوكالة)؛ أدى إلى الخلط عند حديث المؤرخين والرحالة عنها؛ فقد قال ابن جبير عند زيارته لدمشق أواخر القرن 6هـ/12م: «وأسواق هذه البلدة من أحفل أسواق البلاد، وأحسنها انتظاماً وأبدعها وصفاً، ولاسيما قيسارياتها، وهي مرتفعات كأنها الفنادق، مثقفة كلها بأبواب حديد كأنها أبواب القصور، وكل قيسارية منفردة بصيغتها، وأغلاقها الجديدة»، كما حمل النص التأسيسي لخان العروس المذكور سابقاً اسم فندق وليس اسم خان، ومازال يقرأ على نقشه المجدد هذا الاسم.

 
خان الشونة من الداخلخان الشونة ـ حلب

وليس هذا الخلط بغريب؛ حيث قام المقريزي عند ذكره للعمائر التجارية بالقاهرة بوضع الخانات والفنادق والوكالات تحت باب واحد نظراً لتشابهها من حيث المباني ومن حيث الغرض والاستعمال، كما أن الخلط بين الفنادق والخان موجود أيضاً في الوثائق، كما وردت اسم القيسارية في سجلات المحكمة الشرعية في حماة بحوادث سنة 950هـ/1543م.

ومن المؤكد أنه على الرغم من شيوع استخدام مصطلح خان في العصر المملوكي ثم العثماني؛ لم يكن ذلك يعني انتفاء استخدام مصطلح الفندق والوكالة والقيسارية، ويبدو أن استخدامها ارتبط بالأشخاص أو بالمدن وبالأقاليم، حيث تتعدد الأمثلة على لذلك سواء بين المدن السورية أم بين سورية والأقاليم المحيطة، مثل مصر التي شاع فيها استخدام لفظة الوكالة أكثر من الألفاظ الأخرى التي سبق ذكرها.

غزوان ياغي

 

مراجع للاستزادة:

- عبد القادر الريحاوي، العمارة العربية الإسلامية خصائصها وآثارها في سورية (منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق 1979م).

- محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي البلنسي، رحلة ابن جبير (الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 1998م).

- غزوان ياغي، المعالم الأثرية للحضارة الإسلامية في سوريا (المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، الرباط 2011م).


- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد السادس مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق