خالكيس (موقع-)
خالكيس (موقع)
Chalcis -
خالكيس
خالكيس
تقع بقايا مدينة خالكيس Chalcis في شمالي سورية، وتبعد نحو٢٥ كم عن حلب باتجاه الجنوب الغربي. وخالكيس هي نفسها قنسرين حالياً، وتم مطابقتها من خلال خريطة بوتنجر[ر] Peutinger المؤرخة في القرن 13م؛ والمنسوخة عن خريطة رومانية من القرن 4م. يتوضع الموقع على الضفة اليمنى لنهر قويق ضمن السفوح الجنوبية لسلسلة جبلية، عند النهاية الجنوبية الشرقية للكتلة الكلسية في شمالي سورية. ويُعرف الموقع باسم تل النبي العيس لمجاورته مرتفعاً جبلياً يحمل الاسم نفسه، يعلو نحو 25 م عن محيطه. ونظراً لهذا الارتفاع فقد عُرف منذ العصر الآرامي باسم قنسرين ويعني عش النسور، عُدَّ نقطة مراقبة للمنطقة المحيطة بأكملها؛ لأنه كان يشرف على الطريق القديم الواصل بين تدمر وأنطاكية، والطريق القادم من حلب. كما تحيط بالموقع مجموعة من التلال الأثرية خصوصاً في الجهة الشمالية مثل تل برنة وإيرس وحورانة وغيرها.
الأعمال الأثرية:
بدأت الأعمال الأولى في الموقع بجمع النصوص الكتابية التي تم العثور عليها خلال القرن الثامن عشر ميلادي وتسجيلها، وفي سنة 1919 م وصل المعماري الفرنسي ليونس بروسيLéonce Brossé إلى الموقع، وكان يعمل لدى مصلحة آثار سورية في بيروت، حيث أنجز أول مخطط للبقايا المعمارية الظاهرة على الأرض ودوّن الكثير من الملاحظات، ونشر النتائج سنة 1925م. وبعد مضي عدة سنوات أعاد الفرنسي لوفري Lauffray رسم خريطة الموقع وأضاف إليها الكثير من التفاصيل الجديدة ونشر نتائجه سنة 1945م. لكن أعمال التنقيب الحقيقية بدأت سنة 1997 واستمرت حتى سنة 2001م من قبل بعثة فرنسية برئاسة ماريان باروكان M. Barrucand، وقد تركزت الأعمال على بقايا المدينة الإسلامية. ثم تابعت الأعمال بعثة فرنسية أخرى- بدءاً من سنة 2003- برئاسة ماري أوديل روسي Rousset M-O.، وعملت في حاضرة قنسرين (المدينة الإسلامية) الواقعة مقابل الموقع على الجهة الأخرى من نهر قويق، وعلى بعد 4كم. وقد ترافقت الأعمال بإجراء مسح أثري للبقايا الأثرية المؤرخة في العصور الهلنستي والروماني ثم البيزنطي في قنسرين ومحيطها؛ وذلك لمعرفة حدود المدينة الهلنستية والتغيرات التي حصلت خلال العصور اللاحقة، إلى جانب استمرار العمل على بقايا المدينة الإسلامية.
مخطط طبوغرافي للموقع |
توصلت التحريات الأثرية إلى أن أقدم استيطان في الموقع يعود إلى العصر البرونزي الوسيط، وهو أقدم ممَّا كان معروفاً عن الموقع؛ إذ عُثر على مجموعة من المدافن التي تعود إلى هذا العصر. وفي حين لم يتم العثور (حتى الآن) على بقايا تعود إلى العصر الآرامي (الألف الأول ق.م)؛ فقد تأكد وجود استيطان كثيف للموقع خلال العصرين الهلنستي والروماني، وهذا ما تدل عليه مجموعة من البقايا المعمارية والزخارف والنقوش الكتابية. كما تم استيطان الموقع خلال العصر البيزنطي، ومن شواهده لوحات فسيفساء ونصوص كتابية، واستمر الاستيطان خلال العصر الإسلامي – على نحو متواصل- حتى بداية العصر المملوكي.
المكتشفات الأثرية:
تمتد منشآت المدينة حول قرية قنسرين من جهة الشمال الشرقي والجنوب، وتتركز أهم المنشآت في الجنوب حيث المدينة المرتفعة (الأكروبول) التي يعتقد أنها تضم في طبقاتها الدنيا بقايا المدينة الآرامية، طبقاً للدراسة التي نشرها بروسي سنة 1925، والتي بيَّنت الكثير من البقايا المعمارية الظاهرة على السطح، ومنها بعض الشوارع المتقاطعة، علاوة على سورَين: أحدهما للمدينة المرتفعة وآخر للمدينة المنخفضة. وقد ظهر جزء من السور الأول في الجهة الغربية من التل، وبلغت سماكته نحو 2,20م، وهو مبني من حجارة كبيرة مستطيلة الشكل، يصل طوله حتى 300م، يتخلله عدة أبراج مربعة الشكل ولاسيما في الزوايا. أما سور المدينة المنخفضة فهو يعود إلى فترة الامبراطور جوستنيانوس[ر] Justinianus (527- 565م)، وتقع داخل هذا السور بقايا المدينة الهلنستية- الرومانية التي أعيد استخدامها والبناء عليها عشوائياً، خلال العصر البيزنطي، وقد ذكر بروكوبيوس[ر] Procopius هذه الأعمال.
منحوتة حجرية من الموقع |
ومن البقايا الأخرى الظاهرة في الموقع مجموعة من المدافن المنحوتة في السفوح الصخرية الواقعة في الجهة الجنوبية من التل، حيث يقع ضريح النبي عيس، كما يعرف من قبل أهالي المنطقة. وتتألف المدافن من عدة حجرات جنائزية، لها مسقط مربع الشكل تقريباً، تتوزع حولها المعازب المعقودة. كما عثرت البعثة الفرنسية -من خلال أعمال المسح الأثري- على العديد من هذه المدافن التي يعود تاريخها إلى العصرين الروماني والبيزنطي، واحتوى بعضها على منحوتات جنائزية مشابهة لمثيلاتها في تدمر وشمالي سورية.
منتج خزفي من العصور الوسطى من خالكيس | عالم الرياضيات الإغريقي زينودوروس من خالكيس |
أنشأ سلوقس نيكاتور (312 - 281ق.م) مدنية خالكيس على أطلال مدينة آرامية أقدم كانت تحمل اسم قنسرين، وقد أطلقت عليها المصادر التاريخية اسم خالكيس أد بيلومad Belum Chalcis وذلك تمييزاً لها من خالكيس لبنان (تل عنجر). ولا تأتي هذه المصادر بالكثير من المعلومات عن المدينة خلال العصرين الهلنستي والروماني، إلا أنها كانت تحتل مكانة مهمة كونها: نقطة التقاء طرق التجارة التي كانت تصل أنطاكية بوادي الفرات الأوسط، وكذلك طريق سيروسCyrrhos حمص، والطريق القادم من أنطاكية وحلب، ولأنها تشرف أيضاً على سهل واسع كبير عُرف باسمها خالكيدين Chalcidene الذي أتى على ذكره بلينيوس الأكبر[ر] Plinius، ويُعدُّ من المناطق الأكثر خصوبة في سورية. كذلك كان للموقع دور مهم في الحروب بين السلوقيِّين والقبائل البدوية، وتحوّلت خالكيس سنة 144 ق.م إلى مقر لتجمع الجيش في الحرب ضد ديمتريوس الثاني Demetrius II.
وفي العصر الروماني أصبحت خالكيس موقعاً على الحدود الفاصلة مع البارثيِّين الذين كانوا يحاولون الوصول إلى أنطاكية عبر هذه المنطقة، كما حدث سنة 256م عندما استطاع شابور الأول Sapor I (241 - 272م) عبور خالكيس واحتلال سورية بما في ذلك أنطاكية.
طريق روماني قديم يربط بين أنطاكية وخالكيس |
أما في نهاية القرن الرابع الميلادي وخلال فترة القديس هيرونيموس جيروم S.Jerome؛ فقد ازدهرت المدينة كثيراً، وأصبحت مركزاً تجارياً واقتصادياً مهماً، وأُحيطت خلال هذه الفترة بسور لحمايتها من البدو. وفي عصر جوستنيانوس غدت خالكيس نقطة استراتيجية مهمة؛ ولا سيما خلال فترة حروبه مع الفرس، وأجريت العديد من أعمال البناء ضمن المدينة؛ ولاسيما التحصينات والأبنية الدفاعية.
أصبحت المدينة في يد العرب المسلمين سنة 16هـ/ 637م، وغدت عاصمة شمالي سورية، وُعرفت خلال العصر الأموي باسم جند قنسرين؛ إلا أنه بمجرد انتقال طرق التجارة بدأ السكان بهجر المدينة والتوجه إلى حلب؛ ليصبح الموقع مهجوراً بالكامل بدءاً من القرن السابع الهجري/الثالث عشر ميلادي.
همام شريف سعد
مراجع للاستزادة:
- H.C. Butler, Architecture and other arts of the Publications of an American archaeological Expedition to Syria in 1899-1900, Part 11, New-York and London, 1904.
- J.Lauffray, S. Mazloum, Le limes de Chalcis, Paris, 1945.
- P.Monceaux, L.Brosse, Chalcis ad Belum, note sur l, histoire et les ruines de la ville, Syria, vol. 6, Beyrouth, 1925.
- M-O.Rousset, Chalcis/Qinnasrin from Hellenistic city to the Jund capital of North Syria, ICAANE, vol. 2, Germany, 2012.
- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد السادس مشاركة :