حيات (تل)
al-Hayyat (Tell-) - al-Hayyat (Tell-)

 الحيّات

 الحيّات (تل -)

 

 

يقع تل الحيات Tell el-Hayyat على بعد ٢ كم شرقي نهر الأردن، إلى الغرب من موقع طبقة فحل، وبالقرب من تل بيلا، على الطريق الواصلة بين شرقي نهر الأردن وسهول بيسان ومرج ابن عامر، يرتفع عن الأرض المحيطة أقل من ٥ م، وينخفض ٢٤٠م عن مستوى سطح البحر. ويتموضع في منطقة منبسطة بالقرب من مصدر مائي دائم في غور الأردن الخصيب والغني بطمي الهولوسين المكون من تربة خصبة صالحة للزراعة. وتأتي أهمية هذا الموقع من اتصاله القوي بالمجتمعات الزراعية القروية، ومنها تل «أبو النعاج» وتل أم حماد، وهو يعطي لمحة عن النظام الاقتصادي لمستوطنات العصر البرونزي الوسيط في وادي الأردن، والعلاقات المتبادلة بين المجتمع القروي والمدني التي كانت دافعاً لتطور المجتمعات المعقدة في هذه المنطقة، ويوضح أيضاً كيفية الاستجابة لظاهرة التمدن المبكر.

تم تعرّف الموقع في أثناء عمليات المسح الأثري في وادي الأردن التي أجراها غلوك N. Glueck عام ١٩٥١م، والتي أشارت إلى الخطر الذي يهدد الموقع من جراء الزراعة الحالية، ثم ميلارت J. Mellaart عام ١٩٦٢م وإبراهيمIbrahim وساويرSauer ، وياسين Yassine عام ١٩٧٦م.

بدأت بعثة أمريكية تابعة للمركز الأمريكي للأبحاث الشرقية التنقيب في الموقع بالتعاون مع دائرة الآثار الأردنية عام ١٩٨٢م بإدارة ستيفن فالكونر Steven E. Falconer وبوني ماغنيس- غاردينر Bonnie Magness-Gardiner وماري ميتزغر Mary C. Metzger، وتابعت أعمالها خلال موسمين آخرين عامي ١٩٨٣ و ١٩٨٥، حيث بلغت المساحة المنقبة ٤٠٠م٢ بعمق أربعة أمتار ونصف المتر.

تم الكشف عن ست مراحل استيطان رئيسة في الموقع تمتد من نهاية العصر البرونزي المبكر، حتى نهاية العصر البرونزي الوسيط (٢١٠٠-١٥٠٠ق.م)، استمر السكن خلالها من دون انقطاع فيما عثر في أنحاء من التل على بعض الآثار التي يعود تاريخها إلى العصر الأخميني، والعصر البيزنطي.

تميزت الطبقة السادسة المتوضعة مباشرة فوق الأرض العذراء بغياب العمارة منها حتى الآن، فيما عثر على كسر فخارية تنتمي إلى عصري البرونز المبكر والوسيط، أما الطبقات العائدة إلى العصر البرونزي الوسيط، فقد احتوت على بقايا قرية كنعانية زراعية مستقرة مارست زراعة الحبوب والبقول كالقمح والشعير والبسلّى والعدس والأشجار المثمرة- وأهمها الكرمة- على نحو كثيف، كما قامت بتربية المواشي، ومنها الغنم والماعز والبقر والخنزير وغيرها. وقد نمت القرية، وأقام الناس بيوتهم حول المعبد الذي تركز في وسط التل، وأعيد تجديده في المكان نفسه خلال أربع طبقات أثرية، كلها من عصر البرونز الوسيط، وكان في كل مرّة يتم بناؤه من اللبن، ويُجرى عليه بعض التعديل، ويدعم جيداً، ويبنى حوله سور حماية. ويعود أقدم هذه المعابد الأربعة إلى بداية المرحلة الأولى من هذا العصر، وجاء المعبد بسيط البناء، وهو مبني باللبن، ويتكون من غرفة مستطيلة شكلت قاعة المعبد الرئيسة، ولها مدخل مبني من الطين، ويبدو أن الناس وسعوا هذا البناء خلال نهاية المرحلة الأولى من هذا العصر؛ ليصبح المبنى أكبر مساحة، لكنه حافظ على شكله المستطيل، وبني المدخل في الجدار الطويل الذي يتجه شمالاً وجنوباً، وعثر في المنطقة الواقعة إلى الشمال منه على ستة حجارة ارتفاع كل منها نحو المتر، يرى المنقب أن الغاية منها هي التذكار، ولا تمثل آلهة على الإطلاق. وفي المرحلة الثانية حدثت تغييرات على مخطط المعبد وعلى طريقة البناء، فمع أن الجدران بنيت في هذه المرحلة من اللبن فإنّها غطيت بطبقة من الملاط، وأصبح مبنى المعبد أكبر مساحة من المرحلة السابقة، وطرأت تغييرات على المعبد خلال المرحلة الثالثة من العصر البرونزي الوسيط، وأصبحت الأرضيات إضافة إلى الجدران مقصورة، وتحمل زخارف باللون الأحمر شوهدت خصوصاً على الوجه الخارجي للجدران، وأصبح المعبد يتكون من قاعة رئيسية لها مدخل على شكل غرفة، وهو بذلك من المعابد المسماة معابد الحصن أو المعابد ذات الأبراج، وعثر على أمثلة مشابهة في موقع طبقة فحل في الأردن وفي تل المتسلم وتل بلاطة في فلسطين، وقد هُجر المعبد في هذه المرحلة، وبُني فوقه بيوت سكنية. كما اكتشفت في المنطقة المحيطة بالمعابد بقايا بيوت سكنية قليلة وغير متكاملة الجدران بنيت من اللبن على أساسات حجرية، وما يزال بعضها يقف لارتفاع يصل إلى المتر، ويفصل بين هذه البيوت الأزقة والساحات، وهي تؤرخ من نهاية العصر البرونزي الوسيط الأول حتى مرحلته الثالثة.

صور تخيلية لمعابد طبقات عصر البرونز الوسيط الثاني وأبنيتها

 

تم الكشف عن فرن كبير لشي الفخار في الحافة الجنوبية من التل (المنطقة A)؛ مما يدل على وجود قطاع مخصص للنشاطات الحرفية، والفرن على شكل صندوق حفر داخل الأرض، وبنيت جدران الغرفة التي توضع فيها الأواني للشواء من اللبن، ويبدو أن الفرن توقف استخدامه نهاية المرحلة الأولى من العصر البرونزي الوسيط إذ تمت تعبئته باللبن المتكسر، وعثر داخل الفرن على فخار يعود تاريخه إلى المرحلتين الرابعة من العصر البرونزي المبكر، والأولى من العصر البرونزي الوسيط. كما تم الكشف عن مشاغل لتصنيع المعادن، ويبدو أن هذه المشاغل لحرفيين كانوا مرتبطين على نحو ما بالمعابد، فقد عثر على قوالب لصب المعادن في المنطقة الأثرية القريبة أو الملاصقة لأبنية المعابد.

أما الفخار فقد كشفت التنقيبات عما يقارب ٢٠٠٠٠٠ كسرة فخارية تشير إلى وجود تسلسل طبقي واستيطان مستمر في الموقع منذ عصر البرونز المبكر حتى نهاية عصر البرونز الوسيط. وقد تم تصنيف الفخار تبعاً لمكونات العجينة وشوائبها وشكل الأواني إلى ثلاث مجموعات: أواني الطبخ التي تتميز بأشكالها ذات القواعد المسطحة وبجدرانها المستقيمة أو المنحنية وبشفاهها المقلوبة أو الملتفة، وأواني التخزين، وهي غالباً جرار طويلة ذات فوهات ضيقة أو جرار صغيرة واسعة الفوهة، وأواني الخدمة أو المائدة التي تضم طاسات مسطحة قليلة العمق وطاسات ذات حافة حادة متعددة الأحجام، يُضاف إليها مجموعة أخرى من الأباريق والطاسات النذرية ومصابيح الزيت. ويبدو أن قسماً كبيراً من الفخار كان من إنتاج محلي، فيما عثر على أوانٍ فخارية مستوردة، ومنها فخار chocolate ware المشابه لفخار مجدو [ر].

منتجات تل الحيّات الفخارية

 

علاوة على الصناعات الفخارية والأدوات الحجرية أظهر الموقع تطوراً ملحوظاً في صناعة الأدوات المعدنية، ومنها الأسلحة والدمى الحيوانية؛ إحدى الصناعات التي كانت مزدهرة في المدن.

كما عثر في الموقع على لقى أخرى، من ضمنها بعض الدمى الطينية المتنوعة، وبعض المنحوتات الحجرية.

وأخيراً تشير العينات النباتية والحيوانية والدلائل الأثرية الآتية من الموقع إلى حدوث تغيّر في النظام الاقتصادي للقرية، فقد أصبح الإنتاج الزراعي كافياً لمتطلبات حياة السكان إلى جانب حرفة الرعي. وفي مراحل الاستيطان الأولى كان الاعتماد الأساسي على القمح والشعير ورعي الأغنام والماعز. وفي مراحل لاحقة معاصرة للتمدن الكثيف في المنطقة ازداد إنتاج الفاكهة كالتين والعنب والزيتون، وتربية المواشي. ويشير ذلك إلى التوجه نحو تطوير العلاقات التجارية مع القرى والمدن الكبرى، ويظهر حالة الاستقلال الاقتصادي للقرية التي بدأت تستجيب للمؤثرات المدنية، وأصبح لها دور في التجارة خلال عصر البرونز الوسيط. لقد أثار وجود معبد في قرية زراعية صغيرة يراوح عدد سكانها بين ١٠٠-١٥٠ شخصاً استغراب المنقبين؛ الأمر الذي دفعهم إلى الاعتقاد أن الموقع ربما كان مركزاً دينياً قروياً عند بداية تأسيس المعبد، أما البيوت السكنية التي بنيت لاحقاً فهي تخص القائمين على خدمة هذا البناء، وزاولوا أعمالهم الزراعية والاقتصادية على النحو المطلوب حتى النهاية.

سوزان ديبو

 

مراجع للاستزادة:

-S.E. Falconer , P. L.Fall , Bronze Age rural ecology and village life at Tell el-Hayyat, Jordan, British Archaeological Reports International Series, (Oxford: Archaeopress 2007).

-S.E. Falconer, Rural Responses to Early Urbanism: Bronze Age Household and Village Economy at Tell el-Hayyat, Jordan: Journal of Field Archaeology, Vol. 22, No. 4, pp. 399-419 (1995).


- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد السادس مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق