حموكار (تل)
Hamoukar (Tell-) - Hamoukar (Tell-)

 حموكار

حموكار (تل -)


 

يقع تل حموكار Tell Hamoukar في الجزيرة السورية على بعد ١٦٠كم شمال شرقي مدينة الحسكة و٨ كم جنوب غربي بلدة اليعربية بالقرب من الحدود السورية العراقية، يتألف التل من عدة كتل رئيسة يحيط بها سور تبلغ مساحته نحو ١٠٣ هكتارات، ويرتفع الموقع عن سطح البحر ٤٠٤م.

بدأت التنقيب في التل عام ١٩٩٩ بعثة سورية - أمريكية مشتركة، ترأسها مكوير جيبسون McGuire Gibson، ثم كليمنس ريتشل Clemens Reichel من جامعة شيكاغو، ومحمد المقطش ثم عمر العظم، من مديرية الآثار. بينت الحفريات أن أقدم استيطان في الموقع يعود إلى الألفين الخامس والرابع ق.م عصري (حلف والعبيد)، ثم عصور أوروك، ونينوى٥، والعصر الآكادي، الآشوري الحديث، الهلنستي، وأخيراً العصر الإسلامي.

تل حموكار

أظهرت بعض الكسر الفخارية المنتشرة على سطح التل مع أدوات مصنعة من حجر الأوبسيديان الزجاجي المستورد من مناطق الأناضول؛ أن بداية استيطان الموقع تعود إلى عصري حلف وعبيد( الألف الخامس ق.م)، أما أعمال التنقيب فقد أظهرت طبقات عصر أوروك[ر] بمراحله الثلاث، والتي تم الكشف عنها في القطاعات (A, F, B) وأثبتت وجود مدينة وصلت مساحتها إلى ما يقارب ١٣ هكتاراً بلغ عدد سكانها قرابة ٢٥٠٠٠نسمة، عثر في إحدى الطبقات على سور مبني من اللبن بلغ عرضه ٤م وزاد ارتفاعه عن ٤م، وتوضعت ثلاث طبقات أثرية فوق السور تعود إلى فترة أوروك المتأخر (٣٥٠٠-٣٠٠٠ق.م) عثر فوق أرضياتها على جرار فخارية، وعلى مجموعة من طبعات الأختام الطينية المنفذة على أغطية الأواني الفخارية وعلى الأبواب، وتحمل نقوشاً تتضمن أشكالاً إنسانية وحيوانية ونباتية. كما عثر على مجموعة من الأختام المصنوعة من العظم والحجر، والتي ثقبت من الأعلى من أجل التعليق، ويعتقد أنها اُستخدمت أحياناً تعاويذ، ونقشت عليها أشكال حيوانات متنوعة(زوج من الأسود- أسد – غزال مضطجع- حيوان ذو قرون- طائر- بط- فهد - سمك- دب- وأسد يصارع حيواناً ذا قرنين)، كما عثر على منحوتة عظمية على شكل خنجر، وفي حفرة - يعتقد أنها قبر- تم الكشف عن أثاث جنائزي مكون من خمسة آلاف خرزة وتسع وثمانين طبعة ختم وعظام بشرية ودمى مصنوعة من العظام ذات عيون كبيرة، اُكتشف ما يشابهها في موقع تل براك.

مخطط طبوغرافي لتل حموكاربناء بداخله أفران الطبخخندق حموكار

 

وتم الكشف عن أبنية من اللبن يتضمن أحدها نظام تكييف هوائي هو الأقدم من نوعه في العالم، ويتمثل بجدران مزدوجة المداميك تفصل بينها مساحة فارغة لا يتجاوز عرضها ١٥سم تسمح بمرور الهواء عبرها، وعثر فوق أرضيات هذه الأبنية على جرار فخارية وطبعتي ختم أسطواني وعدد من الأفران.

وفي أحد المنازل عثر على ثماني عشرة طبعة ختم نُفّذت على أغطية أوان فخارية، نقشت عليها أشكال إنسانية وحيوانية ونباتية، لها ما يشابهها في مواقع تركيا وشمالي بلاد الرافدين، وهذا يدل على وجود علاقات اقتصادية وتجارية بينها.

كما تم الكشف عن منشأة معمارية سكنية تعرضت لحريق كبير، وهي مبنى من طراز أوروك الجنوبي مكون من فناء خارجي في جهته الجنوبية، تطل عليه أربع غرف صغيرة من الشرق، وفيه مجموعة أفران بيضوية الشكل أبعادها ٣×٢م، أحدها على شكل قبة، كانت تستخدم للطبخ ولاسيما طبخ اللحوم، نظراً لاحتوائها على كمية كبيرة من عظام الحيوانات وبعض النباتات المتفحمة، وهناك تنور مخروطي الشكل لصناعة الخبز، وبقايا أوانٍ فخارية متنوعة الاستعمال ومنها أوانٍ كبيرة معدة للطبخ لأعداد كبيرة من الناس.

صورة جوية لعمارة سكنيةتنقيبات أثرية في تل حموكار
جدران عمارة سكنية في التلسبر متدرج لبقايا معمارية من اللبن في تل حموكار

 

وتشير المعطيات الأثرية إلى دمارهذه المنشأة بعد حدوث صراع في الموقع بمنتصف الألف الرابع ق.م، ويفترض المنقبون أن الموقع شهد قيام أقدم معركة في التاريخ كان الهجوم فيها سريعاً وخاطفاً نتج منه انهيار جدران البناء الذي تعرض للرمي بأكثر من ١٢٠٠ قذيفة من الكرات الطينية المختلفة الأحجام، إضافة إلى القذائف المشتعلة التي أدت إلى احتراق كامل المبنى بمحتوياته كافة وتحوله إلى ركام. كما وجدت في المكان قبور تحتوي على هياكل عظمية من المحتمل أنها كانت لضحايا المعركة. لم تعرف هوية المهاجمين لكن الدلائل تشير إلى أنهم ينتمون إلى مدن جنوبي بلاد الرافدين، وهذا ما تؤكده الكمية الكبيرة من الفخار الذي عثر عليه في أرض المعركة وعلى الأنقاض التي نتجت منها، وهو من النوع المعروف في جنوبي بلاد الرافدين، ولاسيما في أوروك.

قذائف طينيةحجارة مكورة كانت تستخدم قذائف

 

وإلى هذا العصر يعود أكثر من ثمانين ختماً كبيراً وصغير الحجم عثر عليها في الموقع، وهي مصنوعة من العظم وتحمل مشاهد متنوعة أغلبها لحيوانات كالكلاب والأسود والدببة والنمر المنقط والحيوانات ذات القرون ومنها الماعز والوعول إضافة إلى الأسماك والطيور. ويبدو أن الموقع شهد نشاطاً اقتصادياً كبيراً خلال هذه الفترة وأصبح مركزاً صناعياً مهماً للكثير من الأدوات ومنها تلك المصنعة من حجر الأوبسيديان. أما الأواني الفخارية التي تعود إلى هذا العصر فهي تشبه تلك التي عرفت في مواقع جنوبي العراق، ومنها طاسات لها حواف مشطوبة وأكواب مخروطية الشكل وأخرى لها عرى.

 

من اللقى الأثرية في حموكارختم منحوت على شكل منقار بطة وطبعته أشكال هندسية

 

أظهرت الطبقات الأثرية التي تعود إلى العصر البرونزي المبكر (الألف الثالث ق.م: فترة نينوى٥ والفترة الأكادية)؛ مجموعةً من الآبار التي كانت تزود الموقع بالمياه، وكذلك جدران بعض الأبنية التي وجدت فيها مجموعة من الأواني الفخارية. وتظهرالمكتشفات الأثرية أن الموقع شهد خلال العصر الأكادي (النصف الثاني من الألف الثالث ق.م) ازدياداً مفاجئاً في حجم الاستيطان ليتحول من قرية صغيرة إلى مدينة بلغت مساحتها نحو ١٠٣هكتارات. ومن هذه الفترة كشف عن مجموعة منشآت بنيت من اللبن أحدها مبنى عام تشير طريقة بناء جدرانه إلى أنه قصر حكومي احتوى على عدد من الغرف. عثر داخل هذه الأبنية على مجموعة من طبعات الأختام الأسطوانية تحمل مشاهد إنسانية وحيوانية، منها نسر يصطاد حيوانات وأسفله إنسان يقاتل عقارب ضخمة، وهناك مشهد يمثل ذراع إنسان، وهي بمواضيعها المختلفة تظهر تطور فن صناعة الأختام ونحتها خلال الفترة الأكادية.

أما آخر طبقات العصر البرونزي فهي تعود إلى فترة ما بعد سقوط الامبراطورية الأكادية (نحو ٢١٠٠ ق.م)، مما يعني أن الموقع لم يهجر في هذه المرحلة مثل بقية مواقع منطقة الجزيرة السورية ولأسباب ما تزال مجهولة، لكن لم تعد له تلك الأهمية وبدأ يتقلص ليصبح قرية صغيرة استمر وجودها حتى العصر الآشوري الحديث (القرن التاسع والثامن ق.م) الذي كشف في إحدى طبقاته عن أجزاء من منازل وقنوات لتصريف المياه إضافة إلى قبور عثر فيها على هياكل عظمية وبعض الأثاث الجنائزي.

طبعة ختم تظهر رسم أقدام دبطبعة ختم أسد مع عنزموقع المطبخ

 

تعود أحدث الطبقات الأثرية في الموقع إلى الحضارة العربية الإسلامية الباكرة نحو٧٠٠-١٠٠٠م، تم الكشف فيها عن غرف صغيرة مبنية من اللبن المشوي.

ربما ساهم الموقع الاستراتيجي لتل حموكار، على الطريق الممتد بين نينوى وحلب؛ في نشوء حضارة باكرة، متقدمة وراقية اقتصادياً واجتماعياً، واكبت النهضة العمرانية والمدنية التي شهدتها منطقة جنوبي بلاد الرافدين إن لم تكن سابقة لها(٣٥٠٠- ٣٠٠٠ ق.م). وتقدم مكتشفات الموقع ومنها البناء الذي يحتوي على مجموعة الأفران ذات الحجم الكبير مع الأواني الفخارية، الكبيرة الحجم أيضاً، والمعدة للطبخ، وحولها الكثير من بقايا الطعام وعظام الحيوانات؛ تقدم دليلاً أكيداً على وجود مجموعة من الأفراد أو الموظفين في إدارة عامة أو مؤسسة حكومية ما، كان الطعام يحضر لهم دائماً، وهذا الدليل من أقدم الشواهد على وجود نوع من أشكال التنظيم الاجتماعي والسياسي وربما العسكري الباكر في التاريخ، والذي مهَّد لاحقاً لنشوء المدينة – الدولة. ويفرض هذا الكشف مع غيره من القرائن الأخرى في الموقع؛ على الباحثين إعادة النظر بالكثير من المعطيات الأثرية المسلم بها عن مكان وزمان نشوء المؤسسات الأولى في التاريخ، والتي انبثق عنها الكثير من المنجزات ومنها نظام تقسيم العمل الذي أدى إلى ظهور التخصص المهني والحرفي وزيادة فائض الإنتاج ونشوء التجارة والمؤسسات التي ترعاها، وبالتالي قيام الدولة لأول مرة في التاريخ مستقلة عن مدن جنوب الرافدين وبفترة سابقة لها.

جمال تموم

 

مراجع للاستزادة:

- جيسن أور، «المسح الأثري ودراسات المشهد الطبيعي في منطقة تل حموكار١٩٩٩-٢٠٠١»، الحوليات الأثرية السورية (العدد ٤٧/٤٨)، دمشق ٢٠٠٥، ص ص ٩-٢١.

- McGuire Gibson, Amr Al-azm, Tell Hamoukar, AAAS, Vol.; 45- 46, (Damascus 2003), pp. 85- 97.


- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد السادس مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق