حمام تركمان
Hammam et- Turkuman (Tell-) - Hammam et- Turkuman (Tell-)

 ¢ حمام التركمان

حمام التركمان (تل -)

 

يعد تل حمام التركمان Tell Hammam al- Turkman من أهم التلال الأثرية في محافظة الرقة، يبعد عن المدينة نحو ٨٠كم شمالاً، على الضفة الشرقية لأحد روافد نهر البليخ في منطقة تل أبيض، بجوار قرية صغيرة تقطنها أقلية تركمانية أخذ تسميته منها، ويجاوره من الغرب تل الدامشلية [ر]، ومن الشمال تل صبي أبيض [ر]. تتخذ قاعدته شكلاً شبه منحرف، تبلغ مساحته نحو ٦٥ هكتاراً، أبعاده ١٥٠٠×٤٥٠م، ويرتفع عن محيطه قرابة ٤٥م؛ مما يجعله أحد المعالم البارزة في تلك المنطقة.

تل حمام التركمان

بدأت بعثة هولندية- ترأسها موريتس فان لون Maurits van Loon، وديدريك ماير Diederik Meijer - أعمال التنقيب في الموقع مطلع الثمانينيات من القرن العشرين؛ بتمويل من جامعة أمستردام Amsterdam وجمعية أركون Archon، وبعد عدة مواسم تنقيب ومسح أثري للتل ومحيطه توصلت البعثة إلى أن أقدم الطبقات الأثرية فيه تعود إلى عصر العبيد[ر] (نحو الألف الخامس والنصف الأول من الألف الرابع ق.م)، ثم عصر أوروك (٣٥٠٠-٣٠٠٠ق.م )، ثم عصور البرونز: المبكر (النصف الأول من الألف الثالث ق.م)، والوسيط (١٩٠٠-١٥٥٠ ق.م)، ثم المتأخر (١٥٥٠-١٢٠٠ ق.م)، وترجع أحدث الطبقات إلى العصر البارثي/الروماني.

مخطط طبوغرافي لتل حمام التركمان

أظهرت الأسبار التي تمت في السفح الشرقي من التل وجود توضعات أثرية سماكتها ١٥ متراً تحتوي على ما لا يقل عن ١٤ طبقة من عصر العبيد تضمنت بقايا بيوت، بعضها مستطيل الشكل يتألف من عدد من الغرف، بنيت باللبن وطليت الجدارن الداخلية بالملاط الأبيض، رسم على أحدها بعض الزخارف باللون الأحمر، ووجدت في غرف بعض البيوت مداخن ومواقد كبيرة شيدت أيضاً باللبن (أبعادها ١٧٥×١٤٠سم). وأغلب فخار هذه الطبقات مصنوع باليد، خلطت عجينته بالقش، وتألف من صحون وجرار صغيرة ملونة بشكل متعرج، وهو يشبه فخار عبيد ٤، كما يمكن مقارنته مع فخار أوغاريت C.III، والعمق F، ويعود تاريخه إلى ٤٠٠٠- ٣٥٠٠ ق.م. كما عثر على فخار رقيق عليه طلاء فاتح ويحمل بعض الرسوم المعروفة خلال هذا العصر، إلى جانب القليل من الفخار المصنوع على الدولاب.

ومن عصر أوروك أظهرت أعمال التنقيب- في السفح الشمالي الشرقي- مبنىً عاماً تعرض للحريق تم تجديده، ظهرت منه غرفة رئيسة طولها ٧ م، جُدّد بناؤها برفع أرضيتها ٥٠سم، وبناء جدران ذات نتوءات، مطلية بالأبيض، تجاورها ثلاث غرف صغيرة متصلة بعضها ببعض بمداخل. وعثر في المبنى على نموذجين لبيت من الفخار، وعلى جزء من ختم يحمل نقشاً يتضمن رأس حيوان، وعلى عظام طفل بين أنقاض السقف المنهار، تم تأريخه من خلال الكسر الفخارية نحو٣٥٠٠ ق.م.

طبعة ختم من تل حمام التركمان

وفي سبر آخر في الزاوية الشمالية والشمالية الغربية من التل ظهرت منشأة معمارية ذات جدران سميكة وناتئة مطلية باللون الأبيض سماكتها بين ٦٥و١٣٠سم، وأبعاد الغرفة الرئيسة ١٥×٤م، كما تم الكشف عن العديد من المخازن الجانبية عثر في أحدها على خمس جرار فخارية، وكشف عن أنابيب فخارية بطول ٣م، ربما كانت نوازل مطرية للسطح، وعن رحى بازلتية لهرس الحبوب، أما الأواني الفخارية فهي مصنوعة باليد، بعضها مطلي ومصقول، تميزت بينها جرة عليها طبعة ختم أسطواني نقشت عليه صورة أسد، وهو يشبه أختام مدينة أوروك[ر]، ويعود تاريخها إلى الفترة ٣٥٠٠ -٣٠٠٠ق.م.

فخار من تل حمام التركمان

وخلال عصر البرونز المبكر بلغت مساحة الموقع نحو ١١هكتاراً (أبعاده ٣٣١×٣٤١م)، تم الكشف عن سبع منشآت معمارية بنيت جدرانها بشكل نتوءات، مشيدة باللبن الأحمر، يعتقد أنها مخازن للحبوب، وعثر على مطبخ، وحوض حمام منحوت من الحجر الكلسي بلغت أبعاده ١٧٥×١٥٠×٣٠سم وله قناة للتصريف. كما عثر على عدد من القبور، وبعض الأواني الفخارية ومنها قدور وجرار وكؤوس شبيهة بالفخار الأكادي في تل براك[ر]، والفخار المعدني في تل خويرة[ر]، وهي تؤرخ للنصف الأول من الألف الثالث ق.م، في حين وجدت الكؤوس ذات الشكل الجرسي round - bellied والأواني ذات الشفة الشاقولية الشكل، وهي تعود إلى النصف الثاني من الألف الثالث ق.م، وكذلك حال الدمية الطينية التي عثر عليها، وهي من نموذج (الأنوف الطويلة) المعروفة في تل خويرة (الطبقة الوسطى).

لقى فخارية من تل حمام التركمان

في الطبقات المؤرخة إلى العصر البرونزي الوسيط تم الكشف عن جزء من جدار مشيد باللبن، عرضه ٧م، بقي من ارتفاعه ١م يفترض أنه سور المدينة، يوازيه من الخارج جدار آخر بلغ عرضه ٢م مبني أيضاً باللبن، ويفصل بين الجدارين ممر عرضه ١م، وهناك جدار ثالث مبني أيضاً باللبن عرضه ٥٠سم، يجاوره رصيف مرصوف بالكسر الفخارية. كما تم الكشف عن منشآت معمارية أخرى سماكة جدرانها بين ٨٠ و١٢٠سم، علاوة على عدد من الأبنية المتشابهة في مخططها وهي تتضمن غرفاً وباحات. وهناك خزان للحبوب له فتحة خارج الجدران السميكة، وجرار تخزين كبيرة ذات حواف مستوية وعنق متطاول، عليها زخارف على شكل حزوز متعرجة ومتقاطعة تشبه فخار حماة الطبقةH (بين ١٩٠٠-١٥٥٠ق.م). كما عثر على قبرين أحدهما مغطّى باللبن والآخر ضمن جرة فخارية، يحتويان على بعض الكؤوس الفخارية من النوع نفسه (فخار حماة الطبقةH )، وهناك قبر ثالث لرجل مسجى على ظهره وضعت معه جرة أسطوانية الشكل من نموذج (معيار الطحين)، في داخلها كأس، تشبه فخار الخابور. ومن الفترة نفسها عثر على نموذج لبيت من الفخار، وعدد من دمى المرأة العارية (عشتار)، وكسر جرار فخارية لتخزين الحبوب، والأهم من ذلك هو العثور على رقيم مسماري، وكل ذلك يعود إلى العصر البابلي القديم. ومن فخار هذا العصر نماذج من الزبادي قليلة العمق ذات الشفاه السميكة، والكؤوس ذات الأكتاف، التي تشبه فخار بعض مواقع العمق.

أوان فخارية من تل حمام التركمان

وفي طبقات تعود إلى المرحلة الانتقالية بين عصري البرونز الوسيط والمتأخر- والتي يبدو أن الموقع هجر مؤقتاً خلالها- تم الكشف عن بيت بحالة جيدة نتيجة طليه وتجديده عدة مرات قبل أن يتعرض للحريق، كما كشف عن بناء آخر مؤلف من ثلاث غرف تمر به ساقية تصريف مياه شيدت بالحجارة وجدت بينها دمية فخارية لامرأة عارية (عشتار) تحمل طفلاً، وكذلك كسرة امرأة مشابهة بجسمها المندفع، تذكر بدمى عصر البرونز المتأخر في نوزي (١٤٧٥ق.م). وإلى هذه الفترة تعود الغرفة التي اكتشف فيها قبر مشيد باللبن يحتوي ثلاثة هياكل لرجلين بالغين، ومعهما جرة تحتوي على هيكل لطفل، ورافق المتوفين بعض الكؤوس الفخارية التي تشبه الفخار المكتشف في فلسطين خلال هذه الفترة، وهناك قبور أخرى لأطفال وضع معهم بعض الحلي كالعقود والأساور والخرز. كما تم الكشف عن بقايا قصر دعي بـ «المقرResidence «، يؤرخ للفترة بين ١٥٠٠و ١٣٥٠ق.م، تبلغ سماكة جدرانه ١٢٥سم، وهي مشيدة باللبن، تبلغ أبعاد إحدى قاعاته ١٤×٥م، واستخدمت إحدى الغرف الواقعة في الجهة الشرقية من المنشأة المكتشفة حماماً ومطبخاً، وكانت أرضيتها مرصوفة ببلاطات من الطين المشوي، ووجدت في الغرفة نفسها قناة منحوتة من الحجر لتصريف المياه الملحة نحو الخارج.

قصر من العصر البرونزي المتأخر في تل حمام التركمان

كما عثر على بيت شيدت أساساته بالحجارة، وبقايا معمارية متهدمة، تضمنت إبريقاً ذا عروة على شكل أفقي، ودمية امرأة (عشتار) من الفخار المزجج باللون الأبيض والأسود تشبه فخار نوزي، وأجراناً بازلتية ذات ثلاث قوائم. أما فخار هذه الطبقة فهناك ما يشبه فخار تل عطشانة، وكذلك هناك عدد من كؤوس نوزي المعروفة بلونها الأبيض فوق اللون الأسود، علاوة على فخار الخابور. وتم الكشف أيضاً عن كسر تحمل أختاماً ميتانية الطراز يمثل أحدها مشهد الآلهة السورية التي تحمل سنبلة فوق تاجها القرني.

فخار من العصر البرونزي الوسيط من تل حمام التركمان
فخار من العصر البرونزي المتأخر من تل حمام التركمان

وبعد هجر دام زهاء ألف سنة سكن الموقع من جديد خلال العصر البارثي – الروماني، فكشف في قمة التل عن عناصر معمارية، وحفر مملوءة باللبن وأدوات كتابة مصنوعة من العظم، وأمفورات، ومسارج فخارية، وكسر من فخار برغمان الروماني الأحمر المصقول، وأسلحة مصنوعة من معدني الحديد والبرونز، علاوة على قبور احتوت أحياناً توابيت خشبية وجد في أحدها هيكل عظمي مزدان بقرط فضي مجدول.

تنقيبات أثرية في تل حمام التركمان

لقد استطاع سكان تل حمام التركمان أن يؤسسوا حضارة محلية مزدهرة بلغت ذروتها أواخر الألف الثالث ق.م، وهذا ما ساعد الموقع- مع التلال المحيطة به في منطقة البليخ- على إشادة علاقات قوية مع مواقع الجزيرة السورية العليا مثل تل براك وتل خويرة، ليشكل منطقة وصل بين المراكز الحضارية التي نشأت في بلاد الرافدين جنوباً وتلك التي نشأت وسط سورية وغربها وصولاً إلى بلاد الأناضول شمالاً.

محمد سالم قدور

مراجع للاستزادة:

ـ موريتس فان لون، وديدريك ماير، «حمام التركمان على نهر البليخ الموسم الأول»، ترجمة أسعد المحمود، الحوليات الأثرية السورية، العدد ٣٣، الجزء الأول، دمشق ١٩٨٣م، ص ص ١٩٥- ١٩٩.

ـ موريتس فان لون، وديدريك ماير، «حفريات بعثة جامعة أمستردام في موقع حمام التركمان»، ترجمة محمد ماجد موصلي، الحوليات الأثرية السورية، العدد ٣٣ ، الجزء الثاني، دمشق ١٩٨٣م، ص ص٣٠٥ -٣٠٧.

- P. M. M. G. Akkermans, Villages in Steppe: Later Neolithic Settlement and Subsistence in the Balikh Valley, Northern Syria. International Monographs in Prehistory, Archaeological Series 5: Ann Arbor, MI 1993.

- H. Curvers, The Beginning of the 3rd Millennium in Syria. In: O.M.C. Haex et al. (eds): To the Euphrates and Beyond: archaeological studies in Honour of Maurits N. van Loon. Rotterdam 1989: pp. 173- 193.

 


- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد الخامس مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق