الحمار
حمار
Donkey - âne
¢ الحمار
الحمار
الحمار Donkey أصبر الكائنات وأكثرها قناعة وإطاعة وخدمة لبني الإنسان، وهو أقدم وسائل النقل وأكثرها استمرارية في التاريخ، تغذى من لحمه الكثير من شعوب العالم القديم، وعلى ظهره نقلت الأحمال والسلع لتُبنى أعظم الحضارات، ونظراً للأهمية التي كان يتمتع بها كثيراً ما رافق النبلاء إلى قبورهم أو دفن بالقرب منهم.
تشير الدراسات إلى أن أقدم موطن للحمار البري كان في بلاد النوبة أو الصومال، ومنها انتشر في بلدان المشرق العربي، فوجدت عظامه في العديد من المواقع الأثرية ومنها في سورية: المريبط[ر]، وأبو هريرة [ر]على الفرات، حيث كان يصطاد من أجل لحمه منذ الألف الثامن ق.م.
يعتقد أن عملية تدجين الحمار البري تمت على مراحل كانت أولاها في بداية الألف السابع ق.م؛ بالتزامن مع تدجين الغنم والماعز، واستمرت في الألف الرابع ق.م، وهذا ما تشهد عليه هياكل الحمير المكتشفة في موقع المعادي قرب القاهرة في مصر. ويشهد موقع «أبيدوس» الذي يعود تاريخه إلى عصر البرونز المبكر على نوع من السلالات يتوسط بين الحمار الوحشي والحمار المعاصر؛ مما يعني أن مراحل التدجين لم تكن قد اكتملت بعد خلال تلك الفترة. وقد عثر في هذا الموقع على العديد من الهياكل الكاملة لحمير جرى دفنها في قبور خاصة بنيت من اللبن قرب قبر ملكي يعود تاريخه إلى عصر ما قبل السلالات (نحو ٣٠٠٠ق.م) لم يعرف اسم صاحبه، وقد أثبتت تحاليل عظام هذه الحمير أنها كانت تستخدم من أجل نقل الأحمال. ونظراً لأهمية الحمار في مصر فقد تم تصويره في المنحوتات والأعمال الفنية خلال الدولة الحديثة فظهر على جداريات قبر الملك توت عنخ آمون(١٣٢٤- ١٣٢٠ق.م).
أصبح الحمار بدءاً من الألف الثالث ق.م الوسيلة الأساسية لنقل الأحمال والركاب في المنطقة، واستمر كذلك طوال الألف الثاني والأول ق.م على الرغم من دخول الحصان ومن بعده الجمل هذا الميدان. وقد اكتشفت عظامه في العديد من المواقع الأثرية السورية والعراقية والإيرانية التي يعود تاريخها إلى الفترة ٢٨٠٠- ٢٥٠٠ق.م، وبدءاً من هذه المرحلة يأتي ذكره في الكتابات السومرية في جنوبي بلاد الرافدين، ويظهر في المنحوتات وهو يجر المركبات الحربية ( بشكل مزدوج؛ حماران أو أربعة حمير) التي يقودها سائق وإلى جانبه محارب، ثم اكتشف مدفوناً مع العربات التي كان يجرها إلى جانب أفراد العائلة المالكة في مدافن أور الملكية.
حمار في رسوم جدارية مصرية بين 1298 - 1235 ق.م |
أما في نصوص إيبلا[ر] فقد ورد ذكر أنواع مختلفة من الخيليات كان من ضمنها الحمير، كما ورد ذكره في نصوص ماري بوصفه وسيلة للنقل والركوب، وصارت له أهمية كبرى عند السكان الذين كانوا يقدمونه أضحية خاصة عند توقيع المواثيق والاتفاقات فيما بينهم، كما أظهرت النصوص الآشورية القديمة وجود سلالات وأحجام متنوعة للحمير.
انتشرت عادة دفن الحمير مع البشر في كل منطقة المشرق العربي القديم خلال أواخر العصر البرونزي المبكر وعصر البرونز الوسيط، ويُعدُّ تل الفارعة في جنوبي فلسطين من أهم مواقع جنوبي بلاد الشام التي اكتشفت فيها هياكل عظمية لحمير تم دفنها في قبور خاصة، في حين يُعدُّ تل أم المرا[ر] الواقع شرقي حلب أهم المواقع بهذا الخصوص، فقد عثر فيه على هياكل عظمية لحمير دفنت ضمن مجمع جنائزي يضم عدداً من قبور النخبة الاجتماعية في الموقع ويعود تاريخه إلى النصف الثاني من الألف الثالث ق.م. وقد دفن بعضها من دون الرأس، فيما دفنت أحياناً الرؤوس من دون الهياكل، وأحياناً كانت الهياكل كاملة، وترافقت مع وجود هياكل بشرية وأوانٍ فخارية. وأظهرت الدراسات التي أجريت على العظام وجود سلالة مهجنة من حُمر الوحش كانت تعيش في المنطقة، وكانت ذات قيمة كبيرة في مجتمع بلاد الرافدين وسورية، لما تضفيه من وجاهة وأهمية على مالكها خاصة إذا ما اقترنت بعربات الجر التي وجدت في مدافن أور، والتي قد يتجاوز هدفها البعد الاجتماعي إلى المغزى الديني؛ كأن تكون وسيلة لنقل أرواح الموتى من عالمهم الأرضي والعبور بهم إلى العالم السفلي.
أصبحت دمشق ومحيطها خلال الألف الأول ق.م مركزاً مهماً لتربية أجود سلالات الحمير، وهذا ما دفع الملوك الآشوريين خلال القرنين التاسع والثامن ق.م ليطلقوا على المنطقة اسم «ماتُ شا أمريشُ»؛ وتعني البلاد الشهيرة بحميرها أو البلاد ذات الحمير، وقد يكون ذلك كناية عن استخدام الحمير في تحريك غرافات المياه للسقاية التي اشتهرت بها المنطقة، أو لأن السكان في مملكة آرام دمشق[ر] كانوا يقتنون ويستخدمون أنواعاً جيدة من سلالات الحمير في قوافلهم التجارية، كما يمكن أن يكون السبب هو أن الآشوريين أرادوا أن يعبروا عن كثرة قوافل الحمير التي كانت تحطُّ بدمشق أو تمرُّ بها، وقد كانت الحمير من أهم الغنائم التي سلبها الآشوريون أو تلقوها جزية من المناطق السورية خلال غزواتهم المتعاقبة عليها، فقد تسلَّم توكلتي ننورتا[ر] ٣٠ حماراً من أمي ألابا ملك خندانو؛ و٢٠ حماراً من مدينة سيرق؛ و٢٠ حماراً من لاقو. كما غنم شلمنصر الثالث الحمير من جيلزانو، وسجل أن مجموع ما تسلّمه من حيوانات الحمير جزية وغنائم بلغ عددها حتى سنة حكمه العشرين ١٩٦٩٠ حماراً. ومن المعتقد أن الطلب الشديد لهذه الأعداد من الحمير فرضته عملية التطور العمراني والتجاري والاقتصادي الكبيرة التي حصلت خلال هذه المرحلة التاريخية المهمة.
محمود حمود
مراجع للاستزادة: -G.Schwartz, H. Curvers, S. Dunham, and B. Stuart, A. Third-Millennium B.C. Elite Tomb and Other New Evidence from Tell Umm el-Marra- Syria, in; American Journal of Archaeology 107, ( 2003), pp. 325-61. -M. Zeder, Domestication and early agriculture in the Mediterranean Basin; Origins, diffusion, and impact. Proceedings of the National Academy of Science 105(33), Ball State University, (2008).
|
- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد الخامس مشاركة :