الحلي في العصور التاريخية
حلي في عصور تاريخيه
-
الحلي
الحلي
الحلي في العصور التاريخية
الحلي Jewellery هي كل مادة اتخذها الإنسان للتحلّي بها، سواء وضعها على جسمه أم على لباسه، واستُخدمت عبر التاريخ من قبل الكبار والصغار- الرجال والنساء- في المناسبات الاجتماعية والدينية المختلفة، كما تم تبادلها هدايا بين الملوك، وزينت بها الخيول بهدف التفاخر والتباهي. كما استعملت الحلي في المبادلات التجارية معياراً للقيمة.
أصبحت الحلي من أهم الوثائق التي تعطي للدارسين مادة علمية غنية عن الحالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية لسكان المجتمعات القديمة. وقد عُرفت منذ العصور الحجرية عندما استخدم الإنسان الأصداف، وقشور بيض النعام، وعظام الحيوانات وأسنانها، وكذلك النباتات والألوان، والأحجار الملونة، والأوبسيديان وغيره. وفي العصور التاريخية تطورت الحلي وتطورت تقنية تصنيعها، واستخدمت فيها المواد النفيسة من معادن وأحجار كريمة. واستعملت تمائم نُقشت عليها أسماء الآلهة ورموزها، وبعض الكتابات البسيطة، للاعتقاد أنها تدفع الأذى عن حاملها وتحميه من كل الشرور. وكثيراً ما تم تزيين تماثيل الآلهة بأثمن أنواع الحلي في أثناء الاحتفالات الدينية، كما زينت بها العربات والخيول التي تجرها.
وقد أدت الحلي دوراً مهماً في الحياة اليومية لسكان المشرق العربي القديم الذين تزينوا بها في حياتهم ورافقتهم إلى القبور بعد مماتهم. وقد كانت الألوان من أهم العناصر التي استعملها الإنسان ليتحلى بها في عصور ما قبل التاريخ. كما تحلى بالعقود المكونة من حبات الخرز المصنوعة من عظام الحيوانات، والأصداف البحرية والعاج والأوبسيديان، وهذا ما تم الكشف عنه في موقع العربجية في بلاد الرافدين العائد إلى العصر الحجري النحاسي (نحو ٥٠٠٠ ق. م). وقد تمكن الإنسان خلال هذا العصر من اكتشاف عمليتي التلدين والتعدين؛ فصنع أقدم أنواع الحلي- كالخواتم وحبات الخرز- من القطع النحاسية الصغيرة. وفي هذه الأثناء (الألف الرابع ق.م) استخدم المصريون مادة الششم (الملاخيت أو كربونات النحاس) لتكحيل العيون. وتعد منطقة البداري أقدم منطقة في مصر عرفت تعدين النحاس؛ إذ عثر فيها على العديد من الأدوات المصنوعة من هذا المعدن (كالخرز والمثاقب والدبابيس وغيرها).
الحلي في مصر:
ترك اكتشاف المزيد من المعادن والأحجار الكريمة؛ وانتشارها تأثيره الكبير في سكان المشرق العربي القديم، فتهافت الناس على اقتناء الحلي، وتطورت طريقة التصنيع وأدواته حتى وصلت إلى درجة عالية من المهارة والإتقان. وقد حرص المصريون القدماء على حفظ عدد كبير من الحلي داخل مقابر ملوكهم؛ فوضعوا فيها الأكاليل والتيجان والأطواق، علاوةً على الأنواع المختلفة من الأحزمة مثل أحزمة الخصر والأحزمة التي تتدلى منها شرائط رأسية، والأقراط والأساور والخلاخيل والخواتم والعقود وغيرها من القطع المصنوعة من المواد الثمينة. وقد ضمت مقابر الدولة القديمة (الأسرتين الأولى والثانية) رسوماً جدارية تظهر ولع المصريين الشديد بالحلي، وتضمنت هذه الرسوم مشاهد لأشخاص- أغلبهم من النساء- يرتدون مختلف أنواع الحلي؛ ومنها القلائد العريضة وصفوفٌ من الخرز وقطع لها نهاية على شكل نصف دائرة أو على هيئة رأس الصقر. كما ضمت مقبرةٌ من عصر الدولة الوسطى (الأسرة الرابعة)، وتعود إلى الملكة حتب حرس زوجة الملك سنفرو؛ تابوتاً من المرمر يحتوي على حلي الملكة وسريرها الموشى بالذهب، وكذلك خيمتها المرصعة بالذهب أيضاً، وبعض أدوات الزينة المصنوعة من الذهب والنحاس، ومنها الصدريات؛ وهي حلي تلبس على الصدر مربعة أو مستطيلة الشكل تعلق بوساطة خيط، وتصنع من الذهب، وترصع بأحجار كريمة مثل حجر العقيق البني واللازورد والفيروز، وكانت تزخرف برموز الآلهة وأسماء الملوك.
وقد وصلت صناعة الحلي إلى ذروة الإتقان والصنعة خلال عصر الدولة الحديثة، وهذا ما تشهد عليه مكتشفات قبر الملك توت عنخ أمون الذي احتوى على تابوته الذهبي وجثته المحنطة وأكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية فيها أنواع مختلفة من الحلي كالعقود المصنوعة من رقائق الذهب والمرصعة بالأحجار الكريمة، والأساور والخلاخيل، والخواتم والياقات، والقلادات التي صنعت من الذهب أو الفضة وطُعِّمَتْ بالعاج والصدف والزجاج الملون والفيروز وغير ذلك.
الحلي في بلاد الرافدين:
قدمت مواقع بلاد الرافدين الكثير من أنواع الحلي المتميز، والتي تشير إلى وجود صناعة عريقة يقف خلفها فنانون مهرة؛ فقد اكتشفت في مدينة أور مقبرة ملكية (بلغ عدد قبورها نحو ٢٥٠٠ قبر)، تعود إلى العصر البرونزي المبكر (عصر فجر السلالات الثاني)، تضم خناجر مصنوعة من الذهب ومرصعة بالأحجار الكريمة، وخوذة رأس مصنوعة من الذهب، كما ضم القبر ٧٨٩ العائد إلى الملكة بو– آبي- علاوة على الحلي بأنواعها كافة- قيثارتين ذهبيَّتين تنتهي كلٌّ منهما برأس ثور مصنوع من الذهب، وهناك إناء من الذهب على شكل بيضة النعام، وتاج للرأس مصنوع من الذهب يتألف من عدة طبقات من الزخارف الدائرية الشكل والأزهار وأوراق الأشجار. وفي مدينة كيش عثر على مقبرة ملكية تعود إلى العصر ذاته، كُشفت فيها قطع من الحلي التي تشابه مثيلاتها في أور.
ومن العصر الآشوري الحديث (الألف الأول ق.م) عثر في نينوى على ثلاثة قبور ملكية، كان من أهمها القبر الثالث العائد إلى الأميرة موليسو- موكانيشا، والذي ضم مجموعة كبيرة من الحلي المصنوعة من الذهب والفضة والأحجار الكريمة، بلغ وزنها جميعها نحو ٢٣كغ، ومن أهمها السوار المصنوع من الذهب والذي ينتهي بوجهين لأسدين متقابلين، وكانت سورية مصدر الكثير منها. وتذكر حوليات الملوك الآشوريِّين العائدة إلى هذا العصر؛ الكثير من الغنائم التي كان هؤلاء الملوك يغنمونها خلال حملاتهم العسكرية التي توجه معظمها نحو المدن السورية.
الحلي في سورية:
عرفت المواقع السورية الحلي منذ العصور الحجرية، ولا يكاد يخلو موقع من العصر الحجري الوسيط، ولاسيما المواقع النطوفية (من الألف الثالث عشر حتى الألف الحادي عشر ق.م)، والحجري الحديث؛ من الحلي المصنعة من الحجارة والطين والعظام والعاج والأوبسيديان. كما قدمت مواقع العصر الحجري النحاسي السورية- ومنها حبوبة الكبيرة- الكثير من أنواع الحلي التي كان من بينها أمشاط للشعر صُنعت من العاج، وعقود من الخرز المتعدد الأشكال والألوان، استعملت في تزيين الأحزمة والملابس، وتمائم للحماية.
تطورت صناعة الحلي ومهنة الصياغة السورية خلال العصر البرونزي المبكر وتنوعت أشكال تصنيعه وطرقه، وتشهد المكتشفات الأثرية على مستوى هذا التطور، ومن أهمها الشريط الجبهي المكتشف في القبر رقم ٣٠٠ في ماري (العائد إلى نحو ٢٧٠٠ ق.م.)، والسوار الذهبي المصنع من شريط سميك من الذهب المطرّق عند نهايته تطريقاً دائرياً، والمضاف إليه سلاسل من الكرات الذهبية الصغيرة عليها حزوز في نهايتها. وكُشف في إيبلا عن الكثير من القطع منها قرط ذهبي صنع من طبقة سميكة من الذهب، ونقش عليه معين رُصِّعِ بحبيبات ذهبية صغيرة، وهناك قطع ذهبية مختلفة مرصعة باللازورد وفيها درر كروية ذهبية على شكل نبات الرمان. وتذكر نصوص إيبلا كمياتٍ كبيرةً من الذهب، ويبدو أنها كانت تحصل على قسم كبير منه- مع الكثير من الأحجار الكريمة- من مصر، وكان يصلها عن طريق أوغاريت، كما حصلت عليه من جبال طوروس ومن جنوبي شبه الجزيرة العربية ومن الهند وإيران وأفغانستان.
وتشبه حلي إيبلا مثيلاتها المكتشفة في مدافن النخبة في موقع أم المرا [ر]؛ حيث عثر على قبر ضم جثتي امرأتين شابتين مدفونتين جنباً إلى جنب مع طفلين، وفيهما الكثير من مواد الزينة المصنوعة من الذهب والفضة والعاج واللازورد، وجرة مليئة بأصداف كان يوضع فيها الكحل. وفي مدفن مجاور عثر على أمشاط للشعر وعلى خرزة ذهبية وقلادة مثلثة الشكل يتوسطها وردة، وقلادة أخرى من حجر اللازورد على شكل حيوان الماعز البري. وإلى هذه الفترة يعود كنز أور الملكي الذي عثر عليه في ماري؛ وهو جرة تحوي بداخلها خرزة من اللازورد، متطاولة الشكل (أبعادها ١١,٨× ١.٩سم)، ثمانية الوجوه، تحمل نقشاً باللغة الأكاديّة، وهناك نسر(أنزو) برأس أسد (أبعاده ١٢,٨× ١٣سم)، الرأس والذيل من الذهب وبقية الجسم من اللازورد المحزز على شكل معينات، وله ثلاثة ثقوب للتعليق، وهناك عقود مصنوعة من أحجار اللازورد والعقيق.
ومن العصر البرونزي الوسيط (٢٠٠٠- ١٦٠٠ق.م) وصلت الكثير من المكتشفات الأثرية التي تظهر براعة الفنان السوري وإبداعه، ووصول هذه الصناعة إلى درجة كبيرة من الدقة والتنظيم؛ إذ كانت أماكن التصنيع تعمل تحت إشراف القصر مباشرة، فقد ذكرت نصوص إيبلا وجود كميات كبيرة من القصدير والنحاس في هذه الأماكن التابعة للقصر الملكي، كما تم الكشف عن غرف تضم كميات كبيرة من حجر اللازورد. وعثر في مدافن إيبلا على الكثير من المجوهرات ومنها ٢٠ حلية من بينها كعب أسطواني زُيِّنَ بأكثر من ٢٠٠٠ حبيبة صغيرة و٤٠٠ حبيبة كبيرة، وهناك قلادة على شكل حبة البلوط مصنوعة من الكريستال وحجر الفيروز عثر عليها في القبر المسمى سيد الماعز. وتعكس المنحوتات والأعمال الفنية اهتمام المجتمع السوري القديم بالحلي خلال مختلف العصور، ومن أهم هذه المنحوتات تمثال ربة الينبوع الشهير الذي عثر عليه في ماري ويعود تاريخه إلى نهاية القرن ١٨ ق.م؛ وتظهر فيه الربة وهي ترتدي في عنقها ويديها كمية هائلة من أفخر أنواع المجوهرات المرصعة بالأحجار الكريمة.
خلال العصر البرونزي المتأخر، عثر على الكثير من مكتشفات الحلي أهمها ما كُشف عنه مؤخراً في مدفن تل المشرفة الذي يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر ق.م، وتضمن آلاف القطع الأثرية من بينها الكثير من قطع المجوهرات التي صُنعتْ من المعادن الثمينة ورُصِّعتْ بالأحجار الكريمة ومنها (الكورنالين واللازورد والقهرمان)، وهي ذات أشكال مختلفة نباتية وحيوانية، وعلى درجة كبيرة من الجمال والإتقان، وهي تظهر تأثر الصانع بالتقاليد الفنية المصرية. كما عثر في إحدى غرف قصر المدينة المنخفضة على أكثر من ٣٠٠قطعة من الحجارة الكريمة، لها أشكال هندسية مختلفة، جرى تجهيزها للتطعيم، ومن الواضح أن هذه الغرفة كانت مكاناً لتصنيع المجوهرات الراقية.
ومن أوغاريت وصلت مجموعة من المجوهرات والحلي المميزة؛ من بينها عقد ذهبي مرصع باللازورد والعقيق، وخاتم ذهبي يحمل نقشاً عليه كتابة هيروغليفية، وقطعة ذهبية مستطيلة الشكل مصنوعة بالقالب تحمل صورة لشخصين واقفين وصورة رأس الربة المصرية حتحور، وتثبت هذه القطع تأثراً بالتقاليد الفنية المصرية. كما وصل من أوغاريت قوالب صناعة الحلي (بلغ عددها ثمانين قالباً)، صُنعت من حجارة السربانتين الهش، وتألف القالب من فلقتين متناظرتين نحتت عليهما بشكل غائر أشكال الحلي التي يراد صبها عن طريق سكب المعدن فيها بعد صهره، والتي أوضحت طريقة إنتاج المجوهرات المعدنية خلال الألف الثاني ق.م.؛ وهي التقنية التي انتشرت في العديد من المواقع في مناطق: الجزيرة السورية والأناضول ولبنان وجنوبي بلاد الشام وقبرص.
أما في العصر الحديدي (ولاسيما في النصف الأول من الألف الأول ق.م) فقد أثبتت المدن السورية تفوقاً كبيراً في صناعة الحلي، وهذا ما تشهد عليه قوائم المواد الواردة في حوليات الملوك الآشورييِّن الذين هاجموا المدن السورية؛ إذ كانت المجوهرات من أهم الغنائم التي سال لعاب هؤلاء الملوك من أجل الحصول عليها، وكانت في كثير من الأحيان سبباً لحملاتهم العسكرية. وتثبت هذه القوائم أن دمشق كانت رائدة في صناعة المجوهرات والصناعات التعدينية عموماً؛ إذ غَنِمَ منها أدد- نراري الثاني، ١٢٠ تالنتاً من الذهب، وغَنِمَ منها أدد – نراري الثالث ٢٠ تالنتاً من الذهب و٢٠٠٠ تالنت من الفضة. كما غَنِم ملوك آخرون الكثير من الذهب والفضة والمجوهرات من أغلب المدن السورية ومنها: بيت عدين، خانيجلبات، نصيبين، ميليد، بيت زمان، خندانو، لاقي، بيت أجوش، كونولوا، بيت بخيان، بيت خلوبي، كركميش، صيدا، صور، جبيل، وبقية المدن الفينيقية. وكثيراً ما نقل الملوك الآشوريون من المدن السورية- علاوة على الغنائم والأسلاب- الصنّاع والعمال المهرة والفنانين، بهدف تشغيلهم في عواصمهم، فنقل هؤلاء معهم تقاليدهم الفنية، وأظهروها في الكثير من أعمالهم.
كما وصلت الكثير من قطع الحلي من المواقع السورية العائدة إلى الألف الأول ق.م، ومنها تل برسيب (تل أحمر حالياً)، حيث عثر على أساور تتألف من ضلعين متصلتين بوردة سداسية الوريقات، وهو نمط فني عثر عليه في المنحوتات والتماثيل العائدة إلى عصر آشور ناصر بال الثاني، وعثر من الموقع نفسه على العديد من القطع العاجية. وعثر في العاصمة الآشورية كلخ (نمرود حالياً) على العديد من القطع العاجية والمجوهرات التي يرجح أن مصدرها كان مملكة حماة الآرامية. وأيضاً كشف في زنجرلي (شمأل)[ر] عن مجموعة أخرى من القطع العاجية، وكذلك من موقع أرسلان طاش [ر]، ومن أغلب مدن الداخل والساحل ولاسيما صيدا وصور.
مياسة يونس ديب
- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد الخامس مشاركة :