حلويه (مدرسه)
-

 ¢ الحلوية

الحلوية (المدرسة -)

 

تقع المدرسة الحلوية في مدينة حلب، أمام المدخل الغربي للجامع الأموي [ر] الكبير، في سوق المساميرية المسمى اليوم «جادة ابن الخشاب».

الموقع العام

المسقط الأفقي

بُنيت على كاتدرائية حلب العظمى التي شيدت في القرن ٥م، وجدِّدت أيام جوستنيانوس بعد أن هدمها الفرس سنة ٥٤٠م. وفي سنة ٥١٨هـ/١٠٢٤م أمر القاضي أبو الحسن محمد بن الخشاب- الذي كان يقوم بأمر البلد- بتحويل الكاتدرائية إلى مسجد؛ فأصبحت تعرف بمسجد السراجين، ثم بنى فيه الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي سنة ٥٤٣هـ/١١٤٨م إيواناً وغرفاً للطلاب، وجعله مدرسة للمذهب الحنفي سميت بالمدرسة الحلوية، وأوقف عليها أوقافاً كثيرة. وقد كانت هذه المدرسة من أجلِّ مدارس حلب في ذلك الوقت.

أهملت المدرسة أوائل القرن ١٣هـ/١٩م حتى أصبحت سنة ١٢٩٤هـ/١٨٧٧م خراباً. فبدأ متوليها يعمر فيها حتى رممت كلياً سنة ١٣١٥هـ/١٨٩٧م، ثم سنة ١٣٣٣هـ/١٩١٤م، وأصبح فيها سنة ١٣٤٢هـ/١٩٢٣م اثنتا عشرة غرفة للطلاب المجاورين المنتسبين إليها.

كما شهدت في السنوات القليلة الماضية أعمال ترميم واسعة لم تنته بعد.

تتألف المدرسة اليوم من ثلاثة طوابق: يتكون الأرضي منها من مدخل يتوصل منه إلى صحن تحيط به غرباً قبلية وإيوان، وجنوباً: رواق، وشرقاً قاعة تدريس، يليها درج يصعد إلى السطح ثم خلوتان للطلاب، فميضأة، يليها دهليز المدخل وخلوة للطلاب، وشمالاً: خلوات يتوسطها درج يصعد إلى دارين تشغلان كلا الطابقين الأول والثاني.

الصحن وواجهة الإيوان والقبلية

يتكون المدخل من بوابة خارجية موجهة شرقاً سقفت بقبوة متطاولة. أسفل جدارها الشمالي حجـر أسود بازلتي من عمارة سابقة يبرز عن الجدار قليلاً، نقشت عليه صلبان وبعض العبارات السريانية المشوهة، لا يعلم إذا كان هنا مكانه الأصلي، وهو يعود إلى القرن الرابع أو الخامس الهجري /العاشر أو الحادي عشر الميلادي.

بوابة المدخل

يدور حول جدران البوابة الثلاثة نص يعود إلى العصر السلجوقي، وهو أقدم نص بالخط النسخي وجد على المباني في مدينة حلب؛ فقد جرت العادة أن تكتب النصوص قبل ذلك بالخط الكوفي. ويحمل النص الكثير من الألقاب والأدعية لمجدد المدرسة السلطان نور الدين محمود بن زنكي سنة ٤٥٣هـ /١١٤٨م بإشراف محمد بن عبد الصمد الطرسوسي، ويظهر في وسط النص إحلال وإبدال ثم ذكر لتجديدات تمت في العصر العثماني سنة ١٣١٥هـ/١٨٩٧م.

يلي كتلة المدخل دهليز مسقف بقبوتين متطاولتين بينهما قبوة متقاطعة تعـود إلى العصر السلجوقي، أضيف البناء فوقه لاحقاً، يؤكد ذلك وجـود فتحة في ذروة القبوة الأولى مما يلي المدخل تشبه سقاطات الزيت، وأيضاً هناك ميزابان في مستوى سطح الدهليز على طرفي واجهته الداخلية. يضم الدهليز في جداره الشمالي درجاً يصعد إلى دار تقع في كلا الطابقين الأول والثاني.

صحن المدرسة مربع تقريباً، يضم حوضاً كبيراً (فسقية) في وسطه فوارة. بني بحجارة كبيرة مختلفة المقاسات وصلت مع بعضها بصبة من الرصاص. تعود أرضية الصحن إلى العصر العثماني، وهي تضم أشكالاً زخرفية مربعة مختلفة يتناوب فيها اللون الأسود والأصفـر، تتوزع أمام الإيوان والقبلية والرواق وغرف المجاورين.

تتألف القبلية من مساحة متوسطة مربعـة تحيط بها من الجهات الثلاث الغربيـة والشماليـة والجنوبية أواوين قليلة العمق. وفي الزوايا أربع ركائز ضخمة مؤزرة بشريط كورنثي وبمحاذاتها من الطرفين عمودان كورنثيان بيزنطيا الطراز. ويتكون بدن العمود من قطعة واحـدة من الرخام السماقي، غمرت قواعد الأعمدة ضمن أرضية القاعة في أثناء عملية ترميم المدرسة في العصر العثماني. وتحمل الأعمدة ثلاث أقواس حدوة الفرس الدائرية تحد الأواوين الثلاثة.

سقفت المساحة المتوسطة بقبة نصف كروية مدببة تضم رسوماً عثمانية الطراز، محمولة على رقبة مخروطية من الداخل مثمنة من الخارج، والانتقال من الشكل المربع إلى الدائري يتم بمثلثات كروية.

قبة الحرم من الداخل

يضم الإيـوان الغربي للقبلية ستة أعمدة كورنثية، منها عمودان في الجهة الغربية تبدو أوراق الأكانتس فيهما وكأنها تتمايل مع النسيم. تصطف الأعمدة على محيط نصف دائرة مشكلة شبه حنية سقفت بنصف قبة كروية قرميدية ربما تخلفت عن العمارات السابقة.

إيوان القبلية الغربي

غربي هذا الإيوان بين العمودين بناء صغير له باب بمصراعين كان مخصصاً لعرض إحدى شعرات الرسول r كما هو مؤكد في النقش الموجود أعلى الباب، ونصه:

١- أتحف المدرسة الحلوية بالشعرة الطاهرة النبوية وأنشأ هذه الحجرة لها متولي أوقافها عبد الوهاب بن الشيخ مصطفى طلس غفر الله عنهما سنة ١٣٤٤/ أي ١٩٢٥م.

غرفة الشعرة النبوية

٢- وعلى نجفة (ساكف) الباب لوحة أخرى كتب عليها:

«الصلاة والسلام على صاحب هذا الأثر الشريف المبارك سنة ١٣٤٤هـ».

وقد نقلت الشعرة إلى مقام زكريا عليه السلام في الجامع الأموي الكبير لاحقاً.

يضم الإيـوان الجنوبي للقبلية محراباً حجرياً جميلاً. يتوج واجهته صف من المقرنصات، وعلى كل من طرفيه ظفر (كابولي) تزينه مكعبات متناوبة. سقف هذا الإيوان وامتداده على الطرفين بثلاث قبوات متطاولة.

محراب القبلية الحجري

يتصل الإيـوان الشمالي للقبلية بمدخلها المطل على الصحن، ويسقف هذا الإيوان قبوة متطاولة. وفي أعلى الجدار الشمالي قرب الباب نقش بارز لكأس مكون من حجر لا يعرف مدلوله يعود إلى العصر البيزنطي غالباً... اقتطع من هذا الإيوان من جهة الغرب غرفة تطل عليه بشباكين وباب.

وإيـوان المدرسة المطل على الصحن والواقع شمال القبلية هو صغير تسقفه قبوة متطاولة. في جداره الجنوبي محراب خشبي بديع منقوش بزخارف نجمية مختلفة، يعود إلى العصر الأيوبي كتب على محيطه بخط نسخي أيوبي نقش حمل اسم مجدد المحراب وهو أبو المظفر يوسف ناصر سنة ٦٤٣هـ/ ١٢٤٦م، واسم الصانع «أبي الجيش» محمد بن الحراني.

المحراب الخشبي للإيوان

أما داخل المحراب في أعلاه فقد كتبت على محيطه آية الكرسي بالخط الكوفي المزهر كما كتبت حول المثلثين على طرفي القوس آيات قرآنية.

واجهة المدخـل الخارجية بوابة تحدها من الأمام قوس كبيرة مدبـبة. وهي تضم باباً تعلوه قوس مجزوءة مفصصة، يعلوها النص المذكور سابقاً.

وتضم الواجهـة الداخلية الشرقيـة واجهة الإيوان، وهي قوس كبيرة مدببة يعلوها كورنيش يضم لوحة مستطيلة تشغل كامل الواجهة، كتب فيها نص يعود إلى أيام السلطان عبد الحميد الثاني وإلى سنة ١٣١٩هـ/١٩٠١م. وعلى الطرفين عمودان كورنثيان مختلفا الشكل والارتفاع، فوق قاعدتين مختلفتي الارتفاع.

يلي الإيوان واجهة القبليـة، وهي مكونة من باب تعلوه قوس مجزوءة مزررة، وفي المثلثين أعلى طرفيه زخارف نباتية، وفوقهما لوحة تضم نصاً يعود إلى عهد السلطان محمد ابن السلطان إبراهيم، وإلى سنة ١٠٧١هـ/١٦٦٠م. يليه في الأعلى لوحة طولية في وسطها نص يعود إلى تجديد المدرسة بعد خرابها في أيام السلطان عبد الحميد الثاني وولاية رائف باشا، وسعي متوليها ومدرسها الشيخ مصطفى طلس تعود إلى سنة ١٣١٥هـ/١٨٩٧م. ويحيط بالجميع زخارف صدفيـة متعاكسة، وهي من الزخارف التي بدأ ظهورها في العصر المملوكي. وتتوج المدخل مظلة خشبية أزيلت مؤخراً.

يلي المدخل إلى الجنوب واجهة صالة القبلية المربعة، وهي تتكون من قوس كبيرة مدببة داخلها قوسان مدببتان تضم كل منهما باباً كبيراً.

والواجهـة الشماليـةرواق يتقدمه أربع أقواس مدببة ترتكز على ثلاث ركائز ضخمة. فوق الركيزة الوسطى لوحة رخامية عليها طغراء السلطان عبد الحميد الثاني، تعود إلى سنة ١٣١٥هـ/١٨٩٧م.

يتكون الجزء الجنوبي من الواجهـة الغربيـة من طابق واحد، في حين يتكون القسم الباقي من ثلاثة طوابق؛ الأرضي منها يعود إلى المدرسة، وهو يضم نوافذ وأبواباً يحد كـلاً منها قوس مجزوءة. وفي أعلى الباب لوحة كتب عليها نص من الشعر يعود إلى سنة ١٣١٥هـ/١٨٩٧م.

وتضم الواجهـة الجنوبيـة في الطابق الأرضي سلسلة من النوافذ الصغيرة والأبواب العائدة إلى غرف المجاورين، يحدها جميعاً أقواس مجزوءة مكونة من ثلاث فقرات. أما في الطابق الأول فهناك ست نوافذ عائدة إلى الدارين السابقتي الذكر. وفي الطابق الثاني: وفي القسم الغربي منه قوسان كبيرتان تستندان في الوسط إلى عمود، سدا في وقت لاحق، وأمام القوس الثانية كشك متهدم.

لمياء جاسر

مراجع للاستزادة:

- محمد أسعد طلس، الآثار الإسلامية والتاريخية في حلب (مديرية الآثار العامة، ١٩٥٦م).

- لمياء جاسر، مدارس حلب الأثرية (حلب ٢٠٠٠م).

- تيودور بيشوف الجرماني، تحف الأنباء في تاريخ حلب الشهباء (دمشق ١٩٩٢م).

 


- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد الخامس مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق