حلابات (قصر)
-

 ¢ الحلابات

الحلابات (قصر -)

 

يقع هذا القصر في الأردن على بعد ٢٥ كم شمال شرقي مدينة الزرقاء، ضمن واحة أصيلة كانت عامل جذب وسبب استقرار مبكر للقبائل العربية فيها، حيث يعتقد أن البدايات الأولى لعمارة هذا الموقع تعود إلى فترة الدولة النبطية، وكان آنذاك بمنزلة محطة تجارية مهمة.

والحلابات لفظ معروف لبقايا الموقع الحالي للقصر، يغلب أنه أطلق عليه بسبب ضخامة حلبات الخيل التي كانت تتبع للقصر الأثري، وقد حمل الموقع محلياً اسم «قصور عبيدان» نسبة إلى أحد شيوخ القبائل العربية التي كانت تسكنه.

الموقع العام لقصر الحلابات

شهدت عمارة هذا الموقع منذ بداية العصر الروماني (٦٣ق.م-٣٣١م) تطورات متلاحقة نتيجة الاهتمام الذي أولاه الرومان للمنطقة العربية، حيث صار موقع القصر حصناً دفاعياً لحماية الطريق التجاري الذي يربط بين مدينة بصرى شمالاً ومدينة العقبة جنوباً. وقد عُثر على نقش لاتيني يشير إلى بناء حصن جديد في الموقع مؤرخ بسنة ٢١٢–٢١٣م، كما يغلب أنه تمَّ توسيع الموقع في منتصف القرن الرابع الميلادي وتحويله إلى قلعة تحميها أربعة أبراج تموضعت بزوايا البناء، ربما في فترة حكم الامبراطور ديوقليسيانوس، كما يثبت ذلك نقش ثان عثر عليه في الموقع مؤرخ بسنة ٥٢٩م. ويبدو أن هذه القلعة تعرضت لأضرار شديدة بسبب الزلزال الذي حدث سنة ٥٥١م وتمَّ ترميمه أيضاً، ممّا يؤكد استمرار استخدام القصر حصناً دفاعياً طوال العصر البيزنطي ٣٢٤م–٦٤٠م حتى بدايات القرن السادس الميلادي حين هَجَرت الحامية الرومانية الموقع؛ ليستقر فيه مجموعة من الرهبان المسيحيِّين الذين حوّلوا الحصن إلى دير. كما قام العرب الغساسنة المسيحيّون بتحويل الموقع إلى قصر رئيس باشروا منه سلطتهم السياسية والعسكرية التي فرضوها على المنطقة كاملة بدعم كامل من الدولة البيزنطية.

المسقط الأفقي لقصر الحلابات

بقي للموقع أهميته السياسية والاستراتيجية خلال العصر الإسلامي؛ إذ أمر الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك في أوائل القرن ٢هـ/٨م بهدم البناء الروماني وإعادة تعميره بشكل قصر كبير، أضاف إليه ملحقات أخرى بُنِيت منفصلة عن الكتلة المعمارية للقصر.

صورة علوية

وقد تعرض هذا القصر لإهمال كبير، كما تعرض لعمليات تخريب متعمدة عديدة كان آخرها عملية التدمير التي قامت بها القوات البريطانية حين أجرت مناورة لعملية احتلال القصر سنة ١٣٧٢هـ/١٩٥٢م؛ في حين شهد القصر مؤخراً بعض عناية تجلّت في تنظيف فراغاته وترميم بعض أجزاء جدرانه، وكذلك المسجد الملحق به.

منظر عام

تتشابه عمارة هذا القصر مع عمارة كثير من قصور الأمويِّين كقصري الحير الشرقي والغربي [ر] وقصر الحرانة [ر] القريب وغيره، حيث يتألف القصر من مسقط مربع الشكل، طول كل من أضلاعه ٤٤م، جُعل بزواياه أربعة أبراج مربعة تبرز عن سمك الجدران الخارجية نحو ٢.٥٠م، ويصل عرض واجهاتها إلى نحو ٦.٠٠م، وكانت ترتفع في الأصل إلى ثلاث طبقات. للقصر مدخل رئيسي وحيد يتوسط الواجهة الخارجية الشرقية، يتوصل منه إلى داخل القصر عبر ردهة كبيرة مستطيلة تنتهي بفتحة معقودة بعقد نصف دائري تؤدي مباشرة إلى الفناء الرئيسي للقصر.

واجهة قصر الحلابات

يتألف القصر من الداخل من مجموعة من الغرف والقاعات مستطيلة المساقط، موزعة على الأضلاع الأربعة للقصر بواقع قاعتين واسعتين في الضلع الشرقية على يمين ردهة المدخل ويسارها، وست قاعات وغرف مختلفة المساحات في الضلع الجنوبية، وقد كانت أغلب هذه القاعات تحوي عقوداً نصف دائرية، قُسم أغلبها جزأين، ويحتل الزاوية الشمالية الغربية للقصر جناح سكني كبير منفصل عن باقي أجزاء القصر، يتوصل إليه عبر باب بواجهته الجنوبية المطلة على الفناء الرئيسي للقصر، ويتألف هذا الجناح من فناء داخلي يحيط به ثلاثة أجنحة، بكلٍّ من الغربي والشمالي منها قاعتان واسعتان؛ في حين يوجد في الجناح الشرقي ثلاث غرف. كما تشغل باقي الضلع الشمالية للفناء الرئيسي للقصر ثلاث قاعات، الوسطى منها كبيرة المساحة كانت مقسمة عبر عقدين نصف دائريَّين ثلاثة أجزاء.

واجهة مسجد قصر الحلابات

ويتم الدخول إلى أغلب قاعات القصر المطلّة على الفناء الرئيسي الداخلي عبر أبواب ذات سواكف حجرية مستقيمة، كما تفتح عليه بنوافذ علوية تسهم في إضاءة هذه القاعات وتهويتها. وتتصل بعض هذه القاعات ببعضها عبر أبواب داخلية تسهّل الاتصال الحركي فيما بينها، ويؤلف بعضها مع بعض أجنحة سكنية مستقلة. ويغلب على الظن أن معظم أسقف هذا القصر كانت محمولة على جذوع خشبية، وكان الفناء الرئيسي للقصر مرصوفاً بأحجار صغيرة، وماتزال تظهر فيه خرزة حجرية تقفل على فوهة صهريج أرضي كبير يقع أسفل أرض الفناء كان يُملأ بمياه الأمطار التي تفد إليه عبر قنوات من أسطح القاعات الواقعة في الضلع الشرقية للقصر. كما يحتوي فناء الجناح السكني الواقع بالزاوية الشمالية الغربية للقصر على خزان مشابه للماء ما تزال خرزة فوهته واضحة أيضاً.

الفناء الرئيسي

أرضية الفناء الرئيسي

بني القصر من حجارة جيرية بيضاء وبازلتية سوداء مشذّبة وزِّعت بغير تناسق أو ترتيب، ونقش على بعضها نقوش لاتينية.

وقد شيّد الخليفة هشام مسجداً منفصلاً عن الكتلة المعمارية للقصر في مكان مرتفع يمكن رؤيته عن بعد، يقع على بعد ١٤م جنوب شرق القصر، وهو مسجد صغير يتسع لنحو ٦٠ أو ٧٠ مصلياً، وترجّح الدراسات أن بناءه تمَّ في السنوات ١٠٤-١٠٥هـ/٧٢٢-٧٢٣م.

زخارف الفسيفساء

وعلى الرغم من التهالك الكبير لحالة القصر الفيزيائية إلا أن ما تبقى منه يشير إلى غنى زخرفي لافت يتجلى في بعض الزخارف الحجرية، وفي بقايا الأفاريز الجصية ذات الزخارف النباتية والهندسية المنتشرة على الجدران، وكذلك في لوحات الفسيفساء المنتشرة بقاياها على الجدران والأرضيات والمتمثلة بأشكال دوائر كبيرة مترابطة ضمن أشكال هندسية متعددة، وبداخلها أشكال مختلفة لطيور متعددة مثل البط والأوز والحمام، مثل أرضية الحجرة الغربية الكبيرة في الجناح السكني الشمالي الغربي للقصر، والمتأثرة بالفسيفساء البيزنطية، حيث تتضح بعمارة هذا القصر الأموي إرادة معمارية استطاعت بنجاح دمج المؤثرات الفنية البيزنطية والساسانية ضمن روح فنية جديدة عربية الطابع.

غزوان ياغي

مراجع للاستزادة:

- I. Arce, « Hallabat: Castellum, Coenobium, Praetoriun, Qasr. The Construction of a Palatine Architecture under the Umayyads (I) », in Residences, Castles, Settlements- Transformation Processes from Late Antiquity to Early Islamic Times, (Proceedings of the Colloquium on Late Antiquity and Early Islamic Archaeology in Bilad al-Sham Damascus, November 2006). Orient Archäologie, Band 17, Damas: Institut Allemand d’Archéologie, 2006.

- R.G. Khouri, The Desert Castles (Amman, 1992).

 


- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد الخامس مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق