الحجاز (محطة-)
حجاز (محطه)
-
¢ الحجاز
الحجاز (محطة -)
تقع محطة الحجاز- أو كما كانت تسمى «محطة القنوات» - في مدينة دمشق، غير بعيدة عن السور الغربي لمدينة دمشق القديمة، غرب باب النصر أو مدخل سوق الحميدية، عند تقاطع شارع النصر مع شارع سعدالله الجابري وشارع مسلم البارودي المتجه لمنطقة البرامكة، وقد بُنيت في سنة 1318هـ/1900م ـ بوصفها واحدة من محطات الخط الحديدي الحجازي [ر]. وكانت الأرض التي بنيت عليها مكاناً يتجمع فيه الحجاج الذين يأتون من كل بلاد آسيا؛ إذ كانوا يتجمعون في مدينة دمشق، ثم ينطلقون بموكب يترأسه والي دمشق العثماني، ويتجه المسار إلى الميدان باتجاه القدم ثم الكسوة، ويتابع طريقه باتجاه أرض الحجاز.
المسقط الأفقي للطابق الأرضي (نقلاً عن فرناندو دي أراندا ١٩١٢م) |
المسقط الأفقي للطابق الأول |
يُعدّ مبنى محطة الحجاز واحداً من عدة مبانٍ أسسها السلطان عبد الحميد الثاني في دمشق في الفترة العثمانية الأخيرة؛ تحت إشراف والي دمشق حسين ناظم باشا رئيس لجنة تنفيذ الخط الحديدي الحجازي الذي وضع خطة لبناء هذا الخط من دمشق إلى المدينة المنورة بين سنتي ١٣١٨-١٣٢٦هــ/١٩٠٠-١٩٠٨م، حين استدعى المواطنين المكلفين الخدمة الإلزامية للمشاركة في إنجازه، ومستفيداً من المهندسين الألمان وغيرهم الذين جاؤوا للإشراف على مشروع الخط الحجازي، وقد جنى هذا التعاون إنشاء أبنية مهمة، ما زال أكثرها قائماً مثل: بناء السرايا، مقر وزارة الداخلية حالياً، وبناء مديرية الشرطة والثكنة الحميدية [ر] (مقر كليتي الحقوق والشريعة بجامعة دمشق حالياً)، والمشفى الحميدي أو مشفى الغرباء مقر إدارة جامعة دمشق حالياً، وبيت ناظم باشا مقر القصر الجمهوري سابقاً، ومدرسة الحقوق مقر وزارة السياحة حالياً... وغيرها.
الواجهة الرئيسية الشمالية |
وجاءت محطة الحجاز من أبرز هذه الأبنية وأجملها، وقد قام المهندس المعماري الإسباني فرناندو دي أراندا Fernando de Aranda - الذي ولد في مدريد في سنة ١٨٧٨م، وتُوفِّي بدمشق سنة ١٩٦٩م - بتصميم هذه المحطة، وهو من أشرف على تنفيذها، حيث كان المعماري الألماني مايسنر Meissner.H رئيس المهندسين في مشروع الخط الحديدي الحجازي قد أوكل إلى دي أراندا إنجاز هذا المشروع الذي يُعدّ الشاهد الأكثر تأثيراً في عملية تطوير العمارة والعمران في مدينة دمشق؛ خلال النصف الأول من القرن العشرين.
الواجهة الرئيسية لمحطة الحجاز في مطلع القرن ٢٠م |
ولكن الواقع أن مبنى المحطة بقدر ما تأثر بفن «الروكوكو» [ر] في أوربا فإنه يعج بتأثيرات العمارة الإسلامية في العصر العثماني؛ ولاسيما من حيث الخطوط الهندسية والملامح العامة وكذلك تفاصيل زخارفه المميزة وخاصة فن الأرابيسك [ر]، وهذا ما أعطاه تفرّداً سَهَّلَ على المشاهدين أو الزائرين اكتشافه حتى صار جزءاً من الذاكرة المعمارية لدمشق وأهلها.
الواجهة الخلفية لمحطة الحجاز في مطلع القرن ٢٠م |
بنيت المحطة فوق مصطبة ترتفع عن الأرض المحيطة بها بنحو متر ونصف، وجعل البناء من طابقين يتميزان بواجهة رئيسية شمالية تتألف من ثلاثة أقسام، اثنان من الشرق والغرب وبينهما قسم ثالث بارز عن سمت الواجهة يشكل كتلة المدخل الرئيسي للمحطة، وتتقدمه سقيفة محمولة على أربعة أعمدة رخامية، وجعلت السقيفة بمنزلة شرفة يلتف حولها درابزين رخامي مميز، ويتوصل إليها من خلال ثلاثة أبواب معقودة بمستوى الطابق الأول.
واجهة المدخل الرئيسية |
يتوصل لداخل المحطة عبر درج حجري مرتفع يلتف حول كتلة المدخل من ثلاث جهات يؤدي بالداخل إلى الرحبة أسفل السقيفة ومن ثم إلى داخل المحطة عبر ثلاثة أبواب مرتفعة لكل منها عقد موتور.
وتتألف باقي هذه الواجهة الرئيسية بقسميها الآخرين من مستويين من الشبابيك، السفلية منها كبيرة مستطيلة ذات أعتاب مستقيمة ومشغولة بأحجبة معدنية ذات زخارف جميلة. أما العلوية منها فيتوسطها بكل قسم ثلاثة أزواج من الشبابيك الصغيرة نسبياً والمغطاة بعقود مدببة، وفي كل من الطرفين الغربي والشرقي لهذه الواجهة شباكان ضخمان بكتلتيهما بروز عن سمت الواجهة، معقود كل منهما بقوس كبيرة مدبّبة، ويتقدم كل طرف شرفة بارزة يلتف حولها درابزين رخامي يشبه الموجود بشرفة كتلة المدخل، وكل هذه النوافذ مغشاة بأحجبة معدنية مميزة.
سبيل محطة الحجاز |
تتميز هذه الواجهة بتكوينات زخرفية حجرية بارزة وغائرة بشكل خطوط وأفاريز تخلق مساحات بأشكال مثلثة ومربعة شغلت بزخارف هندسية ونباتية ملونة منفذة بالمعجون المُنَزَّل، ويعلو ذلك شريط مستعرض طويل من البلاطات الخزفية الزرقاء، كما يتوج أعلى الواجهة إفريز «كورنيش» حجري يأخذ أعلى القسم الأوسط تكويناً معمارياً يتوسطه ساعة كبيرة، وهي تأثيرات معمارية وفنية شاعت في أوربا بمباني عصر النهضة.
وفي كل من الواجهتين الغربية والشرقية مدخل ثانوي صغير يتقدمه درج كان يستخدم لدخول المحطة أيضاً، وكانت الأبواب الثلاثة بالواجهة الجنوبية الخارجية تستخدم للوصول إلى أرصفة القطارات.
تتألف المحطة من الداخل من طابقين أرضي وأول بارتفاع ١٢م، يُقسم كل منهما قسمين: غربي وشرقي، يتوسطهما فراغ بهو الدخول الواسع المغطى بسقف مميز مرتفع بمستوى الطابقين، ويلتف بمحيط هذا البهو من الداخل بمستوى أرضية الطابق الأول رواقٌ بارز محمول على دعامات (كباش) جُلدت بألواح الخشب المشغول بأنواع مختلفة من الزخارف المختلفة والمميزة، كما يحيط بالرواق درابزين خشبي ذو أحجبة مفرغة.
كما يغطي فراغ هذا البهو سقف مستوٍ بطراز إسلامي صرف، يتألف من عروق خشبية مجلدة بألواح زخرفية غاية في الغنى الزخرفي الهندسي والنباتي (العجمي) على شاكلة أسقف قاعات قصور العصر العثماني وبيوته بدمشق وغيرها، وقد أعطي طراز هذا السقف طابع التجديد من خلال جعله محمولاً على أربعة أجزاء جملونية تصل بين السقف المستوي وجدران البهو الحاملة للسقف بشكله العام.
بهو محطة الحجاز |
يتكون المخطط العام لكل من القسمين الغربي والشرقي لبناء المحطة بالطابقين الأرضي والأول من ممر متوسط تفتح عليه أبواب الفراغات المتعددة التي يتألف منها بناء المحطة عموماً، ويغطي أغلب فراغات هذه المحطة أسقف خشبية مستوية باستثناء بيت الدرج المؤدي إلى السطح فهو مغطى بجملون مائل.
عموماً فإن المبنى يفيض بمفردات معمارية وفنية محلية تتضح بأنواع مواد البناء المستخدمة مثل الحجر الكلسي الرحيباني المستخدم بأغلب أجزاء المبنى والحجر البازلتي الأسود المستخدم في محيط المصطبة القائم عليها المبنى، والرخام الأبيض المستخدم في درابزين الشرفات وأعمدتها وفي أسفل النوافذ العليا للمبنى.
ممر داخلي |
ويتقدم المبنى اليوم بناء صغير مستطيل ذو أربعة وجوه بشكل سبيل له أربعة صنابير مياه، كانت تسقي المسافرين، واليوم تسقي المارة، وقد نُقل هذا السبيل من وسط ساحة الحجاز القديمة والواسعة؛ ليوضع في مكانه هذا على الرصيف الذي يتقدم المحطة اليوم، وقد كتب عليه تذكار باسم الطبيب مسلم البارودي الذي استشهد إبان العدوان الفرنسي على دمشق وهو يؤدي واجبه الوطني والإنساني، حيث يُعدّ هذا السبيل جزءاً من المعالم المهمة لمبنى محطة الحجاز.
سقف عجمي |
لقد جرى حديثاً القيام بأعمال ترميم في مبنى المحطة التاريخي حيث نظفت الواجهات الحجرية، وأنجز تركيب الزجاج المعشق التراثي على النوافذ والأبواب الرئيسية للمحطة بهدف إضفاء لمسة جمالية على المبنى القديم كما رممت أسقف المحطة.
وكانت مؤسسة الخط الحديدي الحجازي بدمشق قد حاولت إحياء محطة الحجاز وتنشيطها سياحياً من خلال ترميم عربتين كانتا مخصصتين للسلطان عبد الحميد، وقامت بتحويلهما إلى مطعم ومقهى سياحيّين، وعملت كذلك على إعادة تعمير نحو ١٤ قاطرة بخارية يزيد عمرها على ١٠٠ سنة، وتعود إلى طرازات مختلفة، ووضعتها في خدمة السياح حيث كانت تنطلق منها القطارات في اتجاهات مختلفة، منها قطار المصايف الشهير الذي يصل إلى المصايف الدمشقية العريقة وأعالي الجبال المحيطة بدمشق، ويمر القطار في مناطق ريف دمشق من الربوة إلى مصايف وادي بردى وصولاً إلى الزبداني وسرغايا.
والمبنى اليوم مازال بحالة جيدة جداً لم يتعرض لتغييرات في ملامحه المعمارية سوى بعض الإكساءات الداخلية، وتشغله مكاتب إدارية لمؤسسة الخط الحديدي الحجازي؛ إضافة إلى جعل البهو المتوسط الواسع مكاناً لاستراحة الزوار ومعرضاً دائماً للكتاب.
غزوان ياغي
مراجع للاستزادة: - محمد بسام العش، دمشق بين الماضي والحاضر (دمشق ١٤٢٧هـ/٢٠٠٦م). - السيد محمد الدقن، سكة حديد الحجاز الحميدية (١٤٠٥هـ/١٩٨٥م).
|
- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد الخامس مشاركة :