جمل (في عصور تاريخيه)
-

 ¢ الجمل

الجمل

 الجمل في العصور التاريخية

 

يعود الجمل Camel إلى عائلة Camelidae، مَرتَبة Artiodactyla، التي يعتقد أن موطنها الأصلي في أمريكا الشمالية وأنها عبرت إلى آسيا قبل أكثر من مليوني سنة؛ إذ ظهر النوعان الآسيويان: الباكتري Camelus bactrianus، ذو السنامين، والجمل ذو السنام الواحد Camelus dromedarius. وينسب النوع الأول إلى إقليم باكتريا Bactria في شمالي أفغانستان وجنوبي أوزبكستان. وما تزال الصلة فيما بين النوعين موضوع خلاف بين المختصين.

يأتي أقدم دليل على وجود الجمل ذي السنامين من مشهد فني مصور على كسرة يعود تاريخها إلى أواخر الألف الرابع قبل الميلاد عثر عليها في سيالك (كاشان حالياً) في غربي إيران. ويبدو مرجحاً أن هذا الجمل دجن أولاً في تركمانستان- ومن المحتمل في الهند- في الألف الثالث قبل الميلاد. وهناك دليل عظمي محتمل على تدجين الجمل ذي السنامين من موقع شهري سوختا في شرقي إيران من التاريخ نفسه. وقد وجدت بقايا عظمية لهذا النوع من الجمال في فلسطين. وتظهر جمال بسنامين مصورة بمشاهد فنية من بلاد الرافدين من الألفين الثاني والأول قبل الميلاد، ومنها مشهد بالنحت البارز على «المسلة السوداء» Black Obelisk العائدة للملك الآشوري شلمنصر الثالث (٨٥٨ – ٨٢٤ ق.م)، وعلى الرقائق البرونزية التي تغطي بوابة قصر بلوات؛ غير أنه لم تكتشف بقايا عظمية من جمال هذا النوع في بلاد الرافدين.

وفيما يخص الجمل ذا السنام الواحد- ويسمى «الجمل العربي» Arabian Camel- وجد السلف العملاق له في بادية الشام، وذلك في موقع الهمَّل [ر] ضمن الطبقات الموستيرية من العصر الحجري القديم. فقد عثر في هذا الموقع على مجموعة عظام لجمال يبلغ حجمها ما يقارب ضعف حجم الجمل الاعتيادي، وأرخت من ١٢٠.٠٠٠– ٨٠.٠٠٠ سنة ماضية. وفي طبقات أقدم تعود إلى نحو ٤٠٠.٠٠٠ سنة ماضية عثر على بقايا ما تبدو أنها أنواع أقدم من هذا الجمل. ومن النوع الحالي وجد عظم قرب ساحل البحر الأحمر أرخ بطريقة الكربون المشع من نحو ٧٠٠٠ ق.م. وهناك رسوم على الصخور في شبه الجزيرة العربية تؤرخ ما بين الألفين السابع والخامس قبل الميلاد، وتظهر فيها جمال تصطاد من قبل رجال على الأقدام ويستعملون السهام. وقد وجدت بقايا الجمل ذي السنام الواحد في طبقات العصر الحجري الحديث في موقع عين غزال[ر] في الأردن. ووجدت بقايا عظمية أخرى في موقعي أم النار ورأس غنادا في «أبو ظبي» على الساحل الغربي للخليج العربي يعود تاريخها إلى أواخر الألف الثالث قبل الميلاد.

لم يتوفر دليل مؤكد على تدجين الجمل قبل أواخر الألف الثاني قبل الميلاد، ومن بين الأسباب التي كانت وراء عدم تحديد تاريخ مؤكد لتدجين الجمل صعوبة التمييز فيما بين عظام الجمال الوحشية والمدجنة. ويعتقد أن أوضح دليل مبكر على تدجين الجمل يأتي من جنوب- شرقي شبه الجزيرة العربية. ومن الجدير بالذكر أن أكبر كمية من عظام الجمال- من العصور السابقة للعصر الهلنستي- جاءت من موقع تل جمعة في جنوب- شرقي غزة على طريق التجارة المؤدي إلى جنوبي شبه الجزيرة العربية. لقد ربيت الجمال أصلاً من أجل الحليب الذي يتميز بغزارته وفائدته الكبيرة في التغذية. ولاحقاً استخدمت لنقل الأحمال، وفيما بعد للركوب. إن تغذي الجمل على الأشواك التي لا تتناولها الحيوانات الأخرى بما فيها الماعز، وكذلك تحمله للبقاء أياماً من دون ماء؛ ساعد أصحابه على استعمال دروب أطول في أراضٍ وعرة مما لا يمكن لحيوانات أخرى أن تتحمل السفر فيها. ولذلك برز العرب بصفتهم تجاراً لمسافات طويلة على البر مثلما كان دور الفينقيين في البحر، كما تهيأت لهم القدرة على الحركة في السلم والحرب والعيش في مناطق لا يستطيع غيرهم البقاء فيها طويلاً. ومن دون شك كان استعمال الملك الآشوري أسرحدون (٦٨٠- ٦٦٩ق.م) للجِمَال عاملاً أساسياً في تمكنه من الوصول إلى مصر براً. ومن الأمور اللافتة عدم توفر دليل على استعمال الجمل في مصر قبل العهد الروماني. علماً أن الجمل كان معروفاً قبل ذلك؛ فقد ذكر الملك الآشوري شلمنصر الثالث (٨٥٨-٧٢٤ق.م) في حولياته عن معركة قرقر مشاركة جنديبو العربي مع ألف من راكبي الجمال في المعركة ضده. كما ذكر تجلات بلاصر (٧٤٥-٧٢٧ق.م) تلقيه أعداداً كبيرة من الجمال جزية من القبائل العربية، وكان عددها في أحد المرات ثلاثين ألفاً.

منحوتة من تل حلف تظهر جملاً (متحف بالتيمور)

وفي سورية ساعد استخدام الجمل على ازدهار تجارة اللبان والمر المربحة من جنوبي شبه الجزيرة العربية. وازداد هذا الدور في تجارة البخور خلال الألف الأول قبل الميلاد حينما برز دور الجمل من بين مجموعة الحيوانات المستعملة في العصر الحديدي. وحينذاك تكرر ظهور الجمال في مشاهد النحت البارز مثلما هو الحال في تل حلف وكركميش [ر]. وتوضح المشاهد الفنية أن الدور الرئيسي للجمل في الحرب لم يكن للقتال؛ وإنما لنقل المحاربين إلى ساحة المعركة، فقد كان المحاربون يترجلون عن الجمال حينما يقتربون من ساحة المعركة، ويدخلونها على الأقدام ملوحين بسيوفهم وحاملين أقواسهم، وهذا ما صورته مشاهد النحت البارز الآشورية في قصر آشور- ناصربال الثاني (٨٨٣- ٨٥٩ ق.م) التي تظهر الجمال فيها باركة فيما يتوجه أصحابها للقتال على الأقدام. ويعاد استعمال الجمال في حالة الانكسار والانسحاب السريع من المعركة، وفي ذلك تظهر المشاهد كل شخصين على جمل واحد.

من الناحية اللغوية دخلت المصطلحات العربية الخاصة بالجمل في اللغة الأكادية، واستعملت في النصوص المسمارية، ومن هذه المصطلحات «إبِلُ» ibilu التي تعني في الأكادية «جمل، جمل بسنام واحد». وقد استعملت هذه الكلمة في النصوص البابلية القياسية (النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد) والنصوص الآشورية الحديثة (الألف الأول قبل الميلاد). ويرادفها في السومرية أنشي- أ- أب- با ANSHE.A.AB.BA الذي يعني حرفياً «حمار البحر». كما استعملت كلمة «جَمَّلُ» gammalu في نصوص العصر الآشوري الحديث، ويرادفها في السومرية المصطلح السابق نفسه أو أنشي- جام- مال ANSHE.GAM.MAL الذي كما هو واضح تقطيع لكلمة جَمَّلُ، واستعملت أيضاً كلمة «أناقاتو» anaqatu بمعنى ناقة.

نائل حنون

 

- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد الخامس مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق