جعه
Beer - Bière

 ¢ الجعة

 الجعة

 

إن أهم المصادر عن إنتاج الجعة Beer واستعمالها في حضارة المشرق العربي القديمة هي النصوص المسمارية المكتشفة في وادي الرافدين وسورية. وتدل هذه النصوص دلالة واضحة على أن الجعة كانت تنتج بعدة أصناف، لكل منها اسمه الخاص به، وذلك منذ الألف الثالث قبل الميلاد على أقل تقدير. وعلى الرغم من أن الجعة لم تكن المشروب الأساسي في الغرب السوري بقدر ما كانت عليه الخمر فإن ذكرها يتردد في نصوص العصر البرونزي. وترد في النصوص المسمارية تفاصيل تقنيات إنتاج الجعة، وأكثر هذه التفاصيل أهمية ترد في نص سومري هو ترتيلة إلى الإلهة نِنكاسِ Ninkasi التي عدت الإلهة الراعية للجعة وإنتاجها، وتوصف في النصوص بأنها « السيدة التي تملأ الفم». واسم هذه الإلهة مركب من كلمتين؛ كلمة سومرية (نِن) بمعنى سيدة وأكادية (كاسِ) بمعنى الكأس وهي مضاف إليه مجرور. وتتضمن هذه الترتيلة وصفاً للأوعية التي تصنع بها الجعة.

كانت الجعة من المنتجات اليومية على ما يرجح الباحثون، ذلك أنها كانت صعبة الحفظ بخلاف الخمر. وتعتمد طريقة تحضيرها على تنقيع خبز الشعير أو القمح، وتعطى نكهة خاصة بإضافة أعشاب وتوابل وتمور أوعسل. وكانت إضافة الدبس أو التمر تسرع عملية التخمير، والخطوة الأخيرة إضافة الماء إليها ثم تصفيتها، وكانت أرخص أنواع الجعة هي التي تزداد فيها نسبة الماء المضاف. وقد عرف عن الحثيين أنهم كانوا يستعملون مشروبين، هما «جعة خمر» و«جعة عسل»، وقد يكون المشروب الأول جعة ممزوجة بالخمر والثاني جعة محلاة بالعسل. ويذهب بعض الباحثين إلى أن من الأسباب الرئيسية للتوسع في استعمال الفخار هو دور الأوعية الفخارية في تحضير الجعة، فضلاً عن استعمالاته الواسعة الأخرى في تحضير الطعام وتقديمه وكذلك الشراب، وفي الخزن أيضاً.

مشهد ختم يظهر سومريين يتناولون الجعة

عدت الجعة في المعتقدات القديمة من نِعَم الحضارة وقرينة للطعام. وقد وردت مقاطع تمتدح الجعة في ملحمة جلجامش من قبيل: « كُل الأكل فهو سمة الحياة، واشرب الجعة فهي شيمة البلدان»، أو « الأكل لائق بالآلهة، الجعة لائقة بالملوكية». وكانت الجعة من ضمن قرابين الأغذية التي تقدم في المعابد، وكان صانعو الجعة يدرجون ضمن منتسبي المعبد والقصر. وفي النصوص الآشورية ذكرت الجعة مع المنتجات التي تقدمها البلدان الموالية ضرائب إلى الدولة الآشورية. وعندما احتفل الملك الآشوري آشور- ناصربال الثاني [ر] بإنجاز تشييد عاصمته كَلخ - نمرود حالياً- قدم لضيوفه البالغ عددهم ٦٩٥٧٤ شخصاً عشرة آلاف جرة من الجعة ومئة حاوية من الجعة الفاخرة. ومما يدل على أهمية الجعة في الحضارة القديمة أن أحد النصوص المسمارية يشير إلى استعمال الكلاب في مناسبة معينة لحراسة موضع تحضير الجعة. وكانت الجعة تستعمل أيضاً في إعداد وصفات طبية تكوَّن غالباً بمزجها مع مواد أخرى لجعلها سائغة المذاق. وتذكر النصوص المسمارية استعمال الجعة في الشعائر الدينية الحثية والبابلية.

أوان مختلفة تستخدم لشرب الجعة وحفظها

لقد عدت الجعة جزءاً مهماً من الغذاء، وترد إشارات في قوائم توزيع الأرزاق المسمارية عن حصول أشخاص على كمية تعادل ٣ أو ٤ لترات من الجعة بمنزلة جزء من أجرهم اليومي. وفي قائمة توزيع أجور من ألالاخ ذكرٌ لتضمن الأجور كمية من الشعير لصنع الجعة. ويرد في نصوص ماري أن الجعة كانت تشرب من دون تبريد بخلاف النبيذ الذي كان يبرد. وفي الحقيقة توفر نصوص ماري معلومات جيدة عن عادات الشرب التي كانت الجعة مشروباً أساسياً فيها. وكانت الجعة تنتج محلياً في هذه المدينة من الحبوب، وهنا كانت تنتج جعة بمذاق حلو تسمى في نصوص ماري الأكادية لَبّانُ Lappanu (بتضخيم لفظ الباء للتعويض عن حرف الفاء غير الموجود في الكتابة المسمارية). وهذا النوع يصنع من الشعير وبنكهة الرمان، وهو ما يفسر أصل الكلمة السورية الشعبية التي تطلق على نوع من الرمان (لَفّان). وكانت الجعة تذكر في قائمة الولائم الملكية بكميات كبيرة، وقدم منها في إحدى المناسبات ما يعادل ١٠٠٠ لتر. وهناك رسالة مسمارية من ماري تشير إلى توزيع الجعة على الجنود، ويحتمل أن يكون هذا بصدد احتفال أعقب حملة حربية ناجحة.

مشهد يمثل شرب الجعة لدى السومريين

كشفت التنقيبات في تل ليلان[ر] في منطقة الخابور عن مبنىً إداري ملكي في المدينة السفلى شمال مرتفع المنشآت المركزية، أجريت تحريات أثرية سريعة في هذا المبنى اكتشف من خلالها ما يقرب من ٦٠٠ رقيم طيني تحمل نصوصاً مسمارية تدور مواضيعها الرئيسية حول إدارة شؤون الجعة. ويتضح من هذه النصوص أن الشخص الذي كان مسؤولاً عن هذا المبنى هو قرني- ليم Qarni- lim من مدينة أندريك Andarik، وكان يحكم في سهل سنجار، وسيطر مدة قصيرة على مدينة شوبات- أنليل (تل ليلان) في السنوات التي تلت موت الملك الآشوري شمشي- أدد [ر] الأول. ويظهر مشهد مصور على لوح طيني عثر عليه في ماري أشخاصاً يشربون الجعة بوساطة قشات طويلة من وعاء واحد كبير موضوع على الأرض. وقد ظهرت مشاهد مشابهة لهذا على أختام أسطوانية من الألف الثالث قبل الميلاد في جنوبي بلاد الرافدين.

رقيم مسماري يوضح أوامر المعابد بإنتاج حصص يومية من بيرة الشعير في بلاد ما بين النهرين ٣١٠٠-٣٠٠٠ ق.م (المتحف البريطاني، لندن)

إن الكلمة المستعملة للجعة في اللغة الأكادية هي شِكَرُ shikaru أو شِكْرُ shikru، وتكتب مقطعياً أو بالعلامة الرمزية السومرية كاش KASH. وقد ظهرت هذه العلامة منذ دور أوروك المتأخر في الكتابة الصورية الأولى بشكل جرة فخارية مخروطية البدن ولها عنق طويل مخروطي الشكل أيضاً. وتدل الأسماء المستعملة للجعة في النصوص المسمارية على أنواعها، مثل: شِكَر أيمصُ Shikar emsn «جعة حامضة»، كُرُنُ Kurunu «جعة مكررة، تستعمل في الشعائر الدينية»، شِكَرُ ريشةُ Shikaru reshtu «جعة درجة أولى»، خيقُ Khiqu «جعة خفيفة»، أولوشِنُّ Ulushinnu «جعة قمح محلاة بالتمر» وكانت شائعة في سورية، كاشماخُ Kashmakhu «جعة راقية»، مَزو Mazu «جعة معصورة، رخيصة»، بيخ شا شَدي Pikh sha shadi «جعة الجبل المختومة». أما عملية تحضير الجعة فيطلق عليها في الأكادية سبأ Saba’u، ومنها سابيءُ Sabi’u أي « ساقي الجعة»، والمؤنث منه سابيئةُ Sabi’tu «ساقية الجعة». وكانت جرة الجعة تدعى بيخُ Pikhu، واتخذت مقياساً للسوائل في العصر البابلي القديم.

مهند محمد

مراجع للاستزادة:

- L. Milano (ed.), Drinking in Ancient Societies: History and Culture of Drinks in Ancient Near East, (Padua, 1994).

- J. M. Renfrew, “Vegetables in the Ancient Near Eastern Diet”, Civilizations of the Ancient Near East, (ed.) J. Sasson, (New York, 1995), pp. 191-202.

 


- التصنيف : العصور التاريخية مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق