جعبر (قلعه)
Jaabar (Qalat-) - Jaabar (Qalat-)

 جعبر

جعبر (قلعة -)

 

 

تقع قلعة جعبر على الضفة الشرقية لنهر الفرات، على بعد ٥٠ كم إلى الغرب من الرقة،و١٥ كم إلى الشرق من مدينة الثورة، فوق هضبة من الصخرالكلسي، ترتفع بمقدار ٣٤٧م فوق سطح البحر، وكانت القلعة- قبل أن تغمر أطرافها بمياه بحيرة الأسد، وتتحول إلى شبه جزيرة في البحيرة- ترتفع نحو خمسين متراً عن السهل المحيط بها، وهي ترتفع فوق سطح هذه البحيرة اليوم بمقدار ٢٠ متراً، ويقابل القلعة على الضفة الغربية لنهر الفرات موقع مسكنة (بالس) الأثري.

 

يتفق معظم المؤرخين على أن أول من بنى الحصن في موقع جعبر الحالي هو دوسر غلام النعمان بن المنذر (٤٠٠-٤١٨م) ملك الحيرة، وكان قد تركه على أطراف الشام، فبنى هذا الحصن، فسمي بدوسر أو الدوسرية، ومن المرجح أن هذا الحصن شهد أعمال بناء وترميم أيام الامبراطور جوستنيانوس الذي حصن خط الفرات في مواجهة الفرس في القرن السادس الميلادي. وتغيب أخبار الحصن فترة طويلة خلال العصرين الأموي والعباسي حتى تعود إلى الظهور في مطلع القرن ٥هـ/١١م؛ إذ وقعت القلعة تحت سيطرة النميريين المتولين على الرقة، حلفاء المرداسيين في حلب، وكان يحكمها منهم شبيب ابن وثاب النميري الذي كان صهر نصر بن صالح بن مرداس (٤٢٠-٤٢٩هـ/١٠٢٩-١٠٣٧م) أمير حلب. وفي سنة ٤٢٩هـ/١٠٣٧م هزم الجيش الفاطمي التحالف الذي كان قائماً بين نصر بن صالح وشبيب بن وثاب في معركة بالقرب من السلمية، فقتل نصر، وهرب ثمال بن صالح إلى الرقة واتخذها مقراً له، فاندفع الفاطميون وراءه، واشتروا قلعة دوسر ليراقبوا تحركات ثمال في الرقة.

قلعة جعبر من الجهة المطلة على النهر

انتقلت القلعة إلى سيطرة القشيريين، وكان منهم الأمير جعبر المعروف بسابق الدين القشيري الذي تنسب إليه التسمية الجديدة للقلعة، وكان رجلاً كبيراً في السن، أعمى وله ولدان، وقد بقيت القلعة بيد القشيريين حتى وصول السلطان ملكشاه السلجوقي إلى المنطقة الذي طلب من سابق بن جعبر تسليمه القلعة، وعندما رفض سار إليه سنة ٤٧٩هـ/١٠٨٦م، فحاصر القلعة يوماً وليلة، وضربها بالمنجنيقات ودخلها، وأمر بقتل سابق برميه من أعلى القلعة، ثم سلمها إلى سالم بن مالك العقيلي أمير حلب بعد أن استولى عليها. وظل سالم بن مالك حاكماً لقلعة جعبر حتى وفاته سنة ٥١٩هـ/١١٢٥م، فخلفه ابنه مالك، ثم ابنه بدران ثم أخوه علي بن مالك بن سالم المعروف بسيف الدولة. وكانت القلعة في فترة حكم سالم بن مالك وأولاده من بعده ملاذاً لكثير من الأمراء. وفي سنة ٥٦٤هـ/١١٦٨م قبل شهاب الدين مالك بن علي صاحب جعبر تسليم القلعة لنور الدين محمود بن زنكي، وأخذ عوضاً منها سروج وأعمالها وملاحة الجبول وعشرين ألف دينار. ثم آلت إلى صلاح الدين بعد سنة ٥٧٧هـ /١١٨١م، ثم صارت من نصيب أخيه العادل وأولاده حتى وصول هولاكو سنة ٦٥٦هـ /١٢٥٨م الذي دمرها، فهجرت نحو قرن من الزمان. ثم أعاد المماليك بناءها، وجعلوها النيابة الثانية في بلاد الجزيرة وشرق الفرات.

قلعة جعبر من الجهة المطلة على اليابسة

ومع دخول العثمانيين إلى سورية سنة ٩٢٢هـ/١٥١٦م على يد السلطان العثماني سليم الأول اختفت أخبار القلعة، وعلى ما يبدو فإنها خضعت لسيطرة العشائر طوال مدة الحكم العثماني. حتى السبعينيات من القرن العشرين كانت ماتزال القلعة خربة، وقد نهب الكثير من حجارة أبنيتها الخربة وقطع قرميدها من قبل سكان المنطقة. وقد جرت أعمال أثرية متنوعة في القلعة بدءاً من سنة ١٣٧١هـ/١٩٧١م، منها أعمال الحفريات وخاصة في المسجد والمباني الواقعة في القسم الجنوبي الغربي من القلعة وأعمال إعادة ترميم للكثير من المباني والأبراج المهدمة؛ ولا سيما على الواجهتين الغربية والشمالية والشرقية للقلعة؛ وحماية حواف القلعة التي تأثرت بالعوامل الجوية من رياح البادية ورطوبة ماء النهر، وقامت مؤسسة سد الفرات بمشروع ضخم سنة ١٩٧٣م بحماية الجانب الجنوبي الغربي للقلعة الأكثر تضرراً بعوامل الحت. وأشيد بجانب المدخل- فوق برج عليا- متحف موقعي يضم أهم المكتشفات التي عثر عليها في الموقع، ومنها خزفيات وخشبيات محفورة بدقة، كما ضم قبو قرب البوابة مدفناً رومانياً- بيزنطياً من موقع عناب السفينة [ر] المجاورمع بعض المكتشفات من الفترة الكلاسيكية، كما تم بناء فرن لصناعة القرميد في القلعة لاستخدامه في أعمال الترميم.

قلعة جعبر

تمتد القلعة بشكل بيضوي من الشمال إلى الجنوب بطول ٣٢٠م، ومن الشرق إلى الغرب بعرض ١٧٠م، ويحيط بها سوران ضخمان زودا بأبراج عددها ٣٥ برجاً، ذات أشكال تتنوع بين نصف دائرية ومضلعة بشكل مخمس أو مسدس أو مثمن وبرج واحد مربع يسمى برج «عليا»، وهذه الأبراج تتكون في بعض الحالات من ثلاثة مستويات دفاعية يتوضع فيها العديد من مرامي السهام، وهذه الأبراج المبنية من القرميد المشوي؛ زُيِّنت من الخارج بأشكال زخرفية على شكل شرائط أو أزهار أو أشكال هندسية منفذة بشكل صندوقي ضمن سطح الجدار، ويلاحظ على القسم العلوي لأحد الأبراج إعادة ترميم باستخدام أسلوب حجر «أبو صرة» المميز للفترة المملوكية، ويحيط بالقلعة خندق نحت بالكتلة الكلسية؛ ليشكل خط الدفاع الأول عن القلعة؛ لم يبقَ منه سوى أجزاء في الطرف الشمالي الشرقي. وكان يتم الوصول إلى القلعة عبر جسر ضاعت معالمه اليوم، واستعيض منه مدخل خدمي يؤدي إلى المدخل الرئيسي، وهو ممر نُحت في الصخر على شكل نفق يؤدي صعوداً إلى القسم العلوي من القلعة ماراً بين السورين، وفي وسطها تم الكشف عن مبنى جامع مستطيل الشكل يتكون من صحن في الوسط، تحفُّ به أروقة، أكبرها الرواق القبلي، وله مئذنة أسطوانية قطرها ١٤م، ترتفع ٢١م فوق قاعدة مربعة أبعادها ٥,٥×٥,٥م، رُمِّمت في أثناء فترة الانتداب الفرنسي، وقد أثّرت فيها الرياح؛ مما جعلها تميل قليلاً إلى جهة الشرق، وهي ما تزال قائمة حتى اليوم، بنيت وفق النموذج المعماري الرافدي للمآذن والمنتشر في منطقة الرقة كما في مئذنة جامع الرقة وبالس و»أبو هريرة» [ر]. وفي الجهة الجنوبية الغربية من سطح القلعة تم الكشف عن مبنى كبير مبني من الآجر المشوي يعتقد أنه كان مقراً لأمير القلعة وحاشيته، ينقسم إلى عدة غرف وممرات متصلة مع بعضها، أرضيته مرصوفة بالحجارة أو بلاطات القرميد على شكل زخارف هندسية بديعة، وفيه قنوات للمياه وقنوات مجارٍ تتوضع بشكل متقن، إضافة إلى ذلك عُثر على حمّام وبناء مخصص للتخزين. وفي السفح الغربي للكتلة الصخرية للقلعة عثر على عدة مدافن منقورة في الصخر تعود إلى الفترة البيزنطية، أهمها مدفن مكوَّن من فناء مستطيل طوله ١٧م، وعرضه ٩م، وفيه تسعة إيوانات منحوتة في الصخر عليها شارات الصليب؛ إضافة إلى بئر منحوتة في الصخر ومردومة، عثر فيها على الكثير من بقايا الخزف الإسلامي من القرن ٧هـ/١٣م، أهمها الصحن المشهور ذو البريق المعدني المزين بزخارف نباتية وصورة الشمس على شكل وجه إنسان.

هيثم حسن

 

مراجع للاستزادة:

- عبد الرزاق زقزوق، « قلعة جعبر عبر التاريخ»، وقائع الندوة الدولية لتاريخ الرقة ٢٤-٢٨/١١/١٩٨١، المديرية العامة للآثار والمتاحف، دمشق ١٩٨٤م.

- عبد القادر عياش، حضارة وادي الفرات- مدن فراتية- القسم السوري، إعداد وليد مشوح (دار الأهالي، دمشق ١٩٨٩م).

- Youssef JABALI, Sauvegarde et Restauration des Monuments Historiques dans la Région de Barrage: Citadelle de Ja’bar, Meskeneh et Abou – Houreira, Antiquités de l’Euphrate, Exposition des découvertes de la campagne internationale de sauvegarde des Antiquités de l’Euphrate, Musée d’Alep, 1974.

- Jean Mesqui, Châteaux d’Orient, Liban, Syrie, éd. Hazan 2001, pp. 49-97.

 


- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد الرابع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق