الأناضول (بلاد-) في العصور التاريخية
اناضول (بلاد) في عصور تاريخيه
-
الأناضول الأناضول (بلاد -)
الأناضول في العصور التاريخية
نائل حنون
غالباً ما يعني مصطلح بلاد الأناضول Anatolia - وبالتركية أنادولو Anadolu- ما تشغله اليوم جمهورية تركيا الحالية. ويراد بهذا المصطلح - في أحيان كثيرة - التعبير عن المرتفعات الوسطى. وقد أثَّر التباين الجغرافي لبلاد الأناضول في تطور تاريخها الحضاري، حتى إن المختصين أخذوا يميلون حديثاً إلى أن لكل منطقة من البلاد تطورها الحضاري الخاص بها. وتتمثل مناطق بلاد الأناضول الجغرافية في: الهضبة الوسطى المرتفعة، المنطقة الجبلية الشرقية، سواحل بحر إيجة والبحر المتوسط، جبال البنطس Pontic وساحل البحر الأسود، ومنطقة مرمرة وتراقيا Thrace التركية في الغرب. ويعد جنوب شرقي البلاد امتداداً لشمالي وادي الرافدين وسورية خصوصاً في مرحلة نشوء الحضارة. وعلى العموم كانت الصلات موجودة بين بلاد الأناضول وسورية منذ نشوء أولى القرى الزراعية وقيام التجارة.
بوابة أبي الهول في موقع الأكا حيوك |
انتهى العصر الحجري- النحاسي في بلاد الأناضول نحو 3400 ق.م؛ متأخراً بنحو قرن من الزمان عن نهايته في سورية، وحلَّ العصر البرونزي المبكر الذي دام حتى قيام المملكة الحثية القديمة نحو 1740 ق.م. إن اكتشاف مواقع العصر الحجري الحديث في بلاد الأناضول قدم الدليل على انتشار الزراعة المبكرة من هناك إلى أوربا الشرقية، ويرى باحثون أن هذا الانتشار رافقه انتشار اللغات الهندو- أوربية، وبالتالي الأقوام الهندو- أوربية، لكن فريقاً آخر من الباحثين يتمسك بالرأي القائل: إن التغلغل الهندو- أوربي ابتدأ في بلاد الأناضول من الشمال- الغربي في وقت ما من العصر الحجري- النحاسي أو العصر البرونزي المبكر. وإذا كان معروفاً أن الحثيين هم من الأقوام الهندو- أوربية فإنه لا سبيل لمعرفة هوية السكان الأصليين الذين سبقوهم في استيطان بلاد الأناضول، ذلك لأن لغة هؤلاء القوم مجهولة بسبب عدم تدوينها، وجل ما يمكن أن يقال عنهم أنهم ليسوا من الأقوام الهندو- أوربية وأنهم كونوا أغلبية السكان خلال العصر البرونزي المبكر. من أهم المواقع الأثرية من ذلك العصر في بلاد الأناضول موقع الأكا حيوك Alaca Huyuk، شمال يوزغات Yozgat على بعد 180كم شرقي أنقرة، في شمال وسط البلاد. تم التنقيب في هذا الموقع في ثلاثينيات القرن العشرين وكشف فيه عن ثلاثة عشر ضريحاً تميزت بالفخامة والأثاث الجنائزي الفاخر الذي تضمن أسلحة، حليَّاً، أباريق ورموز حيوانات، والكثير من هذه المواد مصنوعة من الذهب أو الفضة. وتذكر هذه الأضرحة - التي يعود تاريخها إلى أواخر الألف الثالث قبل الميلاد- بأضرحة المقبرة الملكية في أور التي سبقتها ببضعة قرون. وفي الألف الثاني قبل الميلاد ضم الموقع نفسه مدينة حثية رئيسة لا تبعد أكثر من ثلاثين كيلومتراً عن العاصمة خاتوشا.
بوابة الأسود في خاتوشا |
شهد الألف الثالث قبل الميلاد وجود عدد من الممالك الصغيرة التي تتقاسم بلاد الأناضول قبل تمكن الحثيين من إقامة دولتهم الأولى. وتروي المآثر المتأخرة أن الملك الأكادي نرام - سِن [ر] حارب هناك تحالفاً من سبعة عشر ملكاً في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد. ومن بين تلك الممالك بوروشخندا Purushkhanda (عجم هيوك Acem Huyuk حالياً في وسط بلاد الأناضول، التي وجدت فيها جالية من التجار الأكاديين الذين تدخل سرجون [ر] الأكادي (2340- 2284 ق.م) لحمايتهم. وهناك مملكة أخرى باسم خاتي؛ أي الاسم الذي حملته مملكة الحثيين لاحقاً، وتذكر النصوص المتأخرة اسم أحد ملوك تلك المملكة المبكرة بصيغة بامبا Pamba. ويبدو أن تلك الممالك كانت تعيش حالة تنافس وصراع فيما بينها لكنها تتحالف حين تواجه تهديداً خارجياً. وتروي النصوص الحثية المتأخرة أخباراً عن تلك المرحلة المبكرة من تاريخ البلاد فتذكر مملكة باسم كُسارا Kusara قامت في المناطق الشرقية وحكمت من قبل ملك اسمه بتخانا Pitkhana خلفه ابنه أنيتّا Anitta. وقد قام أنيتّا بتوسيع رقعة مملكته بضم خمس ممالك مجاورة لها و بضمنها مملكة خاتي، واتخذ من مدينة نيشا Nisa عاصمة له. ويرجح أن هذه المدينة هي نفسها مدينة كانيش [ر] (كول تبه حالياً) التي قامت فيها مستوطنة آشورية مهمة في أوائل الألف الثاني قبل الميلاد.
منحوتة آلهة العالم السفلي الاثني عشر (خاتوشا) |
من المعروف أن المستوطنات التجارية الآشورية - خصوصاً في كانيش - ازدهرت في بلاد الأناضول في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد. لكن تلك المستوطنات لم تكن الأولى، كما يرجح وجود مستوطنات أخرى لم تكتشف بعد. ويعتقد أن ظهور تلك المستوطنات لم يكن فجائياً؛ وإنما استند إلى وجود أموري واسع سبق وصول الأموريين إلى حكم بلاد آشور في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد.
أقام الحثيون [ر] مملكتين في الألف الثاني قبل الميلاد، وهما: المملكة الحثية القديمة (1740- 1460 ق.م)؛ والمملكة الحثية الحديثة (1460- 1200 ق.م)، وخلال ذلك كان قلب الهضبة الأناضولية الوسطى نواة لحضارة حثية تفاعلت ثقافياً وسياسياً مع حضارة المشرق العربي والحضارة المصرية. وكانت نهاية المملكة الحثية الحديثة من ضمن سلسلة معقدة من الحوادث المقترنة بغزوات شعوب البحر التي شملت غربي سورية؛ وكذلك بوصول قبائل بلقانية - تراقية Balkan- Thracian، وضمنها الفريجيون Phrygians واليونانيون Jonians.
موقع كبادوكيا في الأناضول |
في المرحلة التي تلت انهيار المملكة الحثية الحديثة انتقلت فلول الحثيين إلى شمالي سورية، وانتقل معها مركز الحثيين الحضاري والسياسي، وتكونت في العهد الحثي الجديد ممالك صغيرة من أشهرها كركميش [ر]. ونحو القرن التاسع قبل الميلاد برزت قوى جديدة ناشئة في بلاد الأناضول من أهمها مملكة أورارطو [ر]. وقد تطورت هذه المملكة من اتحاد أقوام جبلية تحدّر الكثير منهم من الحوريين [ر] الذين انسحبوا إلى شرقي بلاد الأناضول بعد انهيار مملكة ميتاني التي أسسوها في شمال- شرقي سورية خلال الألف الثاني قبل الميلاد. وبعد ذلك مباشرة قامت ممالك ليديا Lydia، ليقيا Lyucia وكاريا Caria في الجنوب - الغربي. وفي القرن السابع قبل الميلاد استولت الدولة الآشورية على معظم المناطق الجنوبية- الشرقية، وامتدت سيطرة الإغريق على سواحل البحرين المتوسط والأسود. ويتوفر الدليل على انتشار اللغة والخط الفينيقيين والآراميين في بلاد الأناضول حينذاك. وبعد سقوط الدولة الآشورية في عام 612 ق.م أصبحت بلاد الأناضول تحت نفوذ ثلاث قوى مسيطرة، وهي: ليديا في الغرب، كيليكيا Cilicia في الوسط الجنوبي، ميديا Media على الهضبة الوسطى الشمالية. وأخيراً ضُمت بلاد الأناضول كلها إلى الامبراطورية الأخمينية بعد انتصار الأخمينيين - بقيادة كورش [ر] الثاني Cyrus II - على ليديا في عام 547 ق.م. ومن الجدير بالذكر أن أفضل مصدر عن مدن بلاد الأناضول القديمة - التي لم يكتشف معظمها - يتمثل بالنصوص المسمارية المكتشفة في العراق وسورية ودول الجوار، ولا يقتصر مضمون هذه النصوص على ذكر تلك المدن وما اقترن ببعضها من حوادث؛ وإنما يشمل أدلة على مواقع العديد منها في الوقت الحاضر، ويصل عدد المدن الأناضولية المذكورة في هذه النصوص حالياً إلى مئتين تقريباً.
- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد الثاني مشاركة :