جسر في عصر اسلامي
-

 الجسر

الجسر

 

 

الجسر في العصر الإسلامي

الجِسْرُ بكسر الجيم هو في العمارة بناء مقوّس يُبنى فوق مجاري المياه والأودية، يربط بين طرفين ليسهل عبورها. يتكوّن الجسر من دعامات قوية تحمل فوقها عقوداً ضخمة أو أقواساً أو قناطر يستند إليها الطريق الذي يُعبرُ عليه، تعمل هذه الجسور عن طريق نقل وزن الجسر وأحماله جزئيًا بالاتجاه الأفقي من قبل الدعامات في كلا الجانبين، حيث لا يتولد من هذه الجسور سوى قوى محورية بسبب البنية القوسية للجسر التي تحوّل جميع القوى فيه إلى قوى ضاغطة على المحور الوسطي. ولهذا النوع من الجسور أشكال عديدة تختلف باختلاف الطبيعة الجغرافية للمنطقة أو باختلاف المهندس المصمم الذي يختار الشكل الخاص للجسر.

والجسور في العمارة الإسلامية [ر] من أنواع عمائر الرعاية الاجتماعية التي تكفّلت الدولة بعمارتها تسهيلاً لحياة رعاياها وخدمة لهم، فقد شهد العصر الإسلامي اهتماماً مميزاً بعمارتها وإدراكاً مبكراً لأهميتها وسعياً جاداً إلى تطوير فن عمارتها من دون أن يعني ذلك ترك الإفادة من التجارب السابقة المهمّة؛ إذ جاءت نماذج الجسور المنتجة في هذا العصر تحمل المميزات العامة للفن الإسلامي من حيث أسلوب قطع الأحجار وطريقة بناء المداميك وشكل الأقواس والقناطر الحاملة لها من دون أن يغفل التأثير الكبير لمواد البناء المحلية وللطراز الفني للدولة وقت البناء في إخراج الشكل النهائي للجسور وتصميمها.

فقد بنيت الجسور في العصر الإسلامي من الحجارة المختلفة أو الطوب اللبن أو القرميد، وكانت تتألف من قنطرة واحدة أو أكثر، إما مدبّبة وإمّا على شكل نصف دائرة، وذلك تبعاً لأسلوب عمارة الفترة التي يعود إليها الجسر، وجاءت الجسور مؤلفة من مستوى واحد من القناطر أو الأقواس غالباً.

الجسر العباسي عين ديوار على نهر دجلة - الحسكة
جسر مالابادي في ديار بكر - تركيا
الجسر الأموي في قرطبة -إسبانيا

ويُعدّ جسر قرطبة من أبرز الأمثلة الباقية من فترة الدولة الأموية في الأندلس، حيث يقع على نهر الوادي الكبير، وقد عُرف باسم: الجسر، وأيضاً باسم قنطرة الدهر، ويسمى الآن «Puente romano». وقد بني الجسر في عهد والي الأندلس آنذاك السمح بن مالك الخولاني بأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز سنة (١٠١هـ/ ٧١٩م)، فجاء جسراً من أضخم جسور زمانه حيث بلغ طوله أربعمئة متر تقريباً؛ وعرضه أربعين متراً؛ وارتفاعه ثلاثين متراً، محمولاً على سبع عشرة قوساً نصف دائريّة كبيرة، وبين كل قوس والأخرى اثنا عشر متراً؛ ويعلو الجسر تسعة عشر برجاً تزيينياً صغيراً. وقد أفاض الرحالة والمؤرخون بذكر هذا البرج ووصفه، فقال ابن الوردي في كتابه «خريدة العجائب وفريدة الغرائب»: «وبمدينة قرطبة القنطرة العجيبة التي فاقت قناطر الدنيا حسناً وإتقاناً»، وقال الإدريسي في «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق»: «ولقرطبة القنطرة التي علت القناطر فخراً في بنائها وإتقانها».

الجسر السلجوقي في ديار بكر - تركيا
الجسر العربي على نهر سيميتو في صقلية
الجسر الأموي في طليطلة - إسبانيا

وفي فترة الدولة العباسية بني العديد من الجسور مثل جسر دلال في زاخو شماليّ العراق، وجسر عين ديوار الأثري الذي يُعدّ من الآثار الإسلامية المهمة في محافظة الحسكة السورية، حيث يقع على نهر دجلة، ويبعد عن مدينة المالكية ما يقارب ٢٢كم، بني الجسر في أواخر الدولة العباسية سنة ٥٦٠هـ/١١٦٤م. حيث بناه الأمير جمال الدين أمير جزيرة ابن عمر آنذاك لتسهيل الوصول لجزيرته عندما كانت مياه دجلة تغطي مساحات واسعة من الأراضي، ولم يكن العبور ممكناً إلى هذه الجزيرة إلّا عبر ذلك الجسر. وكان جسر عين ديوار مؤلفاً من ثلاث قناطر ارتفاع كل منها ١٦م، لم يبقَ منها اليوم سوى واحدة؛ وهي الوسطى، وبعض الآثار من القنطرتين الأولى والثالثة. وذلك بسبب الإهمال الذي لاقاه الجسر بعد فقدانه لدوره بعد انحسار نهر دجلة وانتقال سريره باتجاه الشرق لمسافة تزيد على ١٠٠م عن مكان الجسر. وقد بُني الجسر من الأحجار البازلتية السوداء ذات الأحجام والأطوال المختلفة، ويطلق بعض الأهالي خطأ اسم الجسر الروماني.

الجسر العثماني في مدينة موستار - البوسنة
الجسر العباسي على نهر الخابور شرقي مدينة زاخو
جسر كوبرو بازار في انطاليا - تركيا

كما بنى السلاجقة العديد من الجسور على أنهار آسيا الصغرى «تركيا حالياً»، منها الجسر السلجوقي على نهر دجلة، العائد للقرن ٦هـ / ١٢م، والذي يبلغ طوله ٢٧٥م، وارتفاعه ٥٠م.

وما تزال هضبة الأناضول العليا بتركيا حالياً تحتفظ بكثير من هذه الجسور الإسلامية التي ما تزال مستخدمة، والتي يرجع أغلبها إلى العصر العثماني الذي عرف بناء الجسور فيه نشاطاً مميزاً، سواء في تركيا الحالية أم في الأراضي التي كانت تابعة للدولة العثمانية آنذاك وخاصة على يد المعمار سنان العظيم. مثل جسر مدينة موستار Mostar في البوسنة والهرسك الذي يربط بين طرفي المدينة، والذي يتسم بطابع العمارة العثمانية التي كست ملامحه. وقد تم بناؤه سنة ٩٧٤هـ/١٥٦٦م في عهد السلطان سليمان الأول، كما تمت الاستعانة بالحجر الجيري في بناء دعامات الجسر، ولوحظ أن الجسر تم بناؤه بطريقة مناسبة لمستوى المياه سواء في فترات الارتفاع أم الانخفاض، وقد استغرقت عملية بنائه نحو ٩ سنوات متصلة تقريباً.

غزوان ياغي

مراجع للاستزادة:

- دونالد وايزمن، نبوخذ نصر وبابل، ترجمة نائل حنون (بغداد 1990م).

- عاصم محمد رزق، معجم مصطلحات العمارة والفنون الإسلامية (مكتبة مدبولي، ط /١، القاهرة ٢٠٠٠م).

- مجمع اللغة العربية، المعجم الوجيز (مجمع اللغة العربية، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة ١٩٩٥م).

- O′ Connor, Roman Bridges. )Cambridge University Press. 1994(.

- N. A. F. Smith, “The Roman bridge- builder: some aspects of his work”, In: The Structural Engineers, Volume 7 (1993). pp.160 –165.

- Theodor Kissel, Oliver Stoll, „Die Brücke bei Nimreh. Ein Zeugnis römischer Verkehrspolitik im Hauran, Syrien“, In: Antike Welt 31 (2) (2000). pp.109–125.

- Piotr Bienkowski and Alan Millard (eds.), Dictionary of the Ancient Near East, (London, 2000).


- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد الرابع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق