جسر شغور
Jisr ash-Shughur -

 جسر الشغور

جسر الشغور

 

 

تقع مدينة جسر الشغور Jisr al-Shugur على ضفاف نهر العاصي، وتبعد ٤٧ كم إلى الجنوب الغربي من مدينة إدلب و٤ كم شمالي سهل الغاب. ويبلغ ارتفاعها عن سطح البحر ١١٦ م، أما مساحتها فتصل إلى٧٥٠هكتاراً.

تتمتع المدينة بموقع مهم منذ القدم، لكونها ملتقىً للطرق بين الشمال والجنوب المساير لوادي العاصي، والشرق والغرب حيث يمكن الوصول إلى الساحل. وتحدها من الغرب جبال الساحل، وهضبة القصير من الشمال، ويطل عليها جبل الدويلة من الشرق، وهضبة شيروبية البركانية من الجنوب والجنوب الشرقي، تعود تسميتها إلى الجسر الروماني المعقود على نهر العاصي، والشُّغر هي قرية صغيرة قديمة تقع بالقرب من المدينة.

دلت الكسر الفخارية على أن الاستيطان فيها يرقى إلى الألف الثالث قبل الميلاد، ويذكر بعض المؤرخين أن جسر الشغور الحالية أقيمت على أنقاض مدينة أقدم ازدهرت في العصر السلوقي وكان اسمها «سلوقوبيلوس Seleucobelus»و»نياكّوبا Niaccuba» أو «نيكوباNicoba» في العصر الروماني، ثم اندثرت هذه المدينة قبل الفتح العربي الإسلامي، وقد أقيمت المدينة القديمة على تل تقدر مساحته بـ ٢٠ هكتاراً، ويرتفع نحو٥٠ متراً عما حوله، والجهة الغربية منه أكثر ارتفاعاً من الجهة الشرقية.

وذكر المؤرخ أبو الفداء (المتوفى سنة ٧٣٢هـ / ١٣٣١م) عندما مرّ في موضع بلدة جسر الشغور الحالية أنه كان هناك «جسر كشفهان، وهو جسر على النهر، وهو مشهور وله سوق يجتمع الناس فيه في كل أسبوع». أما ياقوت الحموي (المتوفى سنة ٦٢٦هـ/١٢٢٨م) فيذكر قلعة الشَّغَّر وبَكاس القريبتين من جسر الشغور من دون أن يذكر بلدة جسر الشغور في معجمه.

وذكر أوليا الجلبي أنه حين عبر الجسر المذكور (عام ١٠٥٨هـ /١٦٤٨م) لم تكن هناك بلدان بل خان فقط: «ثم استأنفنا المسير إلى أن وصلنا إلى جسر الشغور، وهو مكان موحش على شاطئ العاصي وتحيط به مروج خضراء، وفيه خان صغير، على أن الأمن هنا مفقود».

وعندما مرّ به الوالي محمد باشا كوبرلي (والي طرابلس في العصر العثماني) أواخر القرن العاشر الهجري/السابع عشر الميلادي أمر بترميم هذا الجسر الروماني المقام على نهر العاصي والذي يتألف من أربع عشرة قنطرة، كما أمر ببناء جامع وخان وحمام وشجع الناس على السكن في هذا الموقع. وهذا ما يتبين من رحلة الخياري في القرن الحادي عشر الهجري إذ يقول في كتابه «تحفة الأدباء وسلوة الغرباء»: «ثم سرنا إلى أن وصلنا مع الفجر إلى المنزل المقصود المسمى بالشغر، فإذا هو منزل بين جبلين غير مرتفعين يجوس بينهما نهر العاصي عليه (كُبْري) طويل جداً معد للمرور ليصل المارّون عليه إلى ما أنشأه حضرة مولانا المرحوم الوزير الأعظم محمد باشا من قلعة عامرة تحتوي على أماكن للسكن كثيرة، وعلى مسجد عظيم بين يديه رحبة فيها فوّار ماء عظيم، وبه بحيرة ماء عليها مربع مغشى بالرصاص، وفي البحيرة أنابيب للوضوء، والمسجد مبيض الجهات عليه قبة واحدة عظيمة الوضع، وبه محراب مشرق ومنبر كذلك. وماء هذه البحيرة ينبع من جبل هناك حلو بارد وليس من نهر العاصي». ثم يذكر خاناً وتكيّة مقابل باب الخان.

الجسر الروماني المعقود على نهر العاصي

أما أحمد وصفي زكريا فيصف جسر الشغور مطلع القرن العشرين بـأنها: «بليدة جميلة فيها من السكان أربعة آلاف، عرب أكثرهم مسلمون، وفيها دار للحكومة جديدة ومساجد ومدارس ودور للأهلين مبنية بالحجر الأبيض حسنة في الجملة، ويمر في وسطها طريق السيارات الذاهبة من اللاذقية إلى حلب، ولكن هواءها رديء لقرب مستنقعات الروج والغاب منها .... وطول جسرها أربعمئة متر معقود على ١٤ قنطرة».

وأهم آثار المدينة حالياً هي الآثار العثمانية التي خلفها محمد باشا كوبرلي متمثلة بالجامع الكبير الذي يقع في وسط المدينة، وقد تغيرت بعض معالمه مما طرأ عليه من أعمال ترميم متلاحقة،ويحتوي على عدد من الأقواس الفريدة البناء، وكذلك المئذنة المبنية على الطراز العثماني، والحمام الأثري الذي يعد من أروع أبنية المدينة لتنظيم بنائه وتشابه حجارته وتناسقها، ومن أهم معالمه الأثرية (القمرية)، وأخيراً الخان القديم، وهو سوق المدينة حالياً.

وفي محيط جسر الشغور العديد من المواقع الأثرية المهمة، أقربها إلى المدينة منطقة المدافن الرومانية في الجهة الشمالية الشرقية من المدينة، وتبعد عنها نحو ٣٠٠م،كُشف فيها خلال التنقيبات الطارئة التي قامت بها دائرة آثار إدلب عامي ٢٠١٠-٢٠١١ عن ثلاثة مدافن متشابهة وأبعادها متقاربة (أكبرها المدفن رقم ٢، وأبعاده٢٩٠×٢٦١ سم بارتفاع ١٧٥ سم). لكل منها باب حجري ودرج يتم منه النزول إلى المدفن المكون من ثلاثة نواويس حجرية كبيرة وثلاثة نواويس أخرى صغيرة لأطفال، وجميع الهياكل العظمية وجدت مبعثرة بفعل أعمال تخريب قديمة، كما وجد عدد من الأواني الجنائزية الفخارية والزجاجية، والكثير من الكسر الفخارية وبعض الخرزات. إلا أن أهم اللقى تمثلت في إناء فخاري كبير عُثر بداخله على هيكل عظمي محروق لطفل صغير، وإناء آخر في المدفن رقم ٣ أبعاده ٢٣×٦٥ سم، له غطاء وعليه زخارف نباتية (أوراق زيتون) وزخارف هندسية تمثلت في خطوط متشابكة ومتعرجة، عُثر بداخله على خمس قوارير زجاجية صغيرة الحجم تستخدم مكاحل أو مدامع، إضافة إلى أدوات عظمية مشغولة ومشذبة تستخدم لوضع الكحل.

نظير عوض

 

مراجع للاستزادة:

- أبو الفداء، تقويم البلدان (دار الطباعة السلطانية، باريس ١٩١٤م).

- عفيف بهنسي، سورية التاريخ والحضارة المنطقة الشمالية محافظتا حلب وإدلب (وزارة السياحة، تموز ٢٠٠١م).

- قتيبة الشهابي، معجم المواقع الأثرية في سورية (وزارة الثقافة، المديرية العامة للآثار والمتاحف، دمشق ٢٠٠٦م).


- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد الرابع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق