جديده يابوس
-

 جديدة يابوس

 جديدة يابوس

 

 

 تقع بلدة جديدة يابوس (40 كم غربي دمشق) على ارتفاع 1300م عن سطح البحر، وتعد البوابة الأولى على الحدود اللبنانية السورية على الطريق الدولي بيروت- دمشق. يتوضع إلى الغرب منها بمسافة تقارب 2 كم- وقرب خط الحدود- موقع أثري يسمى محلياً «عين قنية» على هضبة ترتفع 1475م، وتطل على جبل الشيخ في الجنوب وكتلة صنين وجبال لبنان الغربية من جهة الغرب.

اكتشف الموقع مصادفة عام ٢٠٠٣م بعد العثور على ثلاثة مدافن تعود للعصر الروماني البيزنطي، ونقبت فيه بعثة وطنية من دائرة آثار ريف دمشق بإدارة محمود حمود، واستمر عملها في أجزاء أخرى من الموقع أربعة مواسم حتى ٢٠٠٧ بعد أن تبين لها أن المدافن المكتشفة تتبع لموقع كبير تزيد مساحته على عشرة هكتارات(أبعاده٣٥٠×٣٥٠م)، أقيم في منطقة وعرة، وبينت المعطيات الأثرية أنه سكن بكثافة خلال العصر الروماني والبيزنطي، ثم بنسبة أقل في العصور الإسلامية (الأموية والأيوبية والمملوكية).

من العناصر المعمارية بالموقع
مدفن من عين قنية

ويبدو أن الموقع كان يحمل الاسم نفسه خلال العصر الروماني، وكان يحتوي على معبد للإله زيوس[ر]، وهذا ما يثبته نص يؤرخ إلى ما بعد عام ٢١٢ م اكتشف قرب بلدة الحمّارة اللبنانية التي لا تبعد أكثر من ٥ كم داخل الحدود، شمال غربي «عين قنية»، وفيها بقايا منشآت تعود للعصر الروماني، ويرد فيه ذكر »زيوس إله المعبد الموجود في بلدة عين قنية المزدهرة»، كما يذكر «أن تسعة أشخاص قد قدموا من عين قنية للكشف على جودة البناء المنفذ في بلدة الحمارة بالأموال المقدمة منها». ومن الأسماء التي جاء ذكرها في النص «أوكبيوس بن أوكبيوس، بيريلوس بن أبيميروس، بيل يابوس بن ديودوروس». ويلاحظ أن بعض هذه الأسماء ذو أصل آرامي، وربما يجوز الربط بين أحد الأسماء وهو «يابوس» وبين اسم البلدة الحالية، فتكون نسبت إلى اسم عائلة أو حاكم محلي وقتذاك.

وهذا يشير بوضوح إلى أن موقع عين قنية - الذي كان يحمل اسمه الحالي نفسه- كان مركزاً مزدهراً خلال هذه المرحلة تبعت له عدة قرى وبلدات مجاورة، ومنها الحمّارة (الحالية)، التي تلقت أموالاً من المركز مقابل إشادة بناء ذي جودة عالية ليكون مركز العبادة فيها.

مخطط المبنى المكتشف

أما التنقيبات في الموقع فقد كشفت عن نص منقوش على ساكف مدخل أحد المباني الكبيرة، كتب باللغة اليونانية القديمة يتألف من خمسة أسطر، يرد فيه تاريخ إشادة البناء في شهر دايزيوس سنة ٤٦٤ سلوقية التي تقابل ١٥٣ ميلادية، وقد تم ذلك برعاية عدد من الأشخاص الذين ورد ذكرهم في نص الحمّارة، وهم «بيريلوس بن أوكبيوس، وبيل يابوس بن ديودوروس».

أما المبنى المذكور فقد كشف عن جزء منه مؤلف من ثلاث قاعات كبيرة (A, B, C) يعتقد أنها كانت جزءاً من معبد زيوس الوارد ذكره. وقد كان قسم من أرضية إحدى القاعات مرصوفاً ببلاطات حجرية دقيقة الصنع، فيما تشكلت باقي الأرضية من الطينة الكلسية الجيدة، وبلغت سماكة بعض الجدران 80 سم، وبنيت من الحجارة الكلسية المشذبة بعناية. كما عثر على مجموعة من العناصر المعمارية التي عادة ما تزدان بها مباني العصر الروماني الفخمة، ومنها: بقايا كورنيش ضخم عليه زخارف، وأجزاء أعمدة أسطوانية ناعمة مع قواعدها وتيجانها ، وأجزاء من درج، وحجارة منحوتة تحمل تزيينات مختلفة لها شكل الصدفة وأشكال نباتية وهندسية مختلفة، وهناك بعض الحصيّات المكعبة التي تثبت استخدام لوحات الفيسفساء في رصف بعض الأرضيات.

بقايا القاعة A
بقايا معمارية مكتشفة في الموقع

من غير المؤكد فيما إذا كان المعبد قد تحول إلى دير خلال العصر البيزنطي، لكن البقايا الأثرية والمعمارية- ومنها بعض أشكال الزخارف- تثبت أن الموقع ظل مزدهراً خلال هذا العصر. وقد تعرض البناء للهدم خلال المرحلة البيزنطية المتأخرة والإسلامية الباكرة، فأعيد استخدام الكثير من عناصره المعمارية وجدرانه لإنشاء وحدات جديدة كانت على الغالب سكنية. وهذا ما يلاحظ واضحاً في القاعة(A) التي أعيد تقسيمها من جديد إلى عدد من الغرف الصغيرة طليت بأكثر من طبقة من الطينة الكلسية احتوت على مصاطب للجلوس، وأكثر من تنور وموقد للخبز وللطبخ، وقد تم ذلك غالباً خلال العصر الأيوبي. في حين تحول جزء من البناء إلى مكان للدفن خلال العصر المملوكي، وربما العثماني الباكر، إذ عثر على ثلاثة قبور تعود لهذه المرحلة في القاعة سالفة الذكر.

أما أهم المكتشفات العائدة للعصر الروماني البيزنطي (من القرن الرابع حتى السادس الميلادي) فكانت مجموعة من المدافن المنحوتة في الصخر، و المبنية من الحجارة المقصبة، والتي غُطيتْ بألواح حجرية مشغولة جيدةً، وكان لها أشكال مختلفة، غلب عليها القبور العادية السطحية، إضافة إلى مدافن تحت أرضية (نواويس) تحتوي على عدد من المعازب. وجميع هذه المدافن كانت جماعية استخدمت أكثر من مرة من قبل عائلة بعينها، وقد وجد ضمن كل قبر عدد من الهياكل العظمية لرجال ونساء وأطفال سُجيت بعضها فوق بعض، رافقها أحياناً القليل من الأثاث الجنائزي البسيط الذي اقتصر على بعض الحلي البرونزي مثل الأساور والخواتم والمشابك، والخرز الحجرية والزجاجية، مما يوحي إلى حالة مادية عادية للسكان، وأيضاً اعتناقهم للديانة المسيحية التي تحض على عدم وضع تقدمات في القبور.

محمود حمود

 

مراجع للاستزادة:

ـ محمود حمود، إبراهيم عميري، «موقع عين قنية قرب جديدة يابوس»، مجلة الوقائع الأثرية في سورية، العدد الثالث، دمشق ٢٠٠٨.

-C. Ghadban, Monuments de Hammara (Béqa‘-Sud, Liban): Nova et vetera, Ktèma 10 (1985 [1988]), pp.287-309.

- J. Aliquot, Inscriptions grecques et latines de la Syrie( Tome 11, Mont Hermon; Liban et Syrie), BAH 183, IFPO, (Beyrouth, 2008).


- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد الرابع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق