اقهات

Aqhat -

أقهات

نذير جعفر

أقهات Aqhat هو بطل الملحمة الأوغاريتية المعروفة باسمه، التي يعود زمن تدوينها إلى أواسط القرن الرابع عشر قبل الميلاد. ولا بد أنها كانت تُرْوَى شفهياً قبل ذلك بزمن طويل. وتم اكتشافها مدونة على ثلاثة ألواح طينية مع كسرة يحتمل أنها تعود إلى لوح رابع. وقد عثر على هذه الألواح في إحدى غرف بيت كبير الكهنة الموجود بين معبدي بعل ودجان في مدينة أوغاريت. ومع هذه الألواح اكتشفت مجموعة من النصوص والوثائق المدونة بالأبجدية الأوغاريتية وبالخط المسماري وذلك خلال أعمال التنقيب الأثري التي أجريت في عامي 1930 و1931م. لقد فقدت بعض الأجزا من ألواح هذه القصة، لكن ما تبقى منها مكن المختصين من تقديم ترجمة واضحة لها.

إن العنوان الذي وضعه الكاتب القديم لهذا النص هو "أقهات" بحسب اسم بطل القصة. وقد كتب اسمه بالحروف الأبجدية أ ق هـ ت، ولذلك يمكن قرا ته أقهات أو أقهَت. يروي النص استجابة الآلهة لتضرّع "دان إيل" (دانيال) بعد اليوم السابع من اعتكافه وإقامته الطقوس وإشفاق "بعل" عليه، فتهبه ولداً يرثه، يسميه "أقهات". وعندما يصبح فتى يافعاً يولع بالصيد ويبرع في فنونه، فيقدّم إليه والده القوس المصنوعة من خشب الأرْز في لبنان، وأوتار الثور البري، وقرون الماعز الجبلي، الذي أهداه له إله الحِرَف والفنون. ويبدأ الصراع عندما ترى "عنات" القوس العجيبة بيد أقهات وتُسْحرُ بها، وتطلبها بأي ثمن كان، حتى لو كان بمنحه الذهب والفضة والخلود!

يرفض أقهات طلب عنات قائلاً إنه لا يطمح بالخلود ويريد أن يشارك الناس مصيرهم في هذه الحياة الفانية، متهماً إياها بالخداع والغش، وعدم مقدرتها على منح الخلود. وهنا تشتعل عنات غيظاً، وما بين عاطفتي الحب والحقد تقرر الانتقام منه قائلة: "سأصرعك تحت قدمي يا أجمل الناس وأشدَهم"! فتأخذ موافقة أبيها "إيل" على الانتقام، وتقنع خادمها "يطفان" بانتزاع القوس، ثم تحوله إلى نسر كي يتمكن من رؤية أقهات والانقضاض عليه. وعندما يراه ينقض عليه ويضربه على رأسه فيقتله، ثم ينتزع القوس ويطير بها، لكنها تسقط منه وهو يحلق فوق البحر. فتبكي عنات وتنوح بعد أن تسببت في قتل أقهات ولم تحصل على قوسه.

بموت أقهات، وحزناً عليه وعقاباً لقتلته تدخل الأرض دورة جفاف لسبع سنوات يموت فيها الزرع، وتصفرُّ الحقول، وتحوِّم العقبان، فتقرّر باغات Paghat أخت أقهات الانتقام لأخيها، حتى تمطر السما ، ويعمّ الخير من جديد.

وهذه الملحمة ذات صلة وثيقة بملاحم بلاد الرافدين: "إينانا والنسر"، و"جلجامش"، وبطقوس الولادة والخصب، والموت والجفاف، وبالمعتقدات الدينية، التي تحذّر من الشرّ الذي يؤدي ارتكابه إلى إنزال عقوبة السما بالأرض. ويرجح بعض الباحثين أن دانيال المذكور في هذا النص بصفته والد أقهات هو نفسه رجل البر الذي أشير إليه في العهد القديم (سفر حزقيال 14/14، 20) مع النبيين نوح وأيوب، ووصف في السفر ذاته بالحكمة (حزقيال 3/28 ).