أوبنهايم (ماكس فون-)
اوبنهايم (ماكس فون)
Oppenheim (Max von-) -
أوبّنهايم (ماكس ڤون -)
(1860-1946م)
فاروق إسماعيل
يعدّ الألماني ماكس فون أوبّنهايم Max von Oppenheim من رواد التنقيب الأثري في سورية. كان ينتمي إلى أسرة ثرية. درس القانون، وشغف بمطالعة حكايات الشرق وأخباره. عمل في مجال القضاء، ثم سافر في 1892م إلى القاهرة لتعلم العربية والتعمق في الدراسات الإسلامية، وجعلها منطلقاً لرحلات إلى المشرق والمغرب. عاد إلى القاهرة ثانية عام 1896م للعمل في القنصلية القيصرية الألمانية، واغتنت معارفه عن الشرق والإسلام، وعقد صلات حميمة مع أسرة الخديوي الحاكمة، ومع أبرز المفكرين، ولاسيما الإمام محمد عبده.
قام في سنة 1899م برحلة إلى سورية، وصل خلالها إلى مناطق الجزيرة العليا، وروي له هناك خبر وجود تماثيل حجرية مثيرة للانتباه على تل حلف [ر] المجاور لنهر الخابور قرب رأس العين، فقصده ووصل إليه بعد صعوبات جمة، وهاله ما رأى، فقاد مباشرة أعمال حفر سريعة في 19/11/1899م أسفرت عن اكتشاف معالم أولية لموقع أثري قديم. ثم حصل في السنوات التالية من السلطات العثمانية على حق التنقيب في تل حلف، وفي أواخر عام 1910م قرر ترك العمل الدبلوماسي والتفرغ للتنقيب الأثري.
كان أوبنهايم رجلاً عملياً دقيقاً حريصاً على العمل المنظم، فتعمق في الاطلاع على جهود الآثاريين السابقة، وجمع حوله خبراء متنوعي التخصصات، ونقل من ألمانيا أدوات وتجهيزات متنوعة مفيدة، ونفذ بتمويل شخصي موسم التنقيب الأول الذي دام سنتين متواصلتين (صيف 1911-1913م). وقد أدت تلك التنقيبات إلى الكشف عن معالم مدينة جوزان Guzan الآرامية التي نشأت في الربع الثاني من القرن العاشر ق.م وضمت القصر الشمالي الشرقي، والقصر الغربي (القصر- المعبد) المتميز بواجهته التي نقلت إلى برلين - ثم أُعّدت نسخة عنها جعلت واجهةً لمتحف حلب الوطني - وبوابة "العقرب"، ومعبد المدينة، وقـاعة الشعائر، وأجزاء من سور المدينة، ومجموعة كبيرة من التماثيل المجسّمة والمنحوتات الحجرية النـافرة، ورقماً طينية عليهـا كتابـات مسماريـة أكادية من القرون 8-6 ق.م. كما عثر على شواهد أثرية متنوعة من عصور ما قبل التاريخ اصطلح الباحثون على عدّها ممثلةً لمرحلة حضارية متميزة من العصر الحجري- النحاسي سمّوها دور حلف (نحو5500- 4000 ق.م). وقد أعد المهندسون المرافقون المخططات المعمارية، ونقلت القطع الأثرية إلى حلب وألمانيا.
خطط فون أوبّنهايم لاستئناف التنقيب، ولكن اندلاع الحرب العالمية الأولى حال دون ذلك، فاستقر في برلين سنة 1919م، وانصرف إلى الاهتمام بعلم الآثار الشرقية، وأنشأ في منزله معهداً متخصصاً وظّف فيه كبار الباحثين آنذاك، مثل نولدكه، فالكنشتاين، مورتكات، وكوّن مكتبة تضم نحو 42 ألف كتاب. وعاد إلى تل حلف في ربيع عام 1927م لتقسيم القطع الأثرية، ونقل حصته، وأجرى التحضيرات اللازمة لاستئناف التنقيب بالتنسيق مع السلطات الفرنسية في سورية. ثم عاد إلى برلين، وأعلن في 14/2/1929م عن إنشاء مؤسسة فون أوبنهايم المهتمة بآثار الشرق القديم، ووهب لها ثروته كلها. وفي السنة ذاتها قاد موسم التنقيب الثاني في تل حلف لمدة ستة أشهر، ركّز جهوده خلالها على الدراسات العلمية للمكتشفات والتنقيب في طبقات عصور ما قبل التاريخ، كما قام بإجراء أسبار اختبارية في جبلة البيضا (على جبل عبد العزيز)، واهتم قليلاً بموقع تل الفخيرية [ر] المجاور لمدينة رأس العين.
قام أوبنهايم بنقل حصته الجديدة من الآثار إلى برلين، واختلف مع إدارة المتاحف الحكومية فيها، وكان يأمل أن تقتنى مكتشفاته وتدعم أعماله، فأسس سنة 1930م متحفاً خاصاً، ووقع في أزمة مالية اضطرته إلى استدانة قروض مصرفية ضخمة، وطلب العون من ذويه، كما سعى إلى بيع قسم من مكتشفاته. ولكن شهرته العالمية كانت تزداد، ومنح في 15/6/1935م وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى تقديراً لجهوده في مجال الاهتمام بآثار سورية. وتمكن في ربيع 1939م من السفر إلى تل حلف لاستئناف التنقيب، ولكن السلطات المحلية أرغمته على العودة إلى بلاده؛ بسبب الظروف المضطربة نتيجة الثورات السورية.
ازدادت مشاكل أوبنهايم المالية في سنواته الأخيرة، وتعرضت مؤسساته في برلين (المتحف، المعهد والمؤسسة العلمية) لقصف جوي مدمر خلال الحرب العالمية الثانية (خريف 1943م)، واستطاع إنقاذ قسم من القطع الأثرية ونقلها إلى مدينة درسدن، ولكنها دمرت أيضاً في شباط/فبراير 1945م. وقد أمضى سنتيه الأخيرتين مريضاً في جنوبي ألمانيا، حيث مات في مدينة لاندس هوت Landshut ودفن في مقبرتها.
أصدر فون أوبنهايم المجلد الأول من كتابه الضخم "تل حلف" Tell Halaf سنة 1943م، وهو مخصص لدراسة مكتشفات عصور ما قبل التاريخ في الموقع، ثم أصدر زملاؤه وطلابه المجلدات الثلاثة التالية منه. كما ألف كتاباً مهماً في أربعة مجلدات عن البدو في شتى مناطق المشرق العربي Die Beduinen، ونشر مقالات عدة عن تل حلف وسوبارتو والنقوش الكتابية في سورية، وعن أخبار رحلاته في الشرق.
مراجع للاستزادة: - ناديا خوليديس ولوتس مارتين، تل حلف والمنقب الأثري فون أوبنهايم، ترجمة فاروق إسماعيل (دمشق، 2006). - Gabriele TEICHMAN, Gisela VÖLGER (Hrsg.), Faszination Orient. Max von Oppenheim. Forscher, Sammler, Diplomat, (Köln, 2001). |
- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد الثاني مشاركة :