توته (مسجد)
-

التوتة (مسجد -)

هشام النعسان

 

يقع مسجد التوتة في مدينة حلب القديمة، في محلة العقبة داخل باب أنطاكية، ويتصدَّر الشارع الداخل إليه، بالقرب من المدرسة الأسدية. ويُعرف هذا المسجد بعدة أسماء: جامع العُمَرِيّ، وجامع الغضائري (الغضايري)، وجامع المجاهدين، وجامع أنطاكية، وجامع الشُّعَيبية أو مسجد شُعيب أو المدرسة الشعيبية، وجامع الأتراس أو التروس، ولكن المشهور عند العامة بـ»جامع التوتة».

وهو أول جامع أُنشئ سنة ١٧هـ/٦٣٨م بعد الفتح الإسلامي لحلب بقيادة أبي عبيدة بن الجراح سنة ١٦هـ/٦٣٧م، إذ إن المكان الذي يقوم عليه وما يحيط به كان محط أولئك الفاتحين الأبطال حين دخلوا المدينة، فاستراحوا في هذه البقعة، وحطوا عنهم عتادهم العسكري من سيوف ونبال وأتراس. ولكن البناء الحالي يعود معظمه إلى أيام السلطان نور الدين محمود بن زنكي سنة ٥٣٥هـ/١١٤٦م، وجُدِّد في العصر المملوكي سنة ٧٩٢هـ/١٣٨٩م، ثم جُدِّد مرة أخرى سنة ٨٠٤هـ/١٤٠١م.

ويتفق كامل الغزّي وراغب الطباخ وأسعد طلس على قدم المسجد ودور السلطان نور الدين الشهيد بتجديده، وحاجته إلى الصيانة والترميم.

الواجهة الرئيسية

يتألف مسجد التوتة من بناء صغير بسيط، له بابان: باب خارجي، وآخر داخلي. والباب الخارجي موضوع في قوصرة مرتفعة معقودة بعقد مدبب، له ساكف من الحجارة المحدّبة والبارزة قليلاً وبها تكسّر واضح، وتحوي زخرفة فنية رائعة لم يبقَ منها إلا القليل. تعلوه قوس عاتقة مزررة، وفوقها لوحة حجرية منقوش عليها كتابة كوفية تحمل اسم مهندس البناء، نصّها: «الله، صنعه سعيد المقدسي بن عبد الله رحمه الله»، يعلوها شريط زخرفي يمتد فوق اللوحة الكتابية. وتوجد بقايا زخرفة منحوتة على الزاوية اليمنى لجدار المسجد من الخارج. ويلي الباب مدخل مسقوف بقبوة متقاطعة يتوسطها مفتاح على شكل نجمة مثمنة، يتوصل منه إلى دهليز صغير في جداره الجنوبي باب يؤدي إلى غرفة صغيرة.

المئذنة من السطحالمئذنة من الأسفل

وتعلو المدخل مئذنة صغيرة، مربعة الشكل، مبنية من الحجارة، لها شرفة مربعة مغطاة بمظلة خشبية ويحيط بها درابزين خشبي. ويُصعد إليها من السطح عبر أربع درجات حجرية. وتحت المئذنة وعلى طول الجدران الجنوبية والغربية والشمالية حجارة ضخمة منقوش عليها كتابة كوفية من النوع المسمى بـ»المزهر»، تدل على عناية أهل ذلك العصر بالخط، ما بقي منها بضع كلمات على الجدار الشمالي ونصها: «في سنة خمس وأربعين وأربعمئة»، وهي تؤرخ للسلطان نور الدين محمود بن زنكي. وعلى يمين الباب الخارجي للمسجد مُتوضّأ، وهو ملحق به، وعن يمينه إيوان معدّ للصلاة في فصل الصيف، وعن يساره درج بسيط يُصعد به إلى سطح المسجد. ويحيط بالمئذنة ست قباب حجرية صغيرة، ويتوسطها في داخل المسجد عمود من الحجر الأسود.

أما الحرم فهو صغير ذو مسقط مستطيل، رُصفت أرضيته بحجارة صفراء، وهو يحتوي على قاعتين؛ الأولى هي قاعة للصلاة، وفيها عمود من الحجر الأسود يعلوه تاج بزخرفة بسيطة، وهو قديم منذ بناء الجامع لم يطرأ عليه أي تغيير وهذا العمود يوجد في منتصف القاعة، ويقسمها إلى عقود تستند إلى الجدران؛ أما القاعة الثانية فهي حرم المسجد، طولها خمسة عشر متراً وعرضها ستة أمتار، وفي وسطها عمودان من الحجر الأصفر بارتفاع نحو ٢م، يعلوهما تاجان مزخرفان من الحجر الأسود. وقد خضع بدن العمودين للتجديد من حيث إكساؤهما بحجارة صفراء. ولكل تاج من العمودين زخارف بسيطة تختلف عن الأُخرى، إحداهما ذات زخرفة نباتية مورقة بديعة. كما يوجد في الحرم زخارف رائعة منقوشة على حجارة صفراء، وينقسم الحرم بوساطة ثلاثة عقود إلى رواقين، قسم كل منهما إلى ثلاث بلاطات مربعة الشكل.

ويطل على الصحن رواق بقوسين، ويرتفع عنه في طرفيه بدرجتين، وفي الجدار الجنوبي للرواق ثلاثة عقود مصمتة ترتكز على أربعة كوابيل حجرية، يتكون كل منها من ثلاث طبقات. ويضمُّ العقد الأوسط تحته محراباً جميلاً قليل الارتفاع، له طاسة مقرنصة بدلايات، ويعلوها إفريز من المقرنصات.

الحرم

ولم يبقَ من بناء الجامع الأول إلا الجهة الغربية والرواق، وهما متوّجان بحجارة محفور فيها نقوش وكتابات فنية رائعة، تعد قمة في تاريخ الزخرفة العربية المعروفة بـ»الأرابسك».

وفي الجهة اليسرى من صحن المسجد عند الباب الداخلي سقاية تستعمل للشرب لتاريخه، وفيه بئر ماء تجميعية لا تستخدم حالياً. وقد تم مؤخراً اكتشاف مكان سواقي ماء «قناة حيلان» الشهيرة التي كانت قديماً ترفد المسجد بالمياه. وقد وضع فوق الساقية لوح زجاجي شفاف ليراها الزائر. وما تزال هذه الساقية رطبة بهذا الماء حتى الآن، كما تم اكتشاف الأدوات التي كانت تستعمل لتوصيل الماء.

وقد أُجريت في سنة ١٤١١هـ/ ١٩٩٠م أعمال ترميم كبيرة وإكمال للمسجد، فكُسيت الجدران الداخلية بالمرمر الأصفر، واستُبدل بالمنبر الخشبي القديم منبر حجري أصفر، وكذلك جُدّدت الزريقة والدهان. وصدر قرار عن لجنة التراث العمراني في حلب ضمن إطار احتفالية حلب عاصمة للثقافة الإسلامية سنة ٢٠٠٦م بإعادة ترميم هذا المسجد من دون إدخال أي تعديل أو تشويه عليه. وحالياً جامع التوتة تقام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجمعة.

مراجع للاستزادة:

- محمد أسعد طلس، الآثار الإسلامية والتاريخية في حلب (مطبوعات مديرية الآثار العامة، دمشق ١٩٥٧م).

- محمد راغب الطباخ، إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء (دار القلم العربي، حلب ١٤١٢هـ/١٩٩٢م).

- أبو ذر سبط بن العجمي الحلبي، كنوز الذهب في تاريخ حلب (دار القلم العربي، حلب ١٩٩٧م).


- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد الرابع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق