أم البيارة
ام بياره
Umm al-Biyarrah -
الأحجار الكريمة في العصور التاريخية
يُقصد بمصطلح الأحجار الكريمة Precious stones/ Gemstones الأنواع الآتية من الأحجار: العقيق أو اليشب agate والعقيق الأحمر carnelian واللازورد أو الحجر السماوي- أو الأزرق lapis lazuli- والمَرو أو الكوارتز quartz والحجر الفيروزي turquoise. كانت الأحجار الكريمة الزاهية الألوان والباهظة الثمن مرغوبة بشدة لدى الحرفيين والفنانين والصُّنّاع في المشرق العربي القديم منذ القِدم. تنشأ الأحجار الكريمة في أوساط سائلة أو مصهورة في حيزٍ محدود وتكون مختلطة بالفلزات المعدنية وبعناصر أخرى في العروق الصخرية. اسُتعملت الأحجار الكريمة - إما بمفردها وإما بدمجها في عناصر حجرية أخرى أو في معادن ثمينة مثل الذهب والفضة - في العديد من المجالات الحرفية والصناعية.
كمية من أحجار اللازورد ومواد اخرى مما اكتشف في تل مرديخ (إيبلا) منذ نحو 2300 ق.م |
وقد برهنت المكتشفات الأثرية في العديد من المواقع الرافدية والسورية على استعمال واسع لتلك الأحجار بمختلف أنواعها في مجالات الصناعة، قطع الزينة، الحُلي، الأسلحة، ترصيع الأثاث وتماثيل الملوك والآلهة فضلاً عن الأختام والتمائم. وقد عُثر في قطنا [ر] (تل المشرفة حالياً) على بعض الأواني الصغيرة المصنوعة من الأحجار الكريمة، وتم الكشف عن العديد من الأختام الأسطوانية؛ خصوصاً الملكية منها؛ والأختام المسطّحة والجُعلان المصرية المصنوعة من العقيق أو العقيق الأحمر أو الكوارتز و أحياناً من اللازورد.
مجموعة من لحلي المصنوعة من الأحجار الكريمة وشبه الكريمة من تل مرديخ (إيبلا) من العصر البرونزي الوسيط ( نحو 1850 - 1800 ق . م) ت |
يعدّ اللازورد من أكثر الأحجار الكريمة رواجاً وشهرةً في مجالات الزينة والترصيع والزخرفة في الحضارة القديمة. وكان هذا الحجر يُجلب من مصادره في المناطق الجنوبية والشرقية من أفغانستان (جبال بدخشان) عبر إيران وبلاد الرافدين إلى بلاد الشام ومنها إلى مصر. أُعطي اللازورد معنى رمزياً؛ إذ تصفه الوثائق الكتابية في الألف الثالث ق.م بكونه حجراً من أحجار الآلهة، وتنسب إليه مفعولاً سحرياً للوقاية من الشر والأمراض؛ وقدرة على منح حامله أعلى درجات الوجاهة والحماية، لهذا السبب دخل اللازورد في صنع التمائم والمواد المستعملة في الطقوس الدينية.
قارورة مصنوعة من العقيق في استعمال نادر لهذا النوع من الأحجار الكريمة |
أنتجت مواقع بلاد الرافدين العديد من المواد المصنوعة من الأحجار الكريمة، ومما يمكن ذكره هنا نفائس المقبرة الملكية في أور [ر] (النصف الأول من الألف الثالث ق.م)؛ حيث تم العثور على أدوات موسيقية ولوحات جدارية وعباءة منسوجة من الخرز الأزرق اللازوردي وخنجر ذهبي تم ترصيع مقبضه باللازورد.
وفي سورية تأتي المواد المكتشفة من القصر الملكي في إيبلا [ر] (الألف الثالث ق.م) زاخرةً بالأحجار الكريمة. ومن هذه المكتشفات قطعة خام من اللازورد أبعادها 15×3 سم تقريباً كانت من دون شك معدة لصنع مواد مختلفة ومنها الخرز. واستعمل اللازورد في إيبلا أيضاً لتزيين الوجوه واللحى والتيجان والثياب في التماثيل الملكية وتلك التي تصور الآلهة؛ وكذلك في بعض القطع الفنية الصغيرة مثل "ثور إيبلا" المصنوع من الذهب واللازورد. في ماري [ر] (تل الحريري حالياً) استُعمل اللازورد والعقيق والكوارتز في الجواهر والأختام الأسطوانية وفي ترصيع المنمنمات الجدارية في أواخر الألف الثالث ق.م. وقد تضمن ما يعرف باسم "كنز أور" - الذي عُثر عليه في بقايا القصر الملكي في ماري - مجموعة كبيرة من قطع الحلي والزينة والتمائم وقلائد مصنوعة من العقيق الأحمر ومن الحجر الفيروزي؛ فضلاً عن قطعة فنية فريدة تمثل نسراً ذهبياً ذا جناحين وبدن من اللازورد. وفي تل أم المرا [ر] (شرقي حلب) كشفت التنقيبات في طبقة العصر البرونزي القديم عن قبر لامرأة دُفنت مرتديةً قلادة في وسطها خرزة من اللازورد.
توسع استعمال الأحجار الكريمة خلال العصرين البرونزيين الوسيط (2000- 1600 ق.م)، والحديث (1600- 1200 ق.م)؛ إذ صُنعت الحُلي والقلائد من اللازورد والعقيق والعقيق الأحمر والحجر الفيروزي. ودلت مكتشفات المدفن الملكي في قطنا- أو "كنز قطنا"- على استعمال واسع للأحجار الكريمة في أعمال عدة منها قطع الذهب المرصّعة بالعقيق واللازورد. وفي أوغاريت [ر] استُعمل حجر العقيق الثمين والكوارتز في صنع القلائد وقطع الزينة الأخرى. ومن مطلع الألف الأول قبل الميلاد عُثر في تل حلف [ر] في منطقة الجزيرة السورية على قبر ملكي غني بالحُلي الذهبية المرصعة بحجر اللازورد.
الجدير بالذكر أن قطع الأحجار الكريمة الخام بشتى أصنافها كانت تُقطع وتُصقل حتى تَخلص إلى أشكال هندسية مختلفة مثل الكرات والمخاريط والأسطوانات والأقراص، ثم يتم ثقبها بوساطة مِثقاب أو يتم صقلها بعناية حتى تبدو ألوانها الزاهية الجميلة براقة خصوصاً عند خلطها بالذهب أو الفضة. وفي حال تعذر الحصول على الأحجار الكريمة كان الحرفيون يلجؤون إلى الأحجار شبه الكريمة semi- precious stones لصنع الحلي ومنها حجر الفرت frit الذي يتكون من عجينة من الصخر المطحون، ويدخل في صناعة الزجاج.
نبال محيسن
مراجع للاستزادة: - A. G. GUNTER, “Material, technology, and techniques in artistic production“, in Civilizations of the Ancient Near East (ed. J. Sasson), (New York, 1995), pp. 1539-1559. - J. OGDEN, Jewellery of the Ancient World, (London, 1982).
|
- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد الثاني مشاركة :