ارث
The Inheritance - L'Héritage

الإرث

محمد فخرو

 

يكتسب موضوع الإرث Inheritance أهميته من كونه يسلط الضو على جانب مهم من جوانب الحياة الاجتماعية في المجتمعات القديمة المتعلقة بتنظيم انتقال الأموال إلى الورثة بعد الوفاة، وتنظيم العلاقة الاجتماعية داخل الأسرة، وتحقيق التوازن المالي بين أفرادها بعد وفاة المورِّث، فضلاً عن أن دراسة موضوع الإرث توفر فرصة لتعرف طبيعة الحياة اليومية والمعاملات المالية التي كانت تجري في تلك المجتمعات، وتساعد على معرفة التكوين الاجتماعي والطبقات التي يتكون منها المجتمع، وكذلك العلاقات السائدة بين هذه الطبقات وما تتمتع به كل طبقة من حقوق وامتيازات، ويساعد على تفهم النظام الكهنوتي وحقوق الكاهنات ودورهن في النظام الاقتصادي.

لم يكن القانون المصدر الوحيد للإرث، بل كانت هناك إلى جانبه مصادر أخرى مثل أحكام القضا ، وثائق تقسيم التركات، العادات والتقاليد المحلية. وكان بيت المتوفى من أهم الأموال التي تتضمن التركة وإلى جانبه كان الحقل والمنقولات وأثاث البيت وأختام المتوفى ومواشيه. إن أقدم المجموعات القانونية المكتشفة التي تتحدث عن موضوع الإرث هي قوانين لبت عشتار Lipit-Istar ملك إيسن (1934- 1924 ق.م).

كان الإرث من المواضيع التي عالجتها شريعة حمورابي، فجعلت من حق الرجل أن يوصي بماله وثروته، وكانت العادة أن تقسَم الثروة بمجموعها بالتساوي بين الأولاد الشرعيين المعترف بهم. في حين كانت البنات محرومات من الإرث لأن ما لهن من حق كان يعين في البائنة، المخصصة لهن بحسب شريعة حمورابي. وكان على المستحقين أن يتقيدوا في بعض الأمور قبل التقسيم، ومن هذه الأمور إن كان أحد الأولاد عازباً ولم يتزوج يخصص له مقدار من المال لمهر زوجته. وإذا كانت البنت عازبة ولم تتزوج، أو أنها خطبت ولم يكمل جهازها يخصص لها أيضاً مقدار مناسب من المال لمهرها وجهازها. وكان من حق الأرملة أيضاً أن يعطى لها مقدار من الميراث إذا لم تكن الوصية قد خصصت لها شيئاً، وهذا المقدار كان يساوي حصة أحد الأولاد الذكور، وكان من حقها أن تنتفع به في حياتها فقط، فإذا ما تركت بيت زوجها، أو تزوجت مرة ثانية فقدت هذا الحق، وإذا ماتت عاد نصيبها للورثة الآخرين. أما إذا كان للرجل بنت نذرت نفسها للدين فإنها تأخذ حصتها بحسب مرتبتها الدينية. وبعد توزيع الميراث يوقع كل من المستحقين صكاً يعترف فيه بأنه تسلم حقه، ولم  يبقَ له أي مطلب.

لكن في نصوص إيمار [ر] تكون للمرأة حقوق وامتيازات خاصة، فهي تؤدي في الكثير من الوصايا دوري الأب والأم، ولكن ذلك يتم بعد وفاة زوجها، لأن المجتمع في مدينة إيمار مجتمع أبوي، قبلي، لم يعطِ المرأة الصلاحيات والحقوق نفسها التي تمتع بها الرجل، مع العلم أن الزوج كان يحاول ضمان حياة لائقة لزوجته بعد رحيله، لذا فإنه ربط قضية الميراث بإطاعة الأم والعناية بها. لكن هذا لا يعني أنه لم يكن للمرأة دور مهم في إيمار، فهي تبيع وتشتري وترث، حتى إنها يمكن أن ترث بيت الأهل حتى في حال وجود وريث ذكر، ويرد ذلك أيضاً في نصوص تيرقا (تل العشارة [ر]).

أما في أوغاريت [ر] فقد عدَّ الخلف - وخاصةً الذكر البكر (الوريث) الذي تستمر العشيرة به - نعمة إلهية وذلك للمحافظة على أملاك العائلة وعدم تبعثرها بين الأبنا . فقد كان هذا الخلف يحصل على نصيب مضاعف من التركة ويتمتع بمزايا خاصة لايحصل عليها الأبنا الآخرون. ويمكن للفتاة أن ترث أباها، ويتمثل هذا الإرث الأبوي غالباً في المهر الذي يقدّم لها، فلا يمكن لأحدٍ حرمان فتاة في أوغاريت من حقها في تملك إرثها الأبوي. ويحق للمرأة أيضاً أن ترث زوجها، فقد أوصى أحد الأوغاريتيين لزوجته بكل أملاكه، فضلاً عن تلك التي جمعاها معاً، وترك لها الخيار في توزيع الإرث بين ولديها. كما تدل بعض الوثائق على إرث ابنة الأخ من عمها الذي ليس له أولاد.

يُذكر أن القانون القديم نظم موضوع الزواج المبرم بين العبيد والأحرار، وحدد حقوق الورثة عند وفاة الزوج إن كان من العبيد، فقرر انتقال تركته مناصفة بين مالكه وأبنائه الذين تتولى أمهاتهم تسلمها نيابة عنهم. أما إذا كان المتوفى حراً، وكان له أبنا من أمته فإن أولئك الأبنا لا يرثون إلا إذا نالوا اعتراف الأب بهم في أثنا حياته، فإن اعترف الأب بهم دخلوا في جملة الورثة، وإلا حرموا من الميراث، وليس لهم من حق سوى أن يتركوا في حال سبيلهم هم وأمهم، ولا يباعون عبيداً.

لقد اكتشفت نصوص تتحدث عن وصايا وعقود تتعلق بتوزيع ميراث ملكي، كما في تيرقا (تل العشارة)، إذ يوصي إشار- لِم Ishar-Lim ملك تيرقا بمنح خادمه أبي - خوني بيتاً من أملاكه. كما أن هناك نصوصاً تبين أن الدَين يمكن أن يورث، ويظهر هذا جلياً في رسالة عثر عليها في ماري مرسلة من حاكم كركميش إلى زمري- لِم ملك ماري. تعرض هذه الرسالة حالة خلاف حول دَين قديم يطالب به أحد الأشخاص من كركميش لأنه يعود إلى أبيه على شخص متوفى، ويطلب أن يعيده له ابن أخ لذلك المتوفى.

لم تكن العبودية هي النهاية المحتومة للأيتام وأطفال الفقرا المعوزين. فقد يتبنى بعض هؤلا الأطفال من ليس لهم أطفال ليكونوا ورثة لهم، إذ يتبنى الابن ليرعى أبويه كبار السن. وهناك قواعد قانونية لمثل هذه الحالات في النصوص القديمة، ففي شريعة حمورابي يعد الطفل المتبنى وريثاً كاملاً، وقد يحدد له موقع الابن الأكبر، وعادةً ما يكون هو الوارث المتبقي. وفي ماري تذكر النصوص أن الولد المتبنى يعدّ الوريث الأول ويأخذ ضعف حصة كل وريث من أملاك والده، ويقسّم إخوته الأصغر سنّاً الباقي بينهم بالتساوي. وفي أحد نصوص إيمار (اللوحة ـــ أرنو5) يرد أن شخصاً تبنى ولداً وأعطاه كل ما يملك كي يعيل زوجته، فإن أعالها وأكرمها فله الحق في وصيتها، وإن تنكر لها فإنه يدفع ستين مثقال فضة، ويحرم من الميراث.

ومن الواضح أن المشرع القديم اهتم بالتركة المتعلقة بميراث الأولاد بالتبني، وأخضَع ميراثهم إلى ما تقرره نصوص القانون وعقود التبني ذاتها من حقوق. وكان الميراث يوزع بحسب عرف المدينة، أي ثمة أعراف وتقاليد يجب مراعاتها. وترد الإشارة إلى ذلك في أحد النصوص الذي يتضمن وصية زوج لزوجته تتضمن إعطا ها مهرها والطلب من أولاده بإكرامها. ويطلب الأب في هذه الوصية من الأولاد أن يتوزعوا الأملاك بحسب «أعراف المدينة»، وهذا يدل على أن المتبنى يكون له الحق في الميراث ولكن إن قام بوظيفة الابن، وأعال من تبناه.

مراجع للاستزادة:

نائل حنّون، شريعة حمورابي، خمسة أجزا (دمشق 2005م).

-S. DALLY, and T. BEATRICE, “ Tablets from the Vicinity of Emar and Elsewhere”. Iraq 54. (1992), pp. 83-111.


- التصنيف : العصور التاريخية - النوع : اتفاقيات وقوانين - المجلد : المجلد الأول - رقم الصفحة ضمن المجلد : 327 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق