تهجير
Deportation - Déportation

التهجير

إبراهيم توكلنا

 

التهجير deportation هو إبعاد شخص غير مرغوب فيه إلى بلد غير البلد الذي يقيم فيه، ويمكن أن يكون التهجير لفرد أو أشخاص بعينهم، ويمكن أن يكون لشعوب بكاملها. وعرف التهجير منذ العصور القديمة بين القبائل التي كانت تبعد الشخص الذي يخرق قانون القبيلة، وتعلنه شخصاً منبوذاً.

ظهرت عملية التهجير عند الآشوريين؛ ولا سيما في العصر الآشوري الوسيط في القرن الثالث عشر قبل الميلاد زمن الملك الآشوري شلمنصر الأول (١٢٧٤-١٢٤٥ ق.م)، الذي كان أول من طبق هذه العقوبة على الشعوب المغلوبة، ثم أصبحت منذ عصر تجلات-بلاصر الثالث في القرن الثامن قبل الميلاد سمة أساسية في سياسة الدولة الآشورية وملوكها، ثم قلدهم في ذلك البابليون والحثيون والفرس. ورد في النصوص الآشورية من عصر شلمنصر الأول أنه هجَّر أكثر من أربعة عشر ألف شخص من سكان خانيجلبات (ميتاني)، كما تابع خلفه توكلتي-ننورتا الأول (١٢٤٤-١٢٠٨ ق.م) هذه السياسة عندما هجر ثمانية وعشرين ألف شخص من أراضيهم في شمالي الجزيرة العليا إلى أرض آشور.

وفي العصر الآشوري الحديث قام الملك شلمنصر الثالث (٨٥٨-٨٢٤ ق.م) باحتلال مدينة تل-بارسب؛ عاصمة بيت عديني، وغير اسمها إلى دور شلمنصر (حصن شلمنصر)، وأسكن فيها جماعات من الآشوريين بعد أن أخذ ملكها المدعو «أخوني» أسيراً ومعه نحو اثنين وعشرين ألفًا من أتباعه إلى بلاد آشور.

وقام تجلات-بلاصر الثالث (٧٤٥-٧٢٧ ق.م) بمهاجمة بعض مدن أورارطو إلا أنه لم يستطع اقتحام عاصمتها، فأقام قبل انسحابه عدداً من الحصون الآشورية جنوبها أسكن فيها جماعات من مملكة سمأل الآرامية، بعد أن هجّرهم إليها، ثم هاجم مملكة دمشق الآرامية التي تمردت على حكمه نحو عام ٧٣٦ ق.م، فقتل ملكها، وهجّر عدداً من سكانها. ثم وجد تجلات-بلاصر الثالث أنه قد وصل إلى حكم بابل شخص آرامي غير موالٍ لآشور، فقاد حملة ضد الكلدانيين والقبائل الآرامية الأخرى لتأكيد سيادته على الجنوب، وعمد إلى تهجير مئة وعشرين ألفاً من سكان الجنوب. وكان هدف تجلات-بلاصر الثالث من تهجير الأقوام من بلادهم معاقبة الثائرين وجلب سكان جدد إلى المدن الجديدة والحصون التي بناها وتزويدها باليد العاملة والجنود، كما كان يسعى إلى دمج الشعوب بعضها مع بعض؛ ليؤلف منها أمة موحدة ذات لغة واحدة وعادات متشابهة.

وحين وصل إلى الحكم في آشور الملك سرجون الثاني عام ٧٢١ ق.م؛ كان يدمج العروق المختلفة، وينتقي المهجرين الجدد من مناطق متباعدة حتى لا تتحد كلمتهم ضد سلطة آشور، كذلك اعتاد أن يختار منهم رجالًا متميزين يلحقهم بحرسه الخاص، وهذا ما حصل مع مدينة حماة عندما هجّر إليها ستة آلاف وثلاثمئة من الآشوريين، واختار من أسراها ستمئة فارس جعلهم في قوام حرسه الخاص، كما أخضع الإمارات السورية الفينيقية، واجتاح السامرة، وسبى أفضل رجالها، وعددهم نحو سبعة وعشرين ألفاً – كما يذكر في حولياته- وأسكنهم في ميديا بعد أن قضى على ثورات المدن الميدية. وأسكنهم أيضًا في بلاد الرافدين وعلى ضفاف الخابور، وأزال بعض المدن من الوجود، ونقل الكثير من أهلها أسرى، وأسكنهم في بلاد ميديا التي كانت تشكل الأجزاء الشمالية الغربية من إيران، ووطَّن بدلاً منهم جماعات من بلاد بابل؛ ولاسيما من مدينة كوثى، كما أنه أسكن قسماً من أولئك المهجرين في مدينته دور-شاروكين (خرسباد حالياً)، ونقل قبائل من بابل وعيلام وسورية وبعض القبائل العربية التي حاربها في شمالي الجزيرة العربية. وفي عام ٧١٧ ق.م احتل سرجون الثاني كركميش، وأسكن فيها جماعات آشورية.

في عام ٧٠٣ ق.م هجَّر الملك الآشوري سنحاريب من سكان بلاد الرافدين- ولاسيما بابل الكلدانية ومن القبائل الآرامية في الفرات الأدنى- ومن مدن اخرى أكثر من مئتي ألف شخص إلى بلاد آشور. تسلم آشور بانيبال الحكم في آشور سنة ٦٦٩ ق.م، وتابع سياسة التهجير ذاتها، فعندما ثارت عيلام، وحرضت الآراميين ضده، وأمدتهم بالمال والسلاح؛ تصدى لها، ودمر عاصمتها سوسة سنة ٦٤٦ ق.م، وهجّر جماعات منها كالمعتاد - ولاسيما أصحاب الأراضي والطبقة العليا- الى بلاد آشور ومناطق أخرى من الامبراطورية مثل السامرة وأجزاء أخرى، وأصبحت عيلام مقاطعة آشورية. ولتعزيز سيطرة الدولة الآشورية على الدول التابعة لها قام الملوك الآشوريون بجلب أمراء من تلك الدول لتعليمهم وتربيتهم؛ ليكونوا في المستقبل حكاماً موالين لهم على بلادهم.

في عهد الدولة البابلية الحديثة –الكلدانية- (٦٢٦-٥٣٩ ق.م) استمرت سياسة التهجير؛ ولاسيما في عهد الملك نبوخذنصَّر الثاني الذي علم بتحالف ضده بين الملك المصري وبين ملك يهوذا، فحاصر نبوخذ نصّر أورشالم حتى سقطت بيده عام ٥٩٧ ق.م، وعيّن صدقيا والياً عليها تحت إشراف سلطة بابل، وساق معه الملك ونساءه وموظفيه وسبعة آلاف من الجنود وألفاً من مهرة الصناع، ونقلهم إلى بابل، وهذا ما سُمي «السبي البابلي الأول». لكن صدقيا لم يلبث أن أعلن العصيان، فعاد نبوخذ نصّر إلى أورشالم، فاقتحمها نحو عام ٥٨٧ ق.م، ودمرها، ونفى خمسين ألفاً من أهلها وخصوصًا النبلاء إلى بابل، وهذا ما أُطلق عليه « السبي البابلي الثاني».

وفي الدولة الحثية هناك إشارات إلى القيام بعمليات تهجير واستخدام الجماعات المسبية في خدمة أفراد الطبقات العليا، وعُدّ هؤلاء المسبيون في المجتمع الحثي أقل شأنًا وأهمية من غيرهم من الطبقات. وفي العهد الفارسي طبق الفرس عقوبة التهجير على المناطق التي احتلوها، فهجّروا بعض الجماعات اليونانية، وأسكنوهم في إقليم عيلام، كما وطنوا جماعات من الإيرانيين في وادي النيل وآسيا الصغرى الغربية، حيث ألفوا فرقاً حربية أسندت إليها مهمة الدفاع عن الحدود التي تتعرض للخطر، أو وضعت في مناطق معرضة للثورات. كما استخدم الفرس الجماعات المسبية في عمليات البناء بحسب اختصاص كل منهم؛ وهذا ما أشار إليه الملك الفارسي دارا الأول في حديثه عن بناء قصره في سوسة عندما ذكر المسبيين الإيونيين والكاريين الذين أحضروا خشب الأرز من لبنان.

كان للتهجير آثار سلبية على الدول المغلوبة؛ ولاسيما في إضعاف الروح الوطنية لسكانها ومنع الثائرين من التوحد لمجابهة المحتلين، إضافة إلى تحطم اقتصاد تلك البلاد بسبب نهب ثرواتها وسبي أفضل رجالها. كما كان للتهجير آثار سلبية وإيجابية على الدول الغازية، فمع أنها أدت إلى تغير التركيبة السكانية فيها، وحولت ثقافتها إلى ثقافة هجينة تضم ثقافات المناطق التابعة لها ولغاتها كما حدث في الامبراطورية الآشورية؛ فإنها أسهمت في إثراء تلك الثقافة وتنوع مؤثراتها.

مراجع للاستزادة:

- أندريه إيمار وجانين أوبوايه، تاريخ الحضارات العام، ترجمة فريد داغر وفؤاد أوريحان (بيروت، ١٩٦٤م).

- هنري ساغس، جبروت آشور الذي كان، ترجمة آحو يوسف (دمشق، ١٩٩٥م).

-Michel MOURRE, Dictionnaire encyclopédique d’histoire, (Paris, 1983), pp.1352-1354.


- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد الرابع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق