تموز
تموز
Tammuz - Tammuz
تموز
نائل حنون
تموز Tammuz هو الاسم الذي يرد في نصوص المشرق العربي القديمة للإله الذي عبد في بلاد الرافدين بصفته إلهاً- راعياً وأحد آلهة العالم الأسفل (عالم الأموات). ويرد اسم هذا الإله في النصوص السومرية بصيغة دموزي Dumuzi التي تتألف من الكلمتين «دمو» التي تعني ابن وزي أو زيد التي تعني البار أو المخلص، فيكون معنى الاسم «الابن البار». وعلى الرغم من أن تموز لم يكن من كبار الآلهة في ديانة بلاد الرافدين القديمة اتصفت العقيدة الخاصة بعبادته بالكثير من التعقيد والإرباك. وبحسب قائمة الملوك السومرية فإنه كان من ملوك مدينة باد – تبيرا Bad-tibira (تلول المدينة في جنوبي العراق حالياً) الذين حكموا قبل الطوفان. ومن مظاهر التعقيد في عبادة تموز أن بعض الباحثين يعده إلهاً للخصب، في حين تروي عنه النصوص القديمة أنه من آلهة الموت. ولعل سبب هذا التعقيد والإرباك في عبادته هو أن جانباً واسعاً منها يدور في فلك المعتقدات الشعبية التي أضفت عليه الكثير من الصفات والأدوار التي تبدو متناقضة في بعض الأحيان.
يمكن تقسيم النصوص المسمارية (السومرية والأكادية) التي تدور مواضيعها حول تموز/ دموزي إلى ثلاث مجموعات بحسب المظهر الذي تقدم به كل مجموعة هذا المعبود. أي إنه يظهر في مجموعات هذه النصوص بثلاثة مظاهر، هي:
أولاً: الإله – الراعي.
ثانياً: حبيب الإلهة عشتار/ إنانّا وزوجها.
ثالثاً: أحد آلهة العالم الأسفل (عالم الأموات).
تموز وعشتار |
وإذا كانت النصوص الأدبية والشعرية تركز على المظهرين الأول والثاني فإن النصوص الدينية - خصوصاً التعاويذ- ونصوصاً أدبية أخرى من أساطير ومراثٍ تفرد المظهر الثالث للإله تموز لتدور مواضيعها حوله. وتتوافق مع هذا المظهر الألقاب التي نعت بها تموز، مثل: «بيل أرَلَّ» Bel Aralli (أي سيد العالم السفلي)، «ملك الأرض البعيدة» و «ملك أرض اللاعودة».
لقد اتخذ انتقال تموز إلى العالم الأسفل وانضمامه إلى مجمع آلهته موضوعاً يستحق الندب والرثاء في الأدب القديم بعدّ هذا الانتقال «موتاً» وإن اختلف عن موت البشر إلا أنه يثير من الحزن و الشجن ما يعبر عنه من خلال المراثي وشعائر الحداد والحزن. وصيغت في ذلك الأدب قصص عن الطريقة التي انتقل فيها تموز إلى العالم الأسفل. وهذه القصص تضمنتها أساطير سومرية وأكادية تختلف في الوقائع التي ترويها عن ذلك الانتقال وعن مسبباته، ومن أشهر هذه الأساطير أسطورة «نزول إنانّا/ عشتار إلى العالم الأسفل «وأسطورة «إنانّا وبيلولو»، وأسطورتان سومريتان أخريان على الأقل.
تموز - دموزي |
لقد كان الاعتقاد بموت آلهة وقيامتهم موضوعاً شائعاً في الحضارات القديمة في بلاد الرافدين (مردوخ، دامو، ننورتا، ننجرسو، تشباك، آشور، آنو وسَتَران)، وسورية (بعل في أوغاريت ودامو في جبيل وأدونيس)، وفي مصر (أوزيريس). وتقترن قصص موت أكثر هؤلاء الآلهة بالصراع مع الطبيعة والموت، وكانوا يخرجون من ذلك الصراع منتصرين في آخر الأمر ومحتفظين بخلودهم. لكن القدماء كانوا يعتقدون أنهم بقدر ما يوغلون في أحزانهم في أثناء «موت» الإله المختفي يكون فرحهم كبيراً حين يقوم من عالم الأموات ويخرج من محنته. غير أن عبادة تموز وقصص «موته» تخلو من الاعتقاد بقيامته، فإقامته في العالم الأسفل أبدية، وإنما اتخذت ذكرى نزوله مناسبة حزن جماعي سنوية تطلق فيها المراثي وتقام شعائر الحداد. وهذا ما أقام الصلة ما بين موضوع تموز وعبادته وبين موت الآلهة الآخرين، أي الحداد والحزن والرثاء. وكان الحزن على تموز - بما رافقه من قصائد رثاء وشعائر حداد- مثالاً تأثرت به المراثي والشعائر الخاصة بموت الآلهة الآخرين حتى إن اختلف جوهر عقيدته عن العقائد الأخرى.
لقد انتشرت شعائر الحداد والندب والرثاء على تموز انتشاراً واسعاً ودامت إلى العصور المتأخرة. ويبدو أن القدماء لم يجدوا فيها صدى لمحنة الآلهة في عقائدهم فقط، بل لأحزانهم هم أنفسهم أيضاً. وفي هذا السياق وردت الإشارة إلى بكاء الناس على تموز في العهد القديم (سفر حزقيال، ٨: ١٤)، أو حزن سكان مدينة حرّان عليه الذي ذكر في فهرست النديم. ومن آلهة بلاد الرافدين القديمة التي طوبقت مع تموز و اشتركت معه في المراثي الإله دامو، إله النسغ الصاعد في الأشجار، ومركز عبادته في مدينة إيسن (إيشان بحريات في جنوبي العراق حالياً). وقد عرفت عبادة هذا الإله في مدينة جبيل وورد ذكره في رسائل العمارنة. وتجدر الإشارة إلى أن اسم دموزي أطلق على الشهر السادس في تقويم مدينة مدينة لجش [ر] (تلول الهبا في جنوبي العراق حالياً) خلال عصر فجر السلالات في الألف الثالث قبل الميلاد، وهو الشهر الذي كانت تقام به شعائر الحداد السنوي على هذا الإله. وفي التقويم البابلي القياسي - الذي اتبع في بلاد الرافدين وسورية - أطلق اسم تموز على الشهر الرابع حين كان رأس السنة في آذار/ نيسان. وأصبح هذا الشهر السابع في التقويم الحالي العربي في سورية والعراق.
مراجع للاستزادة: -نائل حنون، الحياة والموت في حضارة بلاد الرافدين القديمة (دمشق ٢٠٠٥م). - W. MORAN (ed.), Toward the Image of Tammuz and other Essays on Mesopotamian History and Culture, (Cambridge, MA., 1970). |
- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد الرابع مشاركة :