تليلات غسول (موقع)
Teleilat al-Ghassul - Teleilàt al-Ghassul

 تليلات الغسول

تليلات الغسول (موقع -)

 

 

يتألف الموقع من مجموعة من التلال الأثرية الصغيرة الواقعة إلى الشمال الشرقي من البحر الميت في فلسطين بنحو ٥كم.

تعود أهمية هذا الموقع إلى مكتشفاته الأثرية المتنوعة، والتي أمكن من خلالالحفريات وسلسلة من التأريخات للكربون المشع إعطاء الدليل على الازدهار الحضاري في العصر النيوليتي المتأخر، والعصر الحجري - النحاسي للمجتمعات الزراعية في هذا الموقع لألف سنة تقريباً بين (٤٥٠٠ – ٣٥٠٠ ق.م). والجدير بالذكر أن مكتشفات هذا الموقع قد صبغت الفترة المشار إليها حتى أصبحت تعرف باسم الحضارة الغسولية، وأول من أدرك أهمية تليلات الغسول الأثري مالون A. Mallowan الذي قاد حملة تنقيب بالاشتراك مع كويبل P. Koeppel ونوفيل R. Neuville من المعهد البابوي التوراتي في روما في الفترة الممتدة من ١٩٢٩ حتى ١٩٣٨ م. ثم استكمل الأب نورث R. North هذه الأعمال عام ١٩٦٠م، ثم تابع هنسّي B. Hennessy بين الأعوام ١٩٦٧ حتى ١٩٧٨ م التنقيب فيه باسم المدرسة البريطانية للآثار في القدس، وجامعة سيدني في استراليا، ثم استأنفت جامعة سيدني التنقيبات في الموقع منذ عام ١٩٩٤م، بإدارة بورك Bourke ، ولا زالت هذه التنقيبات مستمرة حتى تاريخه.

 

وقد تمكن من خلال هذه التنقيبات تمييز أربع مراحل استيطانية رئيسية تمثل حضارة واحدة، عرفت باسم الحضارة الغسولية، ثم عرفت فيما بعد بالحضارة الغسولية / بئر السبع. بلغ عدد طبقات الاستيطان تسع طبقات تعود أقدمها إلى العصر الأخير لما قبل صناعة الفخار، وأرجعت أحدثها إلى عصر البرونز المبكر؛ والتي انتشرت في فلسطين وغيرها من مناطق المشرق العربي القديم، إلا أن هنسّي قد أكد أن ازدهار هذا الموقع في عصر النيوليتي المتأخر والعصر الحجري - النحاسي، والذي امتد لألف سنة تقريباً (بين ٤٥٠٠- ٣٥٠٠ ق.م)، وقد كان أوسع امتداد لهافي فترة العصر الحجري - النحاسي، حيث غطت مساحة (٢٥- ٢٠) هكتار.

لقد كشفت الحفريات الأثرية عن بقايا معمارية مهمة تعود إلى بداية عصر النيوليت المتأخر، تتكون من بيوت دائرية الشكل صغيرة على شكل حفر في السويات الأقدم، ومملوءة نصفها بالماء ثم ظهرت في السويات الأحدث «العليا» للمراحل الاستيطانية التالية في العصر النحاسي بيوت كبيرة مستطيلة الشكل أبعادها (١٥ × ٥م)، بنيت من اللّبن فوق أساسات حجرية عميقة، أرضيتها من الطين المرصوص، سقوفها من الطين والقصب ترتفع على أعمدة حجرية، ولغالبية هذه البيوت ساحات مكشوفة مسوّرة كانت تستعمل للطبخ والخزن ومختلف شؤون الحياة اليومية، بدليل وجود المواقد والتنانير والمخازن بعدة غرف، كما عثر في هذه المخازن على بقايا بذور من القمح والتمر والذرة والزيتون، وعثر أيضاً على بقايا بيوت صغيرة دائرية الشكل قطرها ١-٢م، مبنية من الحجارة يعتقد أنها خُصِّصت لعمليات دباغة الجلود، كما وجد نمط آخر من المنازل المستطيلة ذات الجدار الواحد المنحني، وهو الجدار الأقصر في المنزل.

إن الكثير من الأشكال المعمارية المحلية التي عثر عليها في السويات الباكرة »العصر النيوليتي المتأخر» استمرت في الظهور حتى في مرحلة الأبنية المتعاقبة «البيوت المستطيلة الكبيرة »العصر النحاسي»، وهذا ينطبق على العمارة الدينية لتليلات الغسول أيضاً، فقد كشفت التنقيبات عن بناءين كبيرين يعودان إلى العصر الحجري النحاسي، خُصِّصا لممارسة الشعائر الدينية المختلفة، أحدهما مستطيل الشكل، يقع مدخله في الجدار الطويل الذي يفتح على باحة كبيرة، عثر فيه على حوض ماء ومصطبة يقوم عليها بناء المعبد الرئيسي، أقيم حولها سور، وبنيت الجدران من الحجر والطين وغطيت الأرضيات والجدران بالجص، وصبغت باللون الأبيض، حيث عثر على أكثر من عشرين طبقة من الطلاء والتجصيص على بعض الجدران، واحتوت من الداخل على صالة مركزية مستطيلة الشكل، وقد حمل جدار أحد المعابد رسومات جميلة للوحات جدارية من أشكال هندسية ونجوم وأقنعة بشرية وحيوانية محورة ذات ألوان متناسقة؛ دلت على القدرة العالية لفناني ذلك العصر الذين نحتوا من الأحجار المختلفة أشكالاً ميثولوجيه بشرية محورة أيضاً، ودمى حيوانية تمثل الثور خاصة. ولبعض اللوحات الجدارية صبغة واقعية، مثل صورة لطير له ذيل، وهناك مشهد ديني يتضمن معبوداً جالساً وأمامه أشخاص واقفون يقدمون له الولاء والطاعة، وكل هذه المشاهد بدت وكأنها مواكب دينية بحتة.

ومن كل هذا اعتقد أن هذين البناءين لهما وظيفة دينية خاصة، وذلك لاختلاف تصميم هذا البناء عن بيوت السكن العادية. ويمكن مقارنة هذين البناءين الدينيَّين ببناء ديني مشابه لهما في موقع عين الجدي.

ومن مكتشفات تليلات الغسول الأدوات الحجرية المتنوعة الباقية من المستويات الباكرة، كالرحى، والأجران للطحن والجرش، والنصال، والمناجل، والمكاشط ذات الشكل المروحي، والأدوات المسننة، والأدوات العظمية، وأدوات صناعة الأخشاب، ومختلف أنواع الخرز، ورؤوس الهروات، والطبعات الطينية التي تدل على صناعة السلال، والثقالات، وحجارة المغازل، ووزنات النسيج التي تدل على نمو صناعة المنسوجات، إضافة إلى أحجار دائرية الأشكال يعتقد أنها استخدمت لوضع الأصواف المصبوغة عليها، كما وجد القليل من الأواني النحاسية التي تعد من أهم اكتشافات تليلات الغسول، كما تعد من أقدم ما صنع وما اكتشف من معدن إلى الآن، ومن الأواني النحاسية المكتشفة البلط والفؤوس وشفرات المناجل والمكاشط والأزاميل، وهذا ما يبرر تسمية هذه الفترة بالعصر الحجري النحاسي.

بقايا أثرية من موقع تليلات الغسول

أما موضوع تجارة الأدوات الحجرية فقد عثر على شفرات مسننة وحادة، والتي مثلت أفضل تشابه مع سويات من النيوليت (B) في منطقة جرش، وأيضاً مع الثقافة اليرموكية في غور الأردن. وفيما يتعلق بمعدن النحاس فقد وصل إلى كامل مراحل تطوره في العصر النحاسي التالي لبئر السبع في سويات العصر النحاسي والتي هي أكثر وضوحاً، مع خامات معدنية جاهزة وموجودة في وادي فينان في جنوب البحر الميت.

كما صنّع سكان تليلات الغسول الفخار الذي يعود أقدمه إلى العصر الأخير لما قبل الفخار مع استمرار صناعته حتى في العصر النحاسي، تم شيه بالنار، وغدا ملوناً ومزخرفاً بأشكال هندسية متنوعة، لونت بالبني والأحمر، وظهرت أشكال مختلفة من فخار هذه الفترة الملون منها الطاسات والصحون والجرار وأواني تخزين ضخمة مزخرفة بالخز وآثار الحبال أو التطبع بالأصابع. وهناك أوانٍ فخارية لها رقاب عالية، وأخرى على شكل مضخة، ربما استخدمت لاستخراج الزبدة من اللبن، كما وجدت مزهريات حجرية على شكل صحن عميق يرتكز على قاعدة تتخللها مجموعة من الفتحات، يظن أنها استخدمت مباخر، إضافة إلى الأقماع والأكواب والصحون وغيرها. وتدل المكتشفات الأثرية على أن سكان المنطقة قد عاشوا من الزراعة؛ إذ عثر على بقايا نباتية وحيوانية ولا سيما القمح والشعير والبقول بأنواعها، إضافة إلى أنهم دجنوا الغنم والماعز والبقر والخنزير والحمير. ومن خلال دراسة هذا الإرث الحضاري لهذه الأشكال الفخارية الملونة تمكن من تحديد وجود علاقة مع موقع بئر السبع والساحل وغور الأردن في السويات من العصر النحاسي، والتي هي الأكثر وضوحاً

أما فيما يتعلق بالمكتشفات الأنثروبولوجية فيُلاحظ أن سكان تليلات الغسول قد دفنوا موتاهم في جرار من الفخار تحت أرضيات السكن مباشرة، أو تحت مصاطب البيوت، إذ عثر على واحدٍ وعشرين هيكلاً في الموقع، أغلبها هياكل أطفال، إذ بلغت نسبتهم ٨٪ من المجموع الكلي ومن هذه الهياكل:

١- هيكل لطفل، عثر عليه في زاوية غرفة كبيرة، وضع ضمن حفرة قليلة العمق، ممدد على الجانب الأيمن، في وضع منثنٍ، دلت الأسنان اللبنية على أن عمره بلغ نحو أربع سنوات عند وفاته.

٢- كما عثر على هياكل أطفال مدفونة ضمن جرار من الفخار، وهذا يشبه ما عثر عليه في مصر في موقعي المعادي وحلوان، حيث تضمنت الجرار في بعض الأحيان هيكلاً كاملاً وفي أحيان أخرى أجزاء من الهيكل العظمي، إذ عثر على جرة كبيرة تضمنت ثلاث جماجم للأطفال، وجرة أخرى عثر عليها بالقرب من الموقد تضمنت جمجمة منفردة.

أما بالنسبة إلى هياكل البالغين فقد كانت نادرة، إلا أنه عثر على هيكل لغلام بلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، ضمن المربع D1، وضع بشكل منثنٍ، وبالقرب من ركبتيه عثر على أسنان ماعز، وكسر من آنية فخارية، وهذا يدل على معتقدات دينية (معتقدات ما بعد الموت)، كما تم دفن بعض الأطفال مع البالغين، حيث عثر على هياكل ضمن الغرفة رقم ١٣٢، تضمنت اثنين من البالغين- ربما ذكر وأنثى- وبجوارهم طفلان ممددان بشكل منثنٍ، على الجانب الأيسر، ربما هذه الدفنة مكونة من عائلة كاملة.

إن العثور على عدد من هياكل البالغين يدل على أن الدفن كان يتم خارج القرية في أحد كهوف الدفن التي انتشرت في هذا العصر، أما بالنسبة إلى هياكل الأطفال فقد مثّلت نوعاً من قرابين التأسيس، مع ملاحظة أن نسبة وفيات الأطفال كانت كبيرة كما في معظم مواقع عصور ما قبل التاريخ.

يمثل موقع تليلات الغسول إضافة إلى موقع بئر السبع حضارة مميزة في نهاية عصور ما قبل التاريخ، سميت بالحضارة الغسولية، كان قوامها حياة رعوية – زراعية، وقد انتشرت من منطقة العمق في سورية شمالاً مروراً بلبنان في موقع جبيل حتى فلسطين في جنوبي بلاد الشام.

ابتسام ديوب

مراجع للاستزادة:

- زيدان كفافي، الأردن في العصور الحجرية (عمان ١٩٩٢).

- A. LEROI-GOURHAN, Dictionnaire de la Préhistoire, (Paris 1988).

- J., B., HENNESSY, Preliminary Report on a First Season of Excavations at Teleilat Ghassul, (Levant, 1969).

- S. J. BOURKE, Teleilat Ghassul, 1999, Renewed Excavation, Orient-Express 200/3.


- التصنيف : عصور ما قبل التاريخ - المجلد : المجلد الرابع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق