التكية
تكيه
-
التكية
غزوان ياغي
هي أحد أنواع العمائر الدِّينية التي ظهرت في العصر العثماني وخُصِّصَت لإقامة الدراويش وطلبة العلم والحجيج مجاناً، وقد قامت بوظيفة تشبه وظيفة الخانقاه المملوكية والأيوبية؛ أي إنها صارت خاصة لإقامة المنقطعين للعبادة من المتصوفة، إذ هُجرت في هذا العصر الخانقاوات وحلّت مكانها التكايا، حيث كان يقصدها الراغبون بالانقطاع للعبادة، يعيشون فيها مما تنفقه عليهم الأوقاف المحبوسة، فاختفى لفظ خانقاه من البلاد التي سيطرت عليها الدولة العثمانية.
التكية المولوية بدمشق | التكية المرادية النقشبندية بدمشق |
ولعل تسميتها بالتِّكية مأخوذ من الاتكاء بمعنى الاستناد، لأن المقيمين فيها كانوا يستندون في أمر إقامتهم ومعيشتهم إلى ما كان ينفق عليهم من الأوقاف المحبوسة عليها من قبل السّلطان أو غيره من أهل اليسار من المسلمين.
ولم تكن التكايا بداية مكاناً للعزلة والانزواء؛ بل كانت من منشآت تهيئة النفوس وإصلاحها عن طريق التفرغ للعبادة والذكر والتعليم وتدريب المتكئين فيها على الالتزام والنظام بحيث يرتقي أسلوب خدمتهم لأنفسهم ودينهم ومجتمعاتهم.
وقد قامت التكايا بدور المدارس والخانقاوات؛ إذ أدت دوراً بارزاً في التعليم الدِّيني في العصر العثماني، وكانت تكايا المولوية مثالاً للانضباط التعليمي، حيث قدمت لمريديها دروساً جادة في أمور الدين والوعظ وحلقات الذِّكر، وتعليماً متقدماً في أمور التّصوف وما يرتبط بشعائره من دروس الذكر والإنشاد.
التكية السليمانية في دمشق |
ولكن هذا الدور المهم ما لبث أن تعرض للكثير من التغيير والتحوير حتى صارت التكايا مكاناً خاصاً بإقامة العاطلين من المهاجرين من الدولة الأم أو النازحين والأغراب ممن ليس لهم مورد للرزق، مما انعكس بالسلب على الوظائف الأصلية للتكايا حيث تغيرت بالأغلب قواعد العيش فيها وتدهورت سوية المنتسبين إليها.
وانتشرت التكايا في أراضي الدولة العثمانية كافة، حتى إن الرحالة التركي «أوليا جلبي» الذي زار بيت المقدس في القرن 11هـ/17م؛ قال: «إنه كان في القدس تكايا لسبعين طريقة، منها الجيلانية والبدرية والسعدية والرفاعية والمولوية، وغيرها».
وقد استمرت هذه التكايا قائمة تباشر أدوارها المختلفة حتى بداية الحرب العالمية الأولى، حيث أُهملت بعد الحرب حين ألغى مصطفى كمال أتاتورك ما بقي منها في تركيا بعد أن ألغى السلطنة سنة 1922م والخلافة سنة 1924م، وحول أبنية هذه التكايا إلى مؤسسات عامة أو متاحف.
مدخل التكية السليمية بدمشق | التكية المولوية في حلب |
وقد جاء التصميم المعماري للتكايا في بلاد الشام أقرب لمثيلاتها في تركيا، حيث تكونت من مجمعات ذات أقسام عدة تتوزع حول صحن مكشوف مستطيل غالباً، تتوزع حوله مباني التكية؛ فيحتل المسجد المستقل إحدى الضلعين القصيرتين بواجهة تتقدمها بائكة ذات عقود مدببة محمولة على أعمدة، يتوسطها المدخل الرئيسي كما في التكية السليمانية [ر] المشهورة في دمشق، وغطي المسجد بالقباب وأنصاف القباب المتراكبة على الطراز العثماني، ويشغل باقي أجزاء التكية عدد كبير من الخلوات أو الحجرات التي كانت مخصصة لسكن الصوفية أو المقيمين بالتكية من طلاب وغيرهم، إضافة إلى العديد من القاعات التي كانت مخصصة للدراسة أو الطعام، وهي موزعة بشكل معماري متناسق، ويتقدم أغلبها أروقة تفتح على الصحن الرئيسي ببوائك ذات عقود مدببة محمولة على أعمدة ومغطاة بمجموعة من القباب الحجرية الضحلة. كما كان يلحق بالتكية خان ومطبخ واسع ومطاهر عديدة وحمام ومكتبة وسبيل وحديقة واسعة، وقد جاءت كلّ الملحقات المعمارية بالتكايا بمستوى طابق أرضي غالباً.
التكية الخسروية في حلب |
ومن أقدم الأمثلة في سورية التكية السّليمية التي أقامها السلطان سليم الأول سنة 922هـ/1516م في حي الصالحية بدمشق، والتي مازالت حتى اليوم تقدم الطعام إلى المحتاجين كل يوم خميس من تبرعات أهل الخير. وكذلك التكية السليمانية التي أقامها السلطان سليمان القانوني ضمن الكلّية مكان القصر الأبلق المملوكي سنة 967هـ/1559م، والتي كانت حتى وقت قريب متحفاً حربياً قبل أن ينقل منها ويباشر بترميمها تمهيداً لإعادة توظيف مبانيها لغايات ثقافية وسياحية، وكذلك التكية المولوية في حلب التي مازالت محافظة على إقامة شعائر الصلاة حتى اليوم.
مراجع للاستزادة: -حسن الباشا، مدخل إلى الآثار الإسلامية (دار النهضة العربية، القاهرة 1981م). - رايموند ليفيشيز، تكايا الدراويش الصوفية والفنون والعمارة في تركيا العثمانية، ترجمة عبلة عودة (نشر هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، أبو ظبي 2011م). - غزوان ياغي، المعالم الأثرية للحضارة الإسلامية في سوريا (المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، الرباط 2011م). |
- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد الرابع مشاركة :