تربه
-

التربة

غزوان ياغي

 

تجمع التربة على تُرَب، وأترب الشي وضع عليه التراب، والتربة الأرض، وتربة الأرض ظاهرها، وتربة الإنسان رمسه أي بقاياه، ويستخدم مصطلح التربة في الآثار للدلالة على مبنى القبر كلِّه ما هو في باطن الأرض وما هو في ظاهرها، والبنا الذي يحوي القبر وملحقاته.

وقد نشأت فكرة التربة في صدر الإسلام ونضجت، وأصبح لها صفات معمارية مميزة في أواخر العصر العباسي، بحيث أمست التسمية تدل على طراز معماري متميز كغيره من الطرز التي استخدمت في العمارة الإسلامية الدينية كالمسجد [ر] والمدرسة [ر] والرباط [ر] والخانقاه [ر] وما إلى ذلك .

ومع أن الإسلام دين زَهُدَ بكل مظاهر الترف والأبهة، ودعا إلى عدم المبالغة في إشادة القبور وزخرفتها؛ إلا أن المسلمين أحبوا تخليد ذكرى آل البيت والخلفا والصحابة والقادة والأمرا والعلما اعترافاً بفضلهم؛ بمبانٍ تذكارية، لذا كانت هذه المباني ليست فقط لاحتوا جثمان المتوفى بل سجلاً لأعمالهم تساعد المؤرخين أحياناً وتمدّهم بوثائق لم تُسجَّل إلا على جدران التّربة.

تربة صهيب الرومي

وتُعد قبة الصليبية في مدينة سامرا بالعراق التي شُيِّدت سنة 248هـ/ 862م؛ أقدم الترب التي لا زالت قائمة حتى الآن.

وقد جا ت التُّرب الإسلامية إمّا مستقلة في مبنى خاص بها وإما متصلة بمسجد أو مدرسة أو خانقاه أو رباط أو زاوية [ر].

عرفت العمارة الإسلامية في سورية وجود الترب والمشاهد والأضرحة في الجوامع المبكرة مثل مشهد النبي يحيى في الجامع الأموي بدمشق، ومشهد النبي زكريا في الجامع الكبير في حلب، وتربة الصحابي خالد ابن الوليد في الجامع المعروف باسمه في مدينة حمص.

ولقيت الترب تطوراً معمارياً بارزاً في العصر السلجوقي، حيث أقيم فوق القبر المتوضع في وسط مساحة مربعة قبة ضخمة محمولة على مناطق انتقال مؤلفة من صفوف من المقرنصات المتصاعدة، وجا ت القبة من الخارج بشكل مقرنصات متراكبة ومتصاعدة، كما في تربة نور الدين محمود بن زنكي الملحقة بمدرسته في سوق الخياطين بدمشق.

التربة الطواشية

وقد زادت العناية ببنا الترب في العصر الأيوبي متصلة أو منفصلة عن أنواع العمائر الدينية الأخرى، ومن أمثلتها البارزة بدمشق: تربة السلطان صلاح الدين الأيوبي الواقعة شمال الجامع الأموي وتربة الخليفة عمر ابن عبد العزيز في مدينة معرة النعمان.

وفي العصر الأيوبي والمملوكي والعثماني عُنِيَ بدمج الترب ضمن منشآت تضم مسجداً أو مصلى أو مدرسة أو دار أيتام أو زاوية، كالمدرسة العزيرية والتربة الكوكبائية والدرويشية والتكية المرادية لكي تكون صدقة جارية ينتفع بها عامة المسلمين بشكل تكون فيه واقعة على الشّارع الرئيسي للسماح بتلقي الدّعا والرّحمة مع الحرص على ألا يخلَّ ذلك بشكل البنا وتناسقه كما في قبة الملك الظاهر بيبرس الملحقة بالمدرسة الظاهرية المعروفة في مدينة دمشق، وفي الخانقاه الجقمقية شمال الجامع الأموي بدمشق. كما أوقف للترب الأوقاف الكثيرة لحفظها وصيانتها وضماناً لاستمرار وظيفتها.

تربة الخليفة معاويةالتربة الزويزانية

كما جا ت التُرب المنفصلة ملحقة بمصلّى خاص بها، وفنا صغير وغرف، كما في التربة التكريتية في حي الصالحية بدمشق، وتربة آراق السلحدار في منطقة الميدان جنوبي دمشق.

وقد صارت القبّة في كلّ نماذج التّرب في بلاد الشام من أبرز العناصر المعمارية التي ارتبطت ببنا الترب إذ تفوق المعماريون في ابتكار أنواع مميزة من مناطق الانتقال التي تسمح بالتحويل من الشكل المربع للبنا إلى الشكل المثمن ثم الدائري لخوذة القبة، ومن أشهر مناطق الانتقال التي ابتكرت المثلثات الكروية والتي عرفت باسم «السراويل الحلبية» حيث ظهرت، وكذلك جُوِّدت العديد من خوذ القباب الحجرية خاصة في شمالي سورية، حيث بولغ في استخدامها وتنوعت زخارفها وأشكالها.

ومن المصطلحات الموازية للتربة والقبة في العمارة الإسلامية مصطلح الضريح الذي يعني كل القبر، وأطلق اسمه تجاوزاً على البنا المقام على القبر من باب إطلاق الجز على الكل، وأما مصطلح المشهد فقد أطلق للتكريم، كمشهد النبي يحيى ومشاهد الخلفا الراشدين والحسين وزين العابدين في الجامع الأموي بدمشق، ومشاهد آل البيت كمشهد رقية في مدينة دمشق، ومشهد سكينة في داريا بريف دمشق، وكذلك مصطلح المقام الذي أطلق على الأبنية المنتشرة في بلاد الشام ومصر التي أقام أو صلى فيها أو دعا منها الأنبيا أو الصحابة تكريماً لهم، كمقام معاذ بن جبل وأبو هريرة في دمشق، أو تخليداً لذكراهم كمقامات آل البيت وأمهات المؤمنين بتربة الباب الصغير في دمشق والذين شُيدوا في العصر العثماني في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، ومقام على زين العابدين على الجبل المسمى باسمه قريباً من مدينة حماة. ويجدر بالذكر أن من المقامات أنواع تسمى مقامات رؤيا؛ إذ أقيمت بنا ً على رؤيا أو منام رآه أحد الأشخاص لنبي أو صحابي أو تابعي أو أحد الصالحين جا لأحد الأمكنة أو طلب من صاحب الرؤيا أن يقيم له مقاماً في مكان يحدده له.

مراجع للاستزادة:

- غزوان ياغي، المعالم الأثرية للحضارة الإسلامية في سوريا، المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم «الأسيسكو»، ط١ (المغرب ٢٠١١م).

- عادل نجم عبو، «التربة في العمارة الأيوبية»، مقال منشور في مجلة سومر ج١-٢، الصادرة عن وزارة الأعلام، بغداد سنة ١٩٧٤م، ص٢٧٣.

- عبدالله الحداد، مقدمة في الآثار الإسلامية (دار الشوكاتي للطباعة والنشر التوزيع، صنعا ٢٠٠٣م).

 


- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد الرابع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق