بروكوبيوس
بروكوبيوس
procopios -
بروكوبيوس
(نحو 490-562م)
محمد الزين
بروكوبيوس Procopius (بالإغريقية Prokopios) هو أحد كبار المؤرخين السوريين القدماء وأشهر المؤرخين البيزنطيين في القرن السادس الميلادي بلا منازع. عاش في عهد الامبراطور الشهير جستينيانوس Iustinianus ر(527-565م)، وعايش جهوده الكبيرة لإحياء الامبراطورية الرومانية بعد سقوط روما في أيدي القبائل الجرمانية عام 476م وذلك عبر سلسلة من الحروب التي شنها في الشرق والغرب خلدها بروكوبيوس في تاريخه.
لا يعرف الكثير عن مجريات حياته إلا من خلال الاشارات التي جاءت في مؤلفاته ولدى بعض الكتاب المتأخرين. ولد في مدينة قيسارية Kaisareia عاصمة فلسطين آنذاك لأسرة ثرية من علية القوم لا يعرف تاريخ مولده على وجه الدقة، والذي يراوح بين عامي 490 و508م وتلقى تعليماً ممتازاً في علوم البلاغة والحقوق والآداب الكلاسيكية وكانت قيسارية أحد المراكز العلمية المرموقة في سورية تلك الفترة؛ إذ ينتسب إليها أوسابيوس Eusebios أبو التاريخ الكنسي. كان بروكوبيوس يجيد اللغتين الإغريقية واللاتينية إلى جانب لغته الأم الآرامية (السريانية).
انتقل في وقت مبكر إلى القسطنطينية Constantinople، ونال شهرة كبيرة في المحاماة، ثم صار منذ عام 527م مستشاراً للقائد الكبير بليزاريوس Belisarius ورافقه في حملاته الحربية المظفرة على الجبهات الفارسية في الشرق، وكذلك الإفريقية والإيطالية في الغرب، حتى استدعاه الامبراطور جستنيان إلى القسطنطينية فعاد بروكوبيوس معه وانصرف إلى تأليف كتبه. وشهد تفشي مرض الطاعون في العاصمة عام 542م، وترك وصفاً مؤثراً له. وقد أنعم عليه الامبراطور بلقب بطريق Patrikios، وعضوية مجلس الشيوخ، ولكن لا تعرف معلومات مؤكدة عن سنواته الأخيرة ولا عن سنة وفاته، ويبدو أنه شغل منصب قائد حامية القسطنطينية (Praefectus urbi) عام 562م.
تنقسم مؤلفات بروكوبيوس إلى ثلاث فئات هي تاريخ الحروب والأبنية والتاريخ السري، وصف فيها أهم أحداث عصره ومختلف أوجه الحياة المادية والاجتماعية والثقافية.
يعالج في مؤلفه الرئيس «التاريخ» (Historikon) حروب جستنيان في ثمانية كتب (أو أجزاء) موزعة بحسب ساحات القتال، خصص الكتابين الأول والثاني لتاريخ الحروب بين الروم والفرس التي يعود بها إلى زمن الامبراطور أنستازيوسAnstasios ر(502-506م) والتي استعر أوارها مجدداً في عهد جستينيانوس.
وقد حقق بليزاريوس قائد جيوش الشرق على مدى عقدين من الزمن (530-549م) في أولاها نصراً على الفرس في معركة دارا Dara عام 530م، وتمكن من دحر الجيوش الفارسية إلى شرق الفرات، ولكنها ما لبثت أن تجددت بقيادة ملك الفرس الشهير كسرى أنوشروان (531-578م) بهجومه على سورية واحتلال عاصمتها أنطاكية عام 540م، ودامت هذه الحرب الثانية خمس سنوات ولكن بدون انتصارات حاسمة.
ويروي في الكتابين الثالث والرابع تاريخ الحرب على الفاندال Vandales في شمالي إفريقية التي انتهت بالاستيلاء على عاصمتهم قرطاجة عام 533م والقضاء على دولتهم. ويصف في الكتب الأربعة التالية (5-8) الحروب التي جرت في إيطالية ضد القوط الشرقيين وتدمير مملكتهم بعد سقوط روما ورافنا عام 540م.
كما يتضمن تاريخه معلومات مهمة عن بعض الأحداث الداخلية، ومن أشهرها ثورة نيقا Nika التي اندلعت في العاصمة القسطنطينية ضد جستنيان، والتي كان للامبراطورة تيودورا Theodora الدور الأساسي في قمعها.
عاصر بروكوبيوس تلك الحروب، وكان شاهد عيان لكثير من وقائعها، كما استقى معلومات مباشرة من المشاركين فيها، واستخدم أيضاً وثائق ومصادر كتابية أخرى إغريقية ولاتينية وسريانية ولذلك تعد كتاباته عن هذه الحروب مصدراً تاريخياً في غاية الأهمية. كان شديد العناية بمادته التاريخية، وسعى إلى تقصي الحقيقة بموضوعية ونزاهة مثل مؤرخه المفضل توكوديديس Thoukydides، وقد ضمن تاريخه كثيراً من الاستطرادات والشروح الجغرافية والإثنوغرافية، والعديد من الخطب والرسائل، وفقاً للتقاليد المألوفة في الكتابات التاريخية الكلاسيكية.
أما مؤلفه عن الأبنية (Buildings) Aedificia الذي يبدو أنه وضعه بتكليف من الامبراطور - إذ أنه يفيض بآيات المديح والتمجيد له ولزوجته- فقد جاء في ستة كتب يصف فيها الأبنية والمشاريع العمرانية الفخمة التي شيدها جستنيان في جميع انحاء الامبراطورية بالاعتماد على الوثائق والسجلات الرسمية، ولذلك يعد مصدراً من الدرجة الأولى يزخر بالمعلومات الجغرافية والأثرية والفنية مع أدق التفاصيل وأشهر الأبنية التي خلدت اسم الامبراطور جستنيان وزوجته تيودورا؛ كنيسة أيا صوفية في القسطنطينية (الحكمة المقدسة Hagia Sophia) التي تم تدشينها عام 537م والتي تعد درة البناء الكنسي البيزنطي. وقد أفاض بروكوبيوس في وصف مظهرها وهندستها وزينتها الداخلية التي لا نظير لها.
أما كتابه الثالث المعروف باسم Anekdota أو «التاريخ السري» الذي نشر بعد وفاته فيتضمن كثيراً من الروايات والشائعات والنقد اللاذع الذي ينال من سمعة الامبراطور جستنيان وزوجته تيودورا ورجال بلاطه، ولذلك بقيت نسبته إلى بروكوبيوس زمناً طويلاً مثار شك حتى أكدتها الدراسات التاريخية الحديثة، ويبدو أنه يعبر فيه عن مواقف مجلس الشيوخ والطبقة الأرستقراطية.
كان بروكوبيوس ذا نزعة محافظة، شديد الاعتزاز بانتمائه إلى الطبقة العليا، ومع إيمانه المسيحي فلا يخلو تاريخه من بعض العناصر التقليدية الموروثة عن المؤرخين الوثنيين مثل دور الهة الحظ والقدر في صنع الأحداث.
كتب بروكوبيوس مؤلفاته بلغة إغريقية كلاسيكية واضحة متأثراً بتقاليد الكتابة التاريخية. وقد حظي بتقدير كبير في الماضي والحاضر؛ إذ سار على نهجه كثير من المؤرخين البيزنطيين محاولين تقليده في اللغة والأسلوب وطريقة السرد، وبدؤوا تواريخهم من حيث انتهى.
كان بروكوبيوس بلا شك مؤرخاً من الطراز الأول، ويعد تاريخه أعظم مصدر عن أحداث عصره. وقد نشرت مؤلفاته في طبعات محققة عديدة مع ترجمات لها باللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية ومن أشهرها طبعة لويب (Loeb Classical Library) في ثمانية مجلدات باللغتين الإغريقية والإنكليزية.
مراجع للاستزادة: - نور الدين حاطوم - نبيه عاقل - أحمد طربين - صلاح مدني: المدخل إلى التاريخ (دمشق 1965م). - The Oxford Classical Dicitionary .2nd Edition (Oxford 1970). |
- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد الثالث مشاركة :