بربر آغا (قلعة-)
بربر اغا (قلعه)
-
بربر آغا (قلعة -)
خالد حياتله
تقع قلعة بربر آغا في بلدة إيعال الشمالية الواقعة على بعد نحو خمسة كيلومترات جنوبي بلدة زغرتا الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة طرابلس في شمالي لبنان؛ حيث ترتفع الأطلال الحصينة. بانيها هو مصطفى آغا بن حسن القرق الذي ولد سنة ١١٨٠هـ/١٧٦٧م في طرابلس. ولقب باسم بربر (الحلاق باللغة التركية) نسبة إلى أحد أجداده الذي عمل حلاقاً، وبدأ في الزراعة وجمع الحطب والبلاّن يبيعه في طرابلس إلى أصحاب الأفران، ثم خدم في خيّالة الأمير يوسف شهاب الذي تولّى حكم جبل لبنان بين سنتي ١١٨٤هـ/١٧٧٠م و١٢٠٣هـ/١٧٨٨م، ثم انخرط في سلك الانكشارية، ودخل في خدمة والي عكا أحمد باشا الجزار الذي جعله متسلماً (حاكماً) على طرابلس بين سنتي ١٢١٣هـ/١٧٩٨م و١٢١٥هـ/١٨٠٠م. وتمكن بربر بدهائه وقوة عزيمته من التغلب على الصعوبات التي واجهته في مهمته؛ بحيث استمر في حكم طرابلس - ولو بصورة متقطعة- حتى سنة ١٢٤٩هـ/١٨٣٣م، تارة محظياً وتارة مقصياً؛ بحسب الظروف التي واجهته والتي أثرت فيها نزاعات ولاة عكا ودمشق وأهواؤهم. وتُوفيِّ بربر سنة ١٢٥٠هـ/١٨٣٥م، ودُفن في قلعته.
الأبواب الحجرية المعقودة |
ترك بربر آغا العديد من المباني والصروح المعمارية، ومن أهمها برج إيعال- قلعة إيعال ومنزله فيها- باكية برسا- سراي بربر في طرابلس التي هدمت سنة ١٣٧٣هـ/١٩٥٤م تحت شعار تجميل المدينة.
تعدد أشكال العقود الحجرية |
اختار بربر آغا بلدة إيعال لبناء قلعته فيها؛ لأنها كانت مركزاً لرؤساء القرى المحيطة بسبب موقعها الاستراتيجي، ففي سنة ١٢٢٨هـ/١٨١٢م عمد إلى شراء معظم أراضي القرية؛ ليبني على التلة المشرفة عليها قلعة عظيمة، تمَّ بناؤها بين سنتي ١٢٢٨هـ/١٨١٢م و١٢٣٠هـ/١٨١٤م.
والقلعة مستطيلة الشكل العام ومتعدّدة الأضلاع، وقد زودها بأسوار عالية من الحجر وأبراج دفاعية في زواياها، وتبلغ مساحتها ٥٢٠٠م٢.
أنشأ بربر آغا هذه القلعة «لغاية حربية على منهاج فنّي وتنظيم داخلي متقن»، وجعل منها حصناً حصيناً، واستخدم في أسوارها الحجر الصلد المحكم البناء ذا اللونين الأبيض والأصفر، وتتخلّل هذه الأسوار والجدران الخارجية المرامي والرواشن للدفاع عنها؛ إضافة إلى تحصينات متينة.
المدخل يعلوه الروشن |
ويراوح ارتفاع أسوار القلعة بين ٥-١٠م، وتزيد طريقة بنائها مناعتها؛ لأن حجارتَها الكبيرة مُحكمةُ الصنع، مرصوصةٌ بعضها فوق بعض، وجميع جدرانها مشبعة بالمونة، وتطلّ من جهاتها الأربع على مناطق الخالدية وكفرزينا من منطقة زغرتا الزاوية.
في القسم الداخلي أبنية ومنشآت عدة، منها أبنية ذات طابقين: الأول كان يضم مراكز للعسكر والأسلحة والمسؤولين عن حماية القلعة ومطبخاً وقاعة للنسوة وإصطبلاً. والثاني- وهو العلوي- كان مقراً لإنجاز المعاملات التي كانت تنقل صيفاً من طرابلس.
القبوات وعقودها |
وتحوي القلعة تسع غرفٍ للسكن، منها ثلاث لزوجاته الثلاث، ورابعة له، وثلاث فسحات دار مسقوفة، وثلاثة مطابخ، وستّ غرف مؤونة، وستّ فسحات سماوية، وخمس برك ماء، وفرناً ومدخلين مسقوفين ومدخلاً سماوياً، وعشرين غرفة لاستخدامات مختلفة، ومدافع وأسواراً، وسلالم حجرية، وبقايا أعمدة وقناطر وسراديب، وخمسة أدراج (سلالم) حجرية داخلية، وعقوداً ومدفناً خاصاً، وحدائق تزرع بقولاً وفيها أشجار الزيتون وعدد من أشجار النخيل والرمّان والتين. وفي القلعة أيضاً سجن وقنطرة للشنق، وقبر بربر المهمل مع قبور حاشيته من رجاله المخلصين ومماليكه، وكان فيها أيضاً آبار وخزانات لحفظ المياه التي جرّها إليها بربر آغا من ينبوع يخرج من سفح تلة المزيارة الواقعة إلى الجنوب الشرقي من بلدة إيعال.
عقد حجري مدبب يفتح على الباحة |
وقد سارع والي طرابلس مع أعوانه إلى القلعة عقب وفاة بربر آغا، فصادروها بعد أن ضبطوا موجوداتها، وأوقفوا الجنود لحراستها؛ غير أن أحد أعوان بربر تمكّن من الوصول إلى مصر، واسترحم محمد علي باشا مدافعاً عن سيده، فأمر محمد علي برفع الحجز عن القلعة وعن ممتلكات بربر التي أصبحت وقفاً على زوجاته وأولاد عمّه ومماليكه وذرّيتهم وبعض أصدقائه وأنصاره؛ لأنه لم يُرزق بأبناء على الرغم من زواجه من ثلاث نساء، وبات جزء منها اليوم تابعاً للأوقاف الإسلامية.
دبّ الخراب أخيراً في أجزاء كثيرة من القلعة الكبيرة، ولم يبقَ منها «على قيد الحياة» إلا القسم الذي يسكنه آل بربر ورثة مصطفى آغا؛ علماً أنها مصنفة من الأمكنة الأثرية في لبنان منذ سنة ١٣٨٦هـ/١٩٦٦م.
مراجع للاستزادة: .( B. Doumani, Endowing Family: Waqf, Property Devolution, and Gender in Greater Syria, 1800 to 1860 (Cambridge University Press, 1998.
. M. Mishaqa, The History of the Lebanon in the 18th and 19th Centuries, New York Press, 1988, pp. 150-151.
|
- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد الثالث مشاركة :