باوسانياس الدمشقي
باوسانياس دمشقي
posanias of Damascus - pausanias
باوسانياس الدمشقي
باوسانياس الدمشقي
باوسانياس Pausanias أحد المؤرخين القدماء الذين أنجبتهم سورية في عصورها الكلاسيكية، وينسب على أرجح الآراء إلى مدينة دمشق تفريقاً له عن كتّاب آخرين كثر حملوا الاسم ذاته وعلى رأسهم صاحب الدليل الأثري المشهور «وصف بلاد اليونان»، إذ كان باوسانياس من الأسماء الإغريقية الشائعة التي تسمى بها حتى بعض ملوك إسبرطة.
ويصطدم تحديد شخصية باوسانياس بصعوبات جمة نظراً لفقد مؤلفاته وعدم وضوح الشواهد التي تتحدث عنه بل تعارض بعضها؛ مما نجم عنه كثرة الاجتهادات والآراء ولكنها تتفق على أنه كان من سورية.
وأهم رواية تؤكد أصله الدمشقي جاءت من الكاتب البيزنطي (والامبراطور اللاحق قسطنطين السابع) المعروف باسم قسطنطين بروفيروجينتوس Konstantinos Porphyrogentos (٩٠٥-٩٥٩م) الذي انصرف قبل تسلمه العرش إلى الدراسات العلمية والأدبية القديمة، ورعى حلقة علمية قامت بنسخ كثير من المؤلفات القديمة (أو مقتطفات ومستلات منها)، ومن أبرز هذه المؤلفات كتابه عن ولايات الامبراطورية البيزنطية (DeThematibus)، ورد فيه تعداد أشهر الجغرافيين القدماء الذين جاؤوا بعد استرابون[ر] ومنهم باوسانياس الدمشقي PausaniasDamaskenos.
أما اسطفانوس البيزنطي StephanosByzantinos الذي عاش في القرن السادس في عهد الامبراطور جستنيانوس[ر] (٥٢٧-٥٦٥م)، وألف قاموساً جغرافياً تاريخياً بأسماء المواقع والمدن القديمة (شبيه بقاموس «معجم البلدان» لياقوت الحموي)؛ فإنه يشير في مادة Σελευκοβηλος، أي «سلوقية بيلوس»- التي يعتقد أنها الاسم القديم لمدينة جسر الشغور على العاصي- إلى أنه استقى معلوماته عنها من باوسانياس في مؤلفه عن أنطاكية Παυσανιας εν τω περι Αντιοχειας
وجاء في مادة «دوروس Doros» أنه اعتمد على كتاب لباوسانياس عن تأسيس موطنه. كما يذكر اسطفانوس في كل من مادة غزة Gaza وبطروس Botrus وجابا Gabba أن مصدره كان باوسانياس، وينسب معلوماته في مادة دانيا Daneia إلى الكتاب الخامس، وفي مادة مرياميا Mariammia إلى الكتاب السادس لباوسانياس.
وهكذا فإن اسطفانوس ينسب إلى باوسانياس مؤلفاً عن أنطاكية في حين ينسب إليه في موضع آخر كتاباً يتعلق بتأسيس موطنه Κτίσις τής πατρίδος αυτού، وهذا في الحقيقة لا يمكن أن يكون عنواناً لكتاب ، وإنما هو على الأرجح وصف لكتابه الأول عن أنطاكية، وبالتالي فهما كتاب واحد. وفي هذه الحالة قد يستنتج المرء أن باوسانياس كان ابن أنطاكية اذا فُسرت كلمة موطنه بمعناها الضيق أي المدينة الأم، ولكن هذا يتعارض مع تأكيد الامبراطور قسطنطين السابع الواضح أن باوسانياس كان دمشقياً.
وبما أن اسطفانوس يعتمد على باوسانياس في حديثه عن مدينتين سوريتين وأربع مدن فينيقية فإن مؤلفه لم يكن يقتصر على أنطاكية؛ وإنما شمل مدناً أخرى عديدة في سورية ومنها بالتأكيد مدينة دمشق، وفي هذه الحالة فإن كلمة موطنه ينبغي فهمها بالمعنى العام الواسع للكلمة أي وطنه سورية .
وثمة احتمال ثالث بأن المقصود بأنطاكية هو موطنه المختار (وليس الأصلي)، وهنا تجدر الإشارة إلى أن هيرودوت الهاليكارناسي كان ينسب أيضاً إلى مدينة ثوري Thurii في جنوبي إيطاليا التي استوطنها فيما بعد، كما أن الفيلسوف والعالم الكبير بوسيدونيوس[ر] Poseidonios الأفامي كان يدعى أيضاً الرودوسي لاستيطانه في جزيرة رودوس.
ولعل باوسانياس الدمشقي قد غادر مدينته الأم واستوطن في مدينة أنطاكية التي صارت موطنه، وبالنظر إلى شهرتها الكبيرة وكونها عاصمة سورية والشرق فقد ذيّل كتابه عن تأسيس المدن في موطنه سورية بعنوان فرعي هو أنطاكية.
أما يوحنا ملالاس Johannes Malalas الأنطاكي الذي عاش أيضاً في القرن السادس في عهد الامبراطور جستنيانوس وكتب تاريخاً للعالم منذ بدء الخليقة حتى عصره؛ فإنه يعتمد في روايته لأسطورة تأسيس مدينته الأم أنطاكية وكثير من المدن السورية الأخرى في العصر الهلنستي (مثل سلوقية بيريا على الساحل السوري (السويدية) حيث يذكر كيف أن سلوقس مؤسس الامبراطورية السلوقية صعد إلى جبل كاسيوس (الأقرع) لتقديم الأضاحي واستشارة الآلهة قبل تأسيس عاصمته الأولى في سورية فجاءه النسر رسول الإله زيوس وحمل الأضحية وطار بها ثم ألقاها في الموضع الذي قامت فيه مدينة سلوقية )؛ على مؤرخ يذكره مراراً ويسميه باوسانياس من غير أن يعرف به أو يذكر نسبته وإنما يصفه بالمؤرخ الضليع أو الواسع الاطلاع : Παυσανιας ό Σοφοτατος.
ويقرنه ملالاس في أحد المواضع من تاريخه بأبي التاريخ الكنسي أوسيبيوس بامفيلوس Eusebios (٢٦٠-٣٣٩م) أسقف قيسارية في فلسطين ويسميهما مؤرخين Chronographoi، ولعل في هذا إشارة إلى أنهما كانا متعاصرين وبالتالي يكون باوسانياس قد عاش وألف كتابه في القرن الرابع الميلادي الذي انتشرت فيه الكتابات التي تعالج موضوعاً واحداً وبالنسبة إلى مؤرخنا فهو تأسيس المدن في العصر الهلنستي.
وهكذا فإن باوسانياس الدمشقي كان صاحب مؤلف تاريخي مهم عن مدن سورية والأساطير المتعلقة بتأسيسها والمتداولة في العصور الكلاسيكية، وقد شكل مصدراً مهماً للكتّاب والمؤرخين اللاحقين ومنهم اسطفانوس البيزنطي ويوحنا ملالاس الأنطاكي وكذلك خطيب أنطاكية المشهور ليبانيوس Libanios الذي أشاد بماضي مدينته والأساطير المتعلقة بتأسيسها.
محمد الزين
مراجع للاستزادة: - Otto Seel, Realenzyklopädie der Altertumswissenschaft (RE XVIII,4 1949) s.v.Pausanias.
|
- المجلد : المجلد الثالث مشاركة :