البازيليك
بازيليك
Basilica - Basilique
البازيليك
ألكسندر كشيشيان
اشتُقت كلمة بازيليك Basilica اللاتينية من كلمة basilike stoa اليونانية، ومعناها «رواق ملكي معمّد» أو«قاعة الملك للمحاكمة». استخدم التعبير للدلالة على الصالات التجارية وقاعات المحاكم ثم الكنائس المسيحية أيضاً.
ظهرت البازيليكات إلى جانب الساحة العامة (فوروم forum) في المدن الهلنستية والرومانية في القرن 2ق.م. وكانت أهم الأبنية في المدن بعد المعابد لتجميل موقع الاجتماعات العامة، وكانت مفتوحة أمام الجميع. شيد رقيب الأبنية العامة كاتو M. Porcius Cato البازيليكا الأولى في روما عام 184ق.م. ثم بُنيت أجمل البازيليكات في عهود الأباطرة الرومان: تراجانوس وسبتيميوس سفيروس وقسطنطين الكبير.
كنيسة قرقبيزة - القرن الرابع الميلادي - منظور لبقايا الكنيسة الحالية |
كنيسة قرقبيزة - القرن الرابع الميلادي - رسم منظوري |
كانت تستخدم البازيليك مكاناً للاجتماعات العامة وقاعة قضاء ومركزاً مالياً وقاعات استقبال في القصور الملكية في الفترة ما قبل المسيحية.
كنيسة جوليانوس، براد - منظور لبقايا الكنيسة الحالية |
رسم منظوري لكنيسة جوليانوس وملحقاتها، براد |
وتُعدّ البازيليكا أحد إنجازات هندسة العمارة الرومانية الرئيسية، وهي قاعة مستطيلة واسعة تحوي بهواً مركزياً كبيراً محاطاً ببهو ضيق على كل طرف. كان البهو الأوسط أعلى كي تنير النوافذ في قمته داخل المبنى. وتستند الجدران إلى صفوف من الأعمدة. كان مسقط البازيليكا مستطيلاً متوازي الأضلاع لا يربو عرضه على نصف الطول أو ثلثه. يُشاد الرواقان المعمدان على الطرفين القصيرين، ويساوي عرضهما ارتفاع الأعمدة وثلث عرض البهو الأوسط الذي يساوي طوله ضعف عرضه و6 أضعاف الممشى المسقوف، وتُرك قسم منه حراً لولوج الضوء. الأعمدة المستطيلة ذات تيجان، وتسند القاعدة الناتئة سقف الممشيين المسقوفين. حوت البازيليكات –كقاعدة- حنية شبه دائرية بارزة على الطرف الأقصر من البناء في نهاية القاعة يجلس فوقها الحاكم في الوسط وعلى طرفيه القضاة وأمامهم طاولة كبيرة عليها كتب القانون لحل الخلافات المختلفة، وكان الخطباء بدورهم يقدمون خطاباتهم منها. وكانت الحنية تحوي تمثال إله أو ملك، وتخدم كمكبر للصوت. استُبدل كرسي القاضي أو الحاكم بعرش الأسقف الذي يترأس الطقوس الدينية محاطاً بالكهنة، وتحولت طاولة القانون إلى مذبح يوضع عليه الإنجيل.
الدير في براد |
كنيسة قلعة كالوطة |
الكنيسة البازيليكية
تطابقت بازيليكا الكنيسة مع بناء بازيليكا الفوروم أو الدور الخاصة في الفترة السرية والمبكرة للدعوة المسيحية، وبما أنَّ المسيحية توصف بأنها دين الأسرار لذلك كانت تقضي بفصل كامل بين المؤمن وغير المؤمن؛ مما أدى إلى إعادة النظر في هندسة العمارة الكنسية خارجياً وداخلياً. كانت العبادة والعظات تقام في بادئ الأمر في غرفة كبيرة من دار أحد الأغنياء المسيحيين domus ecclesia في فترة الاضطهاد. وعندما نما عدد المسيحيين اشتروا بيوتاً، وحولوها إلى دور عبادة مثل كنيسة-بيت دورا أوروبوس التي تقع قرب برج المدينة رقم 17.
كنيسة القرن الرابع في خراب شمس |
خراب شمس - كنيسة في أعلى الهضبة |
سمح الامبراطور قسطنطين بحرية عبادة المسيحيين في عام 313م بناء على «مرسوم ميلانو»، فظهرت بين القرنين 4 - 7م كنائس ذات بهو واحد و3 أبهاء وبازيليكات بـ 5 - 7 مماشٍ مشكلة بأعمدة أو ركائز، مقطعها مستطيل أو على شكل حرف T أو صليب مع الزمن. كانت الحنية في نهاية الأروقة المتجهة نحو الشرق دائماً تناسب جيداً خدمة المذبح، وتجاورها غرفتان: الشمالية لخدمة القداس، والجنوبية لحفظ صناديق ذخائر القديسين والشهداء المنقورة بشتى النقوش. وعوضاً من الرواق الذي يحيط بكامل محيط البازيليكا الرومانية؛ أُقيم ممشى على الطرف الأيمن والأيسر من الكنيسة. استُخدمت العقود على الطرف الغربي في بعض الأوقات في الممشيين الجانبيين، ولم يغامروا في بداية الأمر في تشييد سقف مائل فوق البهو الأوسط العريض جداً، بل تركوا عوارض السقف الخشبية غير مغطاة. ومن العناصر المعمارية الدخيلة على البازيليكا الرومانية البيما[ر] bema، وهي منصة تعلو قليلاً عن سوية البهو الأوسط وتبدأ منها الصلوات وخدمات القداس، ثم ينتقل الكاهن إلى الهيكل. لا توجد البيمات سوى في الكنائس الرعوية الكبيرة خلا بعض الأمثلة القليلة مثل (قرقبيزة).
وكانت البازيليكا المسيحية المبكرة تحوي الأقسام التالية:
(1) المدخل الرئيسي Propylaeum للفناء المقدس أكان معبداً أم كنيسة أم قصراً امبراطورياً.
(2) الباحة الأمامية للكنيسة Atrium، وكانت كقاعدة مغطاة بـ 4 أروقة معمدة.
(3) قاعة المدخل Narthex أو مدخل مسقوف أو رواق أو شرفة تسبق بهو الكنيسة.
(4) البهو Nave، الفسحة الواسعة المركزية التي تمتد من المدخل حتى الحنية في الكنائس الطولانية، ويُحاط ببهوين جانبيين عادة.
(5) الممشى الجانبي Aisles، يمتد موازياً لبهو الكنيسة، وينفصل عنها برواق مقنطر أو معمد.
(6) التقاطع، المساحة التي يتقاطع فيها Transept مع البهو.
الكنائس البازيليكية السورية
تطورت أبعاد الكنائس البازيليكية وتيجان أعمدتها وزخارف أبوابها ونوافذها في سورية حتى بدايات القرن 7م، وكانت الأعمدة إيونية أو دورية أو توسكانية بسيطة، فتحولت إلى كورنثية غنية بأوراق الخرشوف المائلة مع الريح في القرن 6 م. وتطورت النوافذ المستطيلة في القرن 4م، وأصبح أعلاها نصف دائري، وأُضيف إليها حزام تزييني مع حلقة دائرية تحوي صليباً في القرن 6م. وكان للكنائس القديمة مدخل أو مدخلان في واجهتها الجنوبية فقط، وزاد عدد أبوابها، وأصبح الباب الغربي هو الرئيسي في القرنين 5-6م. أما الأبراج الدائرية أو المربعة فقد بوشر باستخدامها بعد القرن 5م. ومن خصوصيات البازيليكات السورية أن البرجين اتحدا مع أصل البناء؛ وأضحيا جزءاً لا يتجزأ منه. شيد البرجان على طرفي المدخل الرئيسي عامة (كنيسة قلب لوزة) وفي بعض الكنائس الأخرى بني البرجان على جانبي الحنية (كنيسة الصليب المقدس في الرصافة). امتازت البازيليكا المسيحية في بداية عهدها برشاقة البناء وسموه، وكانت الأروقة المقنطرة بأعمدتها النحيلة التي تتجه نحو المذبح بهية الشكل. ازدان الجدار الخلفي للحنية بالفسيفساء. وكانت الجدران مزدانة في غالبية الأحيان بالفريسكات والأرضية مفروشة بالفسيفساء برموز النباتات والحيوانات والكتابات والأشكال الهندسية. وحوت بعض الكنائس درجاً يقود إلى الطابق الثاني (كنيسة ابن وردان).
كنيسة قلب لوزة - القرن الخامس الميلادي - رسم منظوري |
كنيسة قلب لوزة |
رسم منظوري لكنيسة سنخار |
الكنيسة الجنوبية في رويحة - القرن الخامس الميلادي - رسم منظوري |
كنيسة بيزوس في رويحة - القرن السادس الميلادي - منظور لبقايا الكنيسة الحالية |
كنيسة بيزوس في رويحة - القرن السادس الميلادي - رسم منظوري |
يُعدّ المنْوَر من أهم النواحي في البازيليكا، ويتشكل بسبب ارتفاع البهو الأوسط، ويحوي صفاً من النوافذ تسمح بالإنارة الطبيعية. وكانت أسقف الكنائس البازيليكية تُسند بجسور جملونية تغطيها قطع آجر من الخارج.
ويمكن التفريق بين نوعين من الكنائس البازيليكية: الكبيرة أو البطريركية (كاتدرائية القديس يوحنا لاتيران؛ وهي كاتدرائية البابا) والصغيرة وهي الأكثر عدداً.
هناك كنائس في سورية بمسقط مصلّب حول مثمن مركزي (كنيسة سمعان وازرع وبصرى) تعلوه قبة كانت خشبية غالباً أو من قرميد. وكانوا يلجؤون إلى 3 طرق للانتقال من المربع إلى القبة: (أ) القبة المشكلة من المثلثات pendentive في 4 زوايا المربع مباشرة ورأس المثلث إلى الأسفل من دون رقبة. (ب) تشكل القبة نوافذ للإنارة باستنادها إلى المثلثات الكروية في زاوية البناء مع رقبة فيها. (ج) يقسم كل ضلع من أضلاع المربع إلى 3 أقسام، وينشأ عمود صغير في نهاية كل ثلث من كل طرف، ويوصل بين كل عمودين متجاورين في ضلعين؛ فيتشكل قوس أو تجويف squinch ينشأ على المربع، عددها 4 تشكل فيما بينها شكلاً مثمن الأضلاع، ومنها يُنطلق إلى الشكل ذي 16 ضلعاً، ومنه إلى الدائرة؛ أي القبة.
محراب كنيسة قلعة سمعان |
الكنائس البازيليكية السورية ذات البهو الواحد
توجد فرضيات عديدة حول نشوء الكنائس البازيليكية ذات البهو الواحد والأبهاء الثلاثة، لكن فرضيتين هما السائدتان: (أ) احتمال نشوئها من الأبنية الوثنية السورية. (ب) احتمال نشوئها من الدور السكنية. شيدت هذه الكنائس بين القرنين 4-7م.
الكنائس البازيليكية ذات الأبهاء الثلاثة والحنية المستقيمة
تنتشر في سورية الشمالية بين أنطاكية وحلب وأفامية، ولبعضها (باتر وباقرحا الشرقية وداحس الغربية) قلعات أو أروقة (نارتكسات) على الجهة الغربية قبل المدخل الرئيسي، وكثافة هذه الكنائس أقل في الجنوب. تعود معظم هذه الكنائس ذات الحنية المستقيمة إلى القرن 6م، وكانت جميعها مسقوفة بالخشب خلا سقف الحنية الذي شيد بالألواح الحجرية المستوية.
الكنائس البازيليكية ذات الأبهاء الثلاثة والحنية الدائرية
تُصنف إلى 4 مجموعات بحسب مزايا مساقطها:
(1) كنائس تحوي غرفتين على جانبي الحنية، وهي الأكثر عدداً، وشيدت بين القرنين 4-7م.
(2) كنائس بازيليكية ذات حنية بارزة جداً لا تحوي غرفتين جانبيتين، وتقع في الجنوب السوري على نحو أساسي.
(3) كنائس ذات نارتكس على الجبهة الغربية.
(4) كنائس تحوي أروقة.
تنقسم جميع هذه المجموعات إلى قسمين من حيث مساقطها وفنها المعماري:
(أ) كنائس ذات أبهاء ثلاثة عن طريق صفين من الأعمدة الأسطوانية.
(ب) كنائس ذات أبهاء ثلاثة بمساعدة صفين من الركائز.
العناصر الفنية في الكنائس البازيليكية السورية ببهو واحد وأبهاء ثلاثة
تؤدي المداخل والأعمدة والأفاريز والنوافذ والتيجان والأقواس وسواها من العناصر الإنشائية دوراً محورياً في تشكيل هندسة الكنائس السورية المبكرة.
المداخل: يستحيل تعداد أشكالها المختلفة للتباين الشديد في تصاميمها وطريقة إنشائها. رغم ذلك؛ شيدت بقطعتين كاملتين من الحجر توضع فوقهما قطعة أخرى تشكل النجفة. يحيط المدخل شريط زخرفي نافر أو غائر جداً يمتد من الساكف إلى الحجرتين الجانبيتين، وينتهي أحياناً بزخرف قرن ثور مفتول. يلقى شكل الدوائر الثلاث انتشاراً كبيراً على النجفات، تحوي الدائرة الوسطى غالباً صليباً متساوي الأضلاع محاطاً بزخارف نباتية وهندسية وحيوانية وكتابات يونانية أو سريانية.
كنيسة كفير - رسم منظوري |
كنيسة بول ومويس في دار قيتا - رسم منظوري |
النوافذ: تؤدي دوراً كبيراً لإنارة داخل الكنيسة، وهذا هو السبب الرئيسي لوجود العدد الكبير منها على جبهات الكنائس. وخلا ذلك كان ترتيبها لغايات تصميمية وفنية أيضاً، ومن الملاحظ أن عددها متساوٍ على الجبهتين الشمالية والجنوبية.
الأعمدة والركائز: لها دور حيوي بسبب شكلها وأنواع تيجانها العديدة في سورية كالدورية والإيوانية والتوسكانية والكورنثية، وتأتي جميعها محوّرة، وتحمل روح الفن الهيلّيني والشرقي كتصميم سوري خاص. وهناك بعض البازيليكات استخدمت أكثر من نظام واحد من التيجان على أعمدتها الداخلية (كنيسة المشبّك).
الأقواس: تستند إلى ركائز مستطيلة أو مصلبة الشكل في الكنائس ذات الأبهاء الثلاثة، وتتطابق تيجانها مع أشكال الركائز من حيث تصاميمها وقياساتها.
مراجع للاستزادة: - م.م. شاهي تير- كيفوركيان، علاقات هندسة العمارة المسيحية المبكرة بين أرمينيا وسوريا (رسالة دكتوراه – 1975م). ترجمة د. ألكسندر كشيشيان إلى العربية (مطبعة مطرانية الأرمن الأرثوذكس، حلب 2002م). - الموسوعة الأرمنية السوفييتية الكبيرة، المجلد 3. |
- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد الثالث مشاركة :