بازرباشي (جامع)
-

البازرباشي (جامع -)

فاطمة السليطي

 

يقع جامع البازرباشي في واحد من أقدم الأسواق الأثرية الموجودة بمدينة حمص والذي أخذ اسمه منه؛ في بقعة اقتصادية مهمة تموج بالحركة التجارية، فبالقرب منه ساحة عُرفت بسوق البازرباشي (سوق النسوان)؛ وبجواره سوق لبيع أدوات الزينة والحُلي وسوق لبيع الأقمشة والملابس يُعرف بسوق البالة، وغير بعيد عن الجامع يوجد حمام يُعرف بحمام باشا.

وكلمة البازرباشي تركية الأصل، وتعني رئيس السوق أو شيخ السوق. وتشير اللوحة التأسيسية الموجودة على باب المدخل الرئيسي للمسجد أو تلك الموجودة على باب الحرم إلى أن باني هذا المسجد هو أحمد بن الحاج عبد اللطيف سنة 1154هـ/1741م، ويبدو أن فترة بنائه استغرقت نحو أربع سنوات، حيث تذكر إحدى اللوحات الموجودة على إيوان المسجد أنه تم الانتهاء من بناء الإيوان سنة 1158هـ/1745م، وهذا يعني أن بناء المسجد تم في العصر العثماني متأثراً بالطراز المملوكي.

جامع البازرباشي

وصف الجامع:

أول ما يُلاحظ عند استقبال المدخل الرئيسي للجامع هي تلك الواجهة البديعة التي بُنيت من الأحجار وتعاقب فيها اللونان الأبيض والأسود. يقع المدخل الرئيسي ذو العقد المدبب للجامع في مواجهة سوق البازرباشي، وهناك مدخل آخر للجامع بأحد المباني الملحقة بالمسجد. ويعلو الباب الرئيسي للجامع حجر أثري نُقش عليه بخط الثلث البديع نص مكوّن من أربعة أسطر، ورد في مضمونه البسملة والشهادة واسم الباني وتاريخ البناء على النحو الآتي:

«بسم الله الرحمن الرحيم: اللهم إنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل على نبيك المرسل.. إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وأنت خير مأمون وأنا أودعت في هذا المكان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله نطلبها منك حين حاجتي إليها وأنا الفقير.... فكتب فيه إلى الله تعالى أحمد بن الحج عبد اللطيف غفر الله لهما وذلك في غرة ذي الحجة سنة 1154».

وقد أُقيم فوق هذا الباب شريط زخرفي استخدمت المواد الجصية في صناعته، حيث زُخرفت واجهة المدخل ببعض الزخارف الهندسية، ويضم الباب الرئيسي ذو العقد الوتري صنجات مزررة. وقد كتب على باب المدخل للمبنى الملحق بالجامع العبارات السابقة نفسها التي نقشت على الباب الرئيسي؛ وإن اختلفت عن الكتابات السابقة في كونها جاءت في نحو ثلاثة عشر سطراً. ويفضي المدخل الرئيسي إلى دهليز بعقد طولي برميلي يؤدي إلى صحن الجامع الذي يتألف من مصلى صيفي له قناطر وسقف مقبب يتصل بمصلى يعلو عمّا يجاوره. وقد ثُبّت إلى القسم العلوي المتجه إلى الجنوب تزيينات حديدية بديعة يرجع تاريخها إلى أوائل القرن الماضي وربما أبعد من ذلك.

وفي الجهة الشرقية من هذا الصحن طابقان وغرف كبيرة الحجم؛ يعرف هذا الجزء بغرف التكية، وقد تعرض هذا الجزء للهدم. وفي شمالي الصحن رواق مؤلف من أربع أقواس غير متناظرة، في حين يتصل حرم المسجد بالجهة الجنوبية.

يقع في الجزء الجنوبي للصحن ضريح باني المسجد أحمد بن الحاج عبد اللطيف وابنته سعدية، وقد أُرِّخ ضريح ابنته بسنة 1174هـ/1760م، ونقش عليه بعض الأبيات الشعرية، مدوّنة بخط الثلث الجميل، وإن أُهمل عند النقش بعض النقاط والحروف، وهي مؤلفة من نصّين، يتألف كل منهما من ثلاثة أبيات من الشعر، جاء في النص الأول:

«بسم الله الرحمن الرحيم

كانت نزيله هذا الرمز جوهرة

يتيمة صاغها المولى من النطف

عزت فلم تدرك الافكار قيمتها

فردها غيره منه الى الصدف

محفوظة بالرضى ان نؤرخها

ايها الكريم الجميل المستعان».

وجاء في النص الثاني:

«بسم الله الرحمن الرحيم

حلية القدر في ذا الرمس ساكنة

زكية الاصل مولاها تولاها

يوم الخميس تحت الثرى نزلت

هذا ايها ففي الجنات مثواها

خليل عنه بذي التاريخ طيبة

سعدية المجد في الفردوس مأواها».

ويقع في الجهة الجنوبية للصحن الحرم الرئيسي للمسجد، وتبلغ مساحته نحو 183.30م2. وهناك حرم آخر للمسجد أصغر من السابق تبلغ مساحته نحو 98م2، وتشبه أحجار واجهة الحرم الكبير مثيلاتها في واجهة الباب الرئيسي للجامع. وجدران الحرم سميكة تصل إلى نحو المتر، وقد زُيّن بابه بشريط زخرفي صُنع من الجص، قوام زخارفه نباتي فهي وريقات ووردات ذات ثماني أوراق. وثمة لوحة جصِّية تأسيسية نُقشت على واجهة باب الحرم، وقد تعرضت للتلف مما صعَّبَ قراءتها، وهي مؤلفة من بيتين من الشعر هما:

«بنانى احمد من بعد الف

واربعة وخمسين وماية

جزاه الله عني كل خير

بلا زمن يحدد لا نهاية».

وتحت هذين البيتين كتابة بخط صغير جاء فيها:

«الله حق ما فيه شك رب الخلق».

في داخل حرم المسجد منبر حجري بديع الصنع، يُعد من المنابر المهمة تاريخياً، حيث تم زخرفة أجزائه بالرخام، ويرجع تاريخه إلى العصر العثماني. وثمة هيكل لمئذنة يظهر على يمين باب الجامع الرئيسي، يبدو من بقاياها أنها كانت ثُمانية الشكل، وقد تعرضت للهدم. وبالرجوع إلى الصورة القديمة للمئذنة يتبين أنها كانت مبنية من مداميك الحجر الكلسي ومزينة بمدماك علوي من الحجر البازلتي الأسود، ولها شرفة مثمنة بارزة عن جذعها بوساطة مقرنصات حجرية بديعة. وللشرفة درابزين خشبي وأعمدة خشبية في زواياها الثماني، تحمل مظلة بارزة عنها.

ويلحق بالمبنى الأصلي للجامع مبنى يتألف من إيوان ذي جناحين تتقدمه قوس، بُني بحجارة بيضاء وسوداء متناوبة، ويعود تاريخ البناء إلى سنة 1158هـ/1745م. والجناح الأيمن مفتوح على الإيوان الأوسط بقوس مدببة، وسقفه جاء بقبوة متقاطعة، بيد أن الجناح الأيسر من هذا المبنى هُدم واستعيض عنه ببناء حديث، ويبدو أنه كان هناك إيوان آخر مثل سابقه. وتتصل القبة مع الإيوان الأوسط، وتعلو رقبتها عن سطح العقود المتصلة بالأواوين، وتنتهي تلك القبة عن يمينها ويسارها بقبوة متقاطعة سطحها منخفض. يؤدي الجانب الأيمن من الإيوان إلى صحن الجامع والجانب الأيسر كان جزء منه يستخدم بغرض السكن.

مراجع للاستزادة:

- عبدالقادر الريحاوي، العمارة العربية الإسلامية خصائصها وأثارها في سورية (دار البشائر، ١٩٩٩م).

- محمد فيصل شيخاني، حمص عبر التاريخ، معلمات وأعلام (وزارة الثقافة السورية، دمشق ٢٠١١م).


- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد الثالث مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق