بارثيون
Parthes -

البارث‍يون

محمود فرعون

 

لا يعرف بوجه التأكيد أصل البارثيين Parthians الأوائل، وتشير أزياؤهم وعاداتهم وبقايا لغتهم إلى أنهم كانوا من القبائل البدوية الهندو- آرية، وينتمون إلى القبيلة المسماة باسم بارني Parni، وهم بدو من مجموعة قبائل اسكيثية واسعة اسمها داهي Dahae، كانت تعيش حياة بدوية في السهوب الواقعة بين بحر قزوين وبحر أورال، واشتهروا بالفروسية والحرب، وبعد ترحال طويل استقروا في إقليم بارثيا Parthia (خراسان) جنوب شرق بحر قزوين، وقد نجحوا في التخلص من السيطرة السلوقية خلال القرن الثالث قبل الميلاد، وأقاموا حكماً محلياً بزعامة أرشاق (Arsaces)- زعيم إحدى قبائلهم- الذي أسس سلالة ملكية حاكمة عرفت باسم الأرشاقية، حكمت ما يقرب من خمسة قرون.

إن البداية التاريخية لهذه السلالة غامضة، والمعلومات التاريخية عن هذه المملكة قليلة، وهي تشير إلى أن أرشاق استغل انشغال الملك السلوقي أنطيوخوس الثاني[ر] II Antiochus بحروبه ضد معارضيه في آسيا وأعلن استقلاله عن الدولة السلوقية (249-247ق.م).

وأدت المكاسب التي حققها أرشاق إلى تأسيس مملكة، وزادت شهرته حتى سمي أغلب الملوك الذين تلوه باسم أرشاق.

دراخما أرشاق الأول (247 - 211 ق.م)
 نُقش عليها اسمه بحروف إغريقية

 بقي البارثيون من زمن أرشاق لمدة مئة سنة مجرد زعماء قبائل للدولة البارثية، حتى جاء ميثراداتيس الأول Mithradates ر(171-138ق.م)- وهو الملك الخامس منهم- فأخضع القبائل البارثية وغيرها بحد السيف، وسيطر على أذربيجان وميديا وبابل وأجزاء من بلاد الرافدين فوصلت حدوده الغربية حتى نهر الفرات، وتشكلت المملكة من نوعين من الولايات:

- النوع الأول: الولايات التي يحكمها حكام بارثيون، وهي ولايات تحت سيطرة الملك مباشرة.

- النوع الثاني: الولايات التي يحكمها ملوك من غير البارثيين تابعين للملك البارثي، وكانت العلاقة بينهم وبين الملك إتاوة معينة يقدمونها سنوياً.

امتدت المملكة البارثية من الهند شرقاً إلى الفرات غرباً، وتميزت بأن السلطة المركزية كانت ضعيفة؛ لأن الأسر الأرستقراطية الإقطاعية الكبيرة كانت تتحكم باختيار الملك وتتوارث أهم المناصب، وتمتعت بعض الولايات باستقلال ذاتي مع تبعيتها لميثرداتيس الأول الذي سمي بملك الملوك.

تعزّزت السيادة البارثية في عهد ميثرداتيس الثاني (123 - 88ق.م) فتدخل في أرمينيا ونصَّب أحد أتباعه ديكران ملكاً عليها. وفي أواخر عهد ميثرداتس الثاني شهدت المملكة مرحلة ضعف فاستغل ذلك ديكران (95 - 55ق.م) وسيطر على أذربيجان، غير أن البارثيين استعادوا قوتهم في عهد فراط/ فرآتس الثالث  Phraatesر(70-58ق.م)، وتحالفوا مع الرومان ضد ديكران وهزموه؛ ولكن تحالفهم مع الرومان لم يدم طويلاً بسبب الخلاف حول مناطق النفوذ، ودارت رحى معركة بين الطرفين قرب حرّان (53ق.م) انتهت بهزيمة الجيش الروماني.

ثم مرت المملكة البارثية في المرحلة التالية بحالة اضطراب وضعف؛ سببها الصراع داخل السلالة الحاكمة، وانعكس ذلك في كثرة تبدّل الملوك؛ وتعرض الحدود الشرقية لاعتداءات؛ واستقلال بعض المناطق.

ومع بداية القرن الثاني الميلادي بدأ تراجانوس[ر] Trajanns ر(98-117م) حملته على الأراضي البارثية، فاجتاح بابل وسلوقية دجلة ووصل إلى العاصمة طيسفون من دون مقاومة، ثم تابع سيره جنوباً حتى وصل إلى الخليج. وبينما كان يحلم بالوصول إلى الهند وصلته أخبار من الشمال عن استعادة الملك الفرثي كل المدن التي أخضعها الرومان؛ عندها أسرع تراجان بالانسحاب؛ ومات أثناء عودته؛ وفيما بعد تنازل خليفته هادريانوس[ر] Hadrianus  ر(117-138م) عن تلك الأقاليم.

وبعد مرور خمسين عاماً على هذه الأحداث تجددت الحرب؛ إذ غزا القائد الروماني كاسيوس Cassius العاصمة البارثية طيسفون؛ وكان مرسلاً من قبل الامبراطور الروماني ماركوس أوريليوس Marcus Aurelius، ثم تكررت المنازعات بين الطرفين، ففي عام 198م دمّر الامبراطور سبتيميوس سيفيروس[ر] Septimius Severus مدينة طيسفون، وتوغلت قواته في بلاد بابل. وفي العام التالي عُقدت بين الطرفين معاهدة سلام، وتابع من بعده الامبراطور كاراكلا[ر] Caracalla الهجوم على الأقاليم البارثية حتى قتل عام 217م.

وكانت آخر الحروب البارثية الرومانية الحرب التي قامت في عهد آرطبان/ أرتبانوس الرابع ArtabanusIV والامبراطور الروماني مكرينوس Macrinus ر(217-218م)؛ إذ خاض الطرفان معركة كبيرة قرب نصيبين انتهت بمعاهدة صلح بين الطرفين، أعاد فيها الرومان كل ما أخذوه من غنائم وأسرى إلى البارثيين، وعاد نهر الفرات ليكون الحد الفاصل بين الطرفين.

وهكذا أخفق الرومان- بعد محاولات دامت قرابة قرنين ونصف- في جعل إيران ولاية من ولاياتهم أو تابعة لهم. وتعد هذه الحروب أحد العوامل التي أدت إلى إضعاف الدولة البارثية وسقوطها عام 224م على يد أزدشير الأول مؤسس الأسرة الساسانية.

تنوعت المعتقدات الدينية في الفترة البارثية، وتدل المعلومات القليلة على استمرار وجود العبادات القديمة المتمثلة بعبادة آلهة الطبيعة على اختلاف أشكالها؛ وعلى انتشار الزرادشتية انتشاراً واسعاً، ولا توجد دلائل توضح فيما إذا كانت الزرادشتية هي الدين الرسمي للبارثيين، فقد وجدت أديان أخرى مثل البوذية والمسيحية واليهودية، وتمتع أتباع هذه الديانات بحرية المعتقد وممارسة طقوسهم من دون خوف، غير أن ذلك لا ينفي أن بعض الملوك البارثيين كانوا على الدين الزرادشتي، وشجعوا بناء معابد النار وحافظوا عليها مشتعلة.

انتشرت الآثار المعمارية البارثية في الشرق من آي خانم، وسرخ، ونسا، لتشمل وسط إيران وغربيها، وتجلت آثارهم في المدن التي سكنوها، فكانت أول عاصمة لهم هيكاتومبوليس الواقعة في خراسان، ثم انتقلت إلى أكبتان (همذان) في ميديا، ثم أصبحت طيسفون على نهر دجلة، كما عثر على عدد من المعابد البارثية منها:

- معبد في موقع تخت سليمان في أذربيجان.

- معبدان في سلوقية دجلة ومعبد في دورا أوروبوس[ر].

- ثلاثة معابد في الوركاء[ر] ومعبد في نيبور وآخر في الحضر.

كما عثر على مجموعة من النقود والمسكوكات البارثية.

ويمكن القول إن الدولة البارثية (247ق.م- 224م) شغلت دوراً مهماً في التطور التاريخي والحضاري للهضبة الإيرانية؛ إذ ساهمت في الحفاظ على الشخصية الحضارية المستقلة للمنطقة؛ على الرغم من تأثرها بملامح الحضارات التي سبقتها الهلنستية والبابلية والآشورية القديمة.

مراجع للاستزادة:

- حسن بيرنيا، تاريخ إيران القديم من البداية حتى نهاية العهد الساساني، ترجمة محمد نور الدين عبد المنعم وآخرين (دار الثقافة، القاهرة 1992م).

- محمود فرعون أرواد العلان، دراسات في تاريخ فارس وحضارتها حتى الفتح العربي (جامعة دمشق، 2012).

- G. Rawlinson, The seven great monarchies of the ancient Eastern World, A History of Parthia. the sixth monarchy, (Oxford, 2005).


- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد الثالث مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق