باب الرحمة (مقبرة-)
باب رحمه (مقبره)
-
باب الرحمة (مقبرة -)
غزوان ياغي
تُعدُّ مقبرة باب الرحمة من الأماكن ذات القيمة التاريخية والأثرية المرتبطة بالتاريخ الإسلامي لمدينة القدس، حيث تضم بين جنباتها قبور العديد من الصحابة والمجاهدين الذين ساهموا في فتح القدس سواء على يد الخليفة عمر بن الخطاب من البيزنطيين أم على يد السلطان صلاح الدين الأيوبي من الصليبيِّين، حيث تحتوي على العديد من التراكيب الضريحية والشواهد الحجرية الأثرية، وتحتل مساحة كبيرة تمتد خارج السور الشرقي لمدينة القدس القديمة ملاصقة لأحد أكبر أبواب السور الشرقي للحرم القدسي الشريف [ر]، وهو «باب الرحمة» الذي يُعدّ أيضاً جزءاً من السور الشرقي لمدينة القدس القديمة، حيث بُني السور على الطرف العلوي من الهضبة الطبيعية، في حين تحتل مقبرة باب الرحمة كامل الجزء المتحدر منها وهي مطلة على ما يسمى «وادي جهنم» أو «قدرون».
باب الرحمة |
القبور ضمن المقبرة |
وباب الرحمة قديم يعود إلى العصر الأموي (41–132هـ/661–750م) الذي شهد مرحلة الإعمار الأولى للحرم القدسي، وربما سبق بناء قبة السلسلة في تاريخ إعماره وبنائه، ويتألف من بوابتين: الرحمة في الطرف الجنوبي والتوبة في الطرف الشمالي، يفصل بينهما عمود حجري كبير، ويعلو كلاً منهما عقد نصف دائري مزين بزخارف حجرية بارزة، يستند الطرف الخارجي لكل منهما إلى تاج كبير يحمل زخارف متشابهة لزخارف العقدين اللذين يحملان الكتلة العليا للباب المشغول بعدد من الجامات الحجرية البارزة التي يتوسطها صدر دائري غائر وعلى جانبيه مستطيلان غائران محاط كل منهما بإفريز (جفت) حجري عريض.
ضريح ضمن المقبرة |
المقبرة وتظهر خلفها قبة الصخرة |
ويُرجح أن تسمية المقبرة والباب بهذا الاسم «الرحمة» يرتبط بسورة الحديد- الآية 13: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾، حيث قيل في تفسير هذه الآية أن السور هو سور مدينة القدس، والباب هو باب الرحمة الذي يقع خلفه أي جهة الشرق من وادي جهنم (قدرون) كما أورد ابن عباس وابن جرير وغيرهما.
صورة جوية للمقبرة |
وقد ظل باب الرحمة مستخدماً يتوصل منه مباشرة إلى المقبرة حتى أواخر القرن 6هـ/12م، وقد أغلقه السلطان صلاح الدين الأيوبي بعد تحريره مدينة القدس في 583هـ/ 1187م.
قبر الصحابي عبادة بن الصامت ضمن المقبرة |
تبلغ مساحة مقبرة باب الرحمة 33 دنماً، تمتد شمالاً من باب الأسباط الواقع بالشمال الشرقي لسور مدينة القدس، حتى نهاية جدار الحرم القدسي الشريف بالقرب من القصور الأموية من الجهة الجنوبية الشرقية، تحتوي على رفات الصحابيَّين الجليلين عبادة بن الصامت وشداد ابن أوس، إضافة إلى مئات القبور والأضرحة التي تضم عدداً من علماء مدينة القدس والشهداء الأبرار حيث قال الشاعر:
السور وعند أسفله المقبرة |
يمم مقام عبادة بن الصامت
والشهم شدّاد بباب الرحمة
فهما الإمـامــــان اللذان تفيأا
من صحبة المختار أبلغ دوحة
فإذا وصلت إلى الحمى فانزل به
متأدباً و أجرِ سواكب عبرة
ظلت هذه المقبرة التي يزيد عمرها على 1400 سنة محط أنظار سلطات الاحتلال الإسرائيلي؛ ففي سنة 1967م حاول موشيه ديان فتح باب الرحمة إلا أنه أخفق، وفي سنة 2002م كاد الصهاينة أن ينجحوا بحفر نفق من قبر المولوية الواقع بمقبرة باب الرحمة بهدف الوصول عبره إلى داخل الحرم القدسي الشريف، فأُحبطت محاولتهم هذه أيضاً. وفي سنة 2005م أعلنت قوات الاحتلال مقبرة باب الرحمة متنزهاً عاماً، وأصدرت سنة 2008م قراراً بمنع المقدسيين من دفن موتاهم في جزء من هذه المقبرة، ثم قامت جرافاتهم باحتلال هذا الجزء من المقبرة فاقتلعت العديد من قبورها التاريخية ودمرتها، وغطت المكان بالرمل الأحمر، وحوّلته إلى حديقة توراتية.
وعلى الرغم من ذلك فما زالت مقبرة الرحمة رمزاً مهماً من الرموز الإسلامية لمدينة القدس، وما زالت تحتفظ بالكثير من الأضرحة الأثرية للصحابة وكبار الأعلام المسلمين، وهي تعاني ما يعانيه الحرم القدسي الشريف من خطر التهويد.
مراجع للاستزادة: - رائف نجم وآخرون، كنوز القدس (طبعة إيطالية، 1983م). - كريزول، الآثار الإسلامية الأولى، ترجمة عبد الهادي عبلة وغسان سبانو (دار قتيبة، دمشق 1940م). -K. J. Asali, Jerusalem in History (England 1989). |
- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد الثالث مشاركة :