اناضول في عصور كلاسيكيه
Anatolia -

الأناضول (بلاد -)

الأناضول في العصور الكلاسيكية

باسل زينو

 

تمكن الملك الفارسي قوروش [ر] Cyrus في سنة 546ق.م من هزيمة كرويسوس لتخضع الأناضول وثرواتها للإخمينيين. وفي القرن الرابع ق.م وتحديداً سنة 334ق.م بدأ العصر الهلنستي Hellenistic Age في الأناضول مع وصول الملك المقدوني الإسكندر الكبير [ر] Alexander the Great إلى طروادة، حيث تابع غزوه للمناطق والمدن الخاضعة للسيطرة الأخمينية، موحداً الإغريق على جانبي بحر إيجة. وبعد انتصاره الكبير والحاسم على داريوس الثالث Darius III في معركة إيسوس [ر] Issus - بالقرب من إسكندرونة حالياً- خضعت الأناضول كلها للسيطرة المقدونية. وبعد موت الإسكندر سنة 323ق.م انقسمت امبراطوريته إلى أربع ممالك حُكمت من قبل خلفائه (الديادوخي Diadochi)، وظهرت الممالك الهلنستية التي كان لكلٍ منها سلالتها الملكية ومسكوكاتها ومنحوتاتها. وحكم السلوقيون شمال جبال طوروس Taurus، في حين تركّز حكم ليسيماخوس Lysimachus في تراقية، ونافس السلوقيين في السيطرة على الأناضول حتى هزيمته ومصرعه على يد سلوقس الأول نيكاتور في معركة كوروبيديون Korupedion سنة 281ق.م. وفي جنوب طوروس خضعت ليكيا وبامفيلية للبطالمة الذين كانوا يحكمون مصر. وقد بقيت المستعمرات الإغريقية الواقعة على الساحل الإيجي حرةً اسمياً، كما حافظت ممالك بونتوس Pontus، وكبادوكيا، وبيثينيا على استقلالها. ومع بداية القرن الثالث نحو سنة 280ق.م ظهرت مملكة شبه مستقلة في الغرب، حُكمت من قبل أسرة الأتاليين المحلية Attalid Dynasty، وهي مملكة برغامون (برغامة) Pergamon. وفي سنة 278ق.م قامت قبائل الغلاطيين Galatians (الغال أو الكلتيين) القادمة من أوربا بغزو الأناضول، وتمكنت في غضون عشر سنواتٍ من السيطرة على عدد من المقاطعات وجني ثروة عن طريق النهب أو ابتزاز الأموال من المدن بحجة الحماية. وفي منتصف القرن الثالث ق.م تمكن ملك برغامة أتالوس الأول Attalus I من هزيمة الغلاطيين وحلفائهم البيثينيين هزيمةً ساحقة؛ وانكفأ أغلب الغلاطيين إلى فريجية التي أصبحت تُعرف بغلاطية.

شهدت الأناضول خلال العصر الهلنستي تأسيس مدنٍ جديدة وإعادة بناء وتنظيم أخرى، ففي طروادة أوعز الإسكندر الكبير بإعادة بناء إليوم Ilyum، التي طغت على أهميتها لاحقاً مدينة إسكندرية طروادة. وأسست مدن كومي Cyme وميرينة Myrina وغرينيوم Gryneum وإلية Elea (مرفأ برغامون). وكان لجميع المدن الجديدة مخطط موحد يُدعى بـ "المخطط الهيبودامي" نسبةً إلى المهندس الشهير هيبوداموس الملطي Hippodamus of Miletus. وقد سيطرت كل مدينة على المنطقة المحيطة بها بمزارعها، وقراها، ومعابدها، وعقاراتها.

بدأ النفوذ الروماني بالتزايد منذ سنة 200ق.م، وخاصةً بعد هزيمة الملك السلوقي أنطيوخوس [ر] الثالث (223-187ق.م) في معركة ماغنيزية على نهر سيبيلوم Magnesia ad Sipylum في سنة 189ق.م. ومع بداية القرن الأول ق.م تمكن القائد الروماني بومبيوس [ر] Pompey من إخضاع بقية الممالك الهلنستية وتحويلها إلى دويلاتٍ تابعة لروما. وتمكن أغسطس [ر] Augustus (31 ق.م -14م) من إلحاق معظم الأناضول بروما، وقد شهدت المنطقة في عهده تغيراتٍ ملموسة تمثلت بتزايد المؤسسات المدنية، والوجود العسكري الدائم، والتغيرات الجذرية التي طرأت على أنماط ملكية الأراضي. ولكنّ التأثير الهلنستي بقي مؤثراً بقوة في ثقافة المنطقة، فعلى الرغم من أنّ اللغة اللاتينية كانت اللغة الرسمية في الامبراطورية الرومانية بقيت اليونانية لغة الثقافة والتعليم واللغة التي كتبت بها معظم التكريسات والنقوش النذرية.

مسرح مدينة برغامون القديمة التي تأسست في العصر الهلنستي

قُسِّمت الأناضول من سنة 25ق.م حتى سنة 235م إلى خمس مقاطعاتٍ رئيسية هي: آسيا وبيثينيا وبونتوس وغلاطيا وكبادوكيا، وكان نهر الفرات يمثل الحدود الشرقية للمنطقة. مع نهاية عهد الأباطرة من العائلة اليوليوكلودية Julio-Claudian سنة 68 تأسست شبكة من المدن في وسط الأناضول لأول مرة؛ وبعد ذلك التاريخ وطوال قرنين من الزمن ازدادت مساحة المدن الأناضولية وأهميتها لتغدو من أغنى مدن الامبراطورية الرومانية. مع نهاية القرن الأول الميلادي شيّد الامبراطور ڤسباسيانوس [ر] Vespasianus (69-79م) شبكةً من الطرق المرصوفة قطعت شبه الجزيرة الأناضولية لأغراضٍ عسكريةٍ، وقد بقيت هذه الطرق حتى القرن الرابع الميلادي وسهلت التجارة والتنقل بين المناطق. على صعيد العمارة شهدت المدن الرومانية استمراراً للتقاليد الهلنستية فيما يتعلق بتخطيط المدن، لكن الرومان أولوا اهتماماً أكبر بالأبنية المدنية من الأبنية الدينية. وتقدّم مدينة ساغالاسوس Sagalassos نموذجاً للتحسينات الرومانية على المدن مع إضافة المداخل الضخمة إلى الأغورتين Agora في عهدي الامبراطورين تيبريوس [ر] Tiberius (14-37م) وكلاوديوس [ر] Claudius (41-54م)، ومعبد أبولو كلاريوس Apollo Clarius المُشيّد في عهد أغسطس على الأرجح، وبناء أقواس النصر التي ترمز إلى الحكم الروماني.

وفي عهد الأسرة السڤيرية Severan Dynasty (193-235م) وصلت العمارة في المدن الرومانية الأناضولية إلى ذروتها، كما بلغت شبكة المدن أقصى اتساع جغرافي.

في منتصف القرن الثالث الميلادي انهارت حدود الامبراطورية الرومانية في الأناضول جرّاء هجمات القوط Gothics من الشمال والساسانيين الفرس Sassanians من الشرق والتدمريين من الجنوب. فأحيطت المدن على امتداد الأناضول بتحصيناتٍ شُيّدت على عَجَل. وقام الامبراطور ديوقلسيانوس [ر] Diocletian - الذي حكم من نيكوميدية Nicomedia (284-305م) - بإجراء تغييراتٍ إداريةٍ جذرية فأوجد مقاطعاتٍ أصغر، وحصّن الحدود وأقام كتائب عسكرية في المدن وبالقرب منها.

وقد شهدت منطقة الأناضول تغيراً حاسماً منذ القرن الأول للميلاد على الصعيد الديني مع دخول المسيحية إلى الأناضول عن طريق بولس الرسول. وبعد الاعتراف بالكنيسة المسيحية رسمياً في بداية القرن الرابع الميلادي تسارعت وتيرة بناء الكنائس على حساب المعابد الوثنية التي بدأت تفقد مكانتها أو تُحول إلى كنائس. وفي سنة 616م تمكن الملك الساساني خسرو الثاني [ر] Chosroes II من الاستيلاء على إنطاكية والقدس، ثم هاجم مدن الأناضول التي تدل دراسة المسكوكات فيها على توقف معظم ورشات السك عن ضرب النقود سنة (616/617م)، كما تظهر المكتشفات الأثرية تعرض هذه المدن للتدمير والحرق. ويسود تاريخَ وسط الأناضول خلال القرنين السابع والثامن الميلاديين الغموض، لكن التنقيبات الأثرية تُظهر إجراء إصلاحات وترميمات وعمليات توسيع لكنائس المنطقة.

 

- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد الثاني مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق