أنطونيوس
انطونيوس
Antonius - Antoine
أنطونيوس (ماركوس -)
محمد الزين
ماركوس أنطونيوس Marcus Antonius (واسمه بالإنكليزية مارك أنطونيMark Antony ) أحد كبار القادة العسكريين والسياسيين الرومان في أواخر العصر الجمهوري.
ولد عام 82 ق.م لأسرة رومانية عريقة، وكان الابن الأكبر لماركوس أنطونيوس (الذي تسمى باسمه) الملقب كريتكوس Creticus؛ نسبة لحملاته الحربية في جزيرة كريت، أما جده الذي حمل اسمه كذلك فتقلد القنصلية، ووصل إلى منصب المراقب (Censor)، وكان أحد أشهر الخطباء في عصره.
بعد شباب حافل باللهو والمجون بدأ أنطونيوس حياته العسكرية بوصفه قائداً للفرسان تحت إمرة والي سورية غابينيوس Gabinius (57- 55 ق.م)، ثم عمل تحت قيادة يوليوس قيصر [ر] Julius Caesar في بلاد الغال (فرنسا) والذي وجد فيه مثله الأعلى، ونذر نفسه للدفاع عن مصالحه السياسية عندما تقلد منصب محامي الشعب عام 49 ق.م، وكان من أخلص رجاله بعد اندلاع الحرب الأهلية مع خصومه الأرستقراطيين بزعامة بومبيوس [ر] Pompeius، وشارك في معركة فرسالوس (48ق.م) Pharsalos قائداً لفرسان قيصر التي انتهت بانتصاره، ثم صار بعد تسلمه زمام الأمور في روما ساعده الأيمن وزميله في القنصلية عام 44 ق.م. وبعد اغتيال قيصر أظهر مهارة كبيرة في مواجهة الأحداث، فسعى إلى التفاهم مع الخصوم السياسيين، ونجح في توطيد مركزه، وألقى خطاباً مؤثراً في جنازة قيصر عدد فيها مناقب الفقيد وأعماله العظيمة وتضحياته في سبيل شعبه وهول الجريمة التي سقط ضحيتها، فأثار مشاعر الجماهير الرومانية ضد قتلة قيصر الذين اضطروا إلى الفرار من روما والتوجه إلى الولايات الشرقية.
كان أنطونيوس يطمح في أن يكون وريث قيصر وخليفته، فسار على نهجه في تسلم ولاية بلاد الغال، ولكن ظهور أوكتافيوس Octavius (الامبراطور اللاحق أوغسطس) حفيد شقيقة قيصر ووريثه ونشاطه السياسي أدى إلى إضعاف مركزه كزعيم لأنصار قيصر. في بداية عام 43 ق.م خاض صراعاً مسلحاً مع ديكيموس بروتوس D. Brutus أحد قتلة قيصر الذي اعتصم في مدينة موتينا Mutina في شماليّ إيطاليا، فضرب أنطونيوس عليه الحصار فما كان من مجلس الشيوخ إلا أن أرسل جيشاً لنجدة بروتوس بقيادة القنصلين، وانضم إليهما أوكتافيوس بقواته؛ ولكن أنطونيوس تمكن من النجاة والتوجه إلى بلاد الغال حيث التحم مع أنصار قيصر وعلى رأسهم لبيدوس Lepidus. ثم دفع تطور الأحداث في الشرق أنصار قيصر إلى التفاهم وتوحيد قواهم، وهكذا التقى كل من أنطونيوس وأوكتافيوس ولبيدوس أواخر عام 43 ق.م في شمالي إيطاليا، واتفقوا على تحالف سياسي وعسكري فيما بينهم لمدة خمس سنوات عرف باسم الحكم الثلاثي الثاني , Triumviratus، ودخل الحكام الثلاثة روما، واستولوا على مقاليد الأمور، وبدؤوا بملاحقة خصومهم السياسيين. ومن أبرز الشخصيات التي سقطت في هذه الحملة الخطيب الشهير شيشرون [ر] Cicero الذي كان من ألد أعداء أنطونيوس. وبعد اكتمال استعداداتهم العسكرية انطلق أنطونيوس وأوكتافيانوس على رأس قواتهما إلى بلاد اليونان حيث جرت معركة فيليبي Philippi في خريف عام 42 ق.م، وكان لقيادة أنطونيوس ومواهبه العسكرية الفضل الأول في الانتصار على قتلة قيصر من أنصار الحزب الجمهوري الأرستقراطي، وعلى رأسهم ماركوس بروتوس M. Brutus وكاسيوس Cassius، واقتسم الحكام الثلاثة إدارة الامبراطورية، فكان الشرق من نصيب أنطونيوس الذي شرع في ترتيب أوضاعه بهدف توفير الأموال اللازمة لمكافأة جنوده المنتصرين، وكان هذا يعني مزيداً من المعاناة بالنسبة إلى الولايات الشرقية، وهي التي ابتزها الطرفان المتحاربان، وعانت الأمرّين من ويلات الحروب الأهلية الرومانية. وبعد أن قام بجولة واسعة في بلاد اليونان وآسيا الصغرى وصل إلى مدينة طرسوس Tarsos في كيليكيا حيث التقى ملكة مصر البطلمية كليوباترا السابعة [ر]Kleopatra، وارتبط مصيره بمصيرها حتى الممات منذ ذلك الحين، ثم توجه إلى سورية، ودخل عاصمتها أنطاكيا، واستمتع بأجواء ضاحيتها الشهيرة دفنا Daphna، وبدأ بتنظيم الأوضاع في سورية بهدف توفير الأموال وتأمين مؤخرته في الحرب التي ينوي القيام بها ضد البارثيين [ر]، وهكذا فقد طالب السكان بدفع مبالغ كبيرة مما أثار النقمة والتمرد كما حصل مثلاً في جزيرة أرواد التي رفضت تسليم شخص يدعى بطلميوس ادعى أنه أخ لكليوباترا، وأعدمت رسل الرومان الذين جاؤوا لطلب المال، وتقول إحدى الروايات: إن أحدهم أحرق حياً. وقد اشتهرت الغارة التي قام بها أنطونيوس على رأس قوة من الفرسان ضد مدينة تدمر [ر] بسبب موقفها الحيادي في الصراع مع البارثيين - كما ادعى- أما في الحقيقة فكان الطمع في ثروتها الأسطورية؛ ولكن أهلها هربوا بأموالهم إلى الصحراء، فعاد بخفي حنين. ولكن أنطونيوس من ناحية أخرى قام بمكافأة المدن التي وقفت ضد قتلة قيصر، ومنحها بعض المعونات والامتيازات، وعلى رأسها مدينة اللاذقية [ر] Laodicea التي عانت انتقام كاسيوس بسبب إيوائها دولابلا Dolabella أحد أنصار قيصر الذي عين والياً على سورية. كما أن أفاميا[ر] Apamea عادت إلى سك نقودها، وقد نالت مرتبة مدينة مقدسة تملك حق اللجوء بسبب معاناتها تحصن أحد أتباع بومبيوس فيها خلال الحرب الأهلية، ثم منحها أنطونيوس فيما بعد الحكم الذاتي.
وقبل أن يغادر سورية عيّن ديكيديوس ساكسا Decidius Saxa والياً عليها، ووضع تحت إمرته فرقتين من جنود كاسيوس السابقين كما أنه أبقى كلاً من هيروديس الأدومي [ر] Herodes وأخيه على فلسطين، وولى بطلميوس Ptolemaios الإيتوري على إمارة خلقيس في البقاع، وأبقى السلطة في منطقة حمص والرستن بيد الأمير العربي يمبليخوس Jamblichos. أما بقية الأمراء المحليين الذين عمد إلى طردهم؛ فقد التجأ معظمهم إلى البارثيين، وبعد ذلك انطلق إلى مصر لتمضية فصل الشتاء في الإسكندرية إلى جانب كليوباترا.
واستغل البارثيون هذه الأوضاع، وهاجموا سورية في ربيع عام 40 ق.م بقيادة باكوروس Pakoros ابن ملكهم والقائد الروماني لابينوس Labienus أحد أنصار الحكم الجمهوري الذي التجأ إليهم، وشجعهم على مهاجمة سورية. ويذكر المؤرخ ديو كاسيوس Dio Cassius في روايته لهذه الأحداث كيف أن كثيراً من المدن السورية انضمت إليه بسبب ما عانته من الحروب الأهلية الرومانية كما انضمت إليه معظم القوات الرومانية في سورية، مما أدّى إلى هزيمة واليها ساكسا الذي اضطر إلى الهرب ثم الانتحار، وتمكن لابينوس من دخول أفاميا وأنطاكيا، ثم تابع زحفه إلى آسيا الصغرى. أما باكوروس فتوجه جنوباً، وأخضع باقي المدن لسيطرته، وهكذا سقطت سورية - ما عدا مدينة صور- في أيدي البارثيين الذين حكموها على مدى عامين كاملين.
أما أنطونيوس فتوجه إلى مدينة صور حيث رتب الإجراءات اللازمة لمحاربة البارثيين؛ لأن الأحداث في إيطاليا وهزيمة أخيه وزوجته في صراعهما مع شريكه في الحكم أوكتافيانوس استدعت ذهابه إلى إيطاليا، وكادت تنشب الحرب بين الطرفين ولكنهما سويا خلافاتهما وعقدا اتفاق برنديزيوم Brundisiumالذي نال أنطونيوس بموجبه حكم الشرق الروماني، على حين احتفظ أوكتافيانوس بالولايات الغربية، وأعطيت ولاية شمالي إفريقيا للحليف الثالث لبيدوس، وتتويجاً لهذا الاتفاق تزوج أنطونيوس بأوكتافيه Octavia شقيقة أوكتافيانوس التي انطلق بها إلى الشرق حيث أمضى سنتين في أثينا، واحتفى به الأثينيون احتفاء كبيراً، وحيّوه تحية الإله ديونيسوس Dionysos، وعقدوا قرانه اسمياً على إلهة مدينتهم أثينا، وسكوا النقود التي حملت صورة أنطونيوس وزوجته بوصفهما إلهين محسنين للمدينة. وفي عام 37 ق.م تم تجديد اتفاق الحكم الثلاثي لخمس سنوات أخرى، وحصل أوكتافيانوس على 130 سفينة من أجل الحرب على بومبيوس الابن، ووعد بإرسال 20 ألف جندي إلى أنطونيوس من أجل الحرب على البارثيين.
أما عن الأحداث على سورية فإن فنتديوس باسوس Ventidius Bassus الذي أرسله أنطونيوس على رأس قوات كبيرة إليها تمكن من الانتصار على لابينوس وقتله، وهزم البارثيين في مضائق جبال الأمانوس في أواخر عام 39 ق.م، فانسحبوا إلى بلادهم ليعودوا في ربيع عام 38 ق.م بجيش كبير بقيادة باكوروس؛ ولكنه لقي هزيمة منكرة في معركة جنداروس Gindaros شمال شرقي أنطاكيا (في سهل العمق، بالقرب من عفرين)، وقتل وأبيد معظم قواته، وكانت تلك آخر محاولات البارثيين الكبيرة لبسط سيطرتهم على سورية والوصول إلى البحر المتوسط.
وبعد هذه الانتصارات عاد أنطونيوس في خريف عام 37 ق.م إلى سورية، وأرسل في طلب كليوباترا التي جاءته، وشاركت في المهرجانات التي أقيمت احتفاء بانتصاراته في الغرب، وقضت استعدادات الحرب ضد البارثيين تأمين مؤخرته وخطوط إمداده ورصد الأموال الكافية، فوجد أن ارتباطه بملكة مصر كفيل بتوفير كل هذا، وهكذا أعلن زواجه بكليوباترا على الرغم من أن أوكتافيه كانت ما تزال زوجته الشرعية، والقانون الروماني لا يبيح الزواج بأجنبية، ثم إن هذا الزواج أسبغ على أنطونيوس صفة ملكية لم تكن مستحبة عند الرومان؛ ولاسيما أنه اقترن بإهدائها جزيرة قبرص ومناطق واسعة من سورية كانت تشكل يوماً ما جزءاً من المملكة البطلمية مقابل الدعم الذي ستقدمه له.
وعندما اكتملت استعداداته الحربية بدأ أنطونيوس في ربيع 36 ق.م حملته ضد البارثيين، وذلك بمهاجمتهم عن طريق أرمينيا؛ ولكنّه بعد تقدمه السريع في هذه المناطق الجبلية انقطعت خطوط تموينه، واضطر مع قدوم فصل الشتاء وازدياد هجمات القوات البارثية إلى الانسحاب في ظروف قاسية متكبداً خسائر كبيرة .هكذا عاد إلى سورية منكسراً يجر أذيال الخيبة، وقد نال هذا الفشل من سمعة أنطونيوس العسكرية على نحو كبير.
وكان من أسباب هذا الفشل أيضاً أن أوكتافيانوس امتنع عن إرسال العشرين ألف جندي الموعودة كإسهام منه في هذه الحرب لقاء السفن التي قدمها له زميله في حربه ضد بومبيوس الابن، وبدلاً من ذلك أرسل فقط ألفي جندي مع أخته أوكتافيه، فاستاء أنطونيوس من نكثه بوعوده، وأمر زوجته بالعودة بهم من حيث أتت. وقد استفاد أنطونيوس من تجربته الخاسرة، فقام عام 34 قبل الميلاد باحتلال أرمينيا، واقتاد ملكها أسيراً إلى الإسكندرية حيث أعدم بعد موكب النصر الذي أقامه فيها بدلاً من روما، وجرى في احتفالات النصر هذه إعلان كليوباترا ملكة الملكات، وأعلنت مع ابنها قيصرون Caesarion ملكين على مصر، كما أعلن ابنه منها ملكاً على أرمينيا وميديا.
كان أنطونيوس يتصرف في ولايات الشرق وكأنه ملك غير متوج، فقام بضم عدد من المناطق إلى مملكة كليوباترا. على الرغم من أن هذا الإجراء لم يكن يتعارض مع تقاليد السياسة الرومانية، فقد استغله أوكتافيانوس ليظهر أنطونيوس بمظهر المفرّط بمصالح الشعب الروماني وعلى أنه خاضع لأهواء ملكة مصر. وقد لاقت هذه الدعاية نجاحاً كبيراً، وعملت على تشويه صورة أنطونيوس في أعين الرومان؛ ولاسيما بعد أن استولى أوكتافيانوس بالقوة على وصية أنطونيوس المودعة في معبد إلهة النار المقدسة ڤيستا Vesta والتي تضمنت اعترافه ببنوة قيصرون من يوليوس قيصر وإهداءاته إلى كليوباترا وأبنائها والتي يوصي فيها أيضاً بأن يدفن بالإسكندرية بدلاً من روما. ومع ذلك فقد كان له كثير من الأنصار في روما حتى إن القنصلين وعدداً كبيراً من أعضاء مجلس الشيوخ التحقوا بأنطونيوس في الشرق؛ ولكنهم استاؤوا من وجود كليوباترا في مجلسه، وطالبوا بإبعادها ولكنه رفض ذلك. وبعد الحرب الدعائية اندلع الصراع بين أنطونيوس وأوكتافيانوس على نحو سافر عام 32 ق.م، وبدأ كل منهما بحشد قواه للحرب المقبلة والتي جرت في غربي بلاد اليونان حيث التقت جيوش الطرفين وأساطيلهما في سبتمبر/ أيلول سنة 31 ق.م في معركة أكتيوم [ر] Actium البحرية التي تمكن فيها أغريبا Agrippa قائد أوكتافيانوس من إلحاق الهزيمة بأسطول أنطونيوس، وتمكنت كليوباترا من اختراق الحصار البحري المضروب حولهما والإبحار إلى الإسكندرية، ولحق بها أنطونيوس تاركاً جيشه بلا قائد والذي تمكن أوكتافيانوس من ضمه إلى قواته، وزحف على رأس جيش كبير نحو الإسكندرية التي حاصرها عام 30 ق.م، ولما أيقن أنطونيوس من عدم جدوى المقاومة وأن قضيته باتت خاسرة؛ أقدم على الانتحار، وفارق الحياة بين ذراعي كليوباترا التي لحقت به بعد أيام منتحرة أيضاً؛ كيلا تساق أسيرة ذليلة في موكب القائد المنتصر.
لقد كانت صورة أنطونيوس منذ القديم مثار جدل ونقاش، وتأثرت حياته بخطب شيشرون المسماة فيليبيات التي هجاه فيها بحرارة، وكذلك بدعاية غريمه أوكتافيانوس والشعراء والمؤرخين الذين يدورون في فلكه.كان بلا شك شخصية مؤثرة ومحبوبة، وكان يتحلى بالكرم والإخلاص والشجاعة، ويتمتع بمواهب عسكرية كبيرة؛ ولكنه لم يكن يملك رؤية استراتيجية وأهدافاً واضحة، وإنما كانت تصرفاته ردة فعل على الأحداث، وقد استخف بخصمه، ولم يدرك مواهبه السياسية وتصميمه على أهدافه، ولم يظهر الحزم المطلوب في التعامل معه مع أنه كان متفوقاً عليه في البداية سواء من الناحية العسكرية أم من الناحية الشعبية. وقد عدّه المؤرخ الإغريقي بلوتارخوس [ر] Plutarchosأحد مشاهير الرومان، وأفرد له سيرة ذاتية خاصة في مؤلفه الموسوم بالسير المتقابلة لعظماء الإغريق والرومان
مراجع للاستزادة: - R. SYME, Roman Revolution. 2nd Edition (1951). - H. BUCHHEIM, Die Orientopolitik des Triumvirns Marcus Antonius (1960). - M. SARTRE, D’ Alexandre à Zénobie, Histoire du Levant antique, IVe siècle av. J.- C.-IIIe siècle après J.-C. (Paris, 2001). |
- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد الثاني مشاركة :