logo

logo

logo

logo

logo

البراكين والبيئة

براكين وبييه

-

البراكين والبيئة

عبد الرحمن السفرجلاني

 

تدفع البراكين الثائرة كميات هائلة من الغازات والمقذوفات الصلبة والحمم المنصهرة «الماغما» من باطن الأرض مؤدية إلى وقوع عدد كثير من الضحايا، إضافة إلى تلوث الأغلفة الجوية الغازية والمائية والصخرية والتربة الزراعية، وكذلك تدمير المنشآت العمرانية وخسارة كبيرة في الممتلكات واحتراق مساحات كبيرة من الغابات وانجراف الترب وهلاك المحاصيل الزراعية. وعموماً يمكن القول إنَّ النشاط البركاني والبراكين تؤثر في البيئة والأرض بكل أغلفتها تأثيراً مباشراً سلبياً أو إيجابياً، مما دفع علماء البيئة والجيولوجيين للمشاركة في دراسة تأثيرات البراكين في البيئة تحت عنوان مشاكل البراكين البيئية volcanic environmental issues. ويمكن عرض بعض الجوانب السلبية بالنقاط الرئيسة التالية:

1-تنفث أغلب البراكين كميات هائلة من بخار الماء والغازات المحملة بالرماد في الغلاف الجوي (الشكل1)، فعلى سبيل المثال قُدر حجم البخار المتصاعد من بركان إتنا Etna بصقلية في إحدى دورات نشاطه بنحو ألفي مليون لتر، وبلغت درجة حرارة هذا البخار نحو 500°س، علماً أن الغازات المنبعثة من الفوهات البركانية تكون متباينة في نسب مكوناتها وبتركيبها الكيميائي، وتتكون على نحو رئيس من مزيج من ثنائي أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون والميتان والهدروجين والأكسجين، كما تصاحبها في كثير من الأحيان بعض الغازات حمضية التأثير كغاز ثنائي أكسيد الكبريت وغاز كبريتيد الهدروجين وأكسيد الازوت (النتروجين)، ويرافقها كميات ضخمة من الغبار والرماد البركاني، ذات التأثير السلبي والضار في مجمل النواحي البيئية. علماً أن الأثر السلبي والأضرار الناجمة عن الأبخرة والغازات المنبعثة من الفوهات البركانية لا تنحصر أو تقتصر على المناطق المحيطة بالمخاريط البركانية فحسب، بل تتجاوزها مسافات كبيرة نتيجة انتقال هذه الأبخرة والغازات بوساطة الرياح. أما الغبار والرماد البركاني فقد يبقى معلقاً في الهواء مدة زمنية أطول تحمله الرياح ليتساقط على سطح الأرض في أماكن تبعد كثيراً عن موقع البركان الثائر.

الشكل (1) كم هائل من المقذوفات الغازية تندفع من إحدى الفوهات البركانية.

2- يؤثر كل من غازي ثنائي أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون المنبعثين من الفوهات البركانية بكميات ضخمة في التركيب الكيميائي للغلاف الجوي وبالتالي في تغيير المناخ والمساهمة في ترقق طبقة الأوزون، فتتسرب الأشعة فوق البنفسجية إلى سطح الأرض، مما يؤدي إلى تفعيل ظاهرة الاحتباس «الانحباس» الحراري global warming ورفع درجات الحرارة ضمن الغلاف الجوي للكرة الأرضية، وبالتالي العمل على إذابة كم هائل من جليديات (التوضعات الثلجية) القطبين.

كذلك يتفاعل غاز كبريتيد الهدروجين المنبعث من الفوهات البركانية بكميات هائلة مع أكسجين الغلاف الجوي فيتأكسد مكوناً كلاً من ثنائي أكسيد الكبريت وثلاثي أكسيد الكبريت ، يتفاعلان مع المياه فيتكون حمض الكبريت وفق المعادلتين (1 و2):

وعندما يصبح الجو مهيئاً لسقوط الأمطار فإن هذا الحمض يذوب في ماء المطر مكوناً أمطاراً حامضية لها آثار بيئية سلبية مباشرة في مياه الأنهار والبحيرات وسائر الكائنات الحية بما فيها الإنسان والنبات والحيوان، وتؤثر كذلك سلباً في خصائص الترب الزراعية الفيزيائية والكيميائية وتدهور بنيتها وانخفاض خصوبتها ومقدرتها الإنتاجية نتيجة مباشرة لذوبان العديد من العناصر الغذائية في التربة وانجرافها أو غسلها بتأثير المياه الحامضية، فتذبل النباتات وتتلف المحاصيل الزراعية وتتدهور الغابات. إضافة إلى ذلك تؤثر الأمطار الحامضية تأثيراً مباشراً في حت الصخور الكربوناتية (الجيرية) وتأكلها وبالتالي تتكون مع مرور الزمن مجموعة كبيرة من الفجوات والسراديب والتكهفات والمغاور الكارستية ضمن تلك الصخور، يعود إليها عدد كبير من الحوادث والمخاطر البيئية. كذلك تساهم الأمطار الحامضية في إذابة نسبة كبيرة من فلزات بعض العناصر الثقيلة السامة من الصخور أو الترب التي تنتقل إلى المياه السطحية والجوفية، فتثبتها النباتات أو تشرب منها الحيوانات فتتسبب في تسممها ومن ثم هلاكها، وخير مثال على ذلك ما حصل في أيسلندا عام 1783 عندما ثار بركان لاكي Laki مدة ثمانية أشهر متواصلة نفث خلالها كميات ضخمة جداً من الأبخرة والغازات السامة وشكل سحاباً وغماماً كثيفين سببا هلاك جميع المحاصيل الزراعية ونفوق جميع قطعان الماشية نتيجة تناولها الحشائش الملوثة، كما لقي نحو ربع السكان المقيمين في المناطق القريبة من البركان حتفهم نتيجة المجاعة.

3- يؤثر كل من غازي ثنائي أكسيد الكبريت المنبعث من الفوهات البركانية وثنائي أكسيد الآزوت تأثيراً مباشراً وسلبياً في الغلاف الجوي، إذ يؤديان إلى انخفاض درجات الحرارة في طبقة التروبوسفير وتدمير طبقة الأوزون. فعلى سبيل المثال نتيجة ثوران بركان بيناتوبو Pinatubo في الفيليبين عام 1991م انبعثت آلاف الأطنان من غاز ثنائي أكسيد الكبريت وثنائي أكسيد الآزوت إلى الغلاف الجوي أدت إلى حجب نحو 10 % من أشعة الشمس التي تسقط على كوكب الأرض؛ مما أدى إلى انخفاض درجة حرارة الكوكب كله نصف درجة مئوية مدة عام ونصف العام (الشكل 2).

الشكل (2) الغازات المنبعثة من بركان بيناتوبو

4- يؤثر الرماد والغبار البركاني المنبعث من الفوهات البركانية النشطة سلبياً في صحة الإنسان مسبباً الإصابة بأنواع شتى من أمراض التحسس وأمراض الجهاز التنفسي العلوي والسعال والربو والتهاب القصبات وآلام الصدر وضيق التنفس وبحة الصوت.

5- تؤدي السحب البركانية الهائلة الناجمة عن ثوران البراكين وما يرافقها من الرماد والغبار البركاني إلى توقف حركة الطيران في الأجواء مدداً زمنية متفاوتة تبعاً لضخامة هذه السحب وسرعة الرياح واتجاهها والهطل المطري (الشكل 3)، فعلى سبيل المثال أدت سحب الغبار والرماد البركاني الكثيفة المنبعثة من البركان القريب من نهر ايافيالايوكول Eyjafjallajokull جنوبي أيسلندا شهر نيسان/إبريل 2010 -التي راوح ارتفاعها بين 6-11 كم في الغلاف الجوي- إلى توقف جميع رحلات الطيران في المجال الجوي الأوربي توقفاً تاماً وإلغاء نحو 16 ألف رحلة جوية، وتعويق سفر مئات الآلاف من المسافرين، وقدرت خسائر شركات الطيران الأوربية بنحو 200 مليون دولار يومياً.

 الشكل (3) التأثير السلبي للمقذوفات الغازية البركانية والغبار والرماد البركاني في مسار رحلات الطيران الجوية.

6- تقذف البراكين أيضاً كميات هائلة من الصهارة في الهواء، فتتبرد بسرعة بسبب الفروق الكبيرة بين درجة حرارتها ودرجة حرارة الهواء، وتبدأ بالتصلب مكونةً مواد صلبة حطامية (بيروكلاستية) pyroclastic يطلق عليها مصطلح «التفرا tephra»، ثم لا تلبث هذه المقذوفات التي تشتمل على «الكتل والمكورات المتفجرة والحصى والرمال الخشنة البركانية» أن تهبط بفعل الجاذبية الأرضية نحو سطح الأرض لتتراكم بالقرب من فوهة البركان، وبسبب ارتفاع درجات الحرارة السائدة هناك تلتحم مكونات الحطام البركاني مكونةً جسم المخروط البركاني.

تسهم المقذوفات البركانية المتساقطة في دمار المنشآت العمرانية والتجمعات السكانية، وفي نشوب الحرائق الهائلة وهلاك المحاصيل الزراعية ووقوع عدد غير قليل من الضحايا البشرية ونفوق الحيوانات، وخير مثال على ذلك ثورة بركان فيزوف Vesuvius في إيطاليا عام 79م، إذ غمرت مقذوفاته البركانية المتساقطة مدينة بومبي Pompeii ولقي نحو 3360 شخصاً حتفه (الشكل 4)، وكذلك ما حدث عقب ثورة بركان تامبورا- سامباوا Tambora-Sumbawa في إندونيسيا عام 1815 الذي يعدّ من أكبر الثورات البركانية في التاريخ؛ إذ غطت مقذوفاته البركانية المتساقطة وخاصة الرماد البركاني مساحات شاسعة مخلفةً التلف لجميع المحاصيل الزراعية ومقتل نحو تسعين ألف شخص، كما تسببت سحابته البركانية الهائلة جداً في غياب فصل الصيف من عام 1816 عن قارة أوربا كلها وجزء كبير من القارة الأمريكية الشمالية، واختفت أشعة الشمس وتم تلف المحاصيل الزراعية.

 الشكل (4) لوحة لثورة بركان فيزوف في إيطاليا عام 79 ومقذوفاته البركانية البيروكلاستية.

وأدت الثورات البركانية المتتالية لبركان إتنا في جزيرة صقلية عام 1669 إلى انبعاث كميات ضخمة من المقذوفات البركانية ترافقت مع تدفق كم هائل من الصهارة دمرت مساحات كبيرة من الأراضي اشتملت على 16 قرية.

ينجم عن ثوران براكين المناطق الباردة أو المتجمدة من الكرة الأرضية انصهار كميات ضخمة جداً من الجليديات والتوضعات الثلجية وذوبانها؛ ما يسبب في تشكل طفل بركاني طيني ملتهب، يتحرك وينتقل بسرعة كبيرة تصل نحو 100كم/ساعة، مثال ذلك ما حدث عندما ثار بركان كوتاباكسي Cotopaxi في الإكوادور عام 1877 الذي انتقلت حممه الطينية الحارة مسافة تزيد على مئة كيلو متر، ولقي نتيجة ذلك نحو ألف شخص مصرعهم الفوري، كذلك ما حدث عند ثوران بركان غالنغونغ Galunggung في إندونيسيا عام 1982، حيث تسببت الحمم الطينية الحارة الناجمة عنه في عدد كبير من الضحايا، إضافة إلى الخسائر المادية الهائلة (الشكل 5).

الشكل (5) الحمم الطينية الحارة الناجمة عن ثورة بركان غالنغونغ في إندونيسيا عام1982.

7- يؤثر النشاط البركاني تحت البحري في الشروط الفيزيائية والكيميائية للمياه؛ مما يظهر تأثيره على نحو مباشر وسلبي في التجمعات الحية النباتية والحيوانية مؤدياً إلى هلاكها.

وعلى الرغم من الدمار الهائل الذي ينجم عن النشاط البركاني تبقى للبراكين والنشاط البركاني فوائد متعددة تؤثر في البيئة أو المحيط البيئي، منها على سبيل الذكر لا الحصر:

أ- يؤدي انسياح الصفائح التكتونية المحيطية في مناطق الأعراف المحيطية «نطاقات الأخاديد المحيطية» وتباعدها وتحركها إلى حدوث نشاط بركاني هائل تندفع نتيجته مسكوبات وطفوح لابية تحت بحرية بازلتية الطبيعة وقاعدية التركيب، تعمل على توسع القاع المحيطي وتجدد القشرة الأرضية المحيطية، يتشكل نتيجتها قشرة محيطية جديدة كتلك التي تتشكل حالياً في قاع البحر الأحمر معلنةً عن ولادة محيط جديد.

ب- يقابل هذا التباعد والانفتاح للصفائح التكتونية في الاتجاه المعاكس نشوء قوى تقارب تعمل على تصادم الصفائح التكتونية في نطاقات سطوح الانغراس التكتوني، ينشأ من ذلك تشكل سلاسل جبلية أو جبال وهضاب وتلال منعزلة على اليابسة كهضبة الدكن في الهند وهضبة نهر كولومبينا في أمريكا، يصاحب ذلك نشاط بركاني يتوزع على الأجزاء الهامشية للصفائح التكتونية، أو بجزء منه نشاط بركاني ضمن صفائحي قاري أنديزيتي إلى ريوليتي الطبيعة ومتوسط إلى حامضي التركيب، مثال ذلك سلاسل جبال الأنديز في أمريكا اللاتينية.

ج - يؤدي النشاط البركاني تحت البحري المتتابع إلى بناء مجموعة من الجزر المنعزلة في المحيطات، فعلى سبيل المثال أدى انفجار بركان مونت كيلو Mont Kilaw عام 1960 إلى توسع مساحة جزيرة هاواي نحو 1.5كم2.

د - تؤثر البحيرات البركانية الواسعة التي تكونت نتيجة تجمع مياه الأمطار ضمن فوهات البراكين الخامدة عبر مئات وآلاف السنين في البيئة من خلال تأثيرها المباشر في المناخ السائد في مناطق امتدادها، وتحول تلك المناطق إلى أماكن استجمام وراحة، إضافة إلى ذلك يستفاد منها في تربية الأسماك، ومنها على سبيل المثال: بحيرة بركان كيليموتو Kelimutu في إندونيسيا (الشكل 6) وبحيرة ترويتيسكو في كامشاتكا Kamchatka الروسية وبحيرة أوريغون في الولايات المتحدة.

الشكل (6) بحيرة بركان كيليموتو في إندونيسيا.

هـ- معلومات بحثية: تجلب الطفوح اللابية والحمم البركانية معها من جوف الأرض أنواعاً مختلفة من الحشوات الصخرية الأساسية ذات التركيب «الأنورتوزيتي والنوريتي والغابروئيدي» أو الحشوات الصخرية فوق الأساسية ذات التركيب «الهارتزبورجيتي والليرزوليتي والدونيتي والفيرليتي»، وهذه تقدم معطيات مهمة عن طبيعة التركيب الكيميائي والصخري للوشاح (الغلاف) الأرضي. من أهم الحقول البركانية بازلتية التركيب التي ترافقها كميات وافرة من الحشوات الصخرية الأساسية وفوق الأساسية حقل شامه البركاني الممتد من الأجزاء الجنوبية الغربية لسورية عبر الأردن وحتى الأجزاء الشمالية الغربية من المملكة العربية السعودية.

و- تشكل الحمم اللابية والمسكوبات البركانية مصدراً رئيساً ومهماً للعديد من العناصر المعدنية الثمينة والمهمة كالذهب والبلاتين والفضة، كما تعد أيضاً مصدراً رئيساً للعديد من العناصر المعدنية الضرورية للصناعة كالحديد والنحاس والزئبق، ومصدراً لبعض العناصر المشعة المولدة للطاقة كاليورانيوم والثوريوم.

ز- يعد النشاط البركاني والصخور البركانية الناجمة عنه أيضاً المصدر الرئيس لغالبية أشباه المعادن كالكبريت، ففي مدينة جاوا الإندونيسية مثلاً يرتفع بركان كاوا إيجين Kawah ljen 2500م عن سطح البحر، وتتربع في قمته بحيرة تشتمل مياهها على حمض الكبريت وحتى عمق 200م، عند تدفق جزء من هذه المياه من البحيرة تترسب توضعات فلز الكبريت النقي الذي يستثمر يدوياً من قبل سكان المناطق المجاورة للبركان، وينقل إلى مراكز التجميع ليصار إلى نقله إلى مجموعة من المصانع لاستعماله في مجالات صناعية شتى (الشكل 7).

الشكل (7)

أ - بركان كاوا إيجين في مدينة جاوا – إندونيسيا، ب - الاستثمار اليدوي لخام الكبريت

ح- تعُد الصخور البركانية المصدر الرئيس للأحجار الثمينة الكريمة كالألماس والزفير والزبرجد والزمرد وغيرها.

ط- تعد التوضعات الصخرية البركانية وكذلك الينابيع الحارة المرتبطة بها مصدراً مهماً لتوليد الطاقة الحرارية الجوفية المتجددة، وهي الطاقة التي تنتج بالبخار أو المياه الحارة الموجودة داخل الأرض. هذا ولقد عمدت دول عديدة منها نيوزيلندا والاتحاد السوڤييتي (سابقاً) والولايات المتحدة الأمريكية في العقود الأربعة الأخيرة إلى الاستفادة من الطاقة الحرارية لإنشاء محطات توليد الطاقة الكهربائية.

ي- تُستعمل الصخور البركانية الصلدة «البازلتية – الأنديزيتية» منذ العصر البرونزي أي منذ نحو أربعة آلاف سنة في بناء الأبنية والجسور والقلاع والحصون والمعابد والمسارح ونحت التماثيل. وحديثاً شهدت الاستعمالات الصناعية للصخور البركانية ولاسيما البازلتية منها تطوراً كبيراً تضمنت أغلب المجالات الصناعية والعمرانية حيث تم إخضاع هذه الصخور لمجموعة من الاختبارات والتجارب من أجل تطويعها واستثمار مزاياها المتعددة وتحسين خصائصها بحيث تكتسب بنية متجانسة تحافظ على مواصفاتها الطبيعية كالصلابة والقساوة ومقاومة العوامل الجوية والاهتراء والأوساط الحامضية والقلوية مدداً طويلة قد تمتد عدة قرون، كل ذلك جعل من الصخور البركانية مادة طبيعية مهمة تساهم في العديد من التطبيقات الصناعية والإنشائية الحديثة ولاسيما أن الصخور البركانية تعد من الخامات الطبيعية الصديقة للبيئة؛ لذلك تعددت استعمالات الصخور النارية وخاصةً الصخور البازلتية واستعملت لرصف الطرق والأرصفة، وإكساء الواجهات الخارجية للمباني، وتبليط أرضيات مصانع المواد الكيميائية والبتروكيميائية، ومواد مالئة للطرق الإسفلتية، وخلائط إسمنتية، كذلك تم استعمال المواد البركانية الحطامية «التفرا» مواد ركامية ساهمت في صناعة الدروع الإسمنتية أو في فرش ممرات السكك الحديدية والجسور، واستعملت كذلك في صناعة المعدات الصناعية المقاومة للحموض والأسس، والمواد العازلة للحرارة والضوضاء والأنابيب اللدائنية (البلاستيكية)، والخيوط والألياف البازلتية ذات الاستخدامات الصناعية الواسعة، واللباد والصوف الصخريين، كما ساهمت في صناعة هياكل السيارات وأسطح القوارب.

ك- تستعمل الصخور البركانية ذات النسيج الفراغي كالصخور البازلتية المسامية أو الفقاعية أو الفراغية مواد بناء أولية في المنشآت العمرانية التي تكون بحاجة إلى درجات عزل عالية لكل من الحرارة والضوضاء.

ل- يرتبط انبثاق العيون الكبريتية والينابيع الحارة وتفجرها مباشرة بالصخور البركانية والمناطق ذات النشاط البركاني، ويمكن الاستفادة منها في بناء منتجعات ومراكز استجمام وعلاج طبي للاستشفاء من بعض الأمراض الجلدية وأمراض الروماتزم، من أشهر الأمثلة لتلك المنتجعات المتنزه القومي للينابيع الحارة في كل من أركنساس بالولايات المتحدة الأمريكية، ومنتجعات مدن أخن وبادن بادن وفيسبادن في جمهورية ألمانيا الاتحادية، ومنتجع بلو لاغون بشبه جزيرة ريكجانيس في أيسلندا، ومنتجعات الينابيع الحارة أولو لوغونغ بولاية قدح في ماليزيا التي تقصد للعلاج لما تتميز به مياهها باحتوائها على تراكيز عالية من أملاح الكبريت المعدنية، كما تعد مجموعة ينابيع هوا تشينغ الحارة المنتشرة على سفح جبال ليشان في منطقة لين تونغ بمدينة شيان بمقاطعة شنشي شمال غربي الصين من أقدم الينابيع الحارة في العالم وأشهرها وأجملها، وتقصد للاستجمام والعلاج؛ فمياهها تحتوي على سبعة وأربعين عنصراً من العناصر المعدنية الثانوية والنادرة (الشكل 8).

الشكل (8) صورة لأحد الينابيع الحارة في منتجع بلو لاغون بشبه جزيرة ريكجانيس في أيسلندا.

م- من الظواهر المرتبطة بالنشاط البركاني المتأخر أيضاً تشكل الفوارات البركانية الحارة (الحَمة) geyser، تتشابه إلى حد كبير مع الينابيع الحارة hot springs من حيث ارتفاع درجة حرارة مياهها واحتواؤها على الأملاح المعدنية خاصة الأملاح الكلسية «الجيرية» والسليكاتية وبعض المعادن الاقتصادية المهمة كالزرنيخ والقصدير والأنتموان والنحاس والزنك، وتختلف عنها باندفاع مياهها على شكل نوافير يراوح ارتفاعها بين بضعة أمتار وعدة عشرات من الأمتار (الشكل 9)، وتنبثق مياهها الحارة إما بصورة مستمرة وإما بصورة متقطعة منتظمة كل بضع دقائق أو بضع ساعات أو بضعة أيام أو أسابيع. يعود السبب في ذلك إلى المدة الزمنية اللازمة لتجمع المياه في خزان النافورة الجوفي والوقت اللازم لارتفاع درجة حرارتها نتيجة ملامستها للصخور النارية الساخنة، ومن ثم الوصول إلى درجة الغليان وتحولها إلى بخار، يرفع البخار المتشكل الضغط الهدروستاتيكي الذي يدفع المياه نحو الأعلى، ويتم تفريغ الخزان فتهدأ مرحلة ثوران الفوارة إلى حين أن تتجمع المياه في الخزان من جديد وترتفع درجة حرارتها كي تعاود ثورانها وانبثاقها من جديد، قد يعود السبب في عدم خروج المياه من الفوارة بصورة مستمرة أيضاً إلى العلاقة بين منسوب فوهة الفوارة ومنسوب مصدر مياهها، فإذا كان منسوب فوهة الفوارة أعلى من منسوب مصدر تغذيتها تصبح المدد الزمنية الفاصلة بين تتابع ثوران الفوارة البركانية أطول، أما إذا كان منسوب فوهة الفوارة أقل من منسوب مصدر مياهها فإن ذلك يساعد على استمرار اندفاع المياه، وتصبح المدد الزمنية الفاصلة بين تتابع ثوران الفوارة البركانية أقصر. من أشهر الفوارات البركانية الحارة وأعظمها تلك المنتشرة بمنطقة يلّوستون بارك في أمريكا الشمالية ونوافير فنزويلا وجبال الأنديز وبتاغونيا في أمريكا الجنوبية وفي جزر الأزور وفي جزيرة أيسلندا وفي نيوزيلندا وتركيا والإكوادور وغواتيمالا والصين.

الشكل (9) صورة لفوارة شتروكورStrokkur الحارة في أيسلندا.

يترسب من مياه الينابيع والفوارات والنوافير الحارة توضعات معدنية وشبه معدنية اقتصادية مهمة كتوضعات الكبريت والأنتموان والقصدير والزنك وغيرها.

فإذا انعدم اندفاع الماء من النافورات والينابيع البركانية لعدم تغذيتها بكميات كافية من المياه، وخصوصاً في المناطق البركانية التي تكون فيها معدلات الهطل منخفضة يطلق عليها اسم الينابيع والنوافير الخامدة، ويقتصر نشاطها البيئي على نفث كميات كبيرة من الغازات والأبخرة السامة، مثل: غاز ثنائي أكسيد الكبريت وكبريت الهدروجين وثنائي أكسيد الآزوت، وعلى نحو أقل كل من غازي الكلور والفلور.

ن- تنجم عن تجوية الصخور البركانية النارية ولاسيما الأساسية منها ذات الطبيعة والتركيب البازلتي ترب زراعية ذات خصائص خصوبية عالية ومقدرة إنتاجية مرتفعة. أيضاً نتيجة تجوية الصخور البركانية يتم تركيز خامات المعادن الثقيلة كالذهب والفضة والبلاتين والقصدير.

س- تُعد الصخور النارية وما يرتبط بها من ينابيع حارة مصدراً مهماً للطاقة الحرارية، يطلق عليها اسم طاقة الأرض الحرارية الجوفية التي تعد مصدراً للطاقة البديلة النظيفة والمتجددة، يمكن استثمارها والاستفادة منها مباشرة في إنتاج الطاقة الكهربائية (الشكل 10)، وكذلك في عدد كبير من التطبيقات العملية مثل تسخين المياه الضرورية لتدفئة التجمعات السكانية والتعليمية والطبية وتدفئة البيوت البلاستيكية وتجفيف المنتجات الزراعية وغيرها.

الشكل (10) صورة لإحدى محطات توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الحرارية الأرضية في نيوزيلندا.

 

تُدخل هذه العوامل المختلفة السلبية والإيجابية في المنظومات البيئية ecosystem المختلفة وفق امتداد العوامل وكِبَر المنظومة البيئية المدروسة، وغالباً لا تدخل جميعها وإنما يُختار منها الأعلى تأثيراً.

مراجع للاستزادة:

- مزيد شرف، البازلت مادة أولية لصناعات هامة ونوعية في سوريا / ابتكارات للقرن الواحد والعشرين / محاضرة في المؤتمر الجيولوجي السوري الثاني، 2008 .

- R. E. B. Andrew and A. Gudmundsson, Kurzfassung und Vortrag. Interaction between active volcanoes in Iceland. EGU General Assembly, 2008.

- H. Bahlburg, & C. Breitkreuz, Grundlagen der Geologie, 411 S., Spektrum Akademischer Verlag, 2007.

- M. G. Best, Igneous and metamorphic petrology, 2nd ed. Blackwell, Oxford, 2003.

- A. Gudmundsson, and R. E. B. Andrew, Mechanical
interaction between active volcanoes in Iceland. Geophysical Research Letters, 34, 2007.

- H. U. Schmincke, Vulkanismus, 2. AufWissenschaftliche Buchgesellschaft, Darmstadt. Deutschland, 2000.


التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي
النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1049
الكل : 58491497
اليوم : 64011

أثر باشن ـ باخ

تقع المدرسة الأحمدية في حي الجلوم الكبرى في زقاق بني الجلبي، "جادة عبد الله سلام" حالياً أمام باب جامع البهرمية الشرقي في حلب، منطقة عقارية (7) محضر (3064). أنشأها أحمد أفندي بن طه زادة الشهير بالجلبي سنة 1165هـ/1751م وفقاً للكتابات الموجودة فوق بابيها (الخارجي والداخلي) وفوق باب القبلية.

المزيد »