logo

logo

logo

logo

logo

أثر شتارك

أثر شتارك

-



 أثر شتارك

عصام الجغامي

 

اكتشف الفيزيائي الألماني يوهان شتارك Johannes Stark عام 1913 انشطار مستويات طاقة ذرة الهدروجين بتأثير حقل كهربائي خارجي منتظم من مرتبة مئة ألف فولط/سم، وقد فسّر ميكانيك الكم ذلك لذرة الهدروجين وغيرها من الذرات والجزيئات تفسيراً متكاملاً.

أثر شتارك   Stark effectهو انشطار مستويات الطاقة والخطوط الطيفية وانزياحها عند تطبيق حقل كهربائي خارجي، فهو الأثر المماثل لحالة تأثير الحقل المغنطيسي. لهذا الأثر أهمية كبيرة ليس في حالة الذرات والجزيئات الواقعة تحت تأثير حقل كهربائي خارجي فقط، بل يمكن تعميمه على انشطار مستويات طاقة الجسيمات الواقعة تحت تأثير الحقل الكهربائي للجسيمات المحيطة، كما في حالة انشطار مستويات طاقة الأيونات في الشبكة البلورية للأجسام الصلبة وفي السوائل أيضاً. كما يُعدّ أثر شتارك واحداً من الأسباب الرئيسة المسببة لتعريض(broadening اتساع) الخطوط الطيفية العائدة للذرات والجزيئات في الطور الغازي.

تبين قواعد ميكانيك الكم أنه بوجود الحقل الكهربائي الخارجي المنتظم تبقى مركّبات الاندفاع الزاوي الكلي المُكمَّى  محفوظةً، ولهذا السبب يحافظ العدد الكوانتي المغنطيسي الكلي  -الذي يحدد هذه المركّبات- على معناه كما في حالة أثر زيمان. لكن الاختلاف المهمّ في حالة الحقول الكهربائية ينحصر في كون الطاقة الإضافية تتعلق فقط بالقيمة المطلقة للعدد . يؤدي ذلك إلى أن الحالات المتميزة بالقيمة  نفسها حالات منطبقة. في النتيجة تنشطر المستويات التي لها قيم صحيحة للعدد الكمومي J إلى عددٍ من المستويات الفرعية يساوي J+1  متميزةً بالقيم .أما المستويات التي لها قيمٌ نصف صحيحة للعدد الكمومي J فتنشطر إلى عددٍ من المستويات الفرعية يساوي  متميزةً بالقيم . وفقاً لذلك تكون المستويات الفرعية جميعاً ثنائية الانطباق؛ عدا تلك المتميزة بقيمة .

يمكن تفسير الانطباق الثنائي بسهولةٍ بالأخذ بالحسبان أن الحقل الكهربائي يغير بالطريقة نفسها مسار حركة الجسيمات المشحونة؛ على نحوٍ مستقل عن اتجاه حركة دوران هذه الشحنات حول اتجاه الحقل، هذا يعني على نحوٍ مستقلٍّ عن إشارة مركّبة الاندفاع الزاوي.

من المعروف أنه عند وضع جملة لها عزم ثنائي قطب كهربائي  في حقل كهربائي خارجي ؛ فإنها تكتسب طاقةً إضافيةً تساوي المقدار . لكن من الضروري الإشارة إلى أنه -على خلاف عزم ثنائي القطب المغنطيسي- يكون عزم ثنائي القطب الكهربائي غير مكمى، وتوصف عندئذٍ حالة الجملة الذرية بالقيمة الوسطى لهذا العزم. فإذا كان للجملة الذرية مركزٌ للتناظر؛ فإن القيمة الوسطى لعزم ثنائي القطب الكهربائي تكون معدومةً في أي حالة من حالات الجملة، ويلاحظ ذلك للذرات جميعاً والجزيئات التي لها مركز للتناظر. أما الجزيئات التي ليس لها مركز للتناظر ولها تناظر منخفض؛ فهي التي تتمتع بعزم ثنائي قطب كهربائي دائم مغاير للصفر.

عندما يكون  معدوماً؛ فإن الطاقة الإضافية بوجود الحقل الكهربائي تنعدم أيضاً، أما عندما  فإن الطاقة الإضافية تتناسب تناسباً طردياً مع شدة الحقل الكهربائي المطبق، وتسمى هذه الظاهرة أثر شتارك الخطي، الذي يلاحظ في الجزيئات التي لها عزم ثنائي قطب كهربائي دائم.

لكن عند وضع أي جملة ذرية مكونة من شحنات كهربائية في حقل كهربائي؛ فإنها تستقطب، ويكون لها عندئذٍ عزم ثنائي قطب كهربائي إضافي، يسمى عزم ثنائي القطب الكهربائي المتحرض، يتناسب مع شدة الحقل المطبق، أي  حيث  استقطابية الجملة. ولهذا تعطى الطاقة الإضافية في هذه الحالة بالعلاقة التالية:

                   

تبين هذه العلاقة أن الطاقة الإضافية تتناسب مع مربع شدة الحقل الكهربائي المطبق، وتظهر هذه الطاقة على هيئة انزياح في مستويات الطاقة. وفي الحالات المتميزة بقيمٍ مختلفة للعدد الكمومي  يكون مقدار هذه الطاقة مختلفاً، ويسمى هذا أثر شتارك التربيعي. يلاحظ هذا الأثر على نحوٍ نموذجي في حالة الذرات حيث يكون مقدار الانشطار من مرتبة أجزاء من عشرة من وحدات  عند تطبيق حقول شدتها من

 مرتبة .

يلاحظ أثر شتارك التربيعي في الذرات عند تطبيق حقول كهربائية ضعيفة إلى حدٍّ يكفي لتكون الطاقة الإضافية التي تسببها مثل هذه الحقول صغيرةً بالمقارنة بالفاصل الطاقي بين المستويات المتجاورة قبل تطبيق الحقل. أما في حالة الحقول الشديدة والمتوسطة الشدة، حيث تكون الطاقة الإضافية أكبر أو من مرتبة قيمة الفاصل الطاقي بين المستويات؛ فإنه بالإمكان ملاحظة أثر شتارك الخطي، حيث يتناسب مقدار الانشطار مع شدة الحقل الكهربائي المطبق. يلاحظ هذا الأثر الخطي في حالة ذرة الهدروجين والإيونات الشبيهة بها الواقعة في الحالات المثارة. على سبيل المثال: لذرة الهدروجين في حالة n = 3 ثلاثة مستويات متقاربة بقيم طاقتها، وتتميز بقيم العدد الكوانتي ، ونتيجةً لذلك يختل التناظر المركزي للذرة بوجود الحقل الكهربائي، والمستويات المتميزة بقيم مختلفة للعدد ، والمستقلة بغياب الحقل، تبدو مرتبطة بعضها مع بعض بوجود الحقل، مما يقود لأثر شتارك الخطي. وإن  مقدار الانشطار بحالة أثر شتارك الخطي أكبر بكثير منه في حالة أثر شتارك التربيعي.

    تبين قواعد ميكانيك الكم أن الطاقة الإضافية تعطى في حالة مستوى طاقة محدد J بالعلاقة التالية:

 

  

تدل  و  على ثوابت الاستقطابية السُلّمية والتنسورية؛ على الترتيب. تبين هذه العلاقة أنه عند قيمة محددة لشدة الحقل الكهربائي المطبق يتناسب انزياح المستويات الفرعية  بالنسبة إلى المستوى الفرعي  مع المقدار ، وعدد المستويات الفرعية الممكنة يساوي عدد القيم الممكنة للعدد  . أما بغياب الانطباق، أي عندما J = 0  و ؛ فإن علاقة الطاقة الإضافية تحدد انزياح المستويات غير المنطبقة.

ويتحدد انشطار الخطوط الطيفية بفعل الحقل الكهربائي بمقدار انشطار مستويات الطاقة وقاعدة الاصطفاء التي تعطي الانتقالات المسموح بها بين المستويات الفرعية المنشطرة بفعل الحقل الكهربائي. تسمى المركّبات التي تحقق  المركّبات p، الموافقة لعزم ثنائي قطب كهربائي موازٍ لاتجاه الحقل الخارجي. أما تلك الانتقالات التي تحقق  فتسمى المركّبات  s، وهي موافقة لعزم ثنائي قطب عمودي على الحقل. ولما كان انشطار المستويات غير متناظرٍ ويتعلق بالمقدار ؛ فإن مركّبات الخط الطيفي تنزاح في تواتراتها على نحوٍ غير متناظر بالنسبة إلى تواتر الخط الطيفي قبل تطبيق الحقل الكهربائي.

أما في الجزيئات التي لها عزم ثنائي قطب كهربائي دائم؛ فتنشطر مستويات الطاقة عند تطبيق حقل كهربائي خارجي إلى عددٍ من المركّبات يساوي  حيث J العدد الكمومي الكلي لمستوى الطاقة. إن للاندفاع الزاوي الكلي -بغياب الحقل الكهربائي الخارجي- طويلةً واتجاهاً ثابتين، فإذا لم يتطابق عزم ثنائي القطب الكهربائي  مع اتجاه عزم الاندفاع الكلي ؛ عندها يقوم  بحركة مبادرة في الجزيء الدوّار حول ، وكذلك J، ويعطى الوسطي الزمني لمركّبة عزم ثنائي القطب وفق   بالعلاقة التالية:

 

يدل المقدار  على مركّبات  وفق .

وتكون مبادرة كل منهما بحيث تكون مركّباتها وفق اتجاه الحقل الخارجي ثابتةً وتساوي المقدار . يؤدي ذلك إلى انزياح مستويات الطاقة بمقدارٍ يعطى بالعلاقة التالية:

 

تبين هذه العلاقة أن مقدار الانزياح يتناسب مع شدة الحقل الكهربائي المطبق، وهذا أثر شتارك الخطي linear Stark effect. يظهر أثر شتارك من المرتبة الثانية في الجزيئات التي تستطيع الدوران حول محور تناظري معيّن أيضاً، فتختلف دورياً الطاقة الوسطى بوجود الحقل الكهربائي الخارجي عن تلك الطاقة بغياب الحقل، ويقال: إن الجزيء يخضع لأثر شتارك من المرتبة الثانية الذي يتناسب مع مربع شدة الحقل الكهربائي المطبق ، ويظهر ذلك في انزياح مستويات الطاقة.

يمكن لتوزع الشحنة في جميع الجزيئات - ومنها تلك التي ليس لها عزم ثنائي قطب كهربائي دائم- أن تستقطب تحت تأثير الحقل الكهربائي المطبق. يقود استقطاب توزع الشحنة هذا إلى نشوء عزم ثنائي قطب كهربائي متحرض  يعطى في الجزيئات غير الدوارة بالعلاقة التالية:

                          

تدل a على تنسور الاستقطابية الجزيئية، التي تعدُّ مقياساً لإزاحة شحنات الإلكترونات السالبة بالنسبة  إلى شحنات النوى الموجبة، وتتعلق باتجاه جملة الإحداثيات المرتبطة بالجزيء. وفقاً لهذا -بوجهٍ عامّ- لا يتوجه عزم ثنائي القطب المتحرض  بالاتجاه نفسه الذي يأخذه الحقل الكهربائي المطبق، ولكنه يصنع معه زاوية b، ويقوم بحركة مبادرة حول اتجاه هذا الحقل. عندئذٍ يعطى انزياح مستويات الطاقة بالعلاقة التالية:

  

تبين هذه العلاقة بوضوحٍ أن انزياح شتارك يتناسب مع مربع شدة الحقل الكهربائي المطبق ، وهذا الأثر يسمى أحياناً أثر شتارك التربيعي quadratic Stark effect.

يبين الشكل (1) أثر شتارك التربيعي لخطي امتصاص ذرات الصوديوم عند انتقالها من المستوى الأساسي  إلى المستويين المثارين  . للمركّبات  على اتجاه الحقل الخارجي المطبق قيمة الطاقة نفسها؛ لأن الطاقة في أثر شتارك التربيعي لا تتعلق بإشارة ، بل تتعلق فقط بقيمتها المطلقة . وعليه فإن المستوى  المتميز بقيمة  فقط ينشطر إلى مركّبتين تتميزان بالقيم  تسميان مركّبات شتارك، في حين تنزاح المستويات المتميزة بقيمة  ولكنها لا تنشطر.

الشكل (1) أثر شتاركلتربيعي و مركبات شتارك الثلاث لخطي امتصاص ذرات الصوديوم الناجمين عن الانتقالين

تعطي قياسات انزياح الخطوط الطيفية بدلالة  علاقة خطية تبرهن على صحة أثر شتارك التربيعي. لهذا يكون انزياح شتارك في حالة المستوى  أصغر من ذلك الانزياح الذي تخضع له المستويات . علاوةً على ذلك تنزاح مركّبات شتارك للانتقالات الطيفية الحاصلة بين المستويات المنزاحة باتجاه التواترات الأخفض.

يبين الشكل (2) أثر شتارك من المرتبة الثانية حيث تنشطر وتنزاح المستويات الدورانية الجزيئية. يتناسب مقدار الانزياح مع مربع شدة الحقل الكهربائي المطبق ومع مربع عزم ثنائي القطب للجزيئات التي لها عزم ثنائي قطب دائم. لهذا يكون مقدار الانزياح موجباً، وينتج من ذلك أن الخطوط الطيفية الدورانية العائدة للانتقالات بين المستويات الدورانية قبل تطبيق الحقل؛ ينشطر كل منها بوجود الحقل إلى عددٍ من المركّبات، يساوي عدد القيم التي يأخذها العدد الكوانتي

 
الشكل (2) أثر شتارك من المرتبة الثانية في الانتقالات الدورانية الصرفة في جزيء له عزم ثنائي قطب كهربائي دائم

 

يمكن الاستفادة من قياسات انزياحات شتارك في الحصول على احتمالات الانتقالات ومدة حياة الحالات المثارة في الذرات. كما يمكن الاستفادة منها في معرفة الاستقطابية الجزيئية. إذ من المعروف أن الاستقطابية هي المسؤولة عن روابط فاندرفالس van der Waals في الجزيئات على مسافات بين جزيئية كبيرة، وتؤثر في العديد من الخصائص الجهرية (الماكروسكوبية) للمادة، مثل درجة حرارة انصهار الأجسام الصلبة المرتبطة بقوى فاندرفالس ولزوجة الغازات النبيلة.

 

 

 

 


التصنيف :
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1053
الكل : 58481657
اليوم : 54171

التقانات النانوية في الهندسة المدنية والبناء

باختين (ميخائيل ـ) (1895 ـ 1975م)   ميخائيل باختين  Mikhail Bakhtin فيلسوف ولغوي ومنظر أدبي روسي (سوفييتي). ولد في مدينة أريول. درس فقه اللغة Philology  وتخرج عام 1918. وعمل في سلك التعليم وأسس «حلقة باختين» النقدية عام1921. اعتقل عام 1929 بسبب ارتباطه بالمسيحية الأرثوذكسية، ونفي إلى سيبيرية مدة ست سنوات. بدأ عام 1936 التدريس في كليّة المعلمين في سارانسك. ثم أصيب بالتهاب  أدّى إلى بتر ساقه اليسرى عام 1938. عاد باختين بعدها إلى مدينة ليننغراد (بطرسبرغ)، وعمل هناك في معهد تاريخ الفن، الذي كان أحد معاقل «الشكلانيين» الروس، ثم عاد إلى سارانسك حيث عمل أستاذاً في جامعتها. استقر منذ عام 1969في كليموفسك (إحدى ضواحي موسكو) بعد أن تدهورت صحته وراح يكتب في مجلاتها وخاصة «قضايا الأدب» Voprosy Literatury و«السياق» Kontekst.
المزيد »