logo

logo

logo

logo

logo

التآثر الجيني

تاثر جيني

Gene Interaction -

 التآثر الجيني

غالية أبو الشامات

 

تتآثر في كثير من الحالات أليلات جينات مختلفة لتحديد النمط الظاهري لإحدى الصفات، إذ لا يحدد جين واحد بذاته النمط الظاهري للفرد؛ الذي يكون نتاج نموذج عالي التعقيد من التآثرات الجزيئية التي تقع تحت السيطرة الجينية. وقد يفضي هذا التآثر إلى ظهور نمط ظاهري جديد من دون تعديل في نسب التوريث المندلية، فلدى تآثر مورثتين منفصلتين ومستقلتين لتحديد نمط ظاهري معين؛ فإن نسب الأنماط الظاهرية تكون في الجيل الثاني وفقاً للمندلية ، أي أربعة أنماط ظاهرية، ولكن من الممكن أن تنتج نسب ظاهرية متنوعة أخرى بالاعتماد على طبيعة التآثر بين الجينات gene interactions وبالتالي يمكن ملاحظة نمطين أو ثلاثة أنماط ظاهرية. فعلى سبيل المثال يحدد لون العيون لدى ذبابة الفاكهة Drosophila جينان جسميان مستقلان ومتنحيان، يعطي أحدهما في حالة تماثل الأليلات اللون البني للعين، ويعطي الآخر اللون القرمزي scarlet، ولدى تزاوج حشرات بنية لون العيون مع حشرات قرمزية لون العيون يلاحظ لدى جميع أفراد الجيل الأول ظهور صفة جديدة، إذ تُظهر جميعها النمط البري wild-type، وهو اللون الأحمر القرميدي brick red eyes، ويظهر تزاوج أفراد الجيل الأول أنماطاً ظاهرية متنوعة من الأحمر والبني والقرمزي، إضافة إلى اللون الأبيض وفق النسب الآتية : 9: أحمر، 3: قرمزي، 3: بني، 1 : أبيض.

تُفسر تلك النتائج بأن ظهور اللون الأحمر للعين يعتمد على النمط البري لأليلات اللون القرمزي والبني إذ تتوزع أليلات تلك الجينات بصورة مستقلة في الأعراس، وتعطي بالتالي الأليلات السائدة منها معاً النمط البري للون (الأحمر) على حين يعطي وجود إحداها اللون القرمزي، أو البني، وتعطي اللون الأبيض عندما تكون جميع الأليلات بحالة تنحٍ (الشكل1).

 

الشكل (1) مخطط يوضح توريث لون العيون لدى ذبابة الفاكهة، أ. الأنماط الظاهرية والوراثية لآباء الجيل الأول وأفراده. ب. الأنماط الظاهرية ونسبها في أفراد الجيل الثاني.

 

يمكن تفسير تلك النتيجة على المستوى الجزيئي بأن ظهور اللون الأحمر القرميدي البري هو نتيجة مزيج من وجود الصباغ البني والأحمر، وتظهر الحشرات بعيون لونها بني أو أحمر نتيجة التركيب الحيوي لأحد الأصبغة الناتج من عمل الأليل السائد الخاص بها وحدها، إذ لا يقوم أليل الجين الثاني بالترميز لاصطناع الصباغ الآخر، وتظهر الحشرات ذات النمط الوراثي المتنحي لكلا الجينين بلون عيون بيضاء نتيجة لعدم اصطناع أي من الأصبغة السابقة.

يوضح المخطط في الشكل (2) علاقة التركيب الوراثي للحشرة بالاصطناع الحيوي للصباغ المكوّن للون العيون؛ ففي حال وجود الأليل البري (أليل اللون البني ) يتم تركيب الصباغ القرمزي دروسوبتيرينdrosopterin، وبوجود الأليل البري (أليل اللون القرمزي) يتم تركيب الصباغ البني اكزنتوماتين xanthommatin، ويحمل النمط البري كلا الأليلين وبالتالي يكون لون العيون أحمر. أما في حال تماثل الأليلات المتنحي فلا يتم اصطناع أي من الأصبغة السابقة، وبالتالي يكون لون العيون أبيض.

 

الشكل (2) علاقة التركيب الوراثي للحشرة بالاصطناع الحيوي للصباغ المكوّن للون العيون.

وقد يؤدي التآثر بين الجينات إلى تعديل في نسب التوريث المندلية بسبب تدخل أحد الانماط المورثية في تعبير النمط الظاهري لنمط مورثي آخر، أي يكون النمط الظاهري الناتج مسيطراً عليه بصورة كبيرة من قبل نمط وراثي آخر، تسمى تلك الظاهرة الحَجب epistasis؛ إذ تحجب بعض الجينات التعبير عن جينات أخرى، وبالتالي يمكن تعريف الحجب بأنه التآثر بين أليلات جينين أو أكثر من أجل السيطرة على نمط ظاهري وحيد، ولا ينتج من الحجب ظهور أي أنماط وراثية جديدة. يدعى الجين الذي يقوم بتأثير الحجب بالجين الحاجب epistatic gene. يمكن أن يتم الحجب بسبب عمل جين متنحٍّ بحالة تماثل الأليلات، وهو مايدعى الحَجب بالتنحي recessive epistasis أو أن يكون ناجماً عن عمل أليل واحد سائد يكون عندها الحجب سائداً dominant epistasis.

ففي حالة الحجب بالتنحي تظهر الأفراد التي تحمل الجين متماثلة الأليلات الحاجبة ذات النمط الظاهري، وتختلف نسبة الأنماط الظاهرية لأفراد الجيل الثاني عن النسب المندلية المعروفة. ومن أمثلة هذا النمط من التآثر الجيني لون الفراء لدى القوارض؛ إذ تتحكم ثلاثة جينات لإظهار النمط الظاهري للفراء:

1- الجين A في اللون الأغوطي agouti: يحدد الأليل السائد منه نموذج التلوين agouti pattern، فتكون الشعرة ذات عصابة صفراء بين عصابتين سوداوين (الشكل3)، وفي حالة تماثل الأليلات يظهر الفراء بلون أسود خالص، إذ لا يتم تحويل اصطناع الصباغ من الميلانين إلى فيوميلانين pheomelanin (الأصفر).

 

الشكل (3) فأر يتميز باللون الأغوطي.

2- الجين B المسؤول عن إظهار الصباغ الأسود eumelanin على طول الشعر حيث يرمز إلى البروتين 1 المرتبط بإنزيم التيروزيناز tyrosinase- related protein 1 الذي يؤدي دوراً مهماً في تحقيق ثبات إنزيم التيروزيناز. ويعد الأليل الأغوطي A سائداً على الأليل الأسود.

3- الجين C يرمِّز الأليل السائد منه C لاصطناع إنزيم التيروزيناز tyrosinase الذي يعد إنزيماً مفتاحياً في سبيل الاصطناع الحيوي للصباغ الأسود، في حين يؤدي الأليل المتنحي c عندما يكون بحالة تماثل أليلات إلى عدم اصطناع الصباغ الأسود، ويكون لون الفراء أبيض، بصرف النظر عن التراكيب الوراثية للجينات الأخرى المرمزة للون الفراء. فالأليل الثالث الذي يتدخل في إظهار لون الفراء هو أليل المهق c الحاجب؛ إذ يفضي وجوده إلى عدم ظهور أي من الصباغ الأسود أو الأغوطي، وبالتالي فإن جين المهق albinism يحجب عمل الأليل الأغوطي/الأسود ويمنعهما من التعبير، كما في الشكل (4)، ويبين المخطط في الشكل نفسه. إن الأفراد الناتجة عند تزاوج الفئران ذات اللون الأغوطي سيكون اللون الأغوطي والأسود والأمهق فيها بنسبة على التتالي. ويرجع ذلك إلى اختلاف وجود الأليل السائدC لأجل إعطاء اللون الأسود، والأليل السائد A الذي يعطي اللون الأغوطي، ووجود الأليل المتنحي بحالة تماثل الأليلات c/c الذي يعطي حالة المهق. فاللون الأبيض يظهر لدى الفئران الحاملة للتركيب المتنحي c/c بصرف النظر عن التركيب الوراثي للجينات الأخرى.

الشكل (4)

ويلاحظ التآثر في عمل الجينات من خلال تفسير ظهور اللون الأغوطي لدى الفئران. إذ لا يتم التعبير عن الأليل A بصورة دائمة في أثناء نمو الشعر. ففي المراحل الأولى من نمو الشعر لا يتم تركيب البروتين الإشاري agouti الذي ينظم الأصبغة المصنعة من الخلايا المنتجة للميلانين melanocyte في جريبات الشعر لدى القوارض ذات التركيب الوراثي ، وبالتالي يتم اصطناع الصباغ الأسود. وفي المرحلة المتوسطة من نمو الشعر يصبح الأليل A مفعلاً، ويتم تنشيط اصطناع البروتين الإشاري الذي يحول تركيب الميلانين إلى فيوميلانين ويعطي اللون الأصفر. وفي النهاية يصبح الأليل غير مفعل مرة أخرى، وبالتالي يتم ترسيب الصباغ الأسود، بالنتيجة يفضي عمل الأليل السائد الأغوطي إلى شعر يملك عصابة صفراء بين عصابتين سوداوين.

تعد حالة المهق لدى البشر (عدم وجود الأصبغة في الشعر والجلد وقزحية العين) أيضاً من الأمثلة عن الحجب بالتنحي، إذ يعد الجين المسؤول عن تلك الحالة جيناً حاجباً، ويؤدي وجوده في حالة تماثل الأليلات إلى المهق بصرف النظر عن عمل الجينات الأخرى المسؤولة عن الأصبغة الموجودة في الجسم (الشكل 5).

الشكل (5) النمط الظاهري الذي يبديه حاملو حالة المهق.

في حالة الحجب بالسيادة يحجب وجود نسخة واحدة من الجين الحاجب بحالة سيادة عمل الجينات الأخرى. وتكون نسبة الأنماط الظاهرية في الجيل الثاني هي . يلاحظ هذا النمط من الحجب في ألوان ثمار نبات القرع الصيفي الأبيض والأصفر والأخضر؛ إذ تكون الثمار بيضاء في حال كانت تحمل التركيب الوراثي مهما كان التركيب الوراثي للجينات الأخرى، وتكون الثمار صفراء عندما تملك التركيب الوراثي ، وتكون الثمار خضراء عندما يكون تركيبها الوراثي .

يُفسَّر هذا الأمر وفق مفهوم الكيمياء الحيوية بأن الثمار ذات الأليل السائدW لا تملك القدرة على تركيب الإنزيم I، وبالتالي تبقى بيضاء، أما الثمار التي تحمل الأليل السائدY ، ويكون الأليل w بحالة تنحٍّ فإنها تركب الإنزيمين I و II معاً، وتظهر باللون الأصفر، وأما الثمار ذات اللون الأخضر فإنها تحمل التركيب الوراثي wwyy، وهي قادرة على اصطناع الإنزيم I الذي يقوم بتثبيت اللون الأخضر.

يوضح المخطط في الشكل (6) ظاهرة الحجب بالسيادة في لون ثمار نبات القرع الصيفي. يتم اصطناع اللون الأصفر في ثمار القرع الصيفي على مرحلتين اثنتين:

الشكل (6) ظاهرة الحجب بالسيادة في لون ثمار نبات القرع الصيفي.

- لا تكون النباتات ذات التركيب الوراثي ، أو التركيب الوراثي قادرة على اصطناع الإنزيم I، في حين تكون النباتات ذات التركيب الوراثي المتنحي قادرة على اصطناع الإنزيم I، وغير قادرة على اصطناع الإنزيم II .

- أما النباتات ذات التركيب الوراثي فهي قادرة على اصطناع كلا الإنزيمين I وII معاً، وبالتالي تظهر ثمارها بلون أصفر.

تعد ظاهرة التتامية complementation مظهراً من مظاهر التآثر بين الجينات، إذ تتآثر جينات عديدة لإعطاء النمط الظاهري المشترك، فعلى سبيل المثال: تشارك أكثر من 50 جينة في تطوير القدرة على تمييز الأصوات والسمع لدى البشر. ولكي تظهر صفة السمع السوية يجب أن يكون هناك أليل سائد واحد سوي على الأقل في كل من الـ50 جيناً المعني. ويعد الصمم بذلك صفة متغايرة heterogeneous trait (تؤدي الطفرات في جينات مختلفة إلى ذات النمط الظاهري)، فعندما تجتمع مجموعة من الجينات الطافرة في حالة تماثل الأليلات يفضي ذلك إلى حالة الصمم لدى الفرد. وقد يعتقد بعضهم أن الأطفال المولودين لأبوين لديهما حالة الصمم الوراثي تلك سيكونون حكماً صُمّاً، لكن هذا ليس هو الحال في كثير من الأحيان؛ لأن صمم الوالدين غالباً ما يكون بسبب طفور جينات مختلفة، والأطفال سيكون عندهم تركيب وراثي متخالف الأليلات من كل جين، وبالتالي سيكون سمعهم سوياً.

يوضح (أ) في الشكل (7) شجرة النسب لإحدى العائلات؛ إذ يمكن لأبوين أصمين إنجاب أبناء أسوياء وقادرين على السمع بصورة سوية، وتعد هذه الحالة مثالاً عن التتامية الجينية.

الشكل (7) ظاهرة التتامية وحاسة السمع.

ويوضح (ب) الآلية الوراثية لظاهرة التتامية، إذ يؤدي وجود طفرات متنحية متماثلة الأليلات في جينات مختلفة لدى الآباء إلى عدم القدرة على السمع، أما في الأبناء فتتم الجينات السوية عملها معاً نظراً لوجودها بصورة تخالف أليلات، وبالتالي يكون السمع سوياً.

ويظهر التآثر الجيني بين الجينات في حالة التتامية أيضاً لدى النبات، فلدى تهجين سلالات صافية من نبات البازلاء الحلوة المتميزة بلون أزهارها البيضاء يلاحظ أن جميع أزهار نباتات الجيل الأول تبدو أرجوانية، وتظهر نتيجة التأبير الذاتي لنباتات الجيل الأول النسبة 9 أرجواني و7 أبيض (الشكل 8).

الشكل (8) الأثر المتتام للجينات المسؤولة عن إظهار لون الأزهار في نبات البازلاء الحلوة. إن وجود الجينين A وB معاً في التركيب الوراثي للنبات يؤدي إلى ظهور الأزهار بلون أرجواني، إذ يتمم أحدهما عمل الآخر.

تعزى تلك النتيجة إلى وجود مورثتين تعملان بصورة ترادفية أو متعاقبة in tandem لإظهار اللون الأرجواني لأزهار نبات البازلاء الحلوة، بشرط وجود أليل سائد واحد من كلا المورثتين. ويفسر ذلك على المستوى الجزيئي بضرورة وجود إنزيمين يعملان بصورة متعاقبة في تفاعلين كيميائيين حيويين منفصلين؛ يتمم أحدهما الآخر كي يتم تحويل طليعة اللون (الأبيض) إلى صبغة ملونة بالأرجواني، والمخطط في الشكل (9) يوضح العلاقة بين التركيب الوراثي والاصطناع الحيوي للصباغ الأرجواني؛ يتم الاصطناع الحيوي للصباغ الأرجواني من خلال تفاعلين إنزيميين متعاقبين، إذ يتمم الإنزيم B عمل الإنزيم A لكي يتم تحويل الطليعة غير الملونة إلى الصباغ الملون الأرجواني. وغياب أحد الإنزيمين أو كليهما سيؤدي إلى عدم إمكان تحويل الطليعة غير الملونة إلى الصباغ الأرجواني، وبالتالي تبقى الزهرة بيضاء اللون.

الشكل (9) العلاقة بين التركيب الوراثي والاصطناع الحيوي للصباغ الأرجواني.

ثمة نموذج آخر من التآثر بين الجينات المختلفة من خلال الجينات المُعَدَّلة modifier genes، إذ يتآثر الجين المعدل مع جين/جينات أخرى ويقوم بتعديل النمط الظاهري المتعلق بها. وبالاعتماد على نمط التعديل يمكن فرز الجينات المُعَدَّلة ضمن مجموعتين اثنتين: المعززات أو المحسنات enhancers التي تقوي مظهر النمط الظاهري الذي تهيمن عليه الجينات الأخرى، والمصغرات أو المقلصات reducers التي تقوم بتخفيض التعبير عن الجينات الأخرى.

يدعى الجين المُعَدِل الجين الكابح suppressor gene عندما يعدل التعبير عن النمط الظاهري المرتبط بأليل طافر نحو النمط الظاهري السوي. إن الجينات المُعَدَّلة هي التي تؤثر في التعبير عن أليلات طافرة مسؤولة عن عدد من الأمراض الوراثية لدى البشر، ومن المرجح أنها تؤثر في إظهار الأعراض المرضية المرافقة. ويعزى التباين في الأعراض الذي يحدث في كثير من الحالات بين مرضى المرض الوراثي ذاته إلى تلك الجينات. فمثلاً: تكون الأنماط الظاهرية المرافقة لمرض التليف الكيسي Cystic Fibrosis (CF) شديدة التباين، نتيجة تأثير جينات معدلة في التعبير عن النمط الظاهري للأليلات الطافرة. كما تؤثر الجينات المُعَدِلة أيضاً في حدة ظهور المرض؛ فمثلاً تؤدي الطفرات في الجين كادرين cadherin 3 إلى ظهور أحد أشكال فقدان السمع الوراثية لدى البشر والعديد من الثدييات الأخرى، وقد بيّن العلماء أن وجود طفرة مرافقة أخرى في أحد الجينات المُعَدِلة ستؤدي إلى زيادة شدة فقدان السمع الناجم عن الطفرات في الجين كادرين 3.

يظهر تأثير الجينات المُعَدِلة أيضاً في طول ذيل الفئران؛ إذ يؤدي وجود الأليل الطافر T إلى قصر ذيلها مع وجود تباين في أطوالها. فبالمقارنة بين بعض سلالات الفئران الحاملة للأليل الطافر تبين أن طول الذيل لدى بعضها يقارب 75% من طول الذيل الطبيعي، وبعضها الآخر منها يقارب 50% من طول الذيل الطبيعي، في حين أظهر بعضها ما يقارب 10% من الطول الطبيعي. وبما أن العوامل البيئية (غذاء أو درجة حرارة ..) لا تتحكم بطول الذيل عزى العلماء تفسير هذه الظاهرة إلى وجود جينات مُعَدِلة تحدد طول الذيل لدى الفئران الطافرة، وأن الاختلافات بين السلالات السابقة تعود لوجود أليلات مختلفة من تلك الجينات تحدد بالضبط مدى قصر الذيل. وبالتالي يمكن القول إن الجينات المُعَدِلة لها تأثير تالٍ ودقيق يغير النمط الظاهري الناجم عن عمل جينات أولية.

قد تساهم مجموعة من الجينات في السيطرة على النمط الظاهري، فيكون التآثر نتيجة تراكم مساهمات جينات متعددة. يدعى هذا النمط من التآثر الجيني بالتوريث متعدد الجينات polygenic inheritance أو التوريث الكمي quantitative inheritance؛ فكل أليل راجح يضيف تأثيره إلى الأليلات الأخرى بشكل تراكمي. ويتحدد النمط الظاهري بعدد الأليلات التراكمية الراجحة في النمط الوراثي للفرد الواحد؛ الأمر الذي يؤدي إلى إمكانات اختلاف هائلة بين البشر. تبدي صفة الطول ولون العيون والبشرة هذا النمط من التوريث، إذ يلاحظ مجموعة من الفروقات في الصفات الظاهرية الناتجة من تآثر وعمل جينات متعددة معاً من أجل إظهار الصفة.

يوضح الشكل (10) مثال الوراثة متعددة الجينات لصفة لون البشرة أو الجلد. إذ يتحكم في لون الجلد ثلاثة جينات على الأقل تورث بشكل منفصل. إن تأثير الجين وحده في لون البشرة وإنتاج الميلانين قليل مقارنة بتأثير أليلات الجينات مجتمعة. يبين كل من (أ) و(ب) في الشكل (10) أن كلاً من الأليلات A وB وC تقدم مساهمات متساوية في إنتاج الميلانين في حين لا تساهم الأليلات a وb وc في إنتاجه. ويوضح الرسم البياني في (ج) من الشكل نفسه أن التباين في لون البشرة أو الجلد مستمر وأن الأفراد لا يقعون في مجموعات منفصلة أو محددة مثل "غامق" أو "فاتح" وإنما تُشكِّل الأنماط الظاهرية طيفاً واسعاً.

الشكل (10) الوراثة متعددة الجينات لصفة لون البشرة أو الجلد.

يوضح الشكل (11) التدرج واختلافات الأنماط الظاهرية في لون العين؛ فعلى الرغم من وجود نوعين من الجينات الرئيسية المسؤولة عن إظهار لون العين، هناك على الأقل 14 جيناً أخرى لها دور في تحديد لون العين الدقيق للفرد؛ فهناك جينات مسؤولة عن إظهار لون الصباغ في العين، وأخرى عن كميته ومكانه، بالتالي تُلاحظ العديد من الأنماط المختلفة في لون القزحية.

الشكل (11) التدرج واختلافات الأنماط الظاهرية في لون العين.

تراوح أطوال البشر من نحو 140سم إلى 230سم، ويطلق على صفة الطول بأنها سمة مستمرة continuous trait، أي يمكنها تحمل عدد لا حصر له من الحالات على مدى مستمر. فإذا حُددت هذه الصفة بدقة فسيكون احتمال الأطوال عدداً غير محدود. فمثلاً؛ قد يكون طول الشخص 170سم أو 170.2سم أو 170.0002سم. فالاحتمالات لا حصر لها. بالتالي يعد نظام توريث الصفات المستمرة معقداً إذ يتضمن تآثر جينات متعددة فضلاً عن تأثير بعض العوامل البيئية.

يعد تفسير توريث الصفات الكمية وتحليلها من أصعب أنماط التحاليل الوراثية، فالاختلافات تنجم عن الدرجة وليس عن الطبيعة أو الصفة. كما أنه يصبح من الصعب التمييز بين تأثير كل جين على حدة عندما يكون هناك عدد كبير من الجينات المعنية، وكذلك من الصعب تحديد ما إذا كانت الأليلات الجينية موروثة وفقاً لقواعد التوريث المندلية. وفي تعقيد إضافي أيضاً، تؤثر العوامل البيئية في التعبير عن النمط الظاهري للفرد، فمثلاً لا تعتمد صفة الطول فقط على الوراثة، بل إنها تعتمد أيضًا على العوامل البيئية، مثل الصحة العامة للطفل ونوع تغذيته في أثناء نموه. ينطبق التوريث المتعدد الجينات على العديد من العيوب الخلقية birth defects الملاحظة لدى البشر. ويكون فيها العامل الجيني المسبب الرئيسي، إضافة إلى عوامل أخرى غير جينية مثل التلوث والتغذية وأسلوب الحياة مثل تناول بعض الأدوية والكحول والتبغ، وعلى الرغم من أن التعبير عن تلك العيوب بذاتها قد يكون متقطعاً أو غير مستمر؛ مثل حَنَف القدم clubfoot (الشكل 12) فإن الاستعداد لهذه الصفة متغير باستمرار ويتبع قواعد التوريث متعدد الجينات. إذ يظهر العيب الخلقي عندما تكون عتبة التنامي الجنيني الناتجة متفوقة على الاستعداد الوراثي مع وجود مجموعة متنوعة من العوامل البيئية.

الشكل (12) تشوهات القدم لدى مرضى حنف القدم بدرجات مختلفة، إذ يبدي بعض الأطفال تشوهات خفيفة مقارنة بغيرهم من الأطفال، كما تبدو الدرجات المختلفة من التشوهات بحسب المنطقة المشوهة.

وهكذا يمكن القول إن الجينات تساهم في عدد لا يحصى له من السبل الكيميائية الحيوية والبنيوية، وأن تنسيق عملها في الزمان والمكان يعد غاية في التعقيد، فبعض الصفات تنشأ من العمل المشترك لنحو 2 إلى 15 جيناً، والعديد منها هو نتيجة تآثر أكثر من ذلك بكثير.

 

مراجع للاستزادة:

- Genetics: Analysis & Principles, by McGraw-Hill College, Blacklick, Ohio, U.S.A., 2011.

-  D. Goldman , Our Genes, Our Choices: How Genotype and Gene Interactions Affect Behavior, Academic Press, 2012.

- A. R.Wood, T. Esko, J.Yang, S. Vedantam, T. H. Pers,
S. Gustafsson, T. M. Frayling, Defining The Role of Common Variation in The Genomic and Biological Architecture of Adult Human height, Nature Genetics, 2014.

- J. Zlotogora, Penetrance and expressivity in the molecular age. Genetics in Medicine, 2003.

 

 


التصنيف : الوراثة والتقانات الحيوية
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1040
الكل : 58491987
اليوم : 64501

البستنة في الدفيئات

التنوير (عصر ـ)   التنوير enlightment اتجاه ثقافي ساد أوربة الغربية في القرن الثامن عشر بتأثير طبقة من المثقفين والمفكرين، عُرفوا باسم الفلاسفة philosophers، وكانوا صحفيين وكتاباً ونقاداً ورواد صالونات أدبية أمثال فولتير، ديدرو، كوندورسيه، هولباخ، بيكاريه، ولكن هؤلاء المفكرين أخذوا عن الفلاسفة العقليين ديكارت واسبينوزا وليبتنز ولوك الذين طبعوا القرنين السابع عشر والثامن عشر بطابعهم الثقافي حتى أُطلق على هذه الفترة عصر العقل age of reason، وكان التنوير نتاجه.
المزيد »