البكتريا الهوائية
بكتريا هواييه
-
البكتريا الهوائية
نزار عيسى
أنماط البكتريا من حيث علاقتها بالأكسجين
ميزات البكتريا الهوائية
البكتريا الهوائية aerobic bacteria كائناتٌ دقيقة، تحتاج إلى الأكسجين لكي تنمو وتعيش؛ إذ تتوقف قدرتها على تحطيم الجزيئات العضوية والحصول على أكبر كمية ممكنة من الطاقة على وجودها ضمن بيئة غنية بالأكسجين، وبالمقابل لا تحتاج البكتريا اللاهوائية anaerobic إلى الأكسجين لتبقى حيّة، بل يمكن أن تموت في حال توفر الأكسجين.
لا يتم تحديد استجابة البكتريا للأكسجين ببساطة عن طريق احتياجاتها الاستقلابية (الأيضية)؛ فالأكسجين يشكل العديد من المنتجات الثانوية السامة، مثل فوق الأكسيد ، بيروكسيد الهدروجين أو الماء الأكسجيني H2O2، وكذلك جذر الهدروكسيل OH-، لكن البكتريا الهوائية تنتج إنزيمات خاصة تزيل سموم منتجات الأكسجين تلك. ومن أكثر الإنزيمات شيوعًا إنزيم الكاتلاز catalase، الذي يحطم بيروكسيد الهدروجين، وإنزيم فوق أكسيد الديسموتاز superoxide dismutase، الذي يحطم فوق الأكسيد. إن العمل المشترك لهذه الإنزيمات مهم للغاية؛ لأن هذه المنتجات الثانوية تشكل بوجود الحديد جذر هدروكسيل شديد التفاعل، قادراً على قتل الخلية البكترية.
أنماط البكتريا من حيث علاقتها بالأكسجين
تعدّ قدرة بعض أنواع البكتريا على النمو بوجود الأكسجين أو غيابه من أهم الصفات الحيوية الكيميائية المميزة لها؛ لذا استُخدِمَت هذه الصفة في تحديد ثلاثة أنماط من البكتريا، هي:
- البكتريا الهوائية التي تنمو بوجود وفرة من الأكسجين فقط.
- البكتريا اللاهوائية التي تنمو في غياب الأكسجين فقط.
- البكتريا اللاهوائية اختياراً facultative anaerobes التي تنمو بوجود الأكسجين أو غيابه على حد سواء.
وبالتالي تُميَز الأنماط الآتية:
1- بكتريا هوائية مجبرة obligate aerobes: وهي بكتريا تحتاج إلى الأكسجين بكميات كافية لتبقى على قيد الحياة، إذ تستخدم الأكسجين بعملية التنفس الخلوي لأجل أكسدة مواد؛ كالدهون والسكريات وإنتاج الطاقة. من أمثلة هذا النمط من البكتريا جنس العصوية Bacillus.
2- بكتريا لاهوائية مخيّرة facultative anaerobes: تستخدم الأكسجين إذا كان متاحاً، فهي قادرة على الحياة بوجود الأكسجين أو غيابه، ولديها أيضاً طرائق لاهوائية لإنتاج الطاقة، مثل البكتريا التي تعيش في الأمعاء (المعوية) السالبة الغرام gram-negative، وجنس العنقودية Staphylococcus من البكتريا الموجبة الغرام gram-positive التي تعيش على سطح الجلد.
3- بكتريا أليفة الهواء القليل microaerophiles: تحتاج إلى الأكسجين لإنتاج الطاقة والنمو لكن بكميات قليلة أقل مما هي عادة في الهواء الجوي، إذ تتضرر من تركيز الأكسجين في الغلاف الجوي (21 %)، مثل المَلوِيَّة البوابية Helicobacter pilori التي تسبب التقرحات المَعِدية.
4- بكتريا لاهوائية متحملة الهواء aerotolerant anaerobes: وهي بكتريا لاتتأثر بالأكسجين، فهي لا تستطيع استعماله، لكنها لا تتعرض للأذى بسببه، مثل بكتريا العصيات اللبنية Lactobacillus التي تعد جزءاً من النبيت المجهري microflora في الأمعاء.
5- بكتريا لاهوائية مجبرة obligate anaerobic: تموت بوجود الأكسجين، مثل المطثية الكزازية Clostridium tetani المسببة لداء الكزاز tetanus، والمطثية الوشيقية C. botulinum المسببة للتسمم، والمطثية الحاطمة C. perfringens والمطثية العسيرة C. difficile التي تتميز بقدرتها على إنتاج الأبواغ الداخلية التي تساعدها على الدخول في سبات لدى تعرضها لظروف قاسية.
جدير بالذكر، أن الكائن الحي عندما يكون قادراً على البقاء في بيئات هوائية ولاهوائية على حد سواء، فإن استخدام أثر باستور Pasteur effect (التأثير المثبط للأكسجين في عملية التخمر fermentation) يُمَكن من التفريق بين البكتريا اللاهوائية المخيّرة والبكتريا متحملة الهواء. فإذا كان الكائن الحي يستخدم التخمر في بيئة لاهوائية فإن إضافة الأكسجين ستؤدي إلى توقف البكتريا اللاهوائية المخيّرة عن التخمير والبدء في استخدام الأكسجين للتنفس، في حين أن البكتريا اللاهوائية متحملة الهواء تستمر في عملية التخمر بوجود الأكسجين.
يمكن تنمية البكتريا الهوائية بسهولة على نطاق صغير ضمن أنابيب ودوارق، وذلك من خلال حضنها في وسط مناسب وضمن الشروط الجوية العادية، أما في العمليات الواسعة النطاق فيجب أن يكون وسط الزرع معرضاً للهواء مع وجود وفرة من الأكسجين لأجل تنفس البكتريا. ويكون مؤشر توفر الأكسجين ضمن الطور السائل من خلال قياس كمية الأكسجين المنحل فيه. ويختلف توضع البكتريا ونموها في الأوساط السائلة وفقاً لعلاقتها بالأكسجين؛ إذ تتوضع البكتريا المجبرة هوائياً في قمة أنبوب الاختبار لكي تحصل على أكبر كمية من الأكسجين، وغالباً ما تتوضع البكتريا اللاهوائية المخيّرة في قمة الأنبوب حيث يكون التنفس الهوائي أكثر فاعلية للحصول على الطاقة، وبما أنها لا تتعرض لأي أذىً عند انخفاض مستوى الأكسجين يمكن أن توجد بكامل أنبوب الاختبار. أما البكتريا اللاهوائية متحملة الهواء فهي لا تتأثر بالأكسجين؛ لذلك من الممكن أن توجد بكل أنبوب الاختبار. و تتوضع البكتريا اللاهوائية المجبرة في القاع لتتجنب الأكسجين، في حين تتوضّع البكتريا الأليفة لقلة الهواء في الجزء العلوي من الأنبوب لكن تحت السطح، حيث تحتاج إلى الأكسجين لكن بتركيز أقل مما هو في الهواء (الشكل 1).
الشكل (1) نمو البكتريا في الوسط المغذي السائل بحسب حاجتها إلى الأكسجين. |
ميزات البكتريا الهوائية
تستطيع العديد من البكتريا الهوائية استعمال الآزوت الجوي، مثل جنس الآزوتية Azotobacter، وتحويله إلى مركبات آزوتية في عملية تدعى تثبيت الآزوت الجوي؛ مما يؤدي إلى زيادة محتوى هذا العنصر في التربة وزيادة خصوبتها. وتعدّ البكتريا الهوائية المفَكِّكَة للسلولوز الأكثر انتشاراً في التربة. ففي عام 1918 أمكن عزل واحدة من هذه البكتريا، وسميّت عندئذٍ الملتوية اللاغفة (ملتهمة الخلايا) Spirochaeta cytophaga، ووُصِفت بأنها عصوية طويلة وذات نهاية مدببة. وتُفَكِّك الشعّيات Actinobacteria السلولوز أيضاً لكن في الظروف الهوائية. ويمكن ذِكر أجناس من الشعّيات المفككة للسلولوز، وهي الأجناس: المتسلسلة Streptomyces والبَوغانة Micromonospora وعقدية المَباغ Streptosporangium. تجدر الإشارة إلى أن الكثير من البكتريا تقوم بتفكيك السلولوز عند توفر الأكسجين، ويكون هذا التفكك
-بصورة عامة- بطيئاً في حال غيابه. كما تتميز البكتريا الهوائية بقدرتها على التفكيك البطيء للسوبيرين suberin (مادة شمعية في النبات) في الظروف الهوائية وفي درجات الحرارة المتوسطة، مثل الجنسين الزائفة Pseudomonas والمُكَيَّرة Micrococcus.
أمثلة عن البكتريات الهوائية
1- العصويات Bacillus: يعدّ جنس العَصَوِية Bacillus (الشكل 2) من أقدم الأجناس البكترية المعروفة التي تتميز بدور مهم في تطور علم الأحياء الدقيقة، وقد سجّل فرديناند كون Ferdinand Cohn أول إشارة إليه في عام 1872 عندما عمل على تسمية بكتريا النوع العصوية الرقيقة Bacillus subtilis وعرَّفَها بأنها إيجابية الغرام، قادرة على النمو بوجود الأكسجين، وتُشكّل نمطاً فريداً لخلية هاجعة تُدعى البوغة الداخلية endospore، وكانت نموذجاً لجنس كبير ومتنوع من البكتريا دعي لاحقاً بالعَصَوِية.
الشكل (2) العصويات Bacillus. |
أهم صفة تجمع هذه البكتريا أنها موجبة الغرام، متبوّغة، تنمو بوجود الأكسجين، وتكوّن الأبواغ الهوائية. خلاياها عصوية الشكل، مستقيمة أو شبه مستقيمة، منتجة للأبواغ الداخلية المقاومة للكثير من الظروف القاسية، تبقى حية فترة طويلة، تتكوّن بوغة واحدة في الخلية إيجابية الغرام، أو إيجابية فقط في المراحل المبكرة من النمو، أو سلبية، أو هوائية مجبرة، أو هوائية مخيرة. معظم سلالات هذا الجنس منتج لإنزيم الكاتالاز، إيجابية الأكسيداز أو سلبيته. يمكن أن تصادف هذه العصية مفردة أو في سلاسل، قد تكون طويلة جداً أو أن لها نهايات مدورة أو مربعة. وهي صغيرة
(0.5 - 1.2 مكرومتر)، أو كبيرة (2.5 - 10 مكرومترات). ويُعدّ شكل المَباغة sporangium صفة مميزة لأنواع العصيات، وتكون الأبواغ الداخلية عادةً أسطوانية الشكل، أو بشكل قَطع ناقص مجسم أو بيضوي أو كروي، لكن سلالات بعض الأنواع تُكَوِّن أبواغاً داخلية بشكل الكلية. أما توضع البوغة ضمن المباغة فيمكن أن يكون مركزياً أو قرب مركزي أو تحت طرفي أو طرفياً أو جانبياً، والخلية الأم يمكن ألا تغير شكلها، أو قد تنتفخ فتكون مغزلية خلال تشكّل الأبواغ الداخلية. وتتحرر الأبواغ الداخلية الناضجة ضمن المباغة نتيجة تحللها. ويمكن أن تتكوّن محفظة capsule في بعض السلالات في ظروف معينة، ويمكن أن تُنتِج خلايا بعض الأنواع صباغاً بألوان مختلفة (الأسود والأصفر والبرتقالي والبني والأحمر) في ظروف استزراع خاصة. كما أن معظم أنواعها تتحرك بوساطة سياط flagella محيطية، وفي بعض المراحل لا يُرى إلا القليل من السياط، في حين يكون شكل المستعمرة وحجمها متباينين جداً، وربما تنتج الصباغ على أوساط معينة. يتباين عموماً مظهر المستعمرات تبعاً للعوامل البيئية، مثل تركيب الوسط (الشكل 3) ودرجة حرارة الحضن والرطوبة، إضافة إلى التغيرات البيئية الناتجة من تطور السلالة النامية ذاتها، ويعتمد قطر المستعمرات على عدد المستعمرات النامية على الطبق، إضافة إلى تركيز العناصر المغذية وكمية الآغار المغذي، ما عدا قلّة من السلالات التي تكوّن مستعمرات صغيرة فقط.
الشكل (3) نمو بكتريا عصوية على الوسط الصلب. |
يلفت الانتباه في هذا الجنس التنوع الواسع لاحتياجاته الغذائية وشروط النمو، على الرغم من أن غالبية السلالات تنمو جيداً على الآغار المغذي، وقد دُرست قدرة الأنواع على النمو في درجات الحرارة المنخفضة والمرتفعة، ودرجات الحموضة المنخفضة والمرتفعة، وتعدّ الأنواع الأليفة الحرارة والأخرى الأليفة القلوية ذات أهمية كبيرة بسبب خصائص الإنزيمات ذات القيمة التجارية التي تنتجها.
توجد هذه البكتريا في جميع البيئات (التربة والماء والغبار المنقول جواً)، ويوجد بعض الأنواع على نحو طبيعي ضمن فلورا أمعاء الإنسان. وينتشر معظمها بصورة واسعة في الطبيعة، لكن لا يرتبط وجودها بالموئل الطبيعي بسبب الانتشار المنفعل واستمرار الأبواغ ومقاومتها. ويُعتقَد أن تكوّن الأبواغ الموجودة عموماً في أفراد هذه المجموعة يمثل استراتيجية للنجاة في بيئة التربة حيث تسود هذه البكتريا. ويمكن تفسير وجود هذه البكتريا في الهواء في معظم الموائل المدروسة بالانتشار الهوائي للأبواغ. وتتوزّع أنواعه على نحو كبير في التربة وبدرجة أقل في المياه، كما يمكن أن تنتشر في البيئات شديدة الملوحة. وهي تُكوِّن 67 % من الأنواع التي تنتشر بصورة جماعات على أوساط الآغار المغذية، وبأعداد في الغرام الواحد من التربة، وتوجد هذه البكتريا بصورة أبواغ حيث يمكن أن تبقى ساكنة عدة سنوات في الترب التي تُرِكَت فترة طويلة من دون إمداد بالمواد العضوية، فإذا ما توفرت فيها العناصر الغذائية المناسبة فإنها تبدأ نشاطها مرة أخرى، وتكون نسبة الأبواغ من إجمالي الأبواغ والخلايا الإعاشية 60-100 % عادةً.
يعود الانتشار الكبير لأنواع هذا الجنس إلى قدرة بعضها على التكيف مع البيئات القاسية، فهي تتمكن من النمو في مدىً بيئي واسع في درجة حرارة تراوح بين 2° و78 ºس، وباهاء (pH) 2-12، وملوحة 0-30 %، وتحت ضغط 0.1-30 ميغاباسكال (megapascal, Mpa)، وما يميزها أيضاً أنها تبدي تنوعاً كبيراً في الوظائف، وقدرة على تفكيك معظم المواد المشتقة من مصادر نباتية أو حيوانية، والتي تشتمل على السلولوز والنشاء والبكتين pectin والبروتينات والآغار agar والسكريات وغيرها، ويقوم بعض الأنواع بعملية النترجة nitrification ونزع الآزوت denitrification وتثبيت الآزوت nitrogen fixation. وقد منحت هذه الصفات العصويات إمكانية استخدامها في تطبيقات صناعية واقتصادية، كما أنها تمتلك تاريخاً مميزاً في مجالات التقانات الحيوية، ومن المحتمل أن اليابانيّين قد استعملوها بداية في تحضير طعام شعبي مُخَمَّر من قش الأرز وفول الصويا. أما في الغرب فإن استثمار أفراد هذا الجنس كان أكثر حداثة، حيث بدأ بصنع الأميلاز amylase والبروتياز proteases في بداية القرن العشرين، لكن استعمالها وإنتاجها على نحو ذي قيمة قد تأخر إلى ما بعد العام 1950 عندما أمكن الحصول على فوائد من إضافة البروتياز القلوي alkaline protease إلى مساحيق الغسيل، ثم تبع ذلك تطورات في التحويل الجزيئي للنشاء إلى محاليل ذُرَة عالية الفركتوز fructose استخدمت بديلاً للسكروز في الأطعمة والأشربة.
ويبين الجدول (1) بعض الإنزيمات الصناعية المهمة المُنتَجَة بوساطة جنس العصوية Bacillus.
|
||||||||||||||||
الجدول (1) |
2- الشُعِّيات Actinobacteria: تختلف البكتريا اختلافاً واضحاً بعدد من الصفات عن الفطريات، غير أنه ثمة مجموعة ثالثة من الأحياء الدقيقة تقع بين البكتريا والفطريات تتداخل حدودها مع كلتا المجموعتين، وتدعى الشُعِّيات Actinobacteria أو Actinomycetes. تنتمي هذه الشعّيات إلى رتبة الشعّاوات Actinomycetales، وهي بكتريا موجبة الغرام، يمكن أن تعيش في الماء أو التربة، تحوي مادتها الوراثية (DNA) نسباً عالية من الغوانين والسيتوزين، وتعدّ من أكبر المجموعات البكترية المنتجة للمستقلَبات الثانوية التي تتصف بأهمية تطبيقية كبيرة؛ لذلك لها أهمية كبيرة في مجالات التقانة الحيوية والمجالات البيئية وإنتاج الأدوية.
وباستثناء جنس الشُعِّية Actinomyces تكوّن الأجناس المختلفة من هذه البكتريا خيوطاً رفيعة تدعى الأفطورة mycelium الكاذبة التي من الممكن أن تكون هوائية أو لاهوائية. تشبه الأفطوراتُ الخيوطَ الفطرية من حيث الشكل، إلا أنها أرقّ، وتراوح أقطارها بين 0.5 و1 مكرومتر، وقد يبلغ قطر الخيط في بعض الأجناس 2 مكرومتر، إضافةً إلى أن الكثير من الشعّيات يكوّن أبواغاً لاجنسية سواء مفردة أم في أشفاع أم في سلاسل، وتسمى الغُبَيْرات conidia، ويحمل القليل منها الأبواغ داخل أجسام خاصة تسمى المَباغات sporangia، كما تبدي مثل هذه الأجناس البكترية تنوعاً واسعاً وكبيراً جداً من حيث الصفات المورفولوجية المجهرية (الشكل 4)، فمن الممكن أن تأخذ أشكالاً مكورة، أو عصوية مكورة مثل جنس الفَصْلاء Arthrobacter، أو شكل خيوط مجزأة، مثل جنس النوكاردية Nocardia، أو شكل أفطورة متفرعة مميزة بوضوح، مثل الأنواع التابعة لجنس المتسلسلة Streptomyces.
الشكل (4) صور بالمجهر الإلكتروني الماسح لبعض أنواع الشُعِّيات. |
تتشابه الشعّيات مع الفطريات بالصفات الثلاث الآتية:
1- تتميز الشعّيات بخاصية التفرع الغزير الذي يميز الفطريات عادةً.
2- يكوّن كثير من الشعّيات أفطورةً هوائيةً وغبيرات تماثل ما هو عند الفطريات تماماً.
3- في أثناء نمو الشعّيات في الأوساط الغذائية السائلة يندر جداً أن يؤدي النمو إلى تكوين عكر في المزرعة، كما يحدث في حال البكتريا، ولكنها تتجمّع في كتل أو كريات صغيرة مميزة، إضافة إلى ذلك لا تكوّن بعض أجناس الشعّيات أفطورة هوائية، فهي تتشابه مع جنس المُتَفَطِّرة Mycobacterium، ومع أنواع مجموعة وتديات الشكل Coryneforms بصورة عامة من حيث الصفات الشكلية والفيزيولوجية واستجابتها للمُلَوِّنات.
ومن النقاط الأخرى المهمة التي أدت إلى ضمها إلى البكتريا أن بعض أجناسها يحمل سياطاً تشبه مثيلاتها في البكتريا الحقيقية، كما يتشابه تركيب الجدار الخلوي وحساسيته تجاه المواد المثبطة لنمو البكتريا، وليس تجاه المواد المثبطة لنمو الفطريات، والأهم من ذلك أنها كالبكتريا بدائية النواة.
يمكن الاعتماد على العديد من الصفات الشكلية والفيزيولوجية والحيوية الكيميائية من أجل تصنيف الشعّيات، فيمكن بسهولة تعريف المستعمرات لأكثر أنواع الشعّيات انتشاراً عند نموها على الآغار المغذي، ففي بعض الأجناس تكون المجموعات النامية على سطح الآغار ذات قوام متماسك شديد الالتصاق بسطح الوسط الغذائي الصلب، وفي بعض الأجناس الأخرى يكون سطح المجموعة ذا مظهر طباشيري، وكثيراً ما يأخذ ألواناً متباينة عندما تتكون عليه الأبواغ الهوائية، أما في الأنواع ذات الأفطورة البسيطة فإن المجموعة تكون ذات قوام لين كالعجين الذي يتفتت عادة باللمس، كما تختلف ألوان الأفطورة الهوائية التي تكوّنها الشعّيات وكذلك الصباغ المنتج؛ إذ تصنف الشعّيات عادةً تبعاً لقدرتها على إنتاج مثل هذه الأصبغة أوعدمه، كما يؤدي مظهر سطح البوغة دوراً مهماً أيضاً في عملية التصنيف، وكذلك القدرة على استعمال المصادر الكربونية المختلفة مصدراً للطاقة، مثل: الأرابينوز والكزيلوز والإينوزيتول والفركتوز والمانيتول والرامنوز والسكروز والرافينوز.
هنالك تنوّع واسع في موائل أفراد هذه المجموعة وأساليب حياتها، حيث تعيش الشعّيات في البيئات والموائل المختلفة البرية والمائية وكذلك في البيئات المالحة، لكن وجودها وانتشارها الأساسي يكون في التربة، وكذلك يمثل بعض أجناسها مُمرِضاتٍ للأحياء، مثل النوكاردية والمتفطرة، وبعضها الآخر يتعايش مع النباتات، مثل الليفسونية Leifsonia، ويتمتع بعضها الآخر بالقدرة على تثبيت الآزوت الجوي، مثل الجنس فرانكية Frankia.
تؤدّي الشعّيات دوراً مهماً في تفكيك بعض المركبات المعقدة في البيئات الطبيعية والصنعية، حيث تكوّن الجزء الأساسي المفكك للمادّة العضوية في السماد المُخَلَّط compost وبعض المواد الأخرى، فيمكن عزل الشعّيات المفككة للخشب وللسلولوز من السماد المخلّط.
وتسود أفراد جنس المتسلسلة Streptomyces في التربة حيث تبلغ نسبتها 90-70 %، وتليها من حيث الوفرة أفراد جنس النوكاردية Nocardia. وتعدّ الأنواع من جنس البَوغانة Micromonospora ثالث الأجناس من حيث انتشارها في التربة بنسبة تراوح بين 1 و15 %.
3- جنس النوكاردية Nocardia: بكتريا هوائية مجبرة موجبة الغرام، تأخذ أشكالاً عصوية وسلاسل متفرعة، ويمكن أن تكون عصوية ثم تتقطع بشكل كروي، خيطية (الشكل 5)، وتُشكل أبواغاً داخلية غير متحركة، تنمو في درجات الحرارة المتوسطة، وتراوح ألوان مستعمراتها بين الأبيض والبرتقالي والأحمر. تُحاط الخلية بغلاف من الببتيدوغليكان peptidoglycan. وهي غيرية التغذي، توجد غالباً في التربة حيث تعتمد الموائل التي تعيش فيها على حاجاتها إلى النمو والحياة؛ لذلك يُلاحظ وجودها غالباً في تلك التي تحوي مواد عضوية وبقايا نباتية وحيوانية، وأحياناً في نسج الإنسان. تُشبه الشُعِّيات Actinomyces من ناحية المظهر (الشكل 6)، وتتميز بقدرتها على تفكيك العديد من السكريات، تُستعمل أنواعها على نحوٍ واسع في التقانات الحيوية بسبب نشاطها الحيوي وقدرتها على التفكيك وإنتاج الصادات الحيوية، إذ تستعمل أنواع جنس النوكاردية في إنتاج البروفينات profens والفينولات phenolate والستيرويدات steroids ومركبات البريميدين pyrimidines وغيرها.
الشكل (5) صورة مجهرية لبكتريا نوكاردية. | الشكل (6) نمو بكتريا النوكاردية على الأوساط الصلبة. |
4- جنس البوغانة Micromonospora: يُعدّ هذا الجنس من المصادر المتميزة بالفاعلية الحيوية، مثل الصادّات الحيوية والإنزيمات، ويأتي بعد جنس المتسلسلة من حيث أهمية الأجناس ضمن الشعّيات. وهو واسع الانتشار في البيئات والموائل المختلفة، لكنه لا يعدّ الجنس السائد في مجتمعات الشعّيات، وله مكانة مهمة جداً في الترب الدبالية، ويؤدي دوراً رئيساً في تحليل المادة العضوية (الشكل 7).
الشكل (7) صورة مجهرية لجراثيم البوغانة Micromonospora. |
تبدو مستعمراته على سطح الوسط الصلب في هيئة ملتفة، بلون أصفر باهت أو برتقالي، يتحول إلى الأرجواني أو البني أو البرتقالي القاتم أو الأخضر المزرق (الشكل 8)، وتظهر المستعمرات الناضجة بلون غامق طوال فترة إنتاج الأبواغ البنية المسودة أو الخضراء المسوّدة أو السوداء كذلك، ويمكن تمييز مستعمرات البوغانة من باقي الأجناس اعتماداً على التغيرات اللونية بين البني القاتم والأسود، وتكوين قوام جاف أو مخاطي للأبواغ القاتمة. كما يمكن الاعتماد على إنتاج الصباغ الأفطوري الأحمر أو البرتقالي أو الأصفر صفة تشخيصية مميزة للسلالة أو النوع؛ فهناك نوعان من صباغ الأفطورة المعروفة عند أفراد هذا الجنس، وهما الصباغ الأرجواني الداكن عند البوغانة شوكية الأبواغ M. echinospora والبوغانة الأرجوانية Microspora purpurea، والصباغ الأخضر المزرق عند البوغانة الكورولية M. corulea، أما التنامي الأفطوري والصفات المورفولوجية لحوامل الأبواغ فلها قيمة تشخيصية للنوع ضعيفة.
الشكل (8) نمو بكتريا البوغانة على الوسط المغذي. |
تمتلك معظم السلالات قدرة كبيرة على تفكيك البروتين والسلولوز والنشاء، كما أن معظم أنواعها هوائية، وهناك نوعان فقط لاهوائيان.
تنمو هذه البكتريا جيداً في درجات الحرارة 20º – 40ºس، في حين لا تتحمل درجات الحرارة التي تزيد على 50ºس، أما الأبواغ فهي قادرة عموماً على تحمّل الحرارة الرطبة بين 60º و90ºس، ولكن تعرضها لدرجة الحرارة 90ºس أكثر من 15 دقيقة يؤدي إلى تلفها.
ويمكن لأنواع من هذا الجنس أن تفكك البكتين pectin والسلولوز والهيميسلولوز hemicellulose، وينمو بعض الأنواع على الأوساط الغذائية الفقيرة بالمادة العضوية، وتدعى الأحياء الدقيقة أليفة قلة الكربون oligocarbophilic.
5- العصيات اللبنية Lactobacillus: بكتريات موجبة الغرام، لاهوائية مخيرة، توجد في أمعاء الإنسان (الشكل 9)، وتُستعمل لإنتاج مشتقات الحليب والخمور والكثير من الأغذية المتخمرة، وفي أعلاف الحيوانات التي تُسمى السيلاج silage. تعيش في جسم الإنسان من دون أن تسبب له أي مرض بل تقوم بمساعدته في عمليات الهضم، وتُستعمل في حالات الإصابة ببكتريا المَلوِيّة المعوية Helicobacter pylori المسببة لتقرحات المعدة، وتؤدي دوراً مهماً في جسم الإنسان بما تقوم به من مساعدة على هضم الطعام وتفكيكه.
الشكل (9) صورة مجهرية لبكتريا العصيات اللبنية Lactobacillus. |
6- جنس الزوائف Pseudomonas: بكتريا عصوية سالبة بصبغة غرام، مستقيمة أو محنية نسبياً (الشكلان 10 و11)، هوائية مجبرة، فيما عدا بعض الأنواع التي تُعَدّ نازعة للآزوت، غيرية التغذي وغير متبوغة، أبعادها مكرومتر، تتحرك عادة بسوط قطبي وحيد أو مجموعة من السياط، يراوح ما يحويه الـDNA من الغوانين والسيتوزين بين 58 و71 %. وهي بكتريات موجبة تفاعل الكتلاز catalase- positive، ويفرز بعض أنواعها صبغة مفلورة في الأوساط التي يعوزها الحديد.
الشكل (10) البكتريا الزائفة Pseudomonas. | الشكل (11) نمو البكتريا الزائفة على الوسط الصلب. |
تتميز هذه البكتريا بنشاطها الإنزيمي الشديد؛ فهي قادرة على تفكيك البروتينات والدهون والسكريات وغيرها من المواد العضوية، وتسهم بذلك في تنظيف الطبيعة من المخلفات، ويمكنها تركيب عوامل نمو إضافة إلى الفيتامينات التي تحتاج إليها، وكذلك يمكنها النمو والتكاثر في درجات حرارة متباينة، إذ يمكنها التكاثر في درجات حرارة منخفضة تراوح بين الصفر و10ºس، وفي درجات حرارة معتدلة تصل إلى 40ºس، ولا تنمو في درجة أعلى من 42ºس، وغالبيتها تمتلك إنزيمات الأكسيداز.
تعدّ هذه البكتريا مهمة في توازن الطبيعة وفي الشؤون الاقتصادية للإنسان؛ لأنها قادرة على التفكيك الهوائي aerobic decomposition والتدرك الحيوي biodegradation، ولاسيما في دورة الكربون، وتتميز أنواعها بالقدرة على تفكيك المركبات المستعصية جداً، بما فيها الفحوم الهدروجينية hydrocarbons الأليفاتية والعطرية والحموض الدسمة ومبيدات الحشرات وغيرها من الملوثات البيئية. وتستطيع تفكيك السكريات والنشاء والسلولوز، إذ يستعمل بعض الأنواع السلولوز مصدراً وحيداً للكربون، كما تتمكن من تفكيك الهيميسلولوز hemicellulose إذ تم تفكك الكزيلوز xylose على مرحلتين، تشترك فيه (أي في تفكيك الكزيلوز) ثلاثة أنواع من الإنزيمات الداخلية والخارجية وإنزيمات الغلوكوزيداز التي تفكك السكريات الناجمة عن المرحلة الأولى، فيتحول محتوى الهيميسلولوز من الكربون في النهاية إلى ثنائي أكسيد الكربون وسكريات بسيطة وحموض عضوية وكحولات مختلفة، بما فيها العطرية المعقدة التي تسهم في تكوين الدبال.
تتمكن هذه البكتريا من إنتاج المتيلين عند وجودها في شروط المختبر، إذ تفكك الهدروكربونات العطرية كالفينيل بروبان في الظروف الهوائية، وتتكون الزمر الهدروكسيلية، إضافة إلى تفكيك الهدروكربونات الغازية كالإتان والبروبان والبوتان، ويمكن لبعض أنواع هذه البكتريا استعمال واحد من 90 مركباً كربونياً عضوياً مختلفاً مصدراً وحيداً للكربون والطاقة، كما تعمل على التفكيك البطيء للخشبين في الشروط الهوائية ودرجات الحرارة المعتدلة.
مراجع للاستزادة: - ابتسام حمد، ميكروبيولوجيا الهواء والتربة، منشورات جامعة دمشق، 2005. - ابتسام حمد، عدنان علي نظام، الفيروسات والجراثيم، منشورات جامعة دمشق،1998. - R. Anandan, D. Dharumadurai, and G. P. Manogaran, An Introduction to Actinobacteria. In Actinobacteria-Basics and Biotechnological Applications. IntechOpen 2016. - J. W. Dale, ana S. F. Park, Molecular genetics of bacteria. John Wiley & Sons 2013. - A. B. de Menezes, , R. J. Lockhart, M. J.Cox, H. E. Allison, and A. J. McCarthy, Cellulose Degradation by Micromonosporas Recovered from Freshwater Lakes and Classification of These Actinomycetes by DNA Gyrase B Gene Sequencing. Appl. Environ. Microbiol 2008. - P. Singleton, Bacteria, Biology, Biotechnology and Medicine 2004. |
- التصنيف : الوراثة والتقانات الحيوية - النوع : الوراثة والتقانات الحيوية - المجلد : المجلد الخامس مشاركة :