استقطاب (مقاييس وتطبيقات )
Polarimeters - Polarimètres

الاستقطاب (مقاييس وتطبيقات -)

عصام الجغامي

 

مقياس الاستقطاب polarimeter أداة علمية تُستخدم في قياس زاوية الدوران الناجمة عن تمرير ضو مستقطب polarized light عبر مادة نشطة بصرياً optically active.

ثمة تطبيقات كثيرة لقياس الاستقطاب polarimetry applications؛ إذ يُستخدم قياس الاستقطاب- على سبيل المثال- في منظومات الاستشعار من بعد لمراقبة الغابات والتصحر والمحيطات، كما يُستخدم في مراقبة الفلك، وأيضاً في مراقبة الجودة والتحكم بالإجرائيات في الصناعات الدوائية والكيميائية والغذائية. تُستخدم هذه المقاييس كذلك في المنظومات الرادارية والاستطلاع.

توجد مقاييس مختلفة تقنياً وتقانياً نظراً لاختلاف التطبيقات والمنظومات وظروف العمل.

1- مقاييس الاستقطاب البصرية

يمكن تقسيم هذه المقاييس إلى نوعين رئيسين: يستند النوع الأول إلى مقاييس التداخل interferometers، وتمتاز بحساسيتها ودقتها المرتفعتين. أما النوع الثاني فيعتمد على استخدام ترتيبات محددة من المرشحات الاستقطابية polarizing filters والصفائح الموجية wave plates مع مجموعة من العدسات lenses والمرايا mirrors.

تُستخدم مقاييس الاستقطاب ذات البلورات الاستقطابية polaroid-type لقياس كل من الاستقطاب الخطي والدائري؛ على نحوٍ منفصلٍ. وتعتمد على تمرير نوع واحد من أنواع الاستقطاب فقط. يمتاز هذا النوع من المقاييس بأنه سهل التصنيع، ومن مساوئه عدم الاستفادة من نصف شدة الضو الوارد، وعدم ملا مته لإجرا القياسات المتزامنة. ولما كان الزجاج الاستقطابي غير حساس للاستقطاب الدائري؛ فإنه من الضروري في البداية تحويل الضو المستقطب استقطاباً دائرياً إلى ضو ٍ مستقطب استقطاباً خطياً باستخدام صفيحة ربع موجية quarter-wave plate، ومن ثمَّ إجرا القياس.

تُقسم مقاييس الاستقطاب الثنائية الحزمةdual-beam إلى مقاييس تعمل على قياس الاستقطاب الخطي، وأخرى تعمل على قياس الاستقطاب الدائري. وتعتمد هذه المقاييس على الاحتفاظ بحالتي الاستقطاب الخطي للحزمة الواردة؛ بوساطة شطرهما باستخدام محلل analyzer، مثل موشور ولاستون Wollaston prism الذي يمتلك خصائص الانكسار المضاعف، ويحلل حالتي استقطاب الحزمة الضوئية الواردة عليه، ويشطرها إلى شطرين مستقطبين استقطاباً خطياً؛ كل منهما عمودي على الآخر.

تتطلب مقاييس الاستقطاب الثنائية الحزمة استخدام كاشفين لكل شطر من شطري الحزمة البصرية؛ فضلاً عن ضرورة التبديل بين شطري الحزمة بوساطة تدوير الموشور، أو استخدام صفيحة نصف موجية half-wave plate. أما عندما يكون الضو الوارد مُستقطباً استقطاباً دائرياً؛ فيتوجب تحويله إلى ضو مُستقطب استقطاباً خطياً باستخدام صفيحة ربع موجية مع موشور ولاستون، كما يمكن أيضاً الاستعاضة عن الموشور ببلورة من الكالسيت المضاعف تمتلك خصائص الانكسار المضاعف.

2- مقاييس الاستقطاب الرادراية

استُخدم قياس التداخل بوساطة رادار الفتحة المركَّبة (الصنعية) synthetic aperture radar (SAR) بنجاحٍ كبيرٍ لرسم خريطة طبوغرافية لسطح الكرة الأرضية، لكن ثمة ارتياب فيما إذا كانت الإشارات الراجعة إلى الرادار قادمةً من السطح الفعلي للأرض، أو من نقاط مرتفعة مثل قمم الغابات. يمكن بدراسة خصائص التداخل في معطيات الاستقطاب الحصول على بعض المعلومات التي تدل على مصدر التبعثر الراجع، وذلك بسبب اختلاف ميزات الاستقطاب العائدة إلى القمم النباتية عن تلك العائدة إلى سطح الأرض، والتي يمكن فصلها باستخدام التحليل الاستقطابي للمعطيات. ففي الحالات المثالية يمكن الحصول على معلومات عن كل من سطح الأرض وقمم الغابات، وكذلك متحولات التبعثر الخاصة بالمنطقة الواقعة بينها.

يعتمد الاستشعار من بُعد بالرادار radar remote sensing على العديد من التقنيات، منها قياسات التداخل بالاستقطاب polarimetric interferometry. تمتلك هذه التقنية تطبيقات مهمة في قياس خصائص الحياة النباتية من بُعد؛ مثل تحديد ارتفاع الغابات، والكتلة الحيوية، ومراقبة سماكة الثلج والجليد على سطح الكرة الأرضية. تجمع هذه التقنية بين قياس الاستقطاب الراداري وقياس التداخل الراداري؛ إذ يتضمن الأول تبديل حالة استقطاب كل من الضو الصادر، والضو المتبعثر الراجع على الكاشف؛ لِقياس الفرق الناجم عن توجهات مكوِّنات مادة الهدف وشكلها.

من جهةٍ أخرى يشتمل قياس التداخل الراداري على تجميع الإشارات المترابطة القادمة من موضعين منفصلين مكانياً من الهدف، وذلك لاستخلاص فرق الطور وتشكيل مخطط التداخل. يمكن التوصل إلى ذلك بطريقتين مختلفتين؛ أولاهما قياس التداخل على طول الأثر، والأخرى قياس التداخل عمودياً على الأثر. تتضمن الطريقة الأولى إزاحات في الزمن بين الهوائيات المنفصلة على طول اتجاه طيران المنصة الحاملة للرادار، والتي تقود إلى تحديد السرعة. أما الطريقة الثانية فتتضمن انفصالاً جانبياً للهوائيات وتقود إلى معلومات مكانية مرتبطة بارتفاع الهدف المبعثر فوق الخلفية المرجعية الأساسية.

تختلف قياسات التداخل بالاستقطاب عن قياسات التداخل المألوفة؛ من حيث سماحها بتوليد مخطط التداخل لأي زوجين اختياريين من أزواج استقطاب الضو الصادر والمتبعثر الراجع. ينتج من ذلك أن طور مخطط التداخل يتغير باختيار الاستقطاب، ويقود ذلك إلى إمكانية استخلاص المتغيرات الحيوية والجيوفيزيائية المختلفة؛ اعتماداً على تفسير هذه التغيرات بطريقةٍ صحيحةٍ. وتسمح قياسات التداخل بالاستقطاب بتجاوز العديد من المعوقات التي تحدّ من استخدام كل من الطريقتين كل على حدةٍ.

تسمح تقنيات التصوير الطبقي بالاستقطاب المترابط polarization coherence tomography بالحصول على معلومات عن البنية الرأسية لمادة الهدف؛ أي معرفة تغيرات التبعثر في الاتجاه الرأسي. تقدم تقنيات قياسات التداخل بالاستقطاب إمكانية التصوير الثنائية الأبعاد، يكون البعد الأول على طول الأثر، وهذا ما يُعرف بمقدرة الفصل السمتية التي تعطى بنصف حجم الهوائي الفعلي، والبعد الآخر هو مقدرة الفصل على المدى المائل التي تتحدد بمقلوب مقدار عرض شريط الإصدار. ولما كان المقطع العرضي الذي يراقبه الرادار هو مجموع المساهمات القادمة من الأهداف المبعثرة جميعاً، والواقعة على المدى نفسه؛ فإنها تتضمن الارتفاعات جميعاً، لهذا فهي لا تشتمل على معلومات عن البنية الرأسية، ومن الضروري استخدام التصوير الثلاثي الأبعاد، أو التصوير الطبقي بالاستقطاب المترابط.

يمكن تصميم الهوائيات في جمل الرادار المعقّدة بحيث تكون قادرة على إصدار أمواج تمتلك أكثر من نوع من أنواع الاستقطاب واستقبالها. فعند إصدار أمواجٍ بأنواع استقطاب مختلفة يُستعمل الاستقطاب مفتاحاً لتوجيه الطاقة إلى الأجزا المختلفة من الهوائي على التعاقب. يمكن في بعض الحالات استخدام جزأي الهوائي معاً، كما في حالة الإشارات المستقطبة استقطاباً دائرياً، حيث يجري إصدارها بتغذية أجزا الهوائي على نحوٍ متزامنٍ بإشارات لها الشدة نفسها؛ ولكن تختلف فيما بينها في الطور بمقدار الوصف: 17078.jpg.

لما كان بإمكان الجسم المبعثِر أن يغيّر استقطاب الموجة المتبعثرة بحيث يختلف عن استقطاب الموجة الواردة؛ فإنه يصمم هوائي الرادار عادةً بحيث يكون قادراً على استقبال مركّبات الاستقطاب المختلفة للموجة الواردة على نحوٍ متزامنٍ. على سبيل المثال يمكن لجزأي الهوائي الأفقي والرأسي استقبال مركبتي الاستقطاب المتعامدتين للموجة الواردة، ومن ثمّ يجري الحفاظ على كل منها في الجملة الإلكترونية على نحوٍ منفصلٍ. وفقاً لذلك يمتلك رادار الاستقطاب التربيعي أربع قنوات؛ اثنتين للاستقبال واثنتين للإصدار، تتكون من تراكبات أنواع الاستقطاب الرأسية منها والأفقية.

يمتلك قياس الاستقطاب الراداري بالمنظومات الرادارية المحمولة جواً، وتلك المحمولة في الفضا ؛ تطبيقات متعددة. ففي الزراعة تعطي سلسلة مراقبات ميزات التبعثر الراجع - خلال أوقات العام المختلفة - معلومات عن تمايز المحاصيل ونموها ونضجها. يتضمن التبعثر الراجع عن الأهداف الزراعية كلاً من التبعثر الناجم عن سطح التربة، والتبعثر الناجم عن النباتات، والتبعثر الناجم عن تأثيرهما معاً، لكن المساهمة النسبية لكل منها تتعلق بمتغيرات الهدف. ففي بداية نمو المحاصيل يسيطر جز التبعثر الناجم عن التربة، ومن ثم يسيطر جز التبعثر الناجم عن النباتات خلال مرحلة النمو الكاملة، وفي نهاية الموسم يكون التبعثر ناجماً عن كل من التربة والغطا النباتي معاً. فضلاً عن ذلك يُستفاد من هذه المعطيات في عملية مراقبة التصحر والحفاظ على التربة الخصبة، وكذلك زيادة إنتاجية المحاصيل ومعالجة المخلفات الزراعية.

3- مقاييس الاستقطاب التصويرية

يُعدّ قياس الاستقطاب التصويري الفعّال منه وغير الفعّالactive and passive imaging polarimetry أداة قيمةً جداً في تعزيز المعلومات المتوافرة في مختلف تطبيقات الاستشعار من بُعد. وقد بدأ قياس الاستقطاب التصويري في بداية العقد الثامن من القرن العشرين باستخدام كاميرا ماسحة تعتمد على مُحِسّ حراري تحت أحمر أضيف إليها كاشف أشعة تحت حمرا آخر وموشور استقطابي. بعد ذلك امتد قياس الاستقطاب التصويري إلى منطقة الطيف المرئي. وقد زُوّدت المركبات الفضائية المأهولة منها وغير المأهولة بمحسّات لقياس الاستقطاب، حيث كان بالإمكان قياس مركّبتين أو ثلاث مركّبات من مركِّبات الضو المستقطب خطياً.

يسيطر الانعكاس على ميزات الاستقطاب في الجز المرئي وتحت الأحمر من الطيف، ولهذا السبب تتعلق هذه الميزات بالمنبع الخارجي المضي ؛ مثل الشمس. ويمتلك الاستقطاب مجالاً ديناميكياً عريضاً، ويمكن أن يعطي تغيرات مكانية سريعة عند تصوير المناظر الخارجية. فضلاً عن ذلك تتعلق معلومات الاستقطاب المقِيسة بالترتيب الهندسي لكلٍ من المنبع والمنظر والكاشف، وبالنتيجة يمكن أن تتغير- على نحوٍ جوهري- تبعاً لأوقات النهار، أو موضع الكاشف. على سبيل المثال تتكون ميزات الاستقطاب في منطقة تحت الأحمر المتوسط من الطيف من الإشعاع المنعكس والصادر، وهذا ما يؤدي إلى إلغا درجة الاستقطاب الكلية أو تخفيضها. أما في منطقة تحت الأحمر البعيد فيسيطر الإصدار على ميزات الاستقطاب، ولهذا يمكن أن تكون هذه الميزات ثابتة مع الزمن ما دامت درجة حرارة المنظر ثابتة، لكن مقدرة الفصل المكانية تنخفض كثيراً، ويصبح تصميم الجملة أعقد.

يُستخدم قياس الاستقطاب الأحادي البعد البسيط في عمليات التصوير بوضع محلِّل استقطابي أمام الكاميرا، وضبط حالة استقطابه بحيث يزداد التباين بين الهدف المراد تصويره والخلفية. هذه هي التقنية الشائعة المستخدمة في التصوير الضوئي، مثل تصوير هدف مقابل ضو السما المستقطب خطياً. تُستخدم في التصوير تحت الما تقنية مشابهة، ولكن لتخفيف تأثيرات التبعثر يُستعمل محلل استقطابي خطي وآخر دائري؛ مع إضا ة بضو مستقطب وغير مستقطب. يمكن في بعض الحالات أن يمتلك الضو المتبعثر عن الوسط حالة استقطاب مفضَّلة على حالة استقطاب كل من المنبع وهندسة الإضا ة، لكن الاستراتيجية العامة تنحصر في اختيار المحلِّل الاستقطابي الذي يكون عمودياً على حالة استقطاب الخلفية أو السديم.

يُستخدم قياس الاستقطاب الثنائي الأبعاد في عمليات تصوير الأجسام الواقعة في أوساط ضبابية أو عكرة. في مثل هذه الحالات يمكن الحصول على تباين مهم في الصورة؛ بافتراض أن هناك فرقاً بين خصائص استقطاب الضو القادم من الخلفية وذلك القادم من الهدف. وقد بيّنت تطبيقات قياس الاستقطاب الثنائي الأبعاد في الأوساط الشديدة التبعثر ازدياد مدى كشف الهدف بمعامل يراوح ما بين الوصف: 17069.jpgإلى الوصف: 17060.jpg. علاوةً على ذلك يصل عمق الاختراق في الأوساط العشوائية خمسة أضعاف طول المسار الحر الوسطي للفوتون في تلك الأوساط أو أكثر من ذلك.

تعتمد أنظمة الليدار الاستقطابي polarized lidar ( قياس الاستقطاب التصويري الفعال) على تسجيل الضو المتبعثر الراجع بعد انبعاثه من ليزر نبضي باتجاه الهدف، وذلك في حالتين من حالات الاستقطاب أو أكثر تابعة للمدى. وفي مقاييس الاستقطاب الفعالة جميعاً يكون المنبع معروفاً ويمكن التحكم فيه، كما يمكن أن يصدر حالة واحدة أو حالتين من حالات الاستقطاب. علاوةً على ذلك تكون هذه المقاييس حساسة لحالتين من حالات الاستقطاب أو أكثر. هناك شكلان أساسيان لمقاييس الاستقطاب التصويرية الفعالة، يعمل الأول على أخذ المنظر كاملاً بصورة واحدة، في حين تعتمد منظومة الليدار على عملية المسح لتشكيل الصورة.

يُستخدم ليدار الاستشعار من بُعد الاستقطابي في الكشف عن وجود الجليد في الغيوم، وكشف جسيمات الغبار غير الكروية في الغلاف الجوي، وفي دراسة الغابات وخصائص سطح الكرة الأرضية، وتجمعات الأسماك في البحار والمحيطات.

يُستخدم قياس الاستقطاب - نظراً لدقته- في عمليات التحليل الصِغري micro والماكروي macro لِتحديد بنية العينات ذات الكميات الصغيرة جداً والغالية الثمن ودراستها. علاوةً على ذلك يُستخدم قياس الاستقطاب في عمليات ضبط الجودة والبحوث الصيدلانية والكيميائية بوساطة تحديد نقاوة المركبات بقياس دورانها النوعي والضوئي. كما يُستفاد من قياس الاستقطاب في دراسة المواد الأولية المستخدمة في صناعة الزيوت العطرية والصناعات الغذائية، وتمتلك العديد من المركبات الغذائية والدوائية مواصفات استقطابية معتمدة من منظمة الصحة العالمية.

4- مقاييس الاستقطاب في الفلك

يُعد قياس الاستقطاب أداة فعالةً جداً عند دراسة النجوم، والمواد ما بين النجوم (بينجمي) interstellar matter، والأجسام خارج المجرة extragalactic objects؛ لأنه يعطي معلومات عن البنية الهندسية للمنابع الفلكية الناشئة.

يصبح الضو القادم من المنابع الفلكية مستقطباً نتيجةً لانطلاقه من منطقة ذات تناظر كروي، وذلك إذا خصص التوجه بوساطة دوران الحقل المغنطيسي أو المدار الثنائي. يمكن أن يكون المنبع مستقطباً بحد ذاته كما في حالة إصدار حزمة في حقول مغنطيسية شديدة، أو الإصدار السنكروتروني synchrotron emission، أو اهتزازات البلازما، كما يمكن أن تُستقطب الأشعة بوساطة التبعثر على الغيوم، أو العوالق المختلفة.

وتؤدي قياسات الاستقطاب دوراً مهماً في اكتشاف الأجسام الواقعة خارج المجرات وتوصيفها، وقد أصبحت العلاقة بين الأنواع المختلفة لنوى المجرات الفعالة واضحةً بفضل النماذج الهندسية الموضوعة اعتماداً على معطيات الاستقطاب. أما في علم الفلك النجمي stellar astronomy فقد قدمت هندسة الرياح النجمية والأقراص النجمية وديناميكيتهما - المكتشفة بوساطة قياس الاستقطاب- تصوراً مفيداً عن عمليات ضياع الكتلة، ومن ثَم تطور النجوم وإغنا الوسط بين النجوم. وسمحت قياسات استقطاب الأزواج الطيفية بتحديد ميلها المداري وبالنتيجة كتلها، كما اكتُشفت الأقزام المغنطيسية البيضا والحقول المغنطيسية النجمية الأخرى بفضل المراقبات الاستقطابية. بيّنت دراسة خرائط استقطاب الوسط البينجمي البنية التفصيلية الدقيقة للحقول المغنطيسية، وأعطت معلومات مهمة عن مكوِّنات الحبيبات البينجمية وبنيتها. فضلاً عن ذلك يقدِّم الاستقطاب المعلومات الإضافية الضرورية لتحديد انعكاسية albedo حبيبات الغبار؛ لأن معرفة هذا المتحول تفيد في مناقشة تكوّن النجم.

بصرف النظر عن القيمة الواضحة للتوصيف الكامل للأشعة القادمة من المنابع السماوية، فإن تطبيقات المعطيات الاستقطابية ما تزال قليلةً، يعود ذلك إلى عدة أسباب؛ منها أن إجرا قياس الاستقطاب أصعب من إجرا القياسات باستخدام الطرائق الطيفية الأخرى نظراً للحاجة إلى نسب إشارة إلى ضجيج أكبر بعشرة أضعاف أو أكثر. ويعني ذلك أن أزمنة التعرض يجب أن تكون أكبر بمقدار يراوح من الوصف: 17051.jpgإلى الوصف: 17042.jpgمرة من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى يجب أن تكون الاستقطابية الآلية والاستقرار الآلي كذلك في المجال من الوصف: 17034.jpgإلى الوصف: 17024.jpgعلى الأقل. أما الصعوبة الأخرى فتنحصر في كون خلفية قياس الاستقطاب في المجال المرئي من الطيف - الناتجة من التلوث الضوئي والضو القادم من دائرة البروج zodiac والاستقطاب بين النجوم- تعقد على نحوٍ كبيرٍ عمليات المراقبة والتحليل. علاوةً على ذلك غالباً ما يرافق الاستقطاب التقلبات التي تُعدّ صفةً عامةً للنجوم غير الحرارية، ولهذا من الضروري إنجاز عمليات مراقبة إجمالية تقود إلى استثمار الطبيعة التنبئية للاستقطاب استثماراً تاماً.

بوجهٍ عامٍ يعطي قياس الاستقطاب في الفلك معلومات عن اللاتناظر، أو لا تماثل المناحي التي تتمتع بها التشكيلات الفلكية المختلفة، والتي يمكن أن تنجم بدورها عن المنبع بحد ذاته؛ أو عن الوسط الفاصل بين المنبع والكاشف، أو عن كليهما. ففي حالة المنابع النقطية يُعّد قياس الاستقطاب طريقة فريدة للحصول على معلومات مهمةٍ - لا يمكن الحصول عليها بأي طريقة أخرى- عن البنية الداخلية للمنبع. أما اللاتناظر المألوف فهو الحقول المغنطيسية أو اللاتناظر الهندسي في توزع الإشعاع المتبعثر. ويمتد مجال الأطوال الموجية للإشعاع المستقطب المراقب من منطقة الأشعة السينية إلى منطقة الأمواج الراديوية، وذلك تبعاً للخصائص المميزة لكل جز من أجزا المنبع المدروس، كما هو الحال في الشمس، والكوازارات (أشباه النجوم) quasars، ومجرات سيفيرت Seyfert.

تتنوع التقنيات المستخدمة في قياس الاستقطاب في علم الفلك من المراقبة البسيطة باستخدام مقطِّب إلى استخدام تقنيات معقدة جداً، مثل الصفائح الموجية المتغيرة مع الزمن مع كواشف متطورة؛ مثل صفيفات الديودات diode arrays، أو عناصر قرن شحنية charge-coupled devices، لهذا يمكن تقسيم قياسات الاستقطاب في علم الفلك إلى: قياس الاستقطاب باستخدام المرشِّحات الاستقطابية filter polarimetry ، وقياس الاستقطاب التصويري imaging polarimetry، وقياس الاستقطاب الطيفي spectro-polarimetry، وقياس الاستقطاب القابل للفصل زمانياً time-resolved polarimetry.

تُعدّ الحقول المغنطيسية من أهم العوامل المسبِّبة لاستقطاب الإشعاع في علم الفلك، ولهذا فإن قياس الاستقطاب هو الطريقة المباشرة لتحديد هذه الحقول التي تراوح شدتها بين الوصف: 17016.jpgفي الفضا البينجمي و الوصف: 17006.jpgفي النجم النبَّاض pulsar. ولهذا السبب تتعلق التقنيات المستخدمة تعلقاً شديداً بالجسم المدروس وطول الموجة. ففي الشمس والنجوم الشبيهة بها تتحدد الحقول المغنطيسية في مناطق النشاط المغنطيسي في كرة الضو photosphere بوساطة أثر زيمان Zeeman effect وأثر هينل Hanle effect، حيث بالإمكان استنتاج تغيرات حقول ثلاثية الأبعاد تابعة للزمن استناداً إلى مظهر الاستقطاب الخطي والدائري للخطوط الطيفية، وذلك بعد جمعها مع معطيات أثر دوبلر Doppler effect. من جهةٍ أخرى يعطي تطبيق تقنيات تصوير دوبلر على المقطع الجانبي profile لأثر زيمان معلومات تفصيلية عن البنية المغنطيسية لكرة اللون chromosphere. أما الحقول المغنطيسية للهالة corona الناجمة عن مناطق التوهج الشمسي فتُكشف على نحوٍ متكررٍ بوساطة قياس الاستقطاب الراديوي radio-polarimetry؛ حيث غالباً ما يكون الاستقطاب دائرياً. تبدي النجوم المتوهجة والنجوم الثنائية الواقعة في تأثير متبادل مع حقول مغنطيسية شديدة؛ استقطاباً راديوياً يحصل بآلياتٍ مشابهةٍ لتلك الحاصلة في التوهج الشمسي.

تمتلك بعض النجوم الأقزام البيض white dwarfs حقولاً مغنطيسيةً شديدةً تسمح بكشف أثر زيمان في مجالٍ عريضٍ جداً من الطيف الضوئي، ويقود ذلك إلى تشوه كامل الطيف. يقود تطبيق قياس الاستقطاب الخطي والدائري على كل من الخطوط الطيفية والطيف المتصل إلى معرفة تفاصيل هذه الحقول وآلية نشوئها. علاوةً على ذلك تؤدي دراسة تغيرات الاستقطاب خلال النبضات الراديوية للنجم النبَّاض إلى وضع تشكيلات الحقل المغنطيسي وآلية إشعاع هذه النجوم.

يمكن تحليل الحقول المغنطيسية لمجرة درب التبانة، والمجرات الحلزونية المجاورة باستخدام قياسات الاستقطاب الراديوي والبصري. تعتمد قياسات الاستقطاب الراديوي على استخدام دوران فاراداي Faraday rotation لمستوي الاستقطاب بهدف تقدير شدة المركّبة الطولية للحقل المغنطيسي في المنطقة الواقعة بين المنبع والمراقب. على وجه الخصوص يمكن كشف غيوم الهدروجين المعتدل في مجرة درب التبانة التي يمكن مشاهدتها في الامتصاص مقابل المنابع النقطية الشديدة ذات الإشعاع المستمر. كما استُخدم قياس الاستقطاب للحصول على تشكيلات الحقل المغنطيسي استناداً إلى إشعاع السنكروترون synchrotron emission الناجم عن بقايا السوبرنوفا (المستعر الفائق)supernova remnants . ومن الضروري الإشارة إلى أن قياس الاستقطاب الراديوي ذي مقدرة الفصل العالية قد استُخدم في دراسة الحقول المغنطيسية الناجمة عن الكوازارات والمجرات النشطة بوساطة المقاريب telescopes، ثم بوساطة رادارات الفتحة المركبة. يمكن لدمج تقنيات زوايا الاستقطاب الضوئي مع علم المورفولوجيا الراديوية حل لغز تشكل النجوم ثنائية الفص double-lobe.

يساعد قياس الاستقطاب في علم الفلك على معرفة آلية التبعثر، وتحديد مواضع المنابع الغامضة وخصائصها، ومعرفة الوسط المبعثر من ناحية الحجم والشكل ودرجة الانتظام ومعامل الانكسار. وقد استُخدم التبعثر عن الأقراص المتزايدة في دراسة إصدار نوى مجرات سيفيرت وبيئة الثقوب السودا وكوكب الزهرة. يُعّد الاستقطاب الخطي أداة تنبؤ واعدة في تفسير النماذج الفعالة جداً للنجوم المتطورة من فرع العملاق المقارب asymptotic giantإلى الغيوم السديمية للكوكب planetary nebulae.

الأبحاث الراهنة والآفاق المستقبلية

تركّز الأبحاث الحالية على المراقبات الاستقطابية الطيفية spectropolarimetric في المجال فوق البنفسجي من الطيف، لما لهذه الدراسات من أهمية كبيرة يمكن حصرها في سببين رئيسيين: الأول أن استقطاب المنابع الكونية العديدة - التي تُراقب من سطح الأرض- يستمر بالازدياد باتجاه الحد فوق البنفسجي للغلاف الجوي الأرضي، والتساؤل مطروح عن إمكانية استمرار الاستقطاب بالازدياد. أما السبب الثاني فهو أن آثار الخلفية المستقطبة - التي تحدّ من قياس استقطاب الضو المرئي- تتناقص على نحوٍ كبيرٍ في منطقة فوق البنفسجي.

يمكن في بعض التطبيقات أن تكون معطيات الاستقطاب المتعدد كافية لحل المسألة المدروسة؛ مثل تمييز الما والجليد من اليابسة على سطح الأرض من أجل رسم الخرائط، لكن تحتاج التطبيقات الأخرى إلى استخدام جميع مكنونات معطيات الاستقطاب بهدف إنتاج متحولات الاستقطاب الضرورية. مازالت البحوث في مجال فهم قياسات الاستقطاب الراداري واستثمارها مستمرة، وتُبذل جهود كبيرة في عمليات التطوير باستخدام كل من التقنيات التجريبية والنظرية على حدٍ سوا .

مراجع للاستزادة:

-D. Bruno and S. E. Hobbs, Radar Imaging From Geosynchronous Orbit: Temporal Decorrelation Aspects, IEEE Transactions on Geoscience and Remote Sensing, 48(7):2924 -2929, July 2010.

-D. Clarke, Stellar Polarimetry, Wiley-VCH Verlag, 2010.

-S. R. Cloud, Dual Baseline Coherence Tomography, IEEE Geoscience and Remote Sensing Letters, Vol. 14, No. 1, January 2007, pp. 127-131.

-H. Mott, Remote Sensing with Polarimetric Radar, Wiley-IEEE Press, 2007.

-J. Tinbergen, Astronomical Polarimetry, Cambridge University Press, 2005.


- المجلد : المجلد الثاني مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1