البروميليه
بروميليه
Bromeliaceae -
عماد القاضي
البروميلية Bromeliaceae فصيلة نباتات زهرية من أحاديات الفلقة تنمو في القارة الأمريكية، يلاحظ معظمها في المناطق المدارية منها وجز ضئيل منها في المناطق شبه المدارية، ولا يوجد سوى نوع واحد في جهة أخرى من العالم؛ إذ يوجد- لسبب مجهول- في غينيا بغربيّ إفريقيا نوع يسمى بيتكيرنيا فيليسيانا Pitcairnia feliciana، ولعل أكثر النباتات شهرة ضمن البروميلية هي الأناناس والحزاز الإسباني.
يعيش أكثر من نصف نباتات البروميلية حياة فوقية (هوائية) epiphytes، وهي نباتات تتثبت على جذوع الأشجار أو على ركائز أخرى بدلاً من الأرض، كما في جنس الحزاز الإسباني Spanish moss (الشكل 1).
أ- النبات النامي على جذع شجرة | ب- النبات النامي على أسلاك الهاتف. |
الشكل (1) الحزاز الإسباني |
تبدو النباتات البروميلية في الغالب جميلةً بألوانها وتنوعها؛ تبدي أوراقها نماذج وأشكالاً مختلفة لا تبديه فصائل أخرى في العالم من الأوراق الإبرية الدقيقة إلى العريضة والمسطحة، المتناظرة أو غير المتناظرة، المشوكة أو عديمة الأشواك؛ كما تبدي ألواناً متنوعة، ويمكن أن يكتسب بعضها ترقيشاً بالأحمر أو الأصفر أو الأبيض. الأوراق بسيطة، لا أذنية، تامة إلى مسننة أو شائكة الحافة، ذات تعصيب متوازٍ، تنمو عادة كوُرَيدة في أسفل النبات، وتتسع قواعدها قليلاً لتشكل ما يشبه الغمد، ويؤلف مجموعها ما يشبه الحوض يُحتجز الما ضمنه، ويغطي سطح الورقة أوبار وحراشف ترسية أو نجمية تسهم بامتصاص الما ، كما تمتلك أوراق بعض الأنواع نسيجاً مخزِّناً للما وقنوات هوائية.
النورات الزهرية غير محدودة النمو، انتهائية التموضع، وتُعدّ من بين أكثر النورات تنوعاً ضمن الفصائل النباتية، وهي تتباين في حجمها؛ فبينما يصل طول بعض السنابل إلى 10م؛ لا يجاوز طول بعضها الآخر 2-3 مم. الأزهار خنثوية، شعاعية التناظر، تتشكل في إبط قنابات ذات ألوان زاهية. الكم متمايز إلى كأس وتويج، السبلات ثلاث حرة إلى ملتحمة ومتراكبة، البتلات ثلاث حرة إلى ملتحمة، تمتلك في أغلب الأحوال لواحق في قاعدتها، وهي متراكبة أيضاً، المَذْكَر ست أسدية ذات خيوط حرة إلى ملتحمة؛ وأحياناً تلتحم قواعدها مع البتلات، المَأْنَث ثلاثي الكرابل الملتحمة، المبيض علوي إلى سفلي ذو مشيمة محورية، الأقلام ثلاثة، البويضات عديدة، وتوجد غدد رحيقية ضمن حواجز المبيض. الثمرة عُليبة (تتفتح حجيرياً) أو عِنبة. البذور مجنحة غالباً، وقد تحمل باقة من الأوبار.
يتم تأبير الأزهار بوساطة أنواع عديدة من الحيوانات مثل الحشرات والطيور؛ ونادراً الخفافيش، وتسهم في بعثرة الثمار العنبية الطيور والثدييات، وتتم بعثرة الأنواع التي تمتلك بذوراً مجنحة أو باقة من الأوبار بوساطة الرياح.
تتباين أحجام أنواع البروميلية على نحو واضح، فأكبرها النوع Puya raimondii الذي يبلغ طول نموه الإعاشي 3-4 م، وطول نورته الزهرية 9-10 م، ولعل أصغرها حجماً النوع Tillandsia usneoides؛ وهو الذي يعرف بالحزاز الإسباني (عدة سنتيمترات).
تبدي بعض أنواع البروميلية تكيفات عديدة للعيش في البيئات الجافة؛ فأوراق بعضها متطاولة ومقعرة، ذات قاعدة متسعة، وتتجمع في أسفل الساق القصيرة؛ لتشكل ما يشبه الصهريج الذي يحتفظ بالما . ويُغطى سطح الأوراق في أنواع أخرى بحراشف ترسية ممتصة للما . تتألف الحرشفة من سويقة مؤلفة من صف واحد من الخلايا الحية ومن خلايا شعاعية تشكل قرص الحرشفة، وعندما تموت الخلايا الشعاعية لدى النضج؛ فإنها تنتبج بالرطوبة، وتسحب خلايا السويقة الما وفق الضغط الحلولي إلى داخل نسج الورقة. كما يسهم في تقليل فقد الما وجود قشيرة ثخينة، إضافة إلى تموضع المسامات في أثلام عميقة.
تضم البروميلية نحو 3100 نوع تندرج في 56 جنساً، وهي إحدى الفصائل الأساسية ضمن رتبة النجيليات Poales، وهي الوحيدة ضمنها التي تتميز بوجود غدد رحيقية حاجزية ومبيض سفلي. أهم أجناسها: الحزاز الإسباني (يضم نحو 450 نوعاً) وبتكيرنيا Pitcairnia (250 نوعاً ) والفَرِيزية Vriesia (200 نوع) والأخمية Aechmea والبويا Puya (ولكل منهما 150 نوعاً).
تقسم الفصيلة إلى 3 فُصيٍلات، هي:
الفُصيلة Pitcairnioideae: وهي أكثر سلالة بدائيةً ضمن الفصيلة، شائعة في المناطق الجافة والأماكن المرتفعة، تعيش على الترب، لها جذور متطورة تتثبت بوساطتها، وتمتص من خلالها الما والعناصر المغذية. تضم هذه الفُصيلة أكثر من 1000 نوع موزعة على 16 جنساً، وأهم صفاتها: أوراق لحمية القوام ومشوكة الحافة تشبه أوراق الآغاف، ومبيض علوي وثمرة عليبة وبذور غير مجنحة.
الفُصيلة Tillandsioideae: تضم 9 أجناس و1277 نوعاً يعيش معظمها حياة فوقية. تتميز بأوراق تامة الحافة وغير مشوكة، ومبيض علوي وثمار علبية، وبذور تحمل باقة من الأوبار، وحراشف ترسية حرة. تتمتع هذه الفُصيلة بصفات مكنتها من التكيف للعيش ضمن ظروف شديدة الجفاف (أنواع جفافية xerophytes)، من أهم أنواعها الحزاز الإسباني.
الفُصيّلة Bromelioideae: وهي أكثر الفُصيلات تنوعاً من حيث عدد الأجناس؛ إذ تتضمن 32 جنساً و861 نوعاً، معظمها يعيش حياة فوقية، وإن كان بعضها تكيف للعيش على التربة. الأوراق مشوكة عادة والثمرة عنبة، ونباتاتها ذات مبيض سفلي. ولعل أهم أجناسها المزروعة نبات الأناناس.
يمتلك العديد من أنواع البروميلية القدرة على اختزان الما ، وهي تبدي في هذا المجال تنوعاً واضحاً، فبعض أنواعها يجمع الما ضمن بنىً تتشكل من أوراقها القاعدية المتداخلة بإحكام؛ يستطيع أحد أنواعها الضخمة مثلاً- وهو ألكانتاريا إمبرياليس Alcantarea imperialis- العيش في القسم العشبي الجبلي من الحصيرة الأطلسية الجنوبية الشرقية للبرازيل، ويحتبس 30 لتراً من الما ، ويمتص بعضها الما من خلال الأوبار الدقيقة التي يمتلكها، وبعضها الآخر ذو بنية عصارية كتلك العصاريات التي تعيش في الصحرا . وكذلك يستطيع الكثير من أنواعها أن يكفل بيئات دقيقة microenvironments بكاملها. وقد اكتشف الباحثون أن أكثر من 900 نمط من الكائنات الحية- يتألف معظمها من الحشرات إضافة إلى ضفادع وسرطانات وديدان وكائنات دقيقة- تعيش في هذه «الصهاريج» الورقية، وبدورها تهيئ هذه المخلوقات الصغيرة في موئلها المائي أسبابَ العيش لحيوانات أخرى، بما في ذلك العديد من الطيور وبعض الرئيسيات Primates كالطمارين tamarin الذهبي المهدد بخطر الانقراض (قرد صغير طويل الذنب ذو أصل جنوب أمريكي). وفي حالات معيّنة، تبدو البروميلية وما تتكفله من كائنات وكأنها قد تطورت بعضها مع بعض. فأحد الضفادع المسمى هايلا فينولوزا Hyla venulosa يلجأ إلى البيات الشتوي طوال الفصل الجاف من السنة في شماليّ البرازيل داخل النبتة البروميلية بيلْبرْجيا زبرينا Billbergia zebrina، فيعيش داخل تجويف النبتة، ويحني رأسه المنبسط العريض بزاوية قائمة على جسمه حابساً بذلك الما داخل هذه النبتة؛ الأمر الذي يوفر له وللنبتة البروميلية مصدراً للتميُّه hydration.
تتمتع البروميلية بأهمية بالغة بسبب توطُّنها العالي المستوى endemism في مناطق انتشارها؛ ولاسيما على طول شواطئ البرازيل، حيث تشكل – إضافة إلى أنواع أخرى- ما يعرف بالحصيرة الأطلسية Mata Atlantica، وقد اختفى العديد من أنواعها منذ قرون من دون أن يترك أي أثر.
تزرع بعض الأنواع لأجل ثمارها مثل الأناناس Ananas، ويزرع بعضها الآخر كنباتات زينة في المنازل لجمال نوراته الملونة، أو أوراقه الفريدة، وغالباً ما تتطلب هذه الأنواع مكاناً منوَّراً- لكن من دون وصول أشعة الشمس مباشرة للنبات - ودرجات حرارة تقارب العشرين درجة مئوية. كما يتطلب النبات أيضاً رش أوراقه برذاذ الما . من أهم هذه النباتات التزيينية التي تزرع في البيوت الزجاجية: الأَخمية Aechmea والبلْبِرْجيَة Billbergia والغُزمانِيَة Guzmania والنِّيدولاريوم Nidularium والفرِيزية Vriesia (الشكل 2).
الشكل (2) نبات الأخمية مع النورة "Variegata" Aechmea chantinii 1 - الحزاز الإسباني Tillandsia usneoides:
ينتشر من الأرجنتين وتشيلي حتى جنوب شرقي الولايات المتحدة؛ متدلياً من فروع الأشجار أو من أسلاك الهاتف أو على أي دعامة هوائية أخرى، وذلك في الأماكن المشمسة أو نصف الظليلة، حيث يستمد الرطوبة والعناصر المغذية من قطرات المطر أو الندى.
يتألف النبات من ساق نحيلة تحمل أوراقاً (مقوسة أو ملتفة على شكل حلقة) يبلغ طولها 2-6 سم وعرضها نحو 1 مم، ويشكل مجموع هذه الحلقات ما يشبه السلسلة، وهذا يساعده على التعلق على الأشجار. يبلغ طول النبات في المتوسط ما بين 1-2 م (قد يصل إلى 5 م)، وله جذور هوائية وأزهار دقيقة لا تلفت الانتباه (الشكل 3). يشبه الشكل العام للنبات الحزازيات أو الطحالب؛ ولذلك يختلط على بعض الناس أمر تعرّفه، فيُظن أنه منهما.
منظر عام فارع مع زهرة الشكل (3) الحزاز الإسباني يتكاثر الحزاز الإسباني بالبذور، أو إعاشياً عبر انفصال أجزا من النبات بتأثير الرياح، ومن ثم تعلق هذه الأجزا على أفرع جديدة، أو تنقلها بعض الطيور للاستفادة منها في صنع أعشاشها. عندما ينمو النبات بغزارة يتباطأ نمو الأشجار المستضيفة؛ لأنه يقلل من كمية الضو الواصلة إليها؛ الأمر الذي يقلل من التركيب الضوئي، كما يزيد من مقاومة الأشجار للرياح مما يضر بالشجرة؛ وقد يسبب اقتلاعها عند هبوب العواصف. يفضل الحزاز الإسباني النمو على أشجار السنديان Quercus virginiana والتاكسوديوم Taxodium distichum. يؤوي النبات عدداً من الكائنات الحية مثل بعض أنواع الحيات والخفافيش والعناكب.
استُعمل الحزاز الإسباني لأغراض متنوعة كعزل الأبنية أو القيام بنشره على التربة لوقاية جذور النباتات، كما استُعمل في صنع حشوات الفرش أو مقاعد السيارات، أو في صنع الألياف والخيوط.
2 - الأناناس Ananas comosus:
نبات مداري متحمل للجفاف مشهور بثماره اللذيذة، والتي هي في واقع الأمر ناتج تطور نورة كاملة، ويُعدّ النبات الأكثرَ أهمية من الناحية الاقتصادية ضمن البروميلية. كلمة أناناس اللاتينية مشتقة من اسم النبات بلغة التوبي (لغة شائعة لدى شعوب منطقة القارة الأمريكية)؛ وتعني الثمرة الفاخرة. وهو عشب معمر طوله 1 - 1,5م، ذو ساق قصيرة وقوية، وأوراق لحمية القوام، رمحية الشكل، طولها 50-180 سم تحمل حافتها أشواكاً حادة. النورة انتهائية طولها نحو 15 سم يعلوها إكليل من الأوراق، تضم 100-200 زهرة أو أكثر يحاط كل منها بقنابة، ولا تعيش إلا يوماً واحداً، تعطي الأزهار ثميرات عنبية مخروطية تنمو في البداية بشكل مفرد، ثم تلتحم وتشكل عند النضج ثمرة الأناناس المعروفة (الشكل 4). تنتظم الثميرات في الثمرة بترتيب حلزوني: ثمانٍ في الاتجاه الأول وثلاث عشرة في الاتجاه الآخر، وهما يمثلان رقمين من سلسلة فيبوناتشي Fibonacci الرياضياتية. يصل طول ثمرة الأناناس حتى نحو 30 سم، وتتألف قشرتها من حراشف سداسية الأضلاع، لونها متباين بحسب الصنف، ولبها عصيري ذو لون مبيض أو مصفر. يزهر النبات خلال 20-24 شهراً من بداية زراعته، ويثمر خلال الأشهر الستة التالية. يتميز الأناناس بالعقم الذاتي، والتأبير- الذي يقوم به طائر الطنان- ضروري لتشكل البذور التي يُعدّ وجودها غير مرغوب؛ لأنه يؤثر سلبياً في نوعية الثمار؛ ولهذا السبب يحظر جلب هذا الطائر في هاواي، حيث يزرع الأناناس على نطاق تجاري.
نورة النبات. منظر عام للنبات المثمر الشكل (4) نبات الأناناس الشائع يتكاثر النبات على نحو أساسي بالخلفات التي يولدها بأعداد كبيرة. لا يتحمل الأناناس درجات الحرارة المنخفضة، وهو يموت عندما يتعرض لدرجة حرارة أدنى من 10 درجات مئوية، يزرع على نطاق واسع في النطاق الملائم لنموه، وأصنافه الزراعية عديدة.
الأناناس غني بالعناصر المعدنية والفيتامينات عندما يُستهلك طازجاً؛ ولاسيما المنغنيز والفيتامين C (ج)، وتحوي سوقه على نحو خاص إنزيم البروميلين bromelain (من زمرة إنزيمات البروتياز proteases المحلمهة للبروتينات)، الذي يستخدم طبياً مضاداً للالتهاب وملئماً ومساعداً على ارتشاف الوذمات؛ كما يستعمل في تسهيل عملية الهضم وفي علاج التهاب الوتر.
يستخدم الأناناس طازجاً أو معلباً أو عصيراً، ويدخل في إعداد العديد من الأطعمة كالحلويات وفي سلطة الفواكه والمربيات والمثلجات، وتستخدم أوراقه مصدراً للألياف النسيجية، وفي صناعات أخرى.
مراجع للاستزادة: - مارتينيلي، نباتات البروميليا في الغابة الأطلسية، مجلة العلوم، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، 2001. - W. S. Judd, Plant Systematics: A Phylogenetic Approach, Sinauer, 2 |
- التصنيف : علم الحياة (البيولوجيا) - النوع : علم الحياة (البيولوجيا) - المجلد : المجلد الخامس مشاركة :